الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وعلى اله وصحبه وبعد :
أياما معدودات ويأتينا شهر الرحمات والغفران والعتق من النيران
قال إمامنا ونبينا - صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه - مهنّئًا أصحابه بهذا الشهر :
" أتاكم رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين
لله فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم" ( صححه الألبانيّ )
ماذا :
" من حرم خيرها فقد حرم "
لا تجزعوا انظروا
من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً ؛ وهذا يستدعى من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها.
فكيف نستعد ونستقبل شهر رمضان؟
إن خير استعداد يكون في اتباع هدي سيد الآنام صلوات ربي وسلامه عليه
فهيا بنا لنتبع كلماته ووصاياه صلى الله عليه وسلم
التوبة النَّصوح إلى الله - عزَّ وجلَّ -
فعاهِدْ ربَّك مِن الآن أن تترُك كلَّ المعاصي التي كنتَ تفعلها، عاهِد نفسك مِن الآن أن تنقِّي قلبَك مِن كلِّ ما يُغضِب الله - عزَّ وجلَّ، آن لنا أن نعودَ إلى الله، آن لنا أن نحتمي بجَناب الله، آن لنا أن نستجيبَ لنِداء ربِّنا:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } [التحريم: 8]
فتطهَّرْ مِن كل الذنوب والمعاصي، وتُبْ إلى الله ربِّ العالمين، ولا تيئس مِن رحمة الله، ولا تقُلْ:
" فعلتُ الكثيرَ مِن المعاصي " فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - كما أخبر نبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((يَبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل))،
والله - عزَّ وجلَّ - يبشِّر كلَّ عباده الذين قصَّروا في حقِّه، والذين أسْرفوا على أنفسهم بالمعاصي يُنادي عليهم بقوله - تعالى -:
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [الزمر: 53 - 55]،
فسارعْ بالتوبة إلى الله؛ فإنَّ رحمة الله واسعةٌ، ولكنَّه شديدُ العقاب، فكفانَا تسويفًا، وكفانَا تقصيرًا في حقِّ الله.
أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يتوبَ علينا.
- القرآن
من هدْي النَّبيِّ أنَّه يخصُّ هذا الشهر بعنايته بالقرآن؛ فعن ابن عباس قال:
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أجودُ بالخير من الريح المرسلة"
؛ رواه البخاري (6) ومسلم (2308).
فلنعتنِ بالقُرآن في هذا الشهر؛ تلاوةً وحفظًا ومدارسةً، وكان النَّبيُّ يعرض القرآن على جبريل في ليالي رمضان، فليكُن لنا نصيب من التِّلاوة في ليالي رمضان، فالمشاهَد مِنْ حال الكثير أنَّه يخص التِّلاوة بالنَّهار دون الليل.
الصلاة
: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ :
« الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » . رواه مسلم
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :
((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه))؛ رواه البخاري (37)، ومسلم (759).
الصبر
يقول الله - عزَّ وجلَّ - في الحديث القدسي:
((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحَسَنَةُ عَشْرُ أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عزَّ وجلَّ -:
إلاَّ الصوم، فإنَّه لي وأنا أَجزي به؛ يدع شهوتَه وطعامَه من أجلي)
رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).
الصَّبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصَّبر على أقدار الله المؤلمة، فناسب أن يكونَ الجزاء عظيمًا، فالصَّائم داخل في عموم قول ربِّنا - تبارك وتعالى -:
{ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
- حفظ اللسان
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه»[أخرجه البخاري].
قال المهلب: " وفيه دليل أن حُكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور كما يمسك عن الطعام والشراب وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقَّص صيامه وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائمٌ إنّي صائمٌ»
[أخرجه مسلم].
ولقوله- صلى الله عليه وسلم- أيضا :
((الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم))
متفق عليه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
قال المازري في قوله: « إنّي صائمٌ »
" يحتمل أن يكون المراد بذلك أن يخاطب نفسه على جهة الزجر لها عن السباب والمشاتمة ".
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ليس الصيام من الطعام والشراب وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف ".
[أخرجه ابن أبي شيبة].
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
"إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب ولكن من الكذب والباطل واللغو".
[أخرجه ابن أبي شيبة].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
" إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم".
فعجبًا لصائم يُمسك عن الأكل والشرب في نهار رمضان - والأصْل فيهما الإباحة في غير نهار رمضان -
ويستمرُّ على المحرَّمات المحرَّمة مطلقًا في نهار رمضان وفي ليلِه وفي سائر الأيَّام! فهذا الصَّائم لَم يفهم الحكمة من مشروعيَّة الصيام.
حسن الخلق
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ". رواه الترمذي
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى لله عليه وسلم :
"إن الله يبغض الفاحش البذئ " (أخرجه الترمذي وصححه)
قال رسول الله صلى لله عليه وسلم :
" ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحس، ولا البذئ" (رواه الترمذي وصححه الألباني)
عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ - رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ :
« مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ » .
رواه أحمد و أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن
قال الله تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
سورة فصلت : الآيات/ 34 : 36
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } .
سورة الرعد : الآية/ 22
الصوم من أعظم أسباب تقويم الإخلاق :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
« قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ » . متفق عليه
الأعمال الصالحة:
الطاعة لابد أن يُمهَّد لها بوظائف شرعية كثيرة حتى تؤتي أكلها ويُجتني جناها، وخاصة في شهر رمضان حيث الأعمال الصالحة المتعددة .
ومن أعظم ما نتقرَّب به لربِّنا في هذا الشَّهر وفي غيره من الشُّهور، فِعْل الواجبات؛
كالمحافظة على الصَّلوات في وقتها في المسجِد، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وأداء الحقوق، وغير ذلك من الواجبات.ومن أعظم ما نتقرَّب به لربِّنا، تجنُّب ما نهانا الله عنْه، فلنحفظ جوارِحَنا عن ما لا يُرضي ربَّنا،
فعن أبِي هُرَيْرة قال: قالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -:
((إنَّ الله قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتَّى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمْعَه الَّذي يسمع به، وبصرَه الَّذي يبصر به، ويدَه الَّتي يبطش بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، وإن سألَني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه))؛ رواه البخاري.لنحرص أن نصوِّم أولادَنا المميِّزين ممَّن يُطيق الصيام، ولنحثّهم عليْه، لا سيَّما في أيام الإجازة، ولنبذل الأسباب التي تُعينهم على الصيام، فإذا تعوَّد الصَّغير على الصيام في الصِّغَر، سهُل عليه في الكبر؛ فلذا كان من هدْي أصحاب النبي تصْويم الصغار من أولادِهم، فعن الرُّبيِّع بنت معوِّذ قالت عن يوم عاشوراء: "كنَّا نَصومه ونصوِّم صبيانَنا، ونجعل لهم اللُّعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيْنَاه ذاك حتَّى يكون عند الإفطار"؛
رواه البخاري (1960) ومسلم (1136).
ولنحتسِبِ الأجْر في حثِّهم ومتابعتهم، فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثلُ أجور مَن تبِعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا))؛ رواه مسلم (2674).
فليُرَغبِ الصغار في الصيام من غير إكراه، ومَن شقَّ عليه الصيام إذا استأذن في الفِطْر يؤذن له.
تعليق