إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
انتهينا -بفضل الله عز وجل- في الدرس السَّابق إلى غزوة مُؤتة، وكيف كانت، وكيف أظهر الصَّحابةُ -رضوان الله عليهم- فيها الشَّجاعة والبطولة -جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
نتحدَّثُ -إن شاء الله تعالى- في هذا الدرس -وهو الدرس الأخير- وسنحاول أن نُلِمَّ فيه بما بقي من المنهج -إن شاء الله.
فنتحدَّث أولًا عن فتح مكَّة، فنقول -وبالله تعالى التَّوفيق:
عرفنا أنَّ صُلح الحُديبية كان من شروطه وضع الحرب عشر سنين، وأنَّ مَن دخل في حِلْف محمدٍ دخل، ومَن دخل في حلف قريشٍ دخل، فظلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وفيًّا لقريشٍ بعهدها، مُلتزمًا بكلِّ شروط الصُّلح، حتى إذا كانت السنة الثامنة من الهجرة -يعني بعد سنتين من الصلح- عدت بنو بكرٍ حليفة قريشٍ على خُزاعة حليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقتلت منهم رجالًا، وعاونتهم قريش على هذا القتال؛ فنقضت بذلك عهدها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فرأى -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الوقت قد حان لكسر هذه الشَّوكة -شوكة قريش- وإزاحة هذا الغصن من طريق الدَّعوة؛ فعزم -صلى الله عليه وسلم- على غزو قريشٍ ودخول مكة، وَتَجَهَّزَ لذلك، وأمر أصحابه فتجهَّزوا، فبادر أحد الصَّحابة بالكتابة إلى قريشٍ يُخبرهم بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أنَّ الوحي من السَّماء كان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسبق من الكتاب إلى قريشٍ، فبعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه مَن أتاه بهذا الكتاب الذي بُعِث إلى قريشٍ.
عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: "بعثني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزُّبير والمقداد، فقال: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ -مكان بين مكة والمدينة، وهو من المدينة أقرب- فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً -أي امرأة- مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَائْتُونِي بِهِ».
قال عليٌّ: فانطلقنا نتعادى أو تتعادى بنا خيلنا، حتى أتينا روضة خاخٍ، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخرجي الكتابَ.
قالت: ما معي من كتابٍ.
فقلنا: لتخرجنَّ الكتابَ أو لنُلقين الثيابَ.
ويُسمونه في هذا الوقت: التَّفيش الذاتي، فإمَّا أن تأتي بالكتاب الذي معك وإلا التَّفيش الذاتي حتى نحصل على هذا الكتاب.
قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: من حاطبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلى نفرٍ من قريشٍ يُخبرهم فيه ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟!» فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ، ما فعلتُه ليس كفرًا بعد الإسلام، ولا ردَّةً عن الدين بعد إذ هداني الله إليه، ولكنِّي كنتُ امرأً مُلصقًا من قريشٍ، ولم أكن من أَنْفَسِهم، وما من أحدٍ من أصحابك إلا له أهلٌ في قريشٍ يحمون ماله وأهله، فأردتُ إن فاتني ذلك من النَّسب أن أتخذ بهذا الكتابِ عندهم يدًا يحمون بها أهلي ومالي.
فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ».
فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق.
فقال -صلى الله عليه وسلم: «يَا عُمَرُ، أَوَلَيْسَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، فأنزل الله - تبارك وتعالى- في حاطب بن أبي بلتعة وكتابه الذي بعث به إلى قريشٍ سورة الممتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: 1].
وهكذا عمَّى الله -تبارك وتعالى- عن قريشٍ خبر خروج رسوله -صلى الله عليه وسلم- إليهم، فخرج -عليه الصلاة والسلام- من المدينة المنورة لعشرٍ مضين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة ومعه عشرة آلاف مقاتلٍ، خرج صائمًا وصام الجيشُ معه، حتى إذا كان بالكَدِيد -مكان بين مكة والمدينة- أفطر -صلى الله عليه وسلم- وأظهر فطرَه أمام الجيش؛ ليروه فيقتدوا به في الفطر، فلمَّا رأوه قد أفطر أفطروا -رضي الله عنهم.
وما زال -صلى الله عليه وسلم- يُفطِر في رمضان عام الفتح ويقصر الصلاةَ حتى رجع إلى المدينة.
