إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

آداب الزفاف في السُـنَّـة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • آداب الزفاف في السُـنَّـة





    حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على نبيه وآله وصحبه ومن والاه، وعلى كل من اهتدى بهداه.
    أما بعد: فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لأول مرة، تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالى الأستاذ عبد الرحمن ألباني، فإنه- جزاه الله خيراً- اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه، ففعلت، ثم قام هو بطبعها على نفقته، ووزعها مجاناً في حفلة زفافه، مكان ما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها، مما لا يبقى أثره ولا يدوم نفعه، فكان ذلك منه سنة حسنة، من حسناته الكثيرة- إن شاء الله- ما أحوج المسلمين إلى الاقتداء به فيها، والسير على منوالها.




    ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى، وكان من تمام الاستفادة منها، تعميم نشرها على الناس في مختلف الأقطار والأمصار، رأى كثيرون إعادة طبعها، وألحوا عليّ بالطلب، فاستجبت لذلك، وتفرغت له بعض الوقت، فأضفت إليها زيادات كثيرة، فاتني إيرادها في الطبعة الأولى بسبب السرعة التي تم بها تأليفها وإخراجها.




    وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامة التي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله، فبينت- ما استطعت- خطأهم فيها، وبعدهم عن الصواب فيما قالوه حولها، وذلك بالحجة والبرهان، ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره، وبصيرة من دينه، فلا يتأثر بشبهات الشاكين، وجدال المبطلين، وقلة السالكين، في زمن أصبح التمسك فيه بالسنة غريباً في بني دينه المحاولين التمسك به، فكيف هو في المخالفين له، الصادين عنه؟!




    أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم: (وإنّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) مسلم.
    وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة الشيخ محب الدين الخطيب تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الأولى، لما فيها من فوائد ومواعظ، وهي في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه، بل ولم يسمعن به من قبل، فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، إنك سميع مجيب.
    دمشق في 25/10/1376هـ.



    مقدمة الطبعة الأولى
    بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، ولا رب لهم غيره، ولا يطاع في السر والعلن سواه، وصلى الله على معلم الناس الخير محمدٍ هادي الإنسانية إلى سنة الحق، وعلى آله وصحبه وسلم.
    وبعدُ؛ فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال؛ يلهيهم ما يلهي الأطفال، يلهيهم ما يلهي الأطفال، ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما يصرف الأطفال من ألاعيب وتوافه وأوهام، حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال، وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات، وحينئذيرجعون إلى ربهم، فيحفظ لهم عقولهم، ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم، ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم، فيستعملونها فيما ينفعهم، ويكون بهم عزهم، ويعلو به سلطانهم.
    وتحري سنة الإسلام في الاعتدال، والانتفاع بهدايته في التحرر من السفاسف التي صار السملمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة، يتوقف على أمرين:


    أحدهما: إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام.


    والثاني: ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي بالعمل به، حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم.
    وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عن معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم، في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه، وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام، حتى أوغلوا لا في الجاهلية الأولى التي امتازت- في هذه الناحية- بفطرة العروبة وتحررها من بذخ المترفين، بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار، حتى أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس، فكادوا ينصرفون عنه- وهو في نفسه من سنة الإسلام- لأنهم انصرفوا فيه عن سنن الإسلام، فأوقعهم ذلك في شر أنواع الجاهلية.




    وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها، تهيأ لها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها، وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني، فوضع بين أيدي المسلمين النصوص الصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الزفاف، وحبذا لو كان قد اتّسع له الوقت وواتته الأسباب، فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة الزوجية، وآداب البيت، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية. ولكن ظهور الهلال في ليلته الأولى، قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدراً كاملاً.




    وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه، تهيأ لها كذلك المسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في الاعتدال والتحرر من العبودية للسفاسف والملاهي وتوافه العادات، عندما استخارا الله، فخار لهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر، والأسرة الإسلامية المتحررة من تقاليد الجاهلية الأجنبية عنا، والطارئة علينا. فأرجو الله عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهد الأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته، حتى يحقق له آماله، ملتزماً سنة الإسلام في ذلك ما استطاع.




    وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مثلاً من تاريخ نساء العروبة والإسلام، ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها، لتكون من الخالدات إن شاء الله.
    إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان كان لأبيها- يوم تزوجت- السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقاً، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غرباً. ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام، وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز.




    وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة، وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات، ويقال: إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ، وتغنى بهما الشعراء، وكانا وحدهما يساويان كنزاً. ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأدسم المأكولات وأندرها وأغلاها، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر، لاستطاعت ذلك.



    إلا أني لا أذيع مجهولاً بين الناس إن قلت: إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع بالعافية المعتدلون، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة والمعدمين، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة ومملولة، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما رواه ذلك، فلا يجدونه، بينما المعتدلون يعملون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه، وأنهم يجدونه متى شاؤوا، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات، ليكونوا أرفع منها، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها، ولذلك اختار الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز- في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض- أن تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم، ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء، فكانت مغتبطة بذلك؛ لأنها تذوقت القناعة، وتمتعت بحلاوة الاعتدال، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف.





    بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله، فاستجابت له، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآليء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين. وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئاً، فجاءها أمين بيت المال، وقال لها: إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، وإني اعتبرتها أمانة لك، وحفظتها لهذا اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها. فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين، ثم قالت: ((وما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً)). وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة، في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات، وبذلك كتب الله لها الخلود، وها نحن نتحدث عن شرف معدنها، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور، رحمها الله، وأعلى مقامهما في جنات النعيم.




    إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء، وكل عيش مهما خشن أو نعم، إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه، والسعادة هي الرضا، والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني، جعلنا الله من أهله.








    اللهم أرزقني الهداية والثبات حتى الممات

    وأرزق أبو رفيدة من حيث لا يحتسب

    وأرزقني وزوجي وإبنتي حجة في السنة المقبلة يـــــارب










  • #2
    رد: آداب الزفاف في السُـنَّـة

    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيرا


    ربِّ خذ من حياتي حتى ترضى، واجعل كل سكنة وكل حركة وكل لحظة طَرْفٍ فيك ولك!

    تعليق


    • #3
      آداب الزفاف





      الوضوء بين الجماعين:


      وإذا أتاها في المحل المشروع، ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم:
      ((إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ [بينهما وضوءاً] (وفي رواية: وضوءه للصلاة) [فإنه أنشط في العود] )) مسلم وابن أبي شيبة، وأحمد وأبو نعيم والزيادة له.

      الغسل أفضل:

      لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: ((هذا أزكى وأطيب وأطهر)). أبو داود، والنسائي، والطبراني.

      اغتسال الزوجين معاً:

      ويجوز لهما أن يغتسلا معاً في مكان واحد، ولو رأى منه ورأت منه، وفيه أحاديث:
      الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه]، فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي، قالت: هما جنبان))البخاري ومسلم وأبو عوانة في ((صحاحهم)).


      الثاني:
      عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)).قال: قلت: يا رسول الله! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: ((إن استطعت أن لا يرينها أحد، فلا يرينها)). قال: فقلت: يا رسول الله! إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: ((الله أحق أن يستحيى منه من الناس))رواه أصحاب السنن إلا النسائي.



      توضؤ الجنب قبل النوم:

      ولا ينامان جُنبين إلا إذا توضأ، وفيه أحاديث:
      الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [يأكل أو] ينام وهو جنب غسل فرجه، وتوضأ وضوءه للصلاة)) البخاري ومسلم وأبو عوانة.


      الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن عمر قال: يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ))، وفي رواية: ((توضأ واغسل ذكرك، ثم نم)). وفي رواية: ((نعم، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء)). وفي أخرى: ((نعم، ويتوضأ إن شاء)) أخرجه الثلاثة في صحاحهم.


      الثالث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
      ((ثالثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ))حديث حسن أبو داود وأحمد والطحاوي والبيهقي.

