جنود الله في غزوة بدر
للدكتور/ راغب السرجاني
موقع قصة الإسلام
النصر من عند الله
تحقق النصر يوم بدر بفضل من الله ، يقول تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ
وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].
فهذا أسلوب قصر يوضح أن النصر لا يكون إلا من عند الله، فالنصر يكون عن طريق الله ،
وهو لا ينزل إلا على عباد الله المؤمنين، فالنصر ربما يأتي من حيث لا يتوقع المسلمون، وأحيانًا يأتي النصر من حيث يكره المسلمون،
وقد يأتي النصر بطريقة تثبت أن النصر من عند الله ، وفلسفة النصر في الإسلام تؤكد أنه من عند الله ،
قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [الأنفال: 10].
فما هي جنود الرحمن التي شاركت في تحقيق النصر؟
يقول تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدَّثِّر: 31].
الملائكة
نزلت الملائكة تقاتل مع عباد الله المؤمنين، وثبَّتت الذين آمنوا، يقول تعالى عن يوم حُنين: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 26].
وقال تعالى عن يوم الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9].
ويقول تعالى عن يوم بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
أيْ: متتابعين يردف بعضهم بعضًا، أو عونًا لكم. يقول الربيع بن أنس -وهو من التابعين-:
"أمدَّ الله المؤمنين بألفٍ، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف"[1].
يقول تعالى في سورة آل عمران يصف موقعة بدر: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آَلاَفٍ
مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ
الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 124، 125]. و"مسوِّمين" أي: مُعلَّمين بعلامات.
*::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*
وهذا عدد كبير من الملائكة، وكان يكفي مَلَك واحد، فلماذا كل هذا العدد؟
إن نزول هذا العدد الكبير لأجل إدخال السرور والفرح على المؤمنين، يقول تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آَلاَفٍ
مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ}
[آل عمران: 123- 125].
فقد كان ملك واحد يكفي، ولكن هذا العدد الكبير كان لإدخال السرور والبِشْر والفرح على قلوب المؤمنين،
يقول تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} [الأنفال: 10].
والملائكة خلقٌ عجيب {لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التَّحريم: 6].
وهم قوة خارقة جبَّارة، فقد رفع جبريل قرية لوط إلى السماء حتى إن أهل السماء قد سمعوا نباح الكلاب،
ثم قَلَبَها على طرف جناحه. والملائكة التي اشتركت في يوم بدر هم مجموعة منتقاة، فهم مجموعة من أفضل الملائكة،
روى البخاري عن رفاعة بن رافع قال: جاء جبريل إلى النبي فقال: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قال: "مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ"،
أو كلمة نحوها. قال: "وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ".
وهذا رسول الله يصف للصحابة نزول الملائكة من السماء تقاتل مع المسلمين؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما،
أن النبي قال يوم بدر: "هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ"[2].
فجبريل بنفسه نزل يشارك في الموقعة، وأتى وهو يمسك بلجام فرسه، والتراب يتصاعد من حول الفرس،
ومن ورائه ألف من الملائكة ترفع سيوفها وعليها عدة الحرب، فهل يخاف المسلمون وهم يرون
هذا المدد الكبير من الملائكة؟! وكما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ
إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].
والصحابة سمعوا عن الملائكة من الرسول ، بل إن منهم من سمع الملائكة بنفسه، أو رآه رأي العين؛
روى مسلم عن ابن عباس: بينا رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه
وصوت الفارس يقول: أقدم حَيْزُوم. إذ نظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيًا. قال: فنظر إليه فإذا هو قد حُطِم وشُقَّ وجهه
كضربة السوط، فاخضرَّ ذلك أجمعُ. فجاء الأنصاري فحدَّث ذلك رسول الله ، قال: "صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَة"[3].
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يعلّمون ضربات الملائكة يوم بدر بأنها تترك أثرًا لونه أخضر على جسد الكافرين.
وروى الإمام أحمد عن أبي داود المازني -وكان شهد بدرًا- قال: "إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصلَ إليه سيفي، فعرفتُ أنه قد قتله غيري"[4].
ويروي أحمد عن علي بن أبي طالب : جاء رجل من الأنصار قصيرٌ بالعباس بن عبد المطلب
أسيرًا، فقال العباس: يا رسول الله، إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح
من أحسن الناس وجهًا على فرس أبلق
(بين السواد والبياض)، ما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله. فقال: "اسْكُتْ؛ فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَلَكٍ كَرِيمٍ"[5].
والعباس خرج يوم بدر مستكرهًا مع المشركين، وكان لا يريد القتال، وكان لا يزال على دين الآباء،
وكان فارسًا قويًّا جَلَدًا، ومع ذلك يأسره هذا الصحابي القصير، كما يقول علي بن أبي طالب .
الرعب
كان الرعب أحد جنود الرحمن في يوم بدر، وكان الرعب سببًا من أسباب النصر؛
روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : "نُصِرْتُ بِالرُّعَبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ"[6].
وفي رواية أحمد: "وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ"[7].
فقبْل أن يصل رسول الله إلى العدوِّ بمسيرة شهر يدخل في قلوبهم الرعب، فالرعب يدخل في قلوب كل الناس،
ولكن العجيب أن يدخل في قلب القويّ فيخاف من الضعيف، وأن يدخل الرعب في قلب الكثير فيخاف من القليل،
أو يدخل الرعب في قلب المدجج بالسلاح فيخاف من الأعزل، وإننا نرى طفلاً صغيرًا يحمل حجرًا، ويهدد به
جنديًّا مدججًا بالسلاح، فيخاف أن يخرج من عربته المصفَّحة.
قال تعالى عن جيش المشركين في يوم بدر في سورة الأنفال: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12].
