إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جنوده

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جنوده




    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
    أما بعد:
    الشخصيَّة القياديَّة فطرةٌ حَبَا اللهُ بها أشخاصًا معيَّنِين، فكانوا قادة أفذاذًا، وعلى رأس هؤلاء القادة الأفذاذ يأتي أنبياء الله، الذين قادوا الأمم والشعوب إلى طاعة الله ، وقد تناول القرآن قصصهم مع شعوبهم؛ لتكون نموذجًا ومثالاً يحتذي به كل قائد؛ لذلك قال تعالى:
    {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، ثم سار النبي
    صلى الله عليه وسلم على خُطا هؤلاء الأنبياء، فكان أعظمَ قائدٍ عرفته البشريَّة. رسول الله القائد
    وإذا نظرنا إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجده قائدًا محنَّكًا -في كل أمور الحياة؛ إداريَّة، واجتماعيَّة، واقتصاديَّة، وسياسيَّة، وعسكريَّة- يعرف جيِّدًا قيمة جنوده وقدراتهم، فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والمثل في ذلك فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لزعماء قريش عندما عرضوا عليه الدنيا: "مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولاً، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لأَمْرِ اللهِ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ"[1]. على غرس المبادئ الإسلاميَّة الراسخة في قلوبهم، فكان أوَّلها -وأهمُّها كذلك- غرس الثقة في الهدف الذي يعملون من أجله؛ وهو إخراج العِبَاد من عبادة العِبَاد إلى عبادة الله وحده؛ وكان رسول الله
    فالهدف واضح في ذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثقته كبيرة بنصر الله له، رغم التكذيب والعناد الذي يلاقيه.


    ثم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل ثقته إلى أتباعه فيقول لخبَّاب بن الأرتِّ بعدما اشتكى من قسوة تعذيب قريش له: "... وَاللهِ! لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"[2].


    ثم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع كل رجل مناسب في مكانه المناسب فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف جيِّدًا قدرات رجاله، فهم -في نظره- العناصر الرئيسة التي يعتمد عليها القائد، ومعرفتُه بهم تصنع بينهم وبينه انسجامًا متبادَلاً، وتدفعهم لتقديم الجهود؛ بل والإبداع في عملهم، فلننظر إلى سيرته صلى الله عليه وسلم سنجدها خيرَ شاهدٍ على ذلك، ففي غزوة بدر يُشير الحُباب بن المنذر -وهو الخبير بالأمور العسكريَّة- على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزلٍ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغوِّر ما وراءه من القُلُب[3]، ثم تبني عليه حوضًا فنملؤه ماءً، فنشرب ولا يشربون. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ"[4].



    ونجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف بوضوح إمكانات كل صاحب له صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يتردَّد في وصف كل واحد منهم بوصف يوضِّح تفوُّقه على أقرانه في مجال معيَّن، فأبو بكر أرحم الأُمَّة، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان أصدقهم حياءً، وعلي بن أبي طالب أقضى الصحابة، وجعفر بن أبي طالب أخير الناس للمسكين، وخالد بن الوليد سيف من سيوف الله، ومعاذ بن جبل أعلمهم بالحلال والحرام، وزيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض، وأُبَيّ بن كعب أقرأ الأُمَّة، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله[5]. الفاروق،



    رسول الله القائد العسكري
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدًا فذًّا في كل مجال من مجالات الحياة، ومن أبرز هذه المجالات المجال العسكري، وما حدث في غزوة بدر خير شاهد على هذه العبقرية في القيادة، فقَبْل المعركة بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في تنظيم صفوف جنوده؛ ليكونوا على استعداد تامٍّ في مواجهة مشركي قريش، ولمَّا ابتدأت المعركة بالمبارزة، اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من جنده الأشدَّاء في مواجهة خصومهم، وقد كان اختياره موفَّقًا لأبعد حدٍّ؛ لِعِلْمِه -وهو القائد- بحقيقة جنده وحالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُمْ يَا عُبَيْدَة بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيُّ". فقَتَل اللهُ عتبةَ وشيبةَ ابني ربيعة، والوليدَ بن عتبة، وجُرِحَ عبيدةُ، فسبَّب ذلك هزيمة نفسيَّة للمشركين قبل لقائهم الفعلي مع المسلمين، فقتل المسلمون منهم سبعين، وأسروا سبعين آخرين[6].



    رسول الله القائد المبدع
    كما غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أيضًا مبدأ (المبادرة والإبداع)، وتظهر هذه الصفة جليَّة واضحة في الأمور التي تحتاج إلى قرار سريع حاسم، ونظر ثاقب، وقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والمثل في ذلك، فلننظر إلى صلحه صلى الله عليه وسلم مع مشركي قريش في الحديبية، فهو يدلُّ -ولا شكَّ- على حُنْكَة وحسن سياسة من الرسول القائد؛ إذ كانت من النتائج المترتِّبة على هذا الصلح أن اعْتُبِر المسلمون في درجة مساوية لقريش، وهو أوَّل اعتراف بالدولة الإسلاميَّة من أشدِّ أعدائها وأقواهم في الجزيرة العربية، بل وأدَّى أيضًا إلى محالفة مجموعة من القبائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أدَّى كذلك إلى الاستقرار الأمني الذي أعان المسلمين على نشر دعوتهم ودينهم في القبائل والقرى المجاورة؛ فكان هذا الصلح دليلاً على عمق نظرته صلى الله عليه وسلم[7].
    ولننظر إلى إبداع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطِّط للهجرة؛ بداية من اختياره للرفيق وهو خير أصحابه أبو بكر الصديق ، ثم للطريق الذي يسلكه؛ حيث اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقًا غير معهود لقريش، وهو طريق السواحل، وكذلك مكثه في غارٍ بجبل ثور ثلاث ليالٍ؛ حتى تهدأ الأمور، ثم اختيار عبد الله بن أُرَيْقِط المشرك دليلاً، وإرساله عبد الله بن أبي بكر ليأتي بخبر قريش، وانتهاءً برعي عامر بن فهيرة للغنم حول الغار حتى يوفِّر الأمان، ثم تتجلَّى عظمته القيادية في توكُّله بعد ذلك على الله، واطمئنانه إلى معيَّته[8]، فيقول لأبي بكر: "مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟"[9].



