السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحديث
ورد في مسند الإمام أحمد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:
«اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تبارك ربنا وتعاليت»
(1) رواه أحمد (1/199)،وأبوداود، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، رقم (1425)، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم (464)، والنسائي،كتاب قيام الليل،باب الدعاء في الوتر، رقم(1745)، وابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم (1178).
الشرح
«اللهم اهدنا فيمن هديت» أي دلنا على الحق ووفقنا للعمل به؛ وذلك لأن الهداية التامَّة النافعة هي التي يجمع الله فيها للعبد بين العلم والعمل؛ لأن الهداية بدون عمل لا تنفع، بل هي ضرر؛ لأن الإنسان إذا لم يعمل بما علم صار علمه وبالاً عليه.
مثال الهداية العلمية بدون العمل: قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى }
[فصلت: 17]
أي بينَّا لهم الطريق وأبلغناهم العلم، ولكنهم ـ والعياذ بالله ـ استحبوا العمى على الهدى.
ومن ذلك أيضًا من الهداية التي هي العلم وبيان الحق، قول الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلّم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، أي تدل وتبين وتعلم الناس الصراط المستقيم. وأما الهداية التي بمعنى التوفيق فمثل قوله تعالى {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56].
هذه هداية التوفيق للعمل، فالرسول صلى الله عليه وسلّم لا يستطيع أن يوفق أحدًا للعمل الصالح أبدًا، ولو كان يستطيع ذلك لاستطاع أن يَهْدِي عمه أبا طالب، وقد حاول معه حتى قال له عند وفاته ـ أي قال لعمِّه عند وفاة عمِّه: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله»، ولكن قد سبقت من الله ـ عزَّ وجلَّ ـ الكلمة بأنه من أهل النار ـ والعياذ بالله ـ فلم يقل: «لا إله إلا الله»، وكان آخر ما قال: «هو على ملة عبد المطلب»(1)، لكن الله ـ عزَّ وجل ـ أذن لرسوله صلى الله عليه وسلّم أن يشفع له، لا لأنه عمه، لكن لأنه قام بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعن الإسلام، فشفع النبي صلى الله عليه وسلّم في عمه فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه وإنه لأهون أهل النار عذابًا، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».
(1) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قصة أبي طالب، رقم(3884)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت...، رقم(24).
اللهم أهدنا فيمن هاديت
فإذا قلنا في دعاء القنوت: «اللهم اهدنا فيمن هديت» فإننا نسأل الهدايتين، هداية العلم وهداية العمل، كما أن قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، يشمل الهدايتين هداية العلم، وهداية العمل، فينبغي للقارئ أن يستحضر أنه يسأل الهدايتين: هداية العلم وهداية العمل.
وقوله: «فيمن هديت» هذه من باب التوسل بإنعام الله تعالى على من هداه، أن ينعم علينا نحن أيضًا بالهداية. ويعني: أننا نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد هديت أناسًا آخرين.
وعافنا فيمن عافيت
«وعافنا فيمن عافيت» عافنا من أمراض القلوب وأمراض الأبدان. وينبغي لك يا أخي أن تستحضر وأنت تدعو، أن الله يعافيك من أمراض البدن، وأمراض القلب؛ لأن أمراض القلب أعظم من أمراض البدن ولذلك نقول في دعاء القنوت: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا».
أمراض الأبدان معروفة لكن أمراض القلوب. تعود إلى شيئين:
الأول: أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى.
الثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل.
فالأول: أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى، أن يعرف الإنسان الحق، لكن لا يريده؛ لأن له هوًى مخالفًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلّم.
والثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل؛ لأن الجاهل يفعل الباطل يظنه حقًّا وهذا مرض خطير جدًّا. فأنت تسأل الله المعافاة والعافية من أمراض الأبدان، ومن أمراض القلوب، التي هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.
وتولنا فيمن توليت
وقولنا: «تولنا فيمن توليت» أي كُنْ وليًّا لنا، والولاية نوعان: عامَّة وخاصَّة.
