تحريم الظلم ورد المظالم
فضيلة الشيخ : أحمد حطيبة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
لقد حرم الله عز وجل الظلم على نفسه وجعله محرمًا بين عباده، فالظلم ظلمات يوم القيامة، يؤخذ من حسنات الظلم فتعطى للمظلومين، حتى إذا فنيت حسناته اخذ من سيئاتهم وطرحت عليه فطرح في النار والعياذ بالله، لذا كان من صفات المسلم أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، فعلى المسلم أن يتحلل من المظلم في الدنيا كي ينجو في الآخرة.
إن شاء الله سيدور موضوعنا هذا حول هذه النقاط :
1- وجوب التحلل من المظلم في الدنيا.
2- حقيقة المفلس عند الله عز وجل .
3- المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
4- حرمة حقوق المسلمن.
5- خاتمة.
1- وجوب التحلل من المظلم في الدنيا :
الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري .
لا بد أن يتدارك نفسه فالدنيا تمر وتزول، ويوم القيامة يوم العدل والحساب، الذي لا يؤدي الحقوق في الدنيا فسيؤديها يوم القيامة، وفي الدنيا سيؤدي المال مالاً ويمكن أن يعفو غريمه ويسامح، أما يوم القيامة فسيؤدي المال من حسناته.
والمفترض أن الإنسان يحتفظ بحسناته؛ لأنه لا يدري هل حسناته ستكفي بأن يدخل الجنة أو لا تكفي، وربنا أنعم على العبد بنعم لابد أن يشكر الله عز وجل عليها، يا ترى هل الأعمال التي عملها العبد تساوي شكر هذه النعم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، إنما يدخل بفضل الله وبرحمته سبحانه).
فنعم ربنا تترى على عباده، ومهما عمل الإنسان من عمل فلن يوفي شكر هذه النعم، فهو غير قادر على أن يوفي شكر هذه النعم، وأيضاً قد يظلم الغير ولا يدري أن هذا الغير قد يسامحه، أو أنه يأتي يوم القيامة ويقول: هذا ظلمني أريد حقي من فلان!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء)، قدم العرض لأنه أكثر مظالم الناس فيه، والعرض شيء معنوي، وهو محل المدح أو القدح، فعرض الإنسان كأن يقول: فلان كذاب، ففي هذه الحال طعن في عرضه.
قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة من عرض أو من شيء) فـ(شيء) هنا نكرة في سياق الشرط فتعم، فمعناه: حتى لو كان شيئاً ليس له قيمة فسيحاسب عليه العبد يوم القيامة.
أحياناً بعض الناس قد يتساهل في أمر المظالم في الأشياء التافهة، فقد يقول لك: أعطني القلم أكتب به، فيكتب ثم يضعه في جيبه، ثم يقول: أنا سأبحث عن صاحبه وأعطيه، وانتهى الأمر ولم يعطه؛ لأنه لا يوجد أحد يتابع بعده.
فهذه الأشياء التافهة هي من ضمن المظالم، فأنت ما يدريك أن صاحبه موافق على أخذه، ولعلك تأخذ الشيء فيقول صاحبه بعد ذلك: لن أعطي أحداً شيئاً؛ لأنهم يأخذونها ولا يردونها، وتقول للإنسان: أعطني قلمك أكتب، فيقول لك: لا تنسه وتضيعه مثلما عمل الذي قبلك.
فأنت قد تستهين بالشيء وتمنع خيره غيرك، بغض النظر عن أنك ستؤديه يوم القيامة كما سنرى في بعض الأحاديث، قال لنا صلى الله عليه وسلم: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).
ورأينا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كيف أنه خطب الناس وقال: (من كنت ظلمته في عرضه أو ماله فليستقد)، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الشيء وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فغيره أولى أن يتحلل من الناس في شيء من عرض أو مال أو في الجسد أو غير ذلك، قبل أن يؤخذ منه حسنات يوم القيامة.
2- حقيقة المفلس عند الله عز وجل .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، فيأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).
المفلس في الدنيا قد يكون معذوراً، والمفلس يوم القيامة ليس له عذر، والصحابة لما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن سؤال استفهام، وإنما سألهم من أجل أن يشوقهم إلى معرفة الجواب: (أتدرون من المفلس؟)، فأجابوا بما يعرفون: المفلس الذي لا دينار له ولا متاع، فهذا وإن كان في الحقيقة هو المفلس في الدنيا، ولكن ليس هذا هو جواب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الذي يريده، لأن الدنيا تزول والآخرة باقية.
المفلس في الدنيا ربما حصلت له ظروف حتى أفلس كمرض أو مصيبة أو صارت عليه ديون، وربنا أعلم بحال هذا الإنسان أنه كان ينوي سداد الديون ولكن ليس لديه حيلة، فهو معذور عند الله تبارك وتعالى، وقد يوفي الله عنه ما كان عليه في الدنيا.
لكن هذا الآخر الذي جاء يوم القيامة وهو مصلٍ مزكٍ وصائم قد عمل حسنات كثيرة، لكن لسانه يستطيل في الأعراض، فإذا جاء يوم القيامة وقد اغتر بصلاته وصيامه وأعماله إذا به قد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وقذف هذا.
فيأتي هؤلاء الذين ظلمهم يوم القيامة كل واحد يريد حقه من هذا الإنسان عند الملك الحق سبحانه وتعالى، وحينئذٍ فلا ينفع الإنسان الاعتذار بأنه كان متهوراً أو نحو ذلك، ففي الدنيا يعرف الإنسان يقول هذا الشيء، ويعرف يغالط الذين حوله.
الإنسان يقف بين يدي الحكم العدل سبحانه، أو ما قال لنا: وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [البقرة:210]؟ فهذا هو القضاء المحكم المبرم العدل المطلق عند الله رب العالمين، ولم يبق إلا أن تدلي بحجة صحيحة، أما مسألة أنك سريع الغضب فلا يقبل هذا العذر، يأتي أهل النار يوم القيامة يقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ [المؤمنون:106].
كتب علينا الشقاء يا ربنا: غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا [المؤمنون:106-107] كان الجواب: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] يعني: اقعدوا مثل الكلاب في النار!
(اخسأ) كلمة تقال للكلب عندما يزجر، وكأن هؤلاء لما أتوا يعتذرون: يا رب! القضاء والقدر، كان الجواب الذي يستحقونه: كونوا مثل الكلاب في نار جهنم، اخسئوا فيها ولا تكلمون! فلا تنفع عند الله إلا الحجة الصحيحة من إنسان مؤمن، يلقى ربه بقلب سليم.
فهذا المفلس الذي يأتي يوم القيامة تصحبه حسرة شديدة جداً؛ لأنه جاء بحسنات مثل الجبال وإذا بها تذهب أمام عينه فيقال له: أنت شمت فلاناً! خذ من حسناته، وأنت أخذت من فلان! خذ من حسناته، حتى تنتهي حسناته، ثم يقال لخصمه: هات من سيئاتك واطرحها عليه، وهكذا، حتى إذا ضاعت جبال الحسنات وبقي فوقه من السيئات الكثير ألقي في النار والعياذ بالله!
لذلك عندما يحس المؤمن أنه سيفلت بلسانه يتذكر وقوفه يوم القيامة، وأنه سيؤخذ من حسناته لمن ظلمه وسبه، فإنه يمسك لسانه حتى لا يأتي مفلساً يوم القيامة لأنه أغضبني في الدنيا أمسك لساني ولا آتي مفلساً يوم القيامة كهؤلاء المفلسين والعياذ بالله!
تعليق