وكان العباسُ بن عبد المطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- مُسلمًا قبل ذلك، إلا أنَّه كان مُقيمًا في مكة، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- راضيًا عنه، فوقع في قلب العباس أن يُهاجِر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعياله، وهو لا يدري أنَّ الرسول قادم، فخرج العباسُ بعياله مُهاجرًا إلى الله ورسوله، فلقيَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في الطريق، فلزمه وصحبه.
وكانت قريشٌ قد خافت من غدرتها تلك، فإنَّها لما ساعدت وآزرت حليفتها على حليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عرفت أنَّها بذلك نقضت العهد والميثاقَ؛ فكانت خائفةً من تلك الغدرة، فأرسلت أبا سفيان وحكيمَ بن حزامٍ وبُديل بن ورقاء يتحسَّسون الأخبارَ -أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان -عليه الصلاة والسلام- لما مرَّ بمرِّ الظَّهران -وهو مكان قبيل مكة- نزل به والجيش، وأمرهم أن يُوقِدوا نارًا، فأُوقِدت عشرة آلاف نار، كلُّ رجلٍ أوقد نارًا، فأمست الصَّحراء كلها مُنيرة، فلمَّا مرَّ ركبُ قريشٍ بمرِّ الظَّهران ورأوا تلك النار قال أبو سفيان: كأنَّها نيران عرفة. وذلك أنَّ الناس قديمًا كانوا إذا نزلوا من عرفة أوقدوا النارَ يستضيئون بها ويستدفئون.
فقال حكيم: كأنَّهم بنو عمرو.
قال أبو سفيان: بنو عمرو أقلّ من هذا.
فبينما هم يتحدَّثون إذ مرَّت عليهم عيونُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي المقدمة والطَّليعة التي بين يدي الجيش، فأخذتهم معهم.
عن عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: لما نزل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ الظَّهران قال العباس: والله، لئن دخل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مكَّة عنوةً قبل أن تستأمنه قريشٌ؛ لقد هلكت قريش.
فركب العباسُ بغلةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانطلق يبحث عن ذي حاجةٍ يأتي مكة؛ فيأمرهم أن يخرجوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم مكة.
قال العباس: فبينما أنا أسير إذ سمعتُ صوت أبي سفيان وبُديل بن ورقاء يتحدَّثان، فقلتُ: أبا حنظلة -وهي كنية أبي سفيان؟
قال العباس: فعرف صوتي؛ فقال: أبو الفضل -وهي كنية العباس؟
قلت: نعم.
قال: ما لك -فداك أبي وأمي؟
قلت: رسول الله والناس.
قال: ويحك! ما الحيلة؟
فقال العباس لأبي سفيان: اركب ورائي.
فركب وراءه، فأتى به النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فأسلم أبو سفيان.
فقال العباسُ للنبي -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجلٌ يُحب هذا الفخرَ؛ فاجعل له منه شيئًا.
فقال -عليه الصلاة والسَّلام: «نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ».
فأراد أبو سفيان أن ينصرف فيأتي أهلَ مكة فيُخبرهم، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعمِّه العباس: «يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ؛ حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا»، حتى يرى الجيشَ الكبير الذي قِوامه عشرة آلاف مُقاتلٍ من المسلمين.
قال العباس: فانطلقتُ بأبي سفيان، فحبسته حيث أمرني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وكلَّما مرَّت قبيلةٌ سألني: مَن هؤلاء؟ مَن هؤلاء؟ حتى مرَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في كتيبته الخضراء، معه الأنصار والمُهاجرون، لا ترى منهم إلا الأعين، فلمَّا رآهم أبو سفيان قال: يا أبا الفضل، مَن هؤلاء؟
قلت: هذا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه المُهاجرن والأنصار.
قال: يا أبا الفضل، ما لأحدٍ بهؤلاء من قِبَلٍ ولا طاقة.
فانطلق أبو سفيان ليأتي أهلَ مكة؛ ليُخبرهم بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا دخل مكةَ صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، إنَّ محمدًا قد جاءكم بما لا قِبَلَ لكم به اليوم ولا طاقة، يا معشر قريش، مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمِن، ومَن أغلق عليه داره فهو آمِن، ومَن دخل المسجدَ فهو آمِن.
