فوجئنا - منذ فترة- بأحد الذين يتحدثون على شاشات القنوات الفضائية يزعم أن رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف هي :" محاولة فشلت ضمن 25 محاولة أخرى فشلت كلها" !!! اتهمت أذني وقلت لنفسي لعلى لم أسمع جيدا ، أو لعل الرجل لا يقصد ، فإذا به يعيد الكلام بكل جرأة ، وكأنه يتحدث عن رحلة أو محاولة فاشلة لزعيم سياسي - أو شخصية معاصرة- لحشد أنصار أو تحقيق مكاسب دنيوية !!
ولمّا كانت هذه المسألة ما زالت تثير جدلا واسع النطاق في كثير من المواقع على الانترنت ، فقد استعنت بالله تعالى على إيضاح بعض الأمور المتعلقة برحلة الطائف ، وإلقاء الضوء على الدروس المستفادة ، والثمرات المستطابة التي يرزقها الله سبحانه وتعالى - بحوله وفضله وإحسانه- من يشاء من عباده الباحثين في بستان السيرة العطرة.
وقد وفّق الله عبدا فقيرا إلى عفوه وكرمه ورضوانه فاستخرج خمسة عشر درسا وثمرة من هذه الأطايب .ولعل آخرين من أهل العلم والفضل يهتدون إلى أكثر من ذلك بمشيئة الله .
وفيما يلي نعرض هذه الثمار والدروس والحكم البالغة ..
في البداية لابد من الإشارة إلى خطورة الكلام بهذا الأسلوب الذي يتسم يسوء الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم . فالكلام عنه أو عن أحد من إخوته الأنبياء- عليهم السلام أجمعين- ينبغي أن يكون بكل توقير و حرص وهيبة وحذر والتزام بما فرضه الله تعالى علينا من احترام لمقام الأنبياء الرفيع ، وفى إطار ما هو معلوم من الدين بالضرورة من أنهم ليسوا كغيرهم من البشر ، فهم معصومون من كل ما يشين ، تحوطهم رعاية الله تعالى وتوفيقه في كل لحظة . ولا يجوز مطلقا الحكم على نتائج أعمالهم بمقاييس البشر التي تبقى أبدا ساذجة و سطحية وقاصرة.
وأقل ما يمكن أن يقال عن هذا الوصف للرحلة المباركة بأنها : " محاولة فاشلة" أنه نتيجة حتمية لنقص نصيب القائل من العلم بالسيرة العطرة ، فهو يهذى بما لا يدرى!!
ثم من أين جاء برقم 25 هذا ؟! من أين أتى بهذا القول :" فشلت 25 محاولة للرسول"؟!!
هذا الهذيان لم أجد له أثرا إطلاقا في أي مرجع علمي محترم من المراجع الموثوق بها في السيرة العطرة!!!
سبحانك.. هذا باطل نبرأ إليك منه، ومن عمل كل من ينشره، ومن قول كل من يصرّ علي التمسك به. .ولا يقولن أحد أن النصيحة هنا يجب أن تكون سرّية ، فقد بثّت تلك الأباطيل علانية ، و تلّقاها ملايين المشاهدين عبر تلك القناة الفضائية ثم عشرات المواقع على شبكة الانترنت ، فوجب تصحيح هذا علانية أيضا كيلا يفتتن العوام بمثل هذه الجهالات الشنيعة .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
لقد كان من الممكن- جدلا- أن نلتمس بعض العذر لهذا القائل لو أن أحدا لم يؤمن بالرسالة طوال الفترة التي زعم أنها شهدت 25 محاولة فاشلة ، لكن الواقع والتاريخ يثبتان أن عددا كبيرا من خيار الناس كانوا قد أسلموا خلال تلك الفترة من عمر الدعوة .
أين الفشل إذا كان قد دخل في الإسلام- في تلك الفترة- "أبو بكر " وحمزة بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وبلال بن رباح وعمار بن ياسر وصهيب الرومي وخباب بن الأرت ومئات آخرين رضي الله عنهم، ثم عمر بن الخطاب بعدهم ، منهم من كان يجهر باعتناق الحق ، ومنهم من كان يخفى إسلامه تجنبا لبطش المشركين ؟!!
والله إن كل واحد من هذه النجوم الساطعة في سماء البشرية لترجح كفته بالملايين من غيرهم .. كل واحد منهم هو " أمّة "كاملة ولو كان وحده .. وحاشا لله أن تكون قد "فشلت محاولات" من هداهم الله به إلى الحق والفلاح .
لقد لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه - السابقون الأوّلون - رضوان الله عليهم كل ألوان الأذى والبطش والاضطهاد من طواغيت قريش الذين بذلوا أقصى ما في وسعهم للقضاء على الدعوة المباركة بلا جدوى ..