      حكم هذا الوضوء:

      وليس ذلك على الوجوب، وإنما للاستحباب المؤكد، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: ((نعم، ويتوضأ إن شاء))ابن حبان في صحيحه. ويؤيده حديث عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً [حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل] ))ابن أبي شيبة وأصحاب السنن إلا النسائي. وفي رواية عنهما: ((كان يبيت جنباً فيأتيه بلال، فيؤذنه بالصلاة، فيقوم فيغتسل، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر، ثم يظل صائماً. قال مطرف: فقلت لعامر: في رمضان؟ قال: نعم، سواء رمضان أو غيره)) ابن أبي شيبة وسنده صحيح وأبو يعلى.

      تيمم الجنب بدل الوضوء:

      ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحياناً لحديث عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ، أو تيمم)) البيهقي قال لحافظ في ((الفتح)) إسناده حسن.

      اغتساله قبل النوم أفضل:

      واغتسالهما أفضل، لحديث عبد الله بن قيس قال: ((سألت عائشة قلت: كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام، أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)) مسلم وأبو عوانة وأحمد.

      تحريم إتيان الحائض:


      ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله تبارك وتعالى: ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحبّ المتطهرين﴾. وفيه أحاديث:
      الأول: من قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً؛
      فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد)) حديث صحيح. رواه أصحاب السنن وغيرهم.


      الثاني: عن أنس بن مالك قال:(إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت،ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها،ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى ذكره ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض﴾ إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء؛ غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهنّ في المحيض؟ فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننّا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما)). مسلم وأبو عوانة وأبو دواد في صحاحهم.

      كفارة من جامع الحائض:


      من غلته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها، فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريباً أو ربعها، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: ((يتصدق بدينار أو نصف دينار)) أخرجه أصحاب السنن والطبراني والدارمي والحاكم.


      ما يحل له من الحائض:


      ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض، وفيه أحاديث:

      الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: ((... واصنعوا كل شيء إلا النكاح)).


      الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتّزر، ثم يضاجعها زوجها، وقالت مرة: يباشرها))البخاري ومسلم وأبو عوانة.


      الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم:((كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً[ ثم صنع ما أراد] ))أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم.

      متى يجوز إتيانها إذا طهرت:


      فإذا طهرت من حيضها، وانقطع الدم عنها، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط، أو تتوضأ أو تغتسل، أي ذلك فعلت، جاز له إتيانها، لقوله تبارك
      وتعالى في الآية السابقة: ﴿فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحبّ المتطهرين﴾.

      جواز العزل:

      ويجو له أن يعزل عنها ماءه، وفيه أحاديث:


      الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: ((كنا نعزل والقرآن ينزل))، وفي رواية: ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهنا)) البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.


      الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي وليدة، وأنا أعزل عنها، وأنا أريد ما يريد الرجل، وإن اليهود زعموا: ((أن الموءودة الصغرى العزل))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذبت يهود، [كذبت يهود]، لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه)) النسائي، وأبو داود والترمذي.
      الثالث: عن جابر أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمينا وسانيتنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال:
      ((اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها))، فلبث الرجل، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت! فقال: ((قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها)) مسلم وأبو داود وأحمد.

      الأولى ترك العزل:


      ولكن تركه أولى لأمور:
      الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي،


      الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح، وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجوا الودود الولد فإني مكاثر بكم الأمم)) حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي.ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل، فقال: ((ذلك الوأد الخفي)).مسلم والطحاوي وأحمد والبيهقي.
      ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضاً، قال: ((ذُكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ولم يفعل ذلك أحدكم؟!- ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم- فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها. (وفي رواية)، فقال: وإنكم لتفعلون، وإنكم لتفعلون، وإنكم لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة)) مسلم والنسائي، وابن منده والبخاري.

      ما ينويان بالنكاح:


      وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما، وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما، فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما، لحديث أبي ذر رضي الله عنه:
      ((أن أناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، [وبكل تكبير صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة]، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر؟ [قالوا: بلى، قال:] فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [فيها] أجر، [وذكر أشياء: صدقة، صدقة، ثم قال: ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى] )) مسلم والنسائي وأحمد.

