عن أبي هريرة رضي الله عنه في آخر أهل الجنة دخولا - قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
"وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ؛ فَيَقُولُ:
"يَا رَبِّ! قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ"،
فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ؛ فَيَقُولُ:
((لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟))
فَيَقُولُ: "لاَ، وَعِزَّتِك!َ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ".
فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ:
"يَا رَبِّ! قَرِّبْنِي إِلَى باب الْجَنَّةِ".
فَيَقُولُ الله عز و جل: ((أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلْنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ؛ ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ!))
فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو.
فَيَقُول الله عز و جلُ:((لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ؛ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟))
"فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ! لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ".
فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ؛ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى باب الْجَنَّةِ.
فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا؛ سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ:
"رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ".
ثُمَّ يَقُولُ: ((أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَك:َ يَا ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ!)).
فَيَقُولُ: "يَا رَبِّ! لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِك"َ.
فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو؛ حَتَّى يَضْحَكَ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ؛ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا،
فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا؛ قِيل:َ تَمَنَّ مِنْ كَذَا. فَيَتَمَنَّى.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا. فَيَتَمَنَّى؛ حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ؛ فَيَقُولُ لَهُ:
((هَذَا لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ)).
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً."
متفقٌ عليه؛ واللفظُ للإمام البخاري: (6573)
قال الحافظُ ابن رجب الحنبلي ما حاصله:
وَنُهِيَ العبد أَنْ يَسْتَعْجِلَ، وَيَتْرُكَ الدُّعَاءَ؛ لِاسْتِبْطَاءِ الْإِجَابَةِ،وَجَعَلَ الشرع ذَلِكَ - أي الاستعجال واستبطاء الإجابة - مِنْ مَوَانِعِ الْإِجَابَةِ؛ حَتَّى لَا يَقْطَعَ الْعَبْدُ رَجَاءَهُ مِنْ إِجَابَةِ دُعَائِهِ؛ وَلَوْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ..
فَمَا دَامَ الْعَبْدُ يُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ، وَيَطْمَعُ فِي الْإِجَابَةِ مِنْ غَيْرِ قِطْعِ الرَّجَاءِ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْإِجَابَةِ، وَمَنْ أَدْمَنَ قَرَعَ الْبَابَ، يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ.
تأملوا كيف تكرر هذا الفعل من هذا الرجل: "فلا يزال يدعو" .. "فلا يزال يدعو"، ولم ينقطع رجاؤه في الله ولا دعاؤه؛ والله يستجيب له في كل مرة بعد ذلكَ الإلحاح في الدعاء؛ حتى ضحك الله منه فأدخله الجنة!! __________________
نمشي إلى الغاية الكبرى على ثقة عزم حديد و نهج غير منبهم
و أنفس قد شراها الله صادقة أقوى من الموت و التشريد و الألم
تعليق