فالولاية الخاصَّة: للمؤمنين خاصَّة، كما قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 752]، فتسأل الله تعالى الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاه الله عزَّ وجلَّ والتوفيق لمايحبه ويرضاه.
أما الولاية العامة، فهي تشمل كل أحد، فالله ولي كل أحد، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 16]، وهذا عام لكل أحد، ثم قال: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 26].
لكن عندما نقول: «اللهم اجعلنا من أوليائك»، أو «اللهم تولنا»، فإننا نريد بها الولاية الخاصة، وهي تقتضي العناية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت
وقولنا: «وبارك لنا فيما أعطيت» البركة هي الخير الكثير الثابت، ويعيد العلماء ذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة، فإنها من البِرْكة، بكسر الباء وهي مجمع الماء، فهي شيء واسع ماؤه كثير ثابت. فالبَرَكَة هي الخيرات الكثيرة الثابتة. والمعنى أي: أنزل لي البركة فيما أعطيتني.
«فيما أعطيت» أي أعطيت من المال والولد والعلم وغير ذلك مما أعطى الله عزَّ وجلَّ، فتسأل الله البركة فيه؛ لأن الله إذا لم يبارك لك فيما أعطاك، حرمت خيرًا كثيرًا.
ماأكثر الناس الذين عندهم مال كثير لكنهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، يجمعونه ولا ينتفعون به. وهذا من نزع البركة.
كثير من الناس عنده أولاد، لكن أولاده لا ينفعونه لما فيهم من عقوق، وهؤلاء لم يُبَارَكْ لهم في أولادهم.
تجد بعض الناس أعطاه الله علمًا كثيرًا لكنه بمنزلة الأمي، لا يظهر أثر العلم عليه في عبادته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يُكْسِبه العلم استكبارًا على عباد الله، وعلوًّا عليهم، واحتقارًا لهم، وما علم هذا أن الذي منَّ عليه بالعلم هو الله، تجده لم ينتفع الناس بعلمه، لا بتدريس، ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو منحصر على نفسه، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن العلم من أبرك ما يعطيه الله للعبد؛ لأن العلم إذا علَّمْته غيرك ونشرته بين الناس، أُجِرتَ على ذلك من عدة وجوه:
الأول: أن في نشرك للعلم نشرًا لدين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فتكون من المجاهدين في سبيل الله؛ لأنك تفتح القلوب بالعلم، كما يفتح المجاهد البلاد بالسلاح والإيمان.
الثاني: من بركة نشر العلم وتعليمه أن فيه حفظًا لشريعة الله عزَّ وجلَّ، وحماية لها؛ لأنه لولا العلم لم تحفظ الشريعة.
الثالث: من بركة نشر العلم، أنك تُحْسِن إلى هذا الذي علمته؛ لأنك تبصره في دين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فإذا عبد الله على بصيرة كان لك مثل أجره؛ لأنك أنت الذي دللته على الخير، والدال على الخير كفاعله.
الرابع: أنَّ في نشر العلم وتعلميه زيادة له، فعلم العالم يزيد إذا علّم الناس؛ لأنه استذكار لما حفظ وانفتاح لما لم يحفظ، كما قال القائل:
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفًّا شددتا أي: إذا أمسكته ولم تعلمه نقص.
«وقنا شر ما قضيت» الله عزَّ وجلَّ يقضي بالخير ويقضي بالشر.
أما قضاؤه بالخير فهو خير محض في القضاء والمقضي.
مثال القضاء بالخير: القضاء للناس بالرزق الواسع، والأمن والطمأنينة، والهداية والنصر.. إلخ. هذا خير في القضاء والمقضي.
القضاء بالشر: خير في القضاء، شر في المقضي.
مثال ذلك: القحط (امتناع المطر) هذا شر، لكن قضاء الله به خير، كيف يكون القضاء بالقحط خيرًا؟ لو قال قائل: إن الله يقدّر علينا القحط، والجدب، فتموت المواشي، وتفسد الزروع، فما وجه الخير؟
نقول: استمع إلى قول الله سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 14]، إذًا لهذا القضاء غاية حميدة، وهي الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى من معصيته إلى طاعته، فصار المقضي شرًّا والقضاء خيرًا.
