إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأن محمد عبده ورسوله، ثم أما بعــد،
مقدمة:
لا شكَّ أن ما اشتملت عليه خطبُ النبي- صلى الله عليه وسلم- من: العلومِ، والفوائدِ الساميةِ، والقواعدِ الهامةِ، والوصايا النافعةِ، ما يَنبغِي لكلِّ مسلمٍ معرفتُها والعملُ بها؛ فقد قرَّر فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- قواعدَ الإسلامِ، وهَدَم فيها قواعدَ الشركِ والجاهلية، وقرَّر فيها تحريمَ المحرَّمات التي اتفقتِ المِلَلُ على تحريمِها، وهي: الدماءُ، والأموالُ، والأعراضُ.
ووضع فيها أمورَ الجاهليةِ تحت قدميه، ووضَع فيها رِبَا الجاهليةِ كلَّه، وأبطله، وأوصاهم بالنساءِ خيرًا، وذكر الحقَّ الذي لهن وعليهن، وأن الواجب لهن: الرزق، والكسوة بالمعروف- ولم يقدِّر ذلك بتقديرٍ- وأباح للأزواج ضربَهن إذا أَدخَلن إلى بيوتِهن مَن يكرهه أزواجُهن، وأوصى الأمَّة فيها بالاعتصام بكتاب الله، وأخبر أنهم لن يَضِلُّوا ما داموا مُعتَصمِين به، ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه، واستنطقهم بماذا يقولون، وبماذا يشهَدون، فقالوا: نشهَد أنك بلَّغت، وأدَّيت، ونَصَحت، فرفع أصبعه إلى السماء، واستشهد الله عليهم ثلاث مرات، وأمرهم أن يبلِّغ شاهدُهم غائبَهم، كما خطب الناس يوم النَّحر خطبةً بليغةً، أعلمَهم فيها بحرمةِ يوم النحر، وفضلِه عند الله، وحرمةِ مكة على جميع البلاد، وأمر بأخذ مناسكهم عنه، وقال))لعليلا أَحُجُّ بعد عامي هذا))، وعلَّمهم مناسكهم.
ونَهَى الناسَ أن يرجِعوا بعده كفارًا، يضرب بعضُهم رقابَ بعضٍ، وأمر بالتبليغِ، وأخبر أنه رُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامعٍ.
وقال في خطبته تلك: ((لا يَجْنِي جانٍ إلا على نفسه))،
وقال: ((إن الشيطان أَيِسَ أن يُعبد ببلدِكم، ولكن سيكون له طاعةٌ في بعض ما تَحتَقِرون من أعمالكم، فيَرضَى بها)).
وقال: ((اعبدوا ربَّكم، وصلُّوا خَمْسَكم، وصوموا شهرَكم، وأطيعوا أُمَراءَكم؛ تَدْخُلوا جنَّة ربِّكم))، وودَّع حينئذٍ الناسَ، فقالوا: حجَّة الوداع.
كما خطبهم- صلى الله عليه وسلم- أيضًا أوسطَ أيامِ التشريقِ خطبةً عظيمةً بليغةً، بيَّن فيها حرمةَ ذلك اليومِ والشهرِ والبلدِ، وبيَّن حرمةَ الدَّمِ والعِرضِ، التي اتفقتِ المِلَل على حُرمتِها، وحذَّر فيها من الظلم والتعدِّي على المال، وأنه لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ بغيرِ طيبِ نفسٍ منه، وبيَّن- في خطبتِه تلك-أن الزمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خلَق اللهُ السمواتِ والأرض، وأن ربَّهم واحدٌ، وأباهم واحدٌ، وأنه لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأسودَ على أحمرَ، ولا لأحمرَ على أسودَ، إلا بالتَّقوى.
سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد
تابعونا
تابعونا
تعليق