فتفرَّق الناسُ إلى المسجد، وأغلق بعضُهم عليه دارَه، ودخل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مكةَ ومعه هذا الجيش الجرَّار، وعلى ميمنته الزُّبير بن العوَّام، وعلى ميسرته خالد بن الوليد، وعلى الرَّجَّالة -الذين لا يركبون الخيلَ- أبو عُبيدة بن الجرَّاح.
فدخل -صلى الله عليه وسلم- البيتَ، فانتهى إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت سبعًا، فمرَّ على صنمٍ كانوا يعبدونه، فجعل يطعنه بطرف سيفه ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ»، فلمَّا فرغ من الطَّواف بالبيت سبعًا رقى الصَّفا، فاستقبل الكعبةَ وهلَّل وحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بما هو أهله، ودعا بما شاء الله أن يدعو به، ولم يَطُف بين الصَّفا والمروة؛ لأنَّه لم يكن مُحْرِمًا -صلى الله عليه وسلم.
ثم أخذ -عليه الصلاة والسلام- يُبايع الناسَ على الإسلام، فبايعهم على السمع والطَّاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، بايعهم رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا.
فلمَّا بايع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الناسَ على الإسلام والسَّمع والطاعة لله ولرسوله واستقر الأمنُ، دخل الكعبةَ ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة حامل المفتاح، فدخل الكعبةَ وأغلق بابها وراءه، ومشى إلى الجدار المُستقبل باب الكعبة، وجعل بابَ الكعبة وراء ظهره، واستقبل الجدارَ الذي يُقابل جدار الباب ودنا منه، فلمَّا كان بينه وبينه قُرابة ثلاثة أذرع وقف -صلى الله عليه وسلم- وجعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكانت الكعبة يومئذٍ تقوم على ستة أعمدةٍ، ثم صلى ركعتين في جوف الكعبة، ثم خرج -صلى الله عليه وسلم- فدخل بيتَ أم هانئٍ بنت أبي طالب بنت عمِّه، فاغتسل -صلى الله عليه وسلم- ثم صلى ثماني ركعاتٍ؛ شُكرًا لله تعالى على هذا الفتح.
فلمَّا مكَّنه الله تعالى من أهل مكة واستقر الفتح؛ أمَّن الناسَ جميعًا وعفا عنهم كلهم، ولم يأخذهم بجريرتهم السَّابقة، إلا أربعة رجالٍ وامرأتين كانوا قد آذوه إيذاءً شديدًا، فقال -عليه الصلاة والسلام: «اقْتُلُوهُمْ وَلَوْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ».
فلمَّا كان الغَدُ من يوم الفتح قام -عليه الصلاة والسلام- خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بما هو أهله، ثم قال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا، وَلَا أَنْ يَعْضُدَ فِيهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْفَتْحِ فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِنَبِيِّهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا اللهُ لِيَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، أَلَا فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ».
ثم أخذ -صلى الله عليه وسلم- يبعث سراياه إلى الأصنام والأوثان التي كانت تُعبَد من دون الله فتُكسَر، حتى طهَّر مكَّة من كلِّ صنمٍ ووثنٍ وَنُصُبٍ، ثم عاد مُنتصرًا مُعزَّزًا بفضل الله -عز وجل- إلى المدينة المنوَّرة، وقد أقام في ذلك الفتح تسعة عشر يومًا، يُفطِر في رمضان، ويقصُر الصلاةَ حتى عاد إلى المدينة.
وهكذا صدق الله وعده: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح: 27]، فصدق الله وعده، ونصر عبده، وأعزَّ الإسلامَ، وفتح على رسوله فتحًا مُبينًا، ونصره نصرًا عزيزًا، وقرَّت عينُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا النَّصر، كما قرَّت أعينُ بعض أصحابه مما أطال الله حياته وأبقى عمره حتى هذا الفتح، واستشهد رجالٌ في المعارك، وتوفي آخرون على فُرُشهم قبل هذا الفتح.
