أخلاق أعظم إنسان
المصدر: موقع صيد الفوائد.
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقًا وأكرمهم وأتقاهم، وقد شهد له بذلك ربه -جل وعلا- وكفى بها فضلاً؛ قال تعالى مادحًا وواصفًا خُلق نبيه الكريم : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
يقول خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان النبي أحسن الناس خلقًا"[1]. وتقول زوجه صفية بنت حيي رضي الله عنها: "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم"[2]، وقالت عائشة لما سئلت -رضي الله عنها- عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: "كان خلقه القرآن"[3].
فهذه الكلمة العظيمة من عائشة -رضي الله عنها- ترشدنا إلى أن أخلاقه هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها، والبعد عن كل خلق ذمه القرآن.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: ومعنى هذا أنه صار امتثال القرآن أمرًا ونهيًا سجيةً له وخلقًا ... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل. اهـ-.
وقد جاءت صفاته وخصاله الكريمة صلى الله عليه وسلم في كتب أهل الكتاب نفسها قبل تحريفها؛ فعن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا"[4].
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله
كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، حيث قال : "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"[5].
وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم، وكان من شأنه أن يرقّق اسم عائشة -رضي الله عنها- كأن يقول لها: "يا عائش"، ويقول لها:"يا حميراء"، ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: "يا ابنة الصديق"، وما ذلك إلا توددًا وتقربًا وتلطفًا إليها، واحترامًا وتقديرًا لأهلها.
وكان صلى الله عليه وسلم يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: "دعي لي"، وتقول له: دع لي[6].
وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويت شيئًا لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقًا -وهو العَظْمُ الذي عليه لحم- أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضًا، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.
عن الأسود قال:سألت عائشة ما كان النبي يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة"[7].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم"[8].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجت مع رسول الله في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: "تقدموا". فتقدموا، ثم قال لي: "تعالي حتى أسابقك". فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: "تقدموا". فتقدموا، ثم قال لي: " تعالي حتى أسابقك". فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: "هذه بتلك"[9].
بل إنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية -رضي الله عنها- رجلها حتى تركب على بعيرها[10].
ومن دلائل شدة احترامه وحبه ووفائه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة -رضي الله عنها- بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه[11].
عدل النبي صلى الله عليه وسلم
كان عدله صلى الله عليه وسلم وإقامته شرع الله تعالى مع القريب والبعيد، والعدو والصديق، والمؤمن والكافر، مضرب المثل؛ كيف لا وهو رسوله ، والمبلغ عن ربه ومولاه؟!!
فكان صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة، كما كانت عائشة -رضي الله عنها- غيورة؛ فعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله وأصحابه، فجاءت عائشة... ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وهو يقول: "كلوا، غارت أُمكم" مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة[12].
وقال في قصة المرأة المخزومية التي سرقت: "والذي نفسي بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها".
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال والصبيان
عن أنس رضي الله عنه قال: كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم[13]. وكان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة؛ مخافة أن تفتتن أمه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران، فنزل النبي من المنبر فحملهما حتى وضعهما بين يديه ثم قال: "صدق الله ورسوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما".
وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامه وكان يحمل ابنة ابنته أمامة بنت زينب بنت محمد وهو يصلي بالناس، وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه.
أخلاق النبي مع الخدم والضعفاء والمساكين
عن أنس رضي الله عنه قال: "خدمت النبي عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا"[14].
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله"[15].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما خير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم".
وعن ابن أبي أوفى أن رسول الله كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته[16].
تعليق