فقد كان جيش الكافرين ثلاثة أضعاف المسلمين يوم بدر، ولكن الله ألقى الرعب في قلوب الكافرين،
وقد رأينا الصواريخ وهي تضرب رجلاً أعزلَ قعيدًا على كرسيّ متحرّك، ونرى فرقة عسكرية كبيرة تهاجم رجلاً أعزلَ
في منزله، ويجب ألا نتعجب من ذلك؛ لأن الله ملأ قلوبهم بالرعب.
الطمأنينة
ألقى الله الطمأنينة والأمان الذي يصل إلى حدِّ النعاس في قلوب المؤمنين، والقلوب بين إصبعين
من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، يقول تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ
بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: 11].
فالله كما أنزل الرعب في قلوب الكافرين، أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين.
المطر
أحد جنود الرحمن في يوم بدر، فالله قد أنزل المطر على المؤمنين هيّنًا لطيفًا على منطقة، وأنزله وابلاً شديدًا
في صورة سيل في منطقة أخرى، حتى يتطهر المسلمون، وتدخل الطمأنينة في قلوبهم، كما يقول تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: 11].
فأطفأ الله بالمطر الغبار، وتلبدت به الأرض، وطابت نفوسهم، وثُبِّتت به أقدامهم؛ يقول تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ
مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشُّورى: 28].
فالمطر كان رحمةً بالنسبة للمسلمين، وبالاً على الكافرين. سبحان الله!
التقليل والتكثير في الأعداد
فالله جعل المسلمين يرون الكافرين قلة، وكذلك رأى المشركون المسلمين قلة، وكان هذا لحكمة
يعلمها الله حتى تقع الحرب بين الطرفين؛ لأن الله يدبِّر مكيدة للكافرين، حتى يطمعوا في إنشاب القتال،
فيشربوا كئوس المنايا مكان الخمر، ويسمعوا صليل السيوف مكان القيان،
يقول تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: 43].
فقد رأى النبي المشركين قلة في منامه، وكان هذا لإدخال السرور على قلب رسوله .
ورأى المسلمون المشركين قلة في أعينهم، كما رأى المشركون المسلمين قلة في أعينهم، وكان هذا لحكمة يريدها الله من إنشاب القتال بين الفريقين، يقول تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [الأنفال: 44].
وقال عبد الله بن مسعود : قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أظنهم مائة[8].
فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرون المشركين لا يتجاوزون المائة، وكذلك رأى المشركون المسلمين عددًا قليلاً
لا يتجاوز المائة، يقول تعالى في سورة الأنفال: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ
اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [الأنفال: 44].
وكان أبو جهل يقول عن عدد المسلمين: إنما هم أكلة جزور[9]. أي أن المسلمين لا يتجاوزون المائة أو أقل.
ويقول تعالى في سورة آل عمران: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ
رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].
فكل فريق كان يرى الفريق الآخر أقل مما هو عليه، وبعد بدء المعركة دخل في روع المشركين أن المسلمين
ضعف المشركين، أي يصل عددهم إلى ألفين، سبحان الله! يقول تعالى عن ذلك: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ
وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].
رأى المشركون جيش الإيمان يصل إلى ألفين، ويرونهم رأي العين.
ومع أن المخابرات الإسلامية قد حددت عدد المشركين بين التسعمائة والألف، إلا أن المسلمين رأوهم قلة لا يتجاوزون المائة.
وفي هذا عِبْرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الفُرقة في صفِّ المشركين
لا شك أن فرقة الكافرين تضعف صفهم، وتشتت شملهم، وأحيانًا يسعى المسلمون لإحداث هذه الفُرقة
لتوهين قوة المشركين، كما حدث في غزوة الأحزاب، وتفريق نُعَيْم بن مسعود لجموعهم بحيلة ذكية دبرها،
وأحيانًا تحدث الفرقة دون تدخل المسلمين في ذلك، فيبعث الله جنديًّا من جنوده لتفريق جموع الكافرين.
وبالفعل حدثت الفرقة في صفوف المشركين، فحدث نزاع وصراع بين قادة المشركين،
وتبادل السباب والاتهامات، وانقسام الصف، وكلٌّ منهم يسعى لمصلحةٍ خاصة، وكل هذا حدث في أرض القتال؛
فكان له أثرٌ سيِّئٌ على جيش الكافرين، ورأينا انسحاب الأخنس بن شُرَيْق من ميدان المعركة بثلاثمائة من المشركين
قبل بداية المعركة، فعندما يوجد الجيش المسلم الذي تتحقق فيه صفات الجيش المنصور،
فسوف يُحْدِث الله الفُرقة بين المشركين، ويكتب للمسلمين الغلبة على الكافرين.
البركة
والبركة هي تضخيم النتيجة للفعل البسيط حتى تصبحَ النتيجة هائلة.
وعلى سبيل المثال: الحجارة التي رماها رسول الله في وجه الكافرين يوم بدر، وقال: "شاهت الوجوه".
فقد أخذ رسول الله يوم بدر ثلاث حصيات، فرمى بحصاة في ميمنة القوم،
وبحصاة في ميسرة القوم، وبحصاة بين أظهرهم وقال: "شاهت الوجوه"؛ فانهزموا،
فذلك قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 17].
إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفًّا من الحصى إلى وجوه جيش، فلا يبقى فيهم عين
إلا ويصيبها منه شيء، ففعل الرمي هذا لا يؤدي إلى النتيجة الضخمة التي أحدثها؛
ولذلك قال الله : {وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال: 17]. أي أن من أخذ الحصى إلى مرماه الحقيقي هو الله عزَّ وجلَّ.
يتبع بإذن الله
تعليق