وعلى هذا فـ«ما» هنا اسم موصول.
والمعنى: قِنَا شرَّ الذي قضيت، فإن الله تعالى يقضي بالشرِّ لحكمة بالغة حميدة، وليست (ما) هنا مصدرية أي شر قضائك لكنها اسم موصول بمعنى الذي، لأن قضاء الله ليس فيه شر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم فيما أثنى به على ربه: «والخير بيديك والشر ليس إليك» لهذا لا ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى.
انك تقضي و لا يقضى عليك, إنه لا يزل من واليت و لا يعز من عاديت
«إنك تقضي ولا يُقضى عليك» الله عزَّ وجلَّ يقضي قضاء شرعيًّا وقضاء كونيًّا، فالله تعالى يقضي على كل شيء وبكل شيء؛ لأن له الحكم التام الشامل.
«ولا يقضى عليك» أي لا يقضي عليه أحد، فالعباد لا يحكمون على الله، والله يحكم عليهم، العباد يُسألون عما عملوا، وهو لا يُسأل:
{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 32].
«إنه لا يذل من واليت، ولا يعزّ من عاديت» وهذا كالتعليل لقولنا فيما سبق: «وتولنا فيمن توليت»، فإذا تولى الله الإنسان فإنه لا يذل، وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز.
ومقتضى ذلك أننا نطلب العز من الله سبحانه، ونتقي من الذل بالله عزَّ وجلَّ، فلا يمكن أن يذل أحد والله تعالى وليه، فالمهم هو تحقيق هذه الولاية. وبماذا تكون هذه الولاية؟
هذه الولاية تكون بوصفين بيّنهما الله عزَّ وجلَّ في كتابه، فقال عزَّ وجلَّ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 26، 36]، وصفات أحدهما في القلب، والثاني في الجوارح. (الذين آمنوا) في القلب، (وكانوا يتقون) هذه في الجوارح، فإذا صلح القلب والجوارح؛ نال الإنسان الولاية بهذين الوصفين، وليست الولاية فيمن يدعيها من أولئك القوم الذين يسلكون طرق الرهبان وأهل البدع الذين يبتدعون في شرع الله ما ليس منه، ويقولون نحن الأولياء. فولاية الله عزَّ وجلَّ التي بها العز هي مجموعة في هذين الوصفين:الإيمان والتقوى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أخذًا من هذه الاية: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 36]، «من كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا»، وصدق رحمه الله؛ لأن هذا الذي دلَّ عليه القرآن.
«ولا يعزّ من عاديت» يعني أن من كان عدوًّا لله فإنه لا يعز، بل حاله الذل والخسران والفشل، قال الله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 89]، فكل الكافرين في ذل وهم أذلة. ولهذا لو كان عند المسلمين عز الإسلام وعز الدين وعز الولاية؛ لم يكن هؤلاء الكفار على هذا الوضع الذي نحن فيه الان، حتى إننا ننظر إليهم من طرف خفي، ننظر إليهم من طريق الذل لنا، والعز لهم؛ لأن أكثر المسلمين اليوم مع الأسف لم يعتزوا بدينهم، ولم يأخذوا بتعاليم الدين، وركنوا إلى مادة الدنيا، وزخارفها؛ ولهذا أصيبوا بالذل، فصار الكفار في نفوسهم أعز منهم. لكننا نؤمن أن الكفار أعداء لله وأن الله كتب الذل على كل عدو له، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [المجادلة:02]. وهذا خبر مؤكد،ثم قال: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 12]، فمن عادى الله عزَّ وجلَّ فهو ذليل لا يمكن أن يكون عزيزًا إلا في نظر من لا يرى العزة إلا في مثل ما كان عليه هذا الكافر، وأما من نظر أن العزة لا تكون إلا بولاية الله عزَّ وجلَّ والاستقامة على دينه فإنه لا يرى هؤلاء إلاَّ أَذَلَّ خلق الله.
