الأدب مع رسول الله صلي الله عليه وسلم
من أعلى مراتب الأدب وأولاها حقا على المسلم بعد الأدب مع الله تعالى والأدب مع كلامه ، فرسول الله أعظم المخلوقين حقًّا على المسلمين .
والأدب مع الرسول هو أدب مع الله تعالى أولا ،
إذ الأدب مع الرسول أدب مع مرسله ، كما أن طاعة الرسول من طاعة الله تعالى ، قال الله تعالى : "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" (النساء: 80) .
وليس الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم مجرد كلمات مدائح خالية من الاتباع والعمل ، بل الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بمحبة صادقة تستوجب اتباعه في كل ما أمر ، واجتناب كل ما عنه زجر ، واتخاذه صلى الله عليه وسلم قدوة في الظاهر والباطن ، في السمت والعمل ، في الخلق والمعاملة .
أنواع الأدب مع رسول الله صلي الله عليه وسلم
1 – أدب قلبي : وهو يتعلق بتصديقه والإيمان به وحبه وتعظيمه وتوقيره .
2 – أدب قولي : وهو يتعلق بالصلاة عليه ، والذب عن سنته ، ورعاية الأدب معه بالقول .
3 – أدب فعلي : وهو يتعلق بحسن اتباعه فيما أمر ونهى ، مع اتخاذه قدوة وأسوة .
أولا: الأدب القلبي
وقال ابن القيم - : والإيمان حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول علمًا ، والتصديق به عقدًا ( أي ينعقد عليه القلب ) ، والإقرار به نطقًا ، والانقياد له محبة وخضوعا ، والعمل به باطنًا وظاهرًا ، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان ؛ وكماله في الحب في الله والبغض في الله ، والعطاء لله والمنع لله ، وأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده ؛ والطريق إليه تجريد متابعة رسوله ظاهرًا وباطنًا ، وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله ، وبالله التوفيق ([2]).
مع اعتقاد تفضيله على كل أحد من الخلق ، فهو كما وصف نفسه صلى الله عليه وسلم متحدثًا بنعمة ربه قال : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ"([3]) .
ومما ينتج عن اعتقاد تفضيله استشعار هيبته وجلالة قدره وعظيم شأنه ، واستحضار محاسنه ومكانته ومنزلته والمعاني الجالبة لحبه وإجلاله ، وكل ما من شأنه أن يجعل القلب ذاكرًا لحقه من التوقير والتعزيز ، ومعترفًا به ومذعنًا له ؛ فالقلب ملك الأعضاء وهي جند له وتبع ، فمتى ما كان تعظيم النبي مستقرًا في القلب مسطورًا فيه على تعاقب الأحوال ، فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح حتمًا لا محالة ، وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه ؛ وترى الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره ومؤدية لما له من الحق والتكريم ([4]) .
[1] - انظر القاعدة المراكشية ص 24، 25.
[2] - انظر الفوائد ص 107.
[3]- مسلم (2278) عن أبي هريرة .
[4]- انظر محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه لعبد اللطيف بن محمد الحسن، ضمن كتاب المنتدى (حقوق النبي بين الإجلال والإخلال ص 73 ، 74 .
ومن الأدب القلبي : محبته
صلي الله عليه وسلم
المحبة أمر قلبي ، وإنما يظهر آثارها بالطاعة والاتباع ، فهذه هي العلامات التي تدل على ما في قلب العبد من محبة . ومحبة النبي من الإيمان ، بل لا يتم الإيمان حقيقة إلا إذا كان النبي أحب إلى المرء من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ، فقد روى أحمد والبخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ : " لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ " ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ : " الآنَ يَا عُمَرُ " ( [1] ) .
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " ( [2] ) .
قال السيوطي – : قال ابن بطال : معنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حقه عليه آكد من حق أبيه وابنه والناس أجمعين ؛ لأنه استنقذنا من النار وهدانا من الضلال ([3]) .