ورجع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مُؤزَّرًا منصورًا، فساء ذلك قبائل من القبائل العربية، وأخذتهم العزَّةُ بالإثم، وأصرُّوا واستكبروا استكبارًا، وجنَّدوا الجنودَ، وجيَّشوا الجيوشَ؛ لوقف هذا الزَّحف الإسلامي.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
انتهينا -بفضل الله عز وجل- في الدرس السَّابق إلى غزوة مُؤتة، وكيف كانت، وكيف أظهر الصَّحابةُ -رضوان الله عليهم- فيها الشَّجاعة والبطولة -جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
نتحدَّثُ -إن شاء الله تعالى- في هذا الدرس -وهو الدرس الأخير- وسنحاول أن نُلِمَّ فيه بما بقي من المنهج -إن شاء الله.
فنتحدَّث أولًا عن فتح مكَّة، فنقول -وبالله تعالى التَّوفيق:
عرفنا أنَّ صُلح الحُديبية كان من شروطه وضع الحرب عشر سنين، وأنَّ مَن دخل في حِلْف محمدٍ دخل، ومَن دخل في حلف قريشٍ دخل، فظلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وفيًّا لقريشٍ بعهدها، مُلتزمًا بكلِّ شروط الصُّلح، حتى إذا كانت السنة الثامنة من الهجرة -يعني بعد سنتين من الصلح- عدت بنو بكرٍ حليفة قريشٍ على خُزاعة حليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقتلت منهم رجالًا، وعاونتهم قريش على هذا القتال؛ فنقضت بذلك عهدها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فرأى -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الوقت قد حان لكسر هذه الشَّوكة -شوكة قريش- وإزاحة هذا الغصن من طريق الدَّعوة؛ فعزم -صلى الله عليه وسلم- على غزو قريشٍ ودخول مكة، وَتَجَهَّزَ لذلك، وأمر أصحابه فتجهَّزوا، فبادر أحد الصَّحابة بالكتابة إلى قريشٍ يُخبرهم بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أنَّ الوحي من السَّماء كان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسبق من الكتاب إلى قريشٍ، فبعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه مَن أتاه بهذا الكتاب الذي بُعِث إلى قريشٍ.
عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: "بعثني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزُّبير والمقداد، فقال: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ -مكان بين مكة والمدينة، وهو من المدينة أقرب- فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً -أي امرأة- مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَائْتُونِي بِهِ».
قال عليٌّ: فانطلقنا نتعادى أو تتعادى بنا خيلنا، حتى أتينا روضة خاخٍ، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخرجي الكتابَ.
قالت: ما معي من كتابٍ.
فقلنا: لتخرجنَّ الكتابَ أو لنُلقين الثيابَ.
ويُسمونه في هذا الوقت: التَّفيش الذاتي، فإمَّا أن تأتي بالكتاب الذي معك وإلا التَّفيش الذاتي حتى نحصل على هذا الكتاب.
قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: من حاطبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلى نفرٍ من قريشٍ يُخبرهم فيه ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟!» فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ، ما فعلتُه ليس كفرًا بعد الإسلام، ولا ردَّةً عن الدين بعد إذ هداني الله إليه، ولكنِّي كنتُ امرأً مُلصقًا من قريشٍ، ولم أكن من أَنْفَسِهم، وما من أحدٍ من أصحابك إلا له أهلٌ في قريشٍ يحمون ماله وأهله، فأردتُ إن فاتني ذلك من النَّسب أن أتخذ بهذا الكتابِ عندهم يدًا يحمون بها أهلي ومالي.
فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ».
فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق.
فقال -صلى الله عليه وسلم: «يَا عُمَرُ، أَوَلَيْسَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، فأنزل الله - تبارك وتعالى- في حاطب بن أبي بلتعة وكتابه الذي بعث به إلى قريشٍ سورة الممتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: 1].
وهكذا عمَّى الله -تبارك وتعالى- عن قريشٍ خبر خروج رسوله -صلى الله عليه وسلم- إليهم، فخرج -عليه الصلاة والسلام- من المدينة المنورة لعشرٍ مضين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة ومعه عشرة آلاف مقاتلٍ، خرج صائمًا وصام الجيشُ معه، حتى إذا كان بالكَدِيد -مكان بين مكة والمدينة- أفطر -صلى الله عليه وسلم- وأظهر فطرَه أمام الجيش؛ ليروه فيقتدوا به في الفطر، فلمَّا رأوه قد أفطر أفطروا -رضي الله عنهم.
وما زال -صلى الله عليه وسلم- يُفطِر في رمضان عام الفتح ويقصر الصلاةَ حتى رجع إلى المدينة.