      ما يفعل صبيحة بنائه:


      ويُستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره، ويسلم عليهم، ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه قال: ((أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب، فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن، ودعا لهن، وسلمن عليه ودعون له، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه)) أخرجه الحاكم والترمذي والنسائي وأحمد.


      وجوب اتخاذ الحمّام في الدار:


      ويجب عليهما أن يتخذا حماماً في دارهما، ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق، فإن ذلك حرام، وفيه أحاديث:
      الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤممن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر)) الحاكم والترمذي والنسائي.


      الثاني: عن أم الدرداء قالت: خرجت من الحمام، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام، فقال: ((والذي نفسي بيده، ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها، إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن)) أحمد والدولابي بإسنادين عنها ؛ أحدهما صحيح.


      الثالث: عن أبي المليح قال: دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها، فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
      ((ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى)). أصحاب السنن إلا النسائي، والدارمي والطيالسي، وأحمد.


      - تحريم نشر أسرار الاستمتاع:


      ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع، وفيه حديثان:


      الأول:
      قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) ابن أبي شيبة، ومن طريقه مسلم، وأحمد وأبو نعي


      الثاني: عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجال والنساء قعود، فقال: ((لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟! فأرمّ القوم، فقلت: إي والله يا رسول الله! إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال:
      ((فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق، فغشيها والناس ينظرون)) أحمد وله شاهد من عند ابن أبي شيبة، وأبي داود، والبيهقي، وابن السني.


      وجوب الوليمة:


      ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي، ولحديث بريدة ابن الحصيب، قال: لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه لا بد للعرس( وفي رواية للعروس) من وليمة)) - أحمد والطبراني والطحاوي. وإسناده كما قال الحافظ في الفتح: ((لا بأس به))-. قال: فقال سعد علي كبش، وقال فلان: علي كذا وكذا من ذرة، وفي الرواية الأخرى: ((وجمع له رهط من الأنصار أصوعاً ذرة)).

      السنة في الوليمة:


      وينبغي أن يلاحظ فيها أموراً:
      الأول: أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول، لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: ((بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة، فأرسلني فدعوت رجالاً على الطعام)) البخاري والبيهقي. وعنه قال: ((تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية، وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام)) أبو يعلى بسند حسن وهو في ((صحيح البخاري)) بمعناه.


      الثاني: أن يدعو الصالحين إليها، فقراء كانوا أو أغنياء، لقوله صلى الله عليه وسلم:
      ((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) أبو داود والترمذي، والحاكم، وأحمد.وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد)) ووافقه الذهبي.


      الثالث:
      أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة، لحديث أنس رضي الله عنه قال:
      ((إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري [فانطلق به سعد إلى منزله، فدعا بطعام فأكلا]، فقال له سعد: أي أخي! أنا أكثر أهل المدينة (وفي رواية: أكثر الأنصار)مالاً، فانظر شطر مالي فخذه (وفي رواية: هلم إلى حديقتي أشاطركها))، وتحتي امرأتان [وأنت أخي في الله، لا امرأة لك]، فانظر أيهما أعجب إليك [فسمها لي] حتى أطلقها [لك] [فإذا انقضت عدتها فتزوجها]، فقال عبد الرحمن: [لا والله]، بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فذهب، فاشترى وباع، وربح، [ثم تابع الغدو] فجاء بشيء من أقِطٍ- لبن مجفف يابس مستجر يطبخ به- وسمن [قد أفضله] [فأتى به أهل منزله]، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، فجاء وعليه ردع زعفران (وفي رواية: وضر من خلوق)،
      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهْيَم؟ فقال: يا رسول الله! تزوجت امرأة [من الأنصار]، فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: [فبارك الله لك] أولم ولو بشاة، [فأجاز ذلك]. قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب [تحته] [ذهباً أو فضة]، [قال أنس: لقد رأيته قُسِم لكل أمرأة من نسائه بعد موته مائة ألف دينار] ))البخاري، والنسائي، وابن سعد، والبيهقي. وعن أنس أيضاً: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، فإن ذبح شاة، [قال: أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه] )) البخاري ومسلم.

