بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
حَدِيثٌ: "كُلٌّ سَبَبٍ، وَنَسَبٍ، يَومَ القِيَامَةِ يَنقَطِعُ، إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي".
خرج الحافظ ابن حجر هذا الحديث في كتاب النكاح، القسم الرابع في الخصائص والكرامات.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3/143):
حَدِيثٌ: "كُلٌّ سَبَبٍ، وَنَسَبٍ، يَومَ القِيَامَةِ يَنقَطِعُ، إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي".
البَزَّارُ وَالحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيٌّ مِن حَدِيثِ عُمَرَ، وَقَالَ الدَّارَقُطنِيٌّ فِي العِلَلِ: رَوَاهُ ابنُ إِسحَاقَ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ,، عَن أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ، عَن عُمَرَ، وَخَالَفَهُ الثَّورِيٌّ وَابنُ عُيَينَةَ وَغَيرُهُمَا عَن جَعفَرٍ، لَم يَذكُرُوا عَن جَدِّهِ وَهُوَ مُنقَطِعٌ، انتَهَى.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيٌّ مِن حَدِيثِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ,، عَن أَبِيهِ، عَن جَابِرٍ، سَمِعت، عُمَرَ، وَرَوَاهُ ابنُ السَّكَنِ فِي صِحَاحِهِ مِن طَرِيقِ حَسَنِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ,، عَن أَبِيهِ، عَن عُمَرَ فِي قِصَّةِ خِطبَتِهِ أُمَّ كُلثُومٍ, بِنتَ عَلِيٍّ,، وَرَوَاهُ البَيهَقِيٌّ أَيضًا، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيمٍ, فِي الحِليَةِ مِن حَدِيثِ يُونُسَ بنِ أَبِي يَعفُورٍ,، عَن أَبِيهِ، عَن ابنِ عُمَرَ، عَن عُمَرَ.
وَرَوَاهُ أَحمَدُ وَالحَاكِمُ مِن حَدِيثِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ رَفَعَهُ: "إنَّ الأَسبَابَ تَنقَطِعُ يَومَ القِيَامَةِ غَيرُ نَسَبِي، سَبَبِي وَصِهرِي".
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيٌّ فِي الكَبِيرِ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ,.
وَرَوَاهُ فِي الأَوسَطِ مِن طَرِيقِ إبرَاهِيمَ بنِ يَزِيدَ الخُوزِيِّ، عَن مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جَعفَرٍ, سَمِعت عَبدَ اللَّهِ بنَ الزٌّبَيرِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: كُلٌّ نَسَبٍ, وَصِهرٍ, مُنقَطِعٌ يَومَ القِيَامَةِ، إلَّا نَسَبِي، وَصِهرِي. وَإِبرَاهِيمُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ أَحمَدَ فِي زِيَادَاتِ المُسنَدِ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ. ا. هـ.
فالحافظ ابن حجر يذهب إلى أن هذا الأمر من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وصححه العلامة محمد ناصر الدين الألباني في الصحيحة (2036) بمجموع طرقه.
وصححه أيضا الشيخ شعيب الأرنؤوط تخريجه لمسند الإمام أحمد (31/208) وقال:
حديث صحيح دون قوله: "وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري" فهو حسن بشواهده.
وذكر طرق الحديث في تخريجه.
وصححه أيضا في تخريجه لكتاب"سير أعلام النبلاء" (3/500).
وصحح الحديث بمجموع طرقه الشيخ أبو الحسن مصطفى إسماعيل في كتاب"كشفُ الغُـمَّـة ببيان خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمة (ص 131 - 135).
وجعل هذا الحديث في القسم الخاص بخصائصه - صلى الله عليه وسلم - على الخلق جميعا بما فيهم الأنبياء - عليهم السلام -.
وقال في آخر البحث: وقد سئل عنه الإمام أحمد فأثبت أنه من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في السنة للخلال (654)، واللالكائي (2786). ا. هـ.
وإليك كلام الإمام أحمد بنصه من المراجع التي ذكرها:
روى الخلال في كتابه السنة (654) فقال:
وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي"؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال نعم له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ولمعاوية.... نسأل الله العافية.
قال المحقق لكتاب السنة: إسناده صحيح.
وروى اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (8/1531 رقم 2786) فقال:
انبا عبيد الله بن أحمد بن علي، أنا عبد الله بن محمد بن زياد قال: نا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل صهر وكل نسب منقطع إلا صهري ونسبي". قال: نعم، قلت: هذه كلها لمعاوية - رضي الله عنه -؟ قال: نعم.