تباركت ربنا وتعاليت
«تباركت ربنا وتعاليت» هذا ثناء على الله عزَّ وجلَّ بأمرين: أحدهما التبارك، والتاء للمبالغة؛ لأن الله عزَّ وجلَّ هو أهل البركة «تباركت» أي كثرت خيراتك وعمت ووسعت الخلق؛ لأن البركة كما قلنا فيما سبق هي الخير الكثير الدائم.
وقوله: «ربنا» أي يا ربنا، فهو منادى حذفت منه ياء النداء.
وقوله: «وتعاليت» من العلو الذاتي والوصفي. فالله سبحانه وتعالى عليٌّ بذاته وعليٌّ بصفاته. عليٌّ بذاته فوق جميع الخلق، وعلوه سبحانه وتعالى وصف ذاتي أزلي أبدي، أما استواؤه على العرش فإنه وصف فِعْلِيٌّ يتعلق بمشيئته سبحانه وتعالى،والعرش:هو أعلى المخلوقات، وعليه استوى الله عزَّ وجلَّ، يعني علا عليه علوًّا يليق بجلاله وعظمته، لا نكَيِّفُه ولا نمثِّله وهذا العلو أجمع عليه السلف الصالح لدلالة القرآن والسنة والعقل والفطرة على ذلك(3).
وأما العلو الوصفي فمعناه أن الله له من صفات الكمال أعلاها وأتمها، وأنه لا يمكن أن يكون في صفاته نقص بوجه من الوجوه.
وفي دعاء القنوت جملة يكثر السؤال عنها مما يدعو به أئمتنا في قنوتهم، يقولون: «هب المسيئين منا للمحسنين» فما معناها؟
أقرب الأقوال فيها أنها من باب الشفاعة، يعني أن هذا الجمع الكبير فيهم المسيء، وفيهم المحسن، فاجعل المسيء هدية للمحسن بشفاعته له فكأنه قيل وشفع المحسنين منا في المسيئين.
تم بحمد الله وتوفيقه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
الحديث
ورد في مسند الإمام أحمد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:
«اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تبارك ربنا وتعاليت»
(1) رواه أحمد (1/199)،وأبوداود، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، رقم (1425)، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم (464)، والنسائي،كتاب قيام الليل،باب الدعاء في الوتر، رقم(1745)، وابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم (1178).
الشرح
«اللهم اهدنا فيمن هديت» أي دلنا على الحق ووفقنا للعمل به؛ وذلك لأن الهداية التامَّة النافعة هي التي يجمع الله فيها للعبد بين العلم والعمل؛ لأن الهداية بدون عمل لا تنفع، بل هي ضرر؛ لأن الإنسان إذا لم يعمل بما علم صار علمه وبالاً عليه.
مثال الهداية العلمية بدون العمل: قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى }
[فصلت: 17]
أي بينَّا لهم الطريق وأبلغناهم العلم، ولكنهم ـ والعياذ بالله ـ استحبوا العمى على الهدى.
ومن ذلك أيضًا من الهداية التي هي العلم وبيان الحق، قول الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلّم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، أي تدل وتبين وتعلم الناس الصراط المستقيم. وأما الهداية التي بمعنى التوفيق فمثل قوله تعالى {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56].
هذه هداية التوفيق للعمل، فالرسول صلى الله عليه وسلّم لا يستطيع أن يوفق أحدًا للعمل الصالح أبدًا، ولو كان يستطيع ذلك لاستطاع أن يَهْدِي عمه أبا طالب، وقد حاول معه حتى قال له عند وفاته ـ أي قال لعمِّه عند وفاة عمِّه: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله»، ولكن قد سبقت من الله ـ عزَّ وجلَّ ـ الكلمة بأنه من أهل النار ـ والعياذ بالله ـ فلم يقل: «لا إله إلا الله»، وكان آخر ما قال: «هو على ملة عبد المطلب»(1)، لكن الله ـ عزَّ وجل ـ أذن لرسوله صلى الله عليه وسلّم أن يشفع له، لا لأنه عمه، لكن لأنه قام بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعن الإسلام، فشفع النبي صلى الله عليه وسلّم في عمه فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه وإنه لأهون أهل النار عذابًا، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».