    رسول الله القائد القدوة
    ولم يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرس هذه القيم والمبادئ بالكلمات الجوفاء والأحاديث الرنَّانة، ولكنه كان قدوة ومثلاً في كل شيء، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثِّر في الآخرين بأقواله وأفعاله في تواضعه وحلمه، ورحمته وصبره.. ففي غزوة الأحزاب نجده صلى الله عليه وسلم يرفع معنويَّات جنوده، ويُدخل السرور عليهم عندما يشاركهم بنفسه صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق، وهو يرتجز بكلمات ابن رواحة صلى الله عليه وسلم للتراب، وقد وارى التُّراب بياض بطنه صلى الله عليه وسلم[10]. أثناء نقله
    فكان لهذا التبسُّط والمرح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثره في التخفيف عن الصحابة ممَّا يعانونه أثناء هذه الغزوة، كما كان له أثره في بعث الهمَّة والنشاط، وإنجاز المهمَّة قبل وصول عدوِّهم، فكان بذلك خير قائد صلى الله عليه وسلم.



    رسول الله القائد الحازم العادل

    غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه مبدأ الحزم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم القمَّة في هذه الصفة أيضًا؛ فلننظر إلى حزمه عندما نادى في صحابته بعد انتهاء غزوة الأحزاب: "أَنْ لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"[11]. فكان قرارًا حازمًا من القائد صلى الله عليه وسلم لجنوده، فخرج الجميع لمواجهة مَنْ خان العهد وتعاون مع الأعداء.
    أمَّا عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنوده فقد ضرب فيه صلى الله عليه وسلم المثل الذي لا يُضَاهَى؛ ففي غزوة بدر كان رسول الله ينظِّم صفوف أصحابه وفي يده قدح يعدل به القوم، فمرَّ بسواد بن غزيَّة[12] وهو مُسْتَنْتِل[13] من الصفِّ، فطعنه في بطنه بالقدح، وقال: "اسْتَوِ يَا سَوَادُ". فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالحقِّ والعدل. وقال: فأَقِدْنِي[14]. فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه. وقال: "اسْتَقِدْ"[15]. فاعتنقه فقبَّل بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَادُ؟" قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخرُ العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير[16].

    هكذا كانت تعاملات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنوده، فكان بحقٍّ قائدًا إنسانًا في كل موقف من مواقف حياته، وفي كل غزوة من غزواته. فكانت تعاملاته هذه سمة قياديَّة جديدة تستمدُّ عونها وتوفيقها من الله؛ حتى يتأسَّى بها مَنْ يأتي بعده من القادة إلى يوم الدين.



    الحاشية:

    [1] البخاري: خلق أفعال العباد ص186 حديث رقم (408)، وابن كثير: السيرة النبوية 1/479.
    [2] البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (3416)، وأبو داود (2649)، وأحمد (21095).
    [3] القُلُب: جمع قليب، وهو البئر، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قلب 1/685.
    [4] ابن هشام: السيرة النبوية 1/620، وابن كثير: السيرة النبوية 2/402، والسهيلي: الروض الأنف 3/62، والطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/29.
    [5] البخاري: مناقب الصحابة ، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، والترمذي: المناقب، وابن ماجه (154)، وأحمد (12927).
    [6] ابن كثير: السيرة النبوية 2/423، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/371، والطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/22.
    [7] محمود شيت خطاب: الرسول القائد ص288.
    [8] السهيلي: الروض الأنف 2/315، وابن كثير: البداية والنهاية 3/179-182، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/45.
    [9] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة براءة (4386)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي بكر الصديق (2381).
    [10] ابن هشام: السيرة النبوية 1/495، وابن كثير: السيرة النبوية 2/306، والسهيلي: الروض الأنف 2/336.
    [11] البخاري: أبواب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء (904) واللفظ له، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهمِّ الأمرين
    المتعارضين (1770)، وابن حبان (1484).
    [12] هو سواد بن غزية الأنصاري: شهد بدرًا والمشاهد بعدها، وهو الذي أسر خالد بن هشام المخزومي يوم بدر، وكان عامل رسول الله على خيبر. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 2/561، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/673.
    [13] اسْتَنْتَل: تقدَّم. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نتل 11/644.
    [14] أقدني: أي مكِّنِّي من القصاص لنفسي، والقَوَدُ: القصاص. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قود 3/370.
    [15] استقد: أي اقتصَّ منِّي. انظر المرجع السابق.
    [16] ابن هشام: السيرة النبوية 1/626، وابن كثير: السيرة النبوية 2/410، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 6/453. وقال الألباني: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى. انظر: السلسلة الصحيحة (2835).


    د. راغب السرجاني
    موقع قصة الإسلام




    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 03-03-2015, 12:06 AM.


  • #2
    رد: تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جنوده

    جزاكم الله خيرا

    ونفع الله بكم

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ


    تعليق

    يعمل...
    X