الخلاصة:
1 - الحديث صحيح بمجموع طرقه كما قرره علماء هذا الفن.
2 - أن نسب النبي وصهره وسببه لا ينقطع يوم القيامة لأنه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في بعض طرق الحديث.
3 - وأما قوله - تعالى -:"فَإِذَا نُفِخَ فِي الصٌّورِ فَلَا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ, وَلَا يَتَسَاءَلُونَ"[المؤمنون: 101] فقد أجاب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - عما ورد فيها من إشكال فقال في كتاب"دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"(ص 164):
هذه الآية الكريمة تدلٌّ على أنهم لا أنساب بينهم يومئذ، وأنهم لا يتساءلون يوم القيامة. وقد جاءت آيات أُخر تدل على ثبوت الأنساب بينهم، كقوله: "يَومَ يَفِرٌّ المَرءُ مِن أَخِيهِ"[عبس: 34]. وآيات أخرى تدل على أنهم يتساءلون، كقوله - تعالى -: "وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, يَتَسَاءَلُونَ"[الصافات: 27].
والجواب عن الأول: أن المراد بنفي الأنساب انقطاع فوائدها وآثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا من العواطف والنفع والصلات والتفاخر بالآباء، لا نفي حقيقتها.
والجواب عن الثاني من ثلاثة أوجه:
- الأول: أن نفي السؤال بعد النفخة الأولى وقبل الثانية وإثباته بعدهما معا.
- الثاني: أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط، وإثباته فيما عدا ذلك. وهو عن السدي، من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
- الثالث: أن السؤال المنفي سؤالٌ خاص، وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق لقنوطهم من الإعطاء، ولو كان المئول أبا أو ابنا أو أما أو زوجة. ذكر هذه الأوجه الثلاثة أيضا صاحب الإتقان. ا. هـ. وقال أيضا في أضواء البيان (5/822): قوله - تعالى -: "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصٌّورِ فَلَا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ, وَلَا يَتَسَاءَلُونَ"[المؤمنون: 101].
في هذه الآية الكريمة سؤالان معروفان يحتاجان إلى جواب مبين للمقصود مزيل للإشكال.
السؤال الأول: أنه - تعالى -ذكر في هذه الآية أنه إذا نفخ في الصور، والظاهر أنها النفخة الثانية، أنهم لا أنساب بينهم يومئذ، فيقال: ما وجه نفي الأنساب بينهم مع أنها باقية كما دل عليه قوله - تعالى -: "يَومَ يَفِرٌّ المَرءُ مِن أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ"[عبس: 34 - 36]، ففي هذه الآية ثبوت الأنساب بينهم.
السؤال الثاني: أنه قال: "وَلَا يَتَسَاءَلُونَ" مع أنه ذكر في آيات أخر أنهم في الآخرة يتساءلون كقوله - تعالى- في سورة الطور: "وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, يَتَسَاءَلُونَ"[الطور: 25]، وقوله في الصافات: "فَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, يَتَسَاءَلُونَ"[الصافات: 50]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد ذكرنا الجواب عن هذين السؤالين في كتابنا: "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"بما حاصله:
أن الجواب عن السؤال الأول: وهو أن المراد بنفي الأنساب انقطاع آثارها التي كانت مترتبة عليها في دار الدنيا، من التفاخر بالآباء والنفع والعواطف والصلات. فكل ذلك ينقطع يوم القيامة، ويكون الإنسان لا يهمه إلا نفسه، وليس المراد نفي حقيقة الأنساب من أصلها بدليل: "يَومَ يَفِرٌّ المَرءُ مِن أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ"الآية.
وأن الجواب عن السؤال الثاني من ثلاثة أوجه:
- الأول: هو قول من قال: إن نفي السؤال بعد النفخة الأولى، وقبل الثانية، وإثباته بعدهما معا. وهذا الجواب فيما يظهر لا يخلو من نظر.
- الثاني: أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة، والجواز على الصراط، وإثباته فيما عدا ذلك، وهو عن السدي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
- الثالث: أن السؤال المنفي سؤال خاص، وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق لقنوطهم من الإعطاء ولو كان المسئول أبا أو ابنا أو أما أو زوجة، ذكر هذه الأوجه الثلاثة صاحب الإتقان. ا. هـ.