(1) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قصة أبي طالب، رقم(3884)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت...، رقم(24).
اللهم أهدنا فيمن هاديت
فإذا قلنا في دعاء القنوت: «اللهم اهدنا فيمن هديت» فإننا نسأل الهدايتين، هداية العلم وهداية العمل، كما أن قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، يشمل الهدايتين هداية العلم، وهداية العمل، فينبغي للقارئ أن يستحضر أنه يسأل الهدايتين: هداية العلم وهداية العمل.
وقوله: «فيمن هديت» هذه من باب التوسل بإنعام الله تعالى على من هداه، أن ينعم علينا نحن أيضًا بالهداية. ويعني: أننا نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد هديت أناسًا آخرين.
وعافنا فيمن عافيت
«وعافنا فيمن عافيت» عافنا من أمراض القلوب وأمراض الأبدان. وينبغي لك يا أخي أن تستحضر وأنت تدعو، أن الله يعافيك من أمراض البدن، وأمراض القلب؛ لأن أمراض القلب أعظم من أمراض البدن ولذلك نقول في دعاء القنوت: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا».
أمراض الأبدان معروفة لكن أمراض القلوب. تعود إلى شيئين:
الأول: أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى.
الثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل.
فالأول: أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى، أن يعرف الإنسان الحق، لكن لا يريده؛ لأن له هوًى مخالفًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلّم.
والثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل؛ لأن الجاهل يفعل الباطل يظنه حقًّا وهذا مرض خطير جدًّا. فأنت تسأل الله المعافاة والعافية من أمراض الأبدان، ومن أمراض القلوب، التي هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.
وتولنا فيمن توليت
وقولنا: «تولنا فيمن توليت» أي كُنْ وليًّا لنا، والولاية نوعان: عامَّة وخاصَّة.
فالولاية الخاصَّة: للمؤمنين خاصَّة، كما قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 752]، فتسأل الله تعالى الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاه الله عزَّ وجلَّ والتوفيق لمايحبه ويرضاه.
أما الولاية العامة، فهي تشمل كل أحد، فالله ولي كل أحد، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 16]، وهذا عام لكل أحد، ثم قال: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 26].
لكن عندما نقول: «اللهم اجعلنا من أوليائك»، أو «اللهم تولنا»، فإننا نريد بها الولاية الخاصة، وهي تقتضي العناية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت
وقولنا: «وبارك لنا فيما أعطيت» البركة هي الخير الكثير الثابت، ويعيد العلماء ذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة، فإنها من البِرْكة، بكسر الباء وهي مجمع الماء، فهي شيء واسع ماؤه كثير ثابت. فالبَرَكَة هي الخيرات الكثيرة الثابتة. والمعنى أي: أنزل لي البركة فيما أعطيتني.
«فيما أعطيت» أي أعطيت من المال والولد والعلم وغير ذلك مما أعطى الله عزَّ وجلَّ، فتسأل الله البركة فيه؛ لأن الله إذا لم يبارك لك فيما أعطاك، حرمت خيرًا كثيرًا.
ماأكثر الناس الذين عندهم مال كثير لكنهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، يجمعونه ولا ينتفعون به. وهذا من نزع البركة.
كثير من الناس عنده أولاد، لكن أولاده لا ينفعونه لما فيهم من عقوق، وهؤلاء لم يُبَارَكْ لهم في أولادهم.
تجد بعض الناس أعطاه الله علمًا كثيرًا لكنه بمنزلة الأمي، لا يظهر أثر العلم عليه في عبادته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يُكْسِبه العلم استكبارًا على عباد الله، وعلوًّا عليهم، واحتقارًا لهم، وما علم هذا أن الذي منَّ عليه بالعلم هو الله، تجده لم ينتفع الناس بعلمه، لا بتدريس، ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو منحصر على نفسه، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن العلم من أبرك ما يعطيه الله للعبد؛ لأن العلم إذا علَّمْته غيرك ونشرته بين الناس، أُجِرتَ على ذلك من عدة وجوه:
الأول: أن في نشرك للعلم نشرًا لدين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فتكون من المجاهدين في سبيل الله؛ لأنك تفتح القلوب بالعلم، كما يفتح المجاهد البلاد بالسلاح والإيمان.
