إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد شهد شهر ربيع الأول أحداثًا مهمة في هذه الأمة، وشغلت هذه الأحداث محلًا كبيرًا من الاهتمام، بل وجانبًا كبيرًا من الاختلاف، إنَّ أبرز أحداث السيرة النبوية التي وقعت في هذا الشهر هي: مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووفاته، وهذه الأحداث جميعها مهمة في حياة المسلمين بل في حياة الثقلين.
وفي هذا الشهر، ابتلي فيه بعضُ المسلمين ببدعة دخيلة على دينهم، فيجعلون حدث المولد النبوي احتفالًا، وله طقوسه، مخالفين بذلك الكتاب والسُّنَّة، وهدي السَّلف الصالح في هذه المسألة، حتى إنَّ بعض هؤلاء يجعلون ميلاد النَّبي صلى الله عليه وسلم أهمَّ حدث في السيرة؛ بل في الوجود كله.
والحدث الأهم من ولادته هو هجرته صلى الله عليه وسلم التي غيرت بفضل الله وربت المجتمع المسلم والدولة المسلمة التي استمرت قرونًا طويلة، وقدمت للإنسانية حضارة فريدة على مرّ الزمن، ولأهمية هذا الحدث أرَّخ به عمر بن الخطاب رضي الله عنه والمسلمون بعده التاريخ الإسلامي، كما روى ابن أبي شيبة عن الشعبي أنَّ أبا موسى رضي الله عنه كتب إلى عمر رضي الله عنه: إنّه يأتينا منك كُتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر رضي الله عنه النَّاس، فقال بعضهم: أرِّخ بالمبعث، وبعضهم: أرِّخ بالهجرة، فقال عمر: «الهجرة فرّقت بين الحقّ والباطل فأرّخوا بها»( المصنف (7/26).).
ومن الأحداث المهمة في هذا الشهر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هو وفاته عليه الصلاة والسلام، لأنَّ وفاته صلى الله عليه وسلم ليست كوفاة سائر النَّاس، ولا كسائر الأنبياء؛ إذ بموته صلى الله عليه وسلم انقطعت النبوات، وانقطع خبر السماء ووحي الله عن الأرض.
وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظم هذه المصيبة التي حلّت بالمسلمين فقال: «يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدّ عليه من مصيبتي»(2)، قال السندي: «فليتعزّ» أي ويخفِّف على نفسه مؤونة تلك المصيبة بتذكر هذه المصيبة العظيمة، إذ الصّغيرة تضمحلّ في جنب الكبيرة فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أنْ يبالي بالصّغيرة»(3).
(2) ابن ماجة (1599)، وهو صحيح، انظر: السلسلة الصحيحة، رقم (1106).
(3) حاشية السندي على ابن ماجة (1599).
وحرصًا على التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من خلال النصيحة والتوجيه والإرشاد أُذكِّر بحديث تميم الدَّاري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّين النَّصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولائمة المسلمين وعامتهم»(رواه مسلم في صحيحه برقم (55).).
فانطلاقًا من هذا الحديث جمعت هذه الرسالة اللَّطيفة عن شهر ربيع الأول، سائلًا المولى عز وجل أن ينفع بها، وأنْ يجعلها ابتغاء وجهه الكريم خالصة وصوابًا؟ أي على ما جاء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وتدور هذه الرسالة حول بعض النقاط وهي:
*معنى ربيع الأول وسبب تسميته بهذا الاسم
*أهم الأحداث التي وقعت في ربيع الأول
أولاً: ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم
ثانيًا: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
ثالثًا: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
تعليق