ومن كان له زيادة على ما ذكرنا، أو تعقيب فجزاه الله خيرا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
مداد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
حَدِيثٌ: "كُلٌّ سَبَبٍ، وَنَسَبٍ، يَومَ القِيَامَةِ يَنقَطِعُ، إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي".
خرج الحافظ ابن حجر هذا الحديث في كتاب النكاح، القسم الرابع في الخصائص والكرامات.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3/143):
حَدِيثٌ: "كُلٌّ سَبَبٍ، وَنَسَبٍ، يَومَ القِيَامَةِ يَنقَطِعُ، إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي".
البَزَّارُ وَالحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيٌّ مِن حَدِيثِ عُمَرَ، وَقَالَ الدَّارَقُطنِيٌّ فِي العِلَلِ: رَوَاهُ ابنُ إِسحَاقَ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ,، عَن أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ، عَن عُمَرَ، وَخَالَفَهُ الثَّورِيٌّ وَابنُ عُيَينَةَ وَغَيرُهُمَا عَن جَعفَرٍ، لَم يَذكُرُوا عَن جَدِّهِ وَهُوَ مُنقَطِعٌ، انتَهَى.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيٌّ مِن حَدِيثِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ,، عَن أَبِيهِ، عَن جَابِرٍ، سَمِعت، عُمَرَ، وَرَوَاهُ ابنُ السَّكَنِ فِي صِحَاحِهِ مِن طَرِيقِ حَسَنِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ,، عَن أَبِيهِ، عَن عُمَرَ فِي قِصَّةِ خِطبَتِهِ أُمَّ كُلثُومٍ, بِنتَ عَلِيٍّ,، وَرَوَاهُ البَيهَقِيٌّ أَيضًا، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيمٍ, فِي الحِليَةِ مِن حَدِيثِ يُونُسَ بنِ أَبِي يَعفُورٍ,، عَن أَبِيهِ، عَن ابنِ عُمَرَ، عَن عُمَرَ.
وَرَوَاهُ أَحمَدُ وَالحَاكِمُ مِن حَدِيثِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ رَفَعَهُ: "إنَّ الأَسبَابَ تَنقَطِعُ يَومَ القِيَامَةِ غَيرُ نَسَبِي، سَبَبِي وَصِهرِي".
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيٌّ فِي الكَبِيرِ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ,.
وَرَوَاهُ فِي الأَوسَطِ مِن طَرِيقِ إبرَاهِيمَ بنِ يَزِيدَ الخُوزِيِّ، عَن مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جَعفَرٍ, سَمِعت عَبدَ اللَّهِ بنَ الزٌّبَيرِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: كُلٌّ نَسَبٍ, وَصِهرٍ, مُنقَطِعٌ يَومَ القِيَامَةِ، إلَّا نَسَبِي، وَصِهرِي. وَإِبرَاهِيمُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ أَحمَدَ فِي زِيَادَاتِ المُسنَدِ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ. ا. هـ.
فالحافظ ابن حجر يذهب إلى أن هذا الأمر من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وصححه العلامة محمد ناصر الدين الألباني في الصحيحة (2036) بمجموع طرقه.
وصححه أيضا الشيخ شعيب الأرنؤوط تخريجه لمسند الإمام أحمد (31/208) وقال:
حديث صحيح دون قوله: "وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري" فهو حسن بشواهده.
وذكر طرق الحديث في تخريجه.
وصححه أيضا في تخريجه لكتاب"سير أعلام النبلاء" (3/500).
وصحح الحديث بمجموع طرقه الشيخ أبو الحسن مصطفى إسماعيل في كتاب"كشفُ الغُـمَّـة ببيان خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمة (ص 131 - 135).
وجعل هذا الحديث في القسم الخاص بخصائصه - صلى الله عليه وسلم - على الخلق جميعا بما فيهم الأنبياء - عليهم السلام -.
وقال في آخر البحث: وقد سئل عنه الإمام أحمد فأثبت أنه من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في السنة للخلال (654)، واللالكائي (2786). ا. هـ.
وإليك كلام الإمام أحمد بنصه من المراجع التي ذكرها:
روى الخلال في كتابه السنة (654) فقال:
وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي"؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال نعم له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ولمعاوية.... نسأل الله العافية.
قال المحقق لكتاب السنة: إسناده صحيح.
وروى اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (8/1531 رقم 2786) فقال:
انبا عبيد الله بن أحمد بن علي، أنا عبد الله بن محمد بن زياد قال: نا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل صهر وكل نسب منقطع إلا صهري ونسبي". قال: نعم، قلت: هذه كلها لمعاوية - رضي الله عنه -؟ قال: نعم.