الثاني: من بركة نشر العلم وتعليمه أن فيه حفظًا لشريعة الله عزَّ وجلَّ، وحماية لها؛ لأنه لولا العلم لم تحفظ الشريعة.
الثالث: من بركة نشر العلم، أنك تُحْسِن إلى هذا الذي علمته؛ لأنك تبصره في دين الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فإذا عبد الله على بصيرة كان لك مثل أجره؛ لأنك أنت الذي دللته على الخير، والدال على الخير كفاعله.
الرابع: أنَّ في نشر العلم وتعلميه زيادة له، فعلم العالم يزيد إذا علّم الناس؛ لأنه استذكار لما حفظ وانفتاح لما لم يحفظ، كما قال القائل:
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفًّا شددتا أي: إذا أمسكته ولم تعلمه نقص.
«وقنا شر ما قضيت» الله عزَّ وجلَّ يقضي بالخير ويقضي بالشر.
أما قضاؤه بالخير فهو خير محض في القضاء والمقضي.
مثال القضاء بالخير: القضاء للناس بالرزق الواسع، والأمن والطمأنينة، والهداية والنصر.. إلخ. هذا خير في القضاء والمقضي.
القضاء بالشر: خير في القضاء، شر في المقضي.
مثال ذلك: القحط (امتناع المطر) هذا شر، لكن قضاء الله به خير، كيف يكون القضاء بالقحط خيرًا؟ لو قال قائل: إن الله يقدّر علينا القحط، والجدب، فتموت المواشي، وتفسد الزروع، فما وجه الخير؟
نقول: استمع إلى قول الله سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 14]، إذًا لهذا القضاء غاية حميدة، وهي الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى من معصيته إلى طاعته، فصار المقضي شرًّا والقضاء خيرًا.
وعلى هذا فـ«ما» هنا اسم موصول.
والمعنى: قِنَا شرَّ الذي قضيت، فإن الله تعالى يقضي بالشرِّ لحكمة بالغة حميدة، وليست (ما) هنا مصدرية أي شر قضائك لكنها اسم موصول بمعنى الذي، لأن قضاء الله ليس فيه شر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم فيما أثنى به على ربه: «والخير بيديك والشر ليس إليك» لهذا لا ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى.
انك تقضي و لا يقضى عليك, إنه لا يزل من واليت و لا يعز من عاديت
«إنك تقضي ولا يُقضى عليك» الله عزَّ وجلَّ يقضي قضاء شرعيًّا وقضاء كونيًّا، فالله تعالى يقضي على كل شيء وبكل شيء؛ لأن له الحكم التام الشامل.
«ولا يقضى عليك» أي لا يقضي عليه أحد، فالعباد لا يحكمون على الله، والله يحكم عليهم، العباد يُسألون عما عملوا، وهو لا يُسأل:
{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 32].
«إنه لا يذل من واليت، ولا يعزّ من عاديت» وهذا كالتعليل لقولنا فيما سبق: «وتولنا فيمن توليت»، فإذا تولى الله الإنسان فإنه لا يذل، وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز.