وكان العباسُ بن عبد المطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- مُسلمًا قبل ذلك، إلا أنَّه كان مُقيمًا في مكة، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- راضيًا عنه، فوقع في قلب العباس أن يُهاجِر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعياله، وهو لا يدري أنَّ الرسول قادم، فخرج العباسُ بعياله مُهاجرًا إلى الله ورسوله، فلقيَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في الطريق، فلزمه وصحبه.
وكانت قريشٌ قد خافت من غدرتها تلك، فإنَّها لما ساعدت وآزرت حليفتها على حليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عرفت أنَّها بذلك نقضت العهد والميثاقَ؛ فكانت خائفةً من تلك الغدرة، فأرسلت أبا سفيان وحكيمَ بن حزامٍ وبُديل بن ورقاء يتحسَّسون الأخبارَ -أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان -عليه الصلاة والسلام- لما مرَّ بمرِّ الظَّهران -وهو مكان قبيل مكة- نزل به والجيش، وأمرهم أن يُوقِدوا نارًا، فأُوقِدت عشرة آلاف نار، كلُّ رجلٍ أوقد نارًا، فأمست الصَّحراء كلها مُنيرة، فلمَّا مرَّ ركبُ قريشٍ بمرِّ الظَّهران ورأوا تلك النار قال أبو سفيان: كأنَّها نيران عرفة. وذلك أنَّ الناس قديمًا كانوا إذا نزلوا من عرفة أوقدوا النارَ يستضيئون بها ويستدفئون.
فقال حكيم: كأنَّهم بنو عمرو.
قال أبو سفيان: بنو عمرو أقلّ من هذا.
فبينما هم يتحدَّثون إذ مرَّت عليهم عيونُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي المقدمة والطَّليعة التي بين يدي الجيش، فأخذتهم معهم.
عن عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: لما نزل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ الظَّهران قال العباس: والله، لئن دخل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مكَّة عنوةً قبل أن تستأمنه قريشٌ؛ لقد هلكت قريش.
فركب العباسُ بغلةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانطلق يبحث عن ذي حاجةٍ يأتي مكة؛ فيأمرهم أن يخرجوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم مكة.
قال العباس: فبينما أنا أسير إذ سمعتُ صوت أبي سفيان وبُديل بن ورقاء يتحدَّثان، فقلتُ: أبا حنظلة -وهي كنية أبي سفيان؟
قال العباس: فعرف صوتي؛ فقال: أبو الفضل -وهي كنية العباس؟
قلت: نعم.
قال: ما لك -فداك أبي وأمي؟
قلت: رسول الله والناس.
قال: ويحك! ما الحيلة؟
فقال العباس لأبي سفيان: اركب ورائي.
فركب وراءه، فأتى به النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فأسلم أبو سفيان.
فقال العباسُ للنبي -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجلٌ يُحب هذا الفخرَ؛ فاجعل له منه شيئًا.
فقال -عليه الصلاة والسَّلام: «نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ».
فأراد أبو سفيان أن ينصرف فيأتي أهلَ مكة فيُخبرهم، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعمِّه العباس: «يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ؛ حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا»، حتى يرى الجيشَ الكبير الذي قِوامه عشرة آلاف مُقاتلٍ من المسلمين.
قال العباس: فانطلقتُ بأبي سفيان، فحبسته حيث أمرني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وكلَّما مرَّت قبيلةٌ سألني: مَن هؤلاء؟ مَن هؤلاء؟ حتى مرَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في كتيبته الخضراء، معه الأنصار والمُهاجرون، لا ترى منهم إلا الأعين، فلمَّا رآهم أبو سفيان قال: يا أبا الفضل، مَن هؤلاء؟
قلت: هذا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه المُهاجرن والأنصار.
قال: يا أبا الفضل، ما لأحدٍ بهؤلاء من قِبَلٍ ولا طاقة.
فانطلق أبو سفيان ليأتي أهلَ مكة؛ ليُخبرهم بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا دخل مكةَ صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، إنَّ محمدًا قد جاءكم بما لا قِبَلَ لكم به اليوم ولا طاقة، يا معشر قريش، مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمِن، ومَن أغلق عليه داره فهو آمِن، ومَن دخل المسجدَ فهو آمِن.