الخلاصة:
1 - الحديث صحيح بمجموع طرقه كما قرره علماء هذا الفن.
2 - أن نسب النبي وصهره وسببه لا ينقطع يوم القيامة لأنه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في بعض طرق الحديث.
3 - وأما قوله - تعالى -:"فَإِذَا نُفِخَ فِي الصٌّورِ فَلَا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ, وَلَا يَتَسَاءَلُونَ"[المؤمنون: 101] فقد أجاب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - عما ورد فيها من إشكال فقال في كتاب"دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"(ص 164):
هذه الآية الكريمة تدلٌّ على أنهم لا أنساب بينهم يومئذ، وأنهم لا يتساءلون يوم القيامة. وقد جاءت آيات أُخر تدل على ثبوت الأنساب بينهم، كقوله: "يَومَ يَفِرٌّ المَرءُ مِن أَخِيهِ"[عبس: 34]. وآيات أخرى تدل على أنهم يتساءلون، كقوله - تعالى -: "وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, يَتَسَاءَلُونَ"[الصافات: 27].
والجواب عن الأول: أن المراد بنفي الأنساب انقطاع فوائدها وآثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا من العواطف والنفع والصلات والتفاخر بالآباء، لا نفي حقيقتها.
والجواب عن الثاني من ثلاثة أوجه:
- الأول: أن نفي السؤال بعد النفخة الأولى وقبل الثانية وإثباته بعدهما معا.
- الثاني: أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط، وإثباته فيما عدا ذلك. وهو عن السدي، من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
- الثالث: أن السؤال المنفي سؤالٌ خاص، وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق لقنوطهم من الإعطاء، ولو كان المئول أبا أو ابنا أو أما أو زوجة. ذكر هذه الأوجه الثلاثة أيضا صاحب الإتقان. ا. هـ. وقال أيضا في أضواء البيان (5/822): قوله - تعالى -: "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصٌّورِ فَلَا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ, وَلَا يَتَسَاءَلُونَ"[المؤمنون: 101].
في هذه الآية الكريمة سؤالان معروفان يحتاجان إلى جواب مبين للمقصود مزيل للإشكال.
السؤال الأول: أنه - تعالى -ذكر في هذه الآية أنه إذا نفخ في الصور، والظاهر أنها النفخة الثانية، أنهم لا أنساب بينهم يومئذ، فيقال: ما وجه نفي الأنساب بينهم مع أنها باقية كما دل عليه قوله - تعالى -: "يَومَ يَفِرٌّ المَرءُ مِن أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ"[عبس: 34 - 36]، ففي هذه الآية ثبوت الأنساب بينهم.
السؤال الثاني: أنه قال: "وَلَا يَتَسَاءَلُونَ" مع أنه ذكر في آيات أخر أنهم في الآخرة يتساءلون كقوله - تعالى- في سورة الطور: "وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, يَتَسَاءَلُونَ"[الطور: 25]، وقوله في الصافات: "فَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, يَتَسَاءَلُونَ"[الصافات: 50]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد ذكرنا الجواب عن هذين السؤالين في كتابنا: "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"بما حاصله:
أن الجواب عن السؤال الأول: وهو أن المراد بنفي الأنساب انقطاع آثارها التي كانت مترتبة عليها في دار الدنيا، من التفاخر بالآباء والنفع والعواطف والصلات. فكل ذلك ينقطع يوم القيامة، ويكون الإنسان لا يهمه إلا نفسه، وليس المراد نفي حقيقة الأنساب من أصلها بدليل: "يَومَ يَفِرٌّ المَرءُ مِن أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ"الآية.
وأن الجواب عن السؤال الثاني من ثلاثة أوجه:
- الأول: هو قول من قال: إن نفي السؤال بعد النفخة الأولى، وقبل الثانية، وإثباته بعدهما معا. وهذا الجواب فيما يظهر لا يخلو من نظر.
- الثاني: أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة، والجواز على الصراط، وإثباته فيما عدا ذلك، وهو عن السدي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
- الثالث: أن السؤال المنفي سؤال خاص، وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق لقنوطهم من الإعطاء ولو كان المسئول أبا أو ابنا أو أما أو زوجة، ذكر هذه الأوجه الثلاثة صاحب الإتقان. ا. هـ.
ومن كان له زيادة على ما ذكرنا، أو تعقيب فجزاه الله خيرا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
مداد
تعليق