فتح مكة
كان من ضمن معاهدة الحديبية بند يفيد أن من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأن القبيلة التي تنضم إلى أي من الفريقين تعتبر جزء من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له يعتبر عدوانا على ذلك الفريق.
وحسب هذا البند دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكانت بين القبيلتين عداوة في الجاهلية فلما جاء الإسلام ووقعت هذه الهدنة أراد بنو بكر أن يغتنموا الفرصة وأني يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فأغاروا على خزاعة ليلا وأعانت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل.
وما فعلت قريش وحلفاؤها كان غدرا واضحا ونقضا صريحا للميثاق، وأخذ الله العيون فلم يبلغ إلى قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وتهيؤهم للزحف والقتال، ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك السنة الثامنة للهجرة غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحركت كل كتيبة من الجيش الإسلامي على الطريق التي كلفت لدخول مكة منها، فأما خالد وأصحابه فلم يلقهم أحد من المشركين ألا أناموه، وأما سفهاء قريش فلقيهم خالد وأصحابه فناوشوهم شيئا من قتال فأصابوا عددا من المشركين وفروا منهزمين.
وثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى دخل المسجد الحرام فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه ثم طاف بالبيت وحوله وعليه ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بقوس في يده وأمر بالصور فمحيت.
وخطب يومها رسول الله صلى الله عليه وسلم في القريشيين وكان أن أطلقهم، إلا أنه أهدر يومئذ دماء تسعة من أكابر المجرمين وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وحين فتح الله مكة على رسوله الكريم والمسلمين تبين لأهلها الحق وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام فأذعنوا له واجتمعوا للبيعة فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
وكانت هذه الغزوة فاصلة فتحت أعين الناس وأزالت عنها آخر الستور التي كانت تحول بينها وبين الإسلام وبهذا الفتح سيطر المسلمون على الموقف السياسي والديني كليهما معا في طول الجزيرة العربية
تعليق