وقال ابن حجر - : وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر ؛ فإن الأحبية المذكورة تعرف به ، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها ، أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات ، وهذا هو حقيقة المطلوب . وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومآلا ، فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان - إما بالمباشرة وإما بالسبب - علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي ، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات ، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره ؛ لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه ، ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم ، لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم، والله الموفق ([4]) .
قال ابن رجب - : فلا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق ، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله ، والمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات ، قال تعالى : " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " [ التوبة : 24 ] ، وقال تعالى: " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [ آل عمران : 31 ].قال الحسن - : قال أصحاب النبي : يا رسول الله إنا نحب ربنا حبًّا شديدًا ، فأحب الله أن يجعل لحبه عَلَمًا فأنزل الله هذه الآية .
وفي الصحيحين عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " ( [5] ) .
فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله ، ويكره ما يكرهه الله ورسوله ، ويرضي ما يرضي الله ورسوله ، ويسخط ما يسخط الله ورسوله ، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض .
والمعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه ، وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيجب على المؤمن محبة الله ومحبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عمومًا ، ولهذا كان من علامات وجوده حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وتحريم موالاة أعداء الله ومن يكرهه الله عمومًا ، وبهذا يكون الدين كله لله ، ومن أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطي لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ؛ ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصًا في إيمانه الواجب ، فيجب عليه التوبة من ذلك والرجوع إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقديم محبة الله ورسوله وما فيه رضا الله ورسوله على هوي النفس ومراداتها كلها ( [6] ) .
فهذا محك الاختبار ، وبرهان الإسلام والإيمان ،
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " ( [2] ) .
قال السيوطي – : قال ابن بطال : معنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حقه عليه آكد من حق أبيه وابنه والناس أجمعين ؛ لأنه استنقذنا من النار وهدانا من الضلال ([3]) .
وقال ابن حجر - : وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر ؛ فإن الأحبية المذكورة تعرف به ، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها ، أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات ، وهذا هو حقيقة المطلوب . وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومآلا ، فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان - إما بالمباشرة وإما بالسبب - علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي ، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات ، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره ؛ لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه ، ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم ، لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم، والله الموفق ([4]) .
قال ابن رجب - : فلا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق ، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله ، والمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات ، قال تعالى : " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " [ التوبة : 24 ] ، وقال تعالى: " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [ آل عمران : 31 ].قال الحسن - : قال أصحاب النبي : يا رسول الله إنا نحب ربنا حبًّا شديدًا ، فأحب الله أن يجعل لحبه عَلَمًا فأنزل الله هذه الآية .
وفي الصحيحين عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " ( [5] ) .
فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله ، ويكره ما يكرهه الله ورسوله ، ويرضي ما يرضي الله ورسوله ، ويسخط ما يسخط الله ورسوله ، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض .
والمعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه ، وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيجب على المؤمن محبة الله ومحبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عمومًا ، ولهذا كان من علامات وجوده حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وتحريم موالاة أعداء الله ومن يكرهه الله عمومًا ، وبهذا يكون الدين كله لله ، ومن أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطي لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ؛ ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصًا في إيمانه الواجب ، فيجب عليه التوبة من ذلك والرجوع إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقديم محبة الله ورسوله وما فيه رضا الله ورسوله على هوي النفس ومراداتها كلها ( [6] ) .
فهذا محك الاختبار ، وبرهان الإسلام والإيمان ،
يا مسلمًا تدعي الإسلام مجانا ... هلا أقمت على دعواك برهانا
[1]- أحمد / 5 / 293، والبخاري (6632).
[2] - البخاري (15)، ومسلم (44).
[3] - الديباج: 1 / 60، وانظر شرح صحيح مسلم للنووي: 2 / 15.
[4]- فتح الباري: 1 / 59، 60 .
[5] - البخاري (16)، ومسلم (43) عن أنس .
[6] - انظر جامع العلوم والحكم ص 389، 390 باختصار.
في سلسلة الأداب
لشيخي وأخي الأكبر (سعيد بخيبخ) حفظه الله
المصدر/ منقول
تعليق