ومقتضى ذلك أننا نطلب العز من الله سبحانه، ونتقي من الذل بالله عزَّ وجلَّ، فلا يمكن أن يذل أحد والله تعالى وليه، فالمهم هو تحقيق هذه الولاية. وبماذا تكون هذه الولاية؟
هذه الولاية تكون بوصفين بيّنهما الله عزَّ وجلَّ في كتابه، فقال عزَّ وجلَّ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 26، 36]، وصفات أحدهما في القلب، والثاني في الجوارح. (الذين آمنوا) في القلب، (وكانوا يتقون) هذه في الجوارح، فإذا صلح القلب والجوارح؛ نال الإنسان الولاية بهذين الوصفين، وليست الولاية فيمن يدعيها من أولئك القوم الذين يسلكون طرق الرهبان وأهل البدع الذين يبتدعون في شرع الله ما ليس منه، ويقولون نحن الأولياء. فولاية الله عزَّ وجلَّ التي بها العز هي مجموعة في هذين الوصفين:الإيمان والتقوى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أخذًا من هذه الاية: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 36]، «من كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا»، وصدق رحمه الله؛ لأن هذا الذي دلَّ عليه القرآن.
«ولا يعزّ من عاديت» يعني أن من كان عدوًّا لله فإنه لا يعز، بل حاله الذل والخسران والفشل، قال الله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 89]، فكل الكافرين في ذل وهم أذلة. ولهذا لو كان عند المسلمين عز الإسلام وعز الدين وعز الولاية؛ لم يكن هؤلاء الكفار على هذا الوضع الذي نحن فيه الان، حتى إننا ننظر إليهم من طرف خفي، ننظر إليهم من طريق الذل لنا، والعز لهم؛ لأن أكثر المسلمين اليوم مع الأسف لم يعتزوا بدينهم، ولم يأخذوا بتعاليم الدين، وركنوا إلى مادة الدنيا، وزخارفها؛ ولهذا أصيبوا بالذل، فصار الكفار في نفوسهم أعز منهم. لكننا نؤمن أن الكفار أعداء لله وأن الله كتب الذل على كل عدو له، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [المجادلة:02]. وهذا خبر مؤكد،ثم قال: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 12]، فمن عادى الله عزَّ وجلَّ فهو ذليل لا يمكن أن يكون عزيزًا إلا في نظر من لا يرى العزة إلا في مثل ما كان عليه هذا الكافر، وأما من نظر أن العزة لا تكون إلا بولاية الله عزَّ وجلَّ والاستقامة على دينه فإنه لا يرى هؤلاء إلاَّ أَذَلَّ خلق الله.
تباركت ربنا وتعاليت
«تباركت ربنا وتعاليت» هذا ثناء على الله عزَّ وجلَّ بأمرين: أحدهما التبارك، والتاء للمبالغة؛ لأن الله عزَّ وجلَّ هو أهل البركة «تباركت» أي كثرت خيراتك وعمت ووسعت الخلق؛ لأن البركة كما قلنا فيما سبق هي الخير الكثير الدائم.
وقوله: «ربنا» أي يا ربنا، فهو منادى حذفت منه ياء النداء.
وقوله: «وتعاليت» من العلو الذاتي والوصفي. فالله سبحانه وتعالى عليٌّ بذاته وعليٌّ بصفاته. عليٌّ بذاته فوق جميع الخلق، وعلوه سبحانه وتعالى وصف ذاتي أزلي أبدي، أما استواؤه على العرش فإنه وصف فِعْلِيٌّ يتعلق بمشيئته سبحانه وتعالى،والعرش:هو أعلى المخلوقات، وعليه استوى الله عزَّ وجلَّ، يعني علا عليه علوًّا يليق بجلاله وعظمته، لا نكَيِّفُه ولا نمثِّله وهذا العلو أجمع عليه السلف الصالح لدلالة القرآن والسنة والعقل والفطرة على ذلك(3).
وأما العلو الوصفي فمعناه أن الله له من صفات الكمال أعلاها وأتمها، وأنه لا يمكن أن يكون في صفاته نقص بوجه من الوجوه.
وفي دعاء القنوت جملة يكثر السؤال عنها مما يدعو به أئمتنا في قنوتهم، يقولون: «هب المسيئين منا للمحسنين» فما معناها؟
أقرب الأقوال فيها أنها من باب الشفاعة، يعني أن هذا الجمع الكبير فيهم المسيء، وفيهم المحسن، فاجعل المسيء هدية للمحسن بشفاعته له فكأنه قيل وشفع المحسنين منا في المسيئين.
تم بحمد الله وتوفيقه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
تعليق