فتفرَّق الناسُ إلى المسجد، وأغلق بعضُهم عليه دارَه، ودخل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مكةَ ومعه هذا الجيش الجرَّار، وعلى ميمنته الزُّبير بن العوَّام، وعلى ميسرته خالد بن الوليد، وعلى الرَّجَّالة -الذين لا يركبون الخيلَ- أبو عُبيدة بن الجرَّاح.
فدخل -صلى الله عليه وسلم- البيتَ، فانتهى إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت سبعًا، فمرَّ على صنمٍ كانوا يعبدونه، فجعل يطعنه بطرف سيفه ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ»، فلمَّا فرغ من الطَّواف بالبيت سبعًا رقى الصَّفا، فاستقبل الكعبةَ وهلَّل وحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بما هو أهله، ودعا بما شاء الله أن يدعو به، ولم يَطُف بين الصَّفا والمروة؛ لأنَّه لم يكن مُحْرِمًا -صلى الله عليه وسلم.
ثم أخذ -عليه الصلاة والسلام- يُبايع الناسَ على الإسلام، فبايعهم على السمع والطَّاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، بايعهم رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا.
فلمَّا بايع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الناسَ على الإسلام والسَّمع والطاعة لله ولرسوله واستقر الأمنُ، دخل الكعبةَ ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة حامل المفتاح، فدخل الكعبةَ وأغلق بابها وراءه، ومشى إلى الجدار المُستقبل باب الكعبة، وجعل بابَ الكعبة وراء ظهره، واستقبل الجدارَ الذي يُقابل جدار الباب ودنا منه، فلمَّا كان بينه وبينه قُرابة ثلاثة أذرع وقف -صلى الله عليه وسلم- وجعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكانت الكعبة يومئذٍ تقوم على ستة أعمدةٍ، ثم صلى ركعتين في جوف الكعبة، ثم خرج -صلى الله عليه وسلم- فدخل بيتَ أم هانئٍ بنت أبي طالب بنت عمِّه، فاغتسل -صلى الله عليه وسلم- ثم صلى ثماني ركعاتٍ؛ شُكرًا لله تعالى على هذا الفتح.
فلمَّا مكَّنه الله تعالى من أهل مكة واستقر الفتح؛ أمَّن الناسَ جميعًا وعفا عنهم كلهم، ولم يأخذهم بجريرتهم السَّابقة، إلا أربعة رجالٍ وامرأتين كانوا قد آذوه إيذاءً شديدًا، فقال -عليه الصلاة والسلام: «اقْتُلُوهُمْ وَلَوْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ».
فلمَّا كان الغَدُ من يوم الفتح قام -عليه الصلاة والسلام- خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بما هو أهله، ثم قال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا، وَلَا أَنْ يَعْضُدَ فِيهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْفَتْحِ فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِنَبِيِّهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا اللهُ لِيَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، أَلَا فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ».
ثم أخذ -صلى الله عليه وسلم- يبعث سراياه إلى الأصنام والأوثان التي كانت تُعبَد من دون الله فتُكسَر، حتى طهَّر مكَّة من كلِّ صنمٍ ووثنٍ وَنُصُبٍ، ثم عاد مُنتصرًا مُعزَّزًا بفضل الله -عز وجل- إلى المدينة المنوَّرة، وقد أقام في ذلك الفتح تسعة عشر يومًا، يُفطِر في رمضان، ويقصُر الصلاةَ حتى عاد إلى المدينة.
وهكذا صدق الله وعده: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح: 27]، فصدق الله وعده، ونصر عبده، وأعزَّ الإسلامَ، وفتح على رسوله فتحًا مُبينًا، ونصره نصرًا عزيزًا، وقرَّت عينُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا النَّصر، كما قرَّت أعينُ بعض أصحابه مما أطال الله حياته وأبقى عمره حتى هذا الفتح، واستشهد رجالٌ في المعارك، وتوفي آخرون على فُرُشهم قبل هذا الفتح.
ورجع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مُؤزَّرًا منصورًا، فساء ذلك قبائل من القبائل العربية، وأخذتهم العزَّةُ بالإثم، وأصرُّوا واستكبروا استكبارًا، وجنَّدوا الجنودَ، وجيَّشوا الجيوشَ؛ لوقف هذا الزَّحف الإسلامي.
تعليق