وتلك هي سنّة الله في الذين خلوا من قبل.
ولأن رسالة الإسلام عامة لكل الخلق ، فمن البديهي ألا يقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوة قريش فقط . وهكذا بدأ عليه السلام في التحرك لدعوة المقيمين بمناطق أخرى خارج مكة المكرّمة .
في شوال من السنة العاشرة بعد بدء نزول الوحي [في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م] خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة حوالي ستين ميلًا، مشاها على قدميه الشريفتين ذهابا و إيابا.
ومن المعلوم بالضرورة كذلك أنه قد اتجه إلى الطائف بأمر من الله تعالى ، فهو عليه السلام لا يفعل هذا من تلقاء نفسه .والله سبحانه لا يأمر بشيء إلا لعلمه الأزلي بما فيه من حكم بالغة، سواء علمها الخلق أم جهلوها.
لم يكن معه إلا الله تعالى ثم مولاه زيد بن حارثة. وروى ابن إسحاق أنه بعد وصول النبي عليه الصلاة والسلام إلى الطائف اجتمع بثلاثة من رؤساء ثقيف، هم الإخوة عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي. دعاهم إلى الله وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة [أي يمزقها] إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال الثالث:والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك. فقام عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم: [إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني]. طلب منهم ذلك حتى لا تشمت به قريش ، وتزداد إجراما وبطشا بأصحابه.
وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف عدة أيام..لم يترك أحدًا من أشرافهم إلا دعاه إلى الإسلام ، فتطاولوا عليه وطردوه .، ثم أغروا به سفهاءهم فلاحقوه وهو يخرج من الطائف ، يسبّونه ، ويرمونه بالحجارة، حتى دميت قدماه الشريفتان وسالت على نعليه الدماء. حاول زيد بن حارثة أن يحمي رسوله وحبيبه ومولاه بنفسه حتى أصابوه رضي الله عنه بارتجاج في المخ لكثرة ما تلقاه من ضربات. ولم يزل السفهاء يرمونهما بالأحجار حتى لجأ الرسول وصاحبه إلى حائط – بستان - لعتبة و شيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف، فرجعوا عنهما.
(( هنا لقّننا الحبيب صلى الله عليه وسلم الدرس الخالد الأول ، وهو الثبات على الحق وتحمل كل الأهوال والأذى والمشقات في سبيل الدعوة إلى الله .
كما علّمنا زيد رضي الله عنه–بدوره -درسا ثانيا هو: أن ندافع عن الرسول والرسالة بالنفس والنفيس . ولو لم يكن في الرحلة الخالدة من دروس وعبر إلا هذا لكفى)) .
جلس صلى الله عليه وسلم تحت شجرة عنب وراح يناجى ربه بدعائه الشجي المؤثر الذي تعلّمه منه (( درسا ثالثا))كل مسلم يمرّ بشدّة أو بلاء أو محنة إلى قيام الساعة :
«اللهُمَّ إنِّي أشْكُو إليْكَ ضَعْفَ قَوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وهَوَانِي عَلى النَّاسِ. يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وأنْتَ رَبِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلَى بَعِيدٍ يُتَجَهَّمُنِي أو إلى عَدُوَ مَلَّكْتَه أمْرِي، إن لمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلاَ أُبَالِي، ولكِن عَافِيَتَكَ هي أوْسَعُ لِي. أَعوُذُ بِنُورِ وجْهِكَ الذِي أشْرَقَتْ بِه الظُلُمَاتُ وصَلُحَ عَلَيهِ أمْرُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ من أنْ تُنْزِلَ بي غَضَبَك، أو تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، و لاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ» . (1)
فلما رآه ابنا ربيعة شعرا نحوه بالعطف – لأنهما من أقاربه - فأمرا غلامًا لهما نصرانيًا اسمه عَدَّاس بأن يعطى محمدا قطفًا من العنب . وضع عدّاس العنب بين يدي الحبيب صلى الله عليه وسلم فمد يده إليه قائلًا: (باسم الله ) ثم أكل.
(( نلاحظ هنا درسا رابعا في جواز قبول هدية وضيافة الكافر للمسلم عند الضرورة وجواز أكل طعامه))
سيطرت على عدّاس دهشة بالغة . لقد كان يعلم أن سكان مكة وما حولها مشركون يعبدون الأصنام ، فمن أين لمحمد هذا – ذكر اسم الله تعالى على الطعام -.قال عدّاس للنبي متعجّبا : إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. سأله صلى الله عليه وسلم : (من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟) قال عدّاس : أنا نصراني من أهل نِينَوَى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى).. زادت دهشة وعجب عدّاس فسأل النبي : وما يدريك ما يونس ابن متى؟ أجاب صلى الله عليه وسلم: (ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي). فأكبّ الغلام على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها باكيا .
يتبع الباقى فى الرد القادم
ولمّا كانت هذه المسألة ما زالت تثير جدلا واسع النطاق في كثير من المواقع على الانترنت ، فقد استعنت بالله تعالى على إيضاح بعض الأمور المتعلقة برحلة الطائف ، وإلقاء الضوء على الدروس المستفادة ، والثمرات المستطابة التي يرزقها الله سبحانه وتعالى - بحوله وفضله وإحسانه- من يشاء من عباده الباحثين في بستان السيرة العطرة.
وقد وفّق الله عبدا فقيرا إلى عفوه وكرمه ورضوانه فاستخرج خمسة عشر درسا وثمرة من هذه الأطايب .ولعل آخرين من أهل العلم والفضل يهتدون إلى أكثر من ذلك بمشيئة الله .
وفيما يلي نعرض هذه الثمار والدروس والحكم البالغة ..
في البداية لابد من الإشارة إلى خطورة الكلام بهذا الأسلوب الذي يتسم يسوء الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم . فالكلام عنه أو عن أحد من إخوته الأنبياء- عليهم السلام أجمعين- ينبغي أن يكون بكل توقير و حرص وهيبة وحذر والتزام بما فرضه الله تعالى علينا من احترام لمقام الأنبياء الرفيع ، وفى إطار ما هو معلوم من الدين بالضرورة من أنهم ليسوا كغيرهم من البشر ، فهم معصومون من كل ما يشين ، تحوطهم رعاية الله تعالى وتوفيقه في كل لحظة . ولا يجوز مطلقا الحكم على نتائج أعمالهم بمقاييس البشر التي تبقى أبدا ساذجة و سطحية وقاصرة.
وأقل ما يمكن أن يقال عن هذا الوصف للرحلة المباركة بأنها : " محاولة فاشلة" أنه نتيجة حتمية لنقص نصيب القائل من العلم بالسيرة العطرة ، فهو يهذى بما لا يدرى!!
ثم من أين جاء برقم 25 هذا ؟! من أين أتى بهذا القول :" فشلت 25 محاولة للرسول"؟!!
هذا الهذيان لم أجد له أثرا إطلاقا في أي مرجع علمي محترم من المراجع الموثوق بها في السيرة العطرة!!!
سبحانك.. هذا باطل نبرأ إليك منه، ومن عمل كل من ينشره، ومن قول كل من يصرّ علي التمسك به. .ولا يقولن أحد أن النصيحة هنا يجب أن تكون سرّية ، فقد بثّت تلك الأباطيل علانية ، و تلّقاها ملايين المشاهدين عبر تلك القناة الفضائية ثم عشرات المواقع على شبكة الانترنت ، فوجب تصحيح هذا علانية أيضا كيلا يفتتن العوام بمثل هذه الجهالات الشنيعة .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
لقد كان من الممكن- جدلا- أن نلتمس بعض العذر لهذا القائل لو أن أحدا لم يؤمن بالرسالة طوال الفترة التي زعم أنها شهدت 25 محاولة فاشلة ، لكن الواقع والتاريخ يثبتان أن عددا كبيرا من خيار الناس كانوا قد أسلموا خلال تلك الفترة من عمر الدعوة .
أين الفشل إذا كان قد دخل في الإسلام- في تلك الفترة- "أبو بكر " وحمزة بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وبلال بن رباح وعمار بن ياسر وصهيب الرومي وخباب بن الأرت ومئات آخرين رضي الله عنهم، ثم عمر بن الخطاب بعدهم ، منهم من كان يجهر باعتناق الحق ، ومنهم من كان يخفى إسلامه تجنبا لبطش المشركين ؟!!
والله إن كل واحد من هذه النجوم الساطعة في سماء البشرية لترجح كفته بالملايين من غيرهم .. كل واحد منهم هو " أمّة "كاملة ولو كان وحده .. وحاشا لله أن تكون قد "فشلت محاولات" من هداهم الله به إلى الحق والفلاح .
***
ومن يقرأ ويتأمل - بهدوء وتعقل وبصيرة - تفاصيل رحلته عليه الصلاة و السلام إلى الطائف سوف يجد أنها أثمرت الكثير من الإنجازات والدروس والعبر العظيمة التي لم تكن لتتحقق بدونها ، وبالتالي فقد نجحت نجاحا تاما بكل المقاييس . لقد لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه - السابقون الأوّلون - رضوان الله عليهم كل ألوان الأذى والبطش والاضطهاد من طواغيت قريش الذين بذلوا أقصى ما في وسعهم للقضاء على الدعوة المباركة بلا جدوى ..
وتلك هي سنّة الله في الذين خلوا من قبل.
ولأن رسالة الإسلام عامة لكل الخلق ، فمن البديهي ألا يقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوة قريش فقط . وهكذا بدأ عليه السلام في التحرك لدعوة المقيمين بمناطق أخرى خارج مكة المكرّمة .
في شوال من السنة العاشرة بعد بدء نزول الوحي [في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م] خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة حوالي ستين ميلًا، مشاها على قدميه الشريفتين ذهابا و إيابا.
ومن المعلوم بالضرورة كذلك أنه قد اتجه إلى الطائف بأمر من الله تعالى ، فهو عليه السلام لا يفعل هذا من تلقاء نفسه .والله سبحانه لا يأمر بشيء إلا لعلمه الأزلي بما فيه من حكم بالغة، سواء علمها الخلق أم جهلوها.
لم يكن معه إلا الله تعالى ثم مولاه زيد بن حارثة. وروى ابن إسحاق أنه بعد وصول النبي عليه الصلاة والسلام إلى الطائف اجتمع بثلاثة من رؤساء ثقيف، هم الإخوة عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي. دعاهم إلى الله وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يَمْرُط ثياب الكعبة [أي يمزقها] إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال الثالث:والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك. فقام عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم: [إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني]. طلب منهم ذلك حتى لا تشمت به قريش ، وتزداد إجراما وبطشا بأصحابه.
وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف عدة أيام..لم يترك أحدًا من أشرافهم إلا دعاه إلى الإسلام ، فتطاولوا عليه وطردوه .، ثم أغروا به سفهاءهم فلاحقوه وهو يخرج من الطائف ، يسبّونه ، ويرمونه بالحجارة، حتى دميت قدماه الشريفتان وسالت على نعليه الدماء. حاول زيد بن حارثة أن يحمي رسوله وحبيبه ومولاه بنفسه حتى أصابوه رضي الله عنه بارتجاج في المخ لكثرة ما تلقاه من ضربات. ولم يزل السفهاء يرمونهما بالأحجار حتى لجأ الرسول وصاحبه إلى حائط – بستان - لعتبة و شيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف، فرجعوا عنهما.
(( هنا لقّننا الحبيب صلى الله عليه وسلم الدرس الخالد الأول ، وهو الثبات على الحق وتحمل كل الأهوال والأذى والمشقات في سبيل الدعوة إلى الله .
كما علّمنا زيد رضي الله عنه–بدوره -درسا ثانيا هو: أن ندافع عن الرسول والرسالة بالنفس والنفيس . ولو لم يكن في الرحلة الخالدة من دروس وعبر إلا هذا لكفى)) .
***
جلس صلى الله عليه وسلم تحت شجرة عنب وراح يناجى ربه بدعائه الشجي المؤثر الذي تعلّمه منه (( درسا ثالثا))كل مسلم يمرّ بشدّة أو بلاء أو محنة إلى قيام الساعة :
«اللهُمَّ إنِّي أشْكُو إليْكَ ضَعْفَ قَوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وهَوَانِي عَلى النَّاسِ. يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أنْتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وأنْتَ رَبِّي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلَى بَعِيدٍ يُتَجَهَّمُنِي أو إلى عَدُوَ مَلَّكْتَه أمْرِي، إن لمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلاَ أُبَالِي، ولكِن عَافِيَتَكَ هي أوْسَعُ لِي. أَعوُذُ بِنُورِ وجْهِكَ الذِي أشْرَقَتْ بِه الظُلُمَاتُ وصَلُحَ عَلَيهِ أمْرُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ من أنْ تُنْزِلَ بي غَضَبَك، أو تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، و لاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ» . (1)
فلما رآه ابنا ربيعة شعرا نحوه بالعطف – لأنهما من أقاربه - فأمرا غلامًا لهما نصرانيًا اسمه عَدَّاس بأن يعطى محمدا قطفًا من العنب . وضع عدّاس العنب بين يدي الحبيب صلى الله عليه وسلم فمد يده إليه قائلًا: (باسم الله ) ثم أكل.
(( نلاحظ هنا درسا رابعا في جواز قبول هدية وضيافة الكافر للمسلم عند الضرورة وجواز أكل طعامه))
سيطرت على عدّاس دهشة بالغة . لقد كان يعلم أن سكان مكة وما حولها مشركون يعبدون الأصنام ، فمن أين لمحمد هذا – ذكر اسم الله تعالى على الطعام -.قال عدّاس للنبي متعجّبا : إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. سأله صلى الله عليه وسلم : (من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟) قال عدّاس : أنا نصراني من أهل نِينَوَى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى).. زادت دهشة وعجب عدّاس فسأل النبي : وما يدريك ما يونس ابن متى؟ أجاب صلى الله عليه وسلم: (ذاك أخي، كان نبيًا وأنا نبي). فأكبّ الغلام على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها باكيا .
يتبع الباقى فى الرد القادم
تعليق