      جواز الوليمة بغير لحم:


      ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر، ولم لم يكن فيه لحم، لحديث أنس رضي الله عنه قال: ((أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت( وفي رواية: فحصت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها)، فألقي عليها التمر والأقط والسمن [فشبع الناس])) البخاري ومسلم.

      مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة:


      ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها؛ لحديث أنس في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية قال: ((حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروساً، فقال: من كان عنده شيء فليجئ به، (وفي رواية: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به)، قال: وبسط نطعاً، فجعل الرجل يجئ بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يأتي بالسمن، فحاسوا حيساً [فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء]، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم)) الشيخان وأحمد.



      تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:


      ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
      ((شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء، ويمنعها المساكين، ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله)) مسلم، والبيهقي، وهو عند البخاري موقوفاً على أبي هريرة.


      وجوب إجابة الدعوة:


      ويجب على من دعي إليها أن يحضرها، وفيها حديثان:
      الأول: فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض)) البخاري.
      الثاني: ((إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها[ عرساً كان أو نحوه]، [ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله] ))البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي.

      الإجابة ولو كان صائماً:


      وينبغي أن يجيب ولو كان صائماً، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل. يعني: الدعاء)) مسلم والنسائي وأحمد والبيهقي.

      الإفطار من أجل الداعي:


      وله أن يفطر إذا كان متطوعاً في صيامه، ولا سيما إذا ألح عليه الداعي، وفيه أحاديث:
      الأول: ((إذا دعي أحدكم إلى طعام فليُجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك)) مسلم وأحمد والطحاوي.


      الثاني: ((الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر)) النسائي، والحاكم، والبيهقي. وقال الحاكم ((صحيح الإسناد)) ووافقه الذهبي.


      الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا. قال: فإني صائم. ثم مرّ بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قالت: يا رسول الله! إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه. قال: أدنيه؛ أما إني قد أصبحت وأنا صائم. فأكل منه، ثم قال:
      ((إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها)) النسائي بإسناد صحيح.


      لا يجب قضاء يوم النفل:


      ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم، وفيه حديثان:
      الأول: عن أبي سعيد الخدري قال: ((صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأتاني هو وأصحابه، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وتكلف لكم! ثم قال له: أفطر وصم مكانه يوماً إن شئت))البيهقي بإسناد حسن.


      الثاني: عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، قال: فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبَذّلة، فقال: ما شأنك يا أم الدرداء؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار، وليس له في شيء من الدنيا حاجة! فجاء أبو الدرداء فرحب به، وقرب إليه طعاماً، فقال له سلمان: اطعم، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرنه، ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنه سلمان وقال له: يا أبا الدرداء! إن لجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، [ولضيفك عليك حقا]، ولأهلك عليك حقاً، صم، وأفطر، وصلّ، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان في وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، قال: فقاما فتوضآ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الدرداء! إن لجسدك عليك حقاً، مثل ما قال سلمان(وفي رواية: صدق سلمان) البخاري والترمذي، والبيهقي.

      ترك حضور الدعوة التي فيها معصية:


      ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها، فإن أُزيلت؛ وإلا وجب الرجوع، وفيه أحاديث:
      الأول: عن علي قال: ((صنعت طعاماً فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فرأى في البيت تصاوير، فرجع [قال: فقلت: يا رسول الله! ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: إن في البيت ستراً فيه تصاوير، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تصاوير] )) ابن ماجه، وأبو يعلى بسند صحيح.


      الثاني: عن عائشة أنها اشترت نُمرُقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال صلى الله عليه وسلم:
      ((إن أصحاب هذه الصور( وفي رواية: إن الذين يعملون هذه التصاوير) يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن البيت الذي فيه [مثل هذه] الصور لا تدخله الملائكة[ قالت: فما دخل حتى أخرجتها])) البخاري ومسلم.


      الثالث: قال: صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر)). وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، فأقتصر على ما يحضرني الآن منها:


      أ- عن أسلم –مولى عمر- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام، فصنع له رجل من النصارى، فقال لعمر: إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك –وهو رجل من عظماء الشام- فقال له عمر رضي الله عنه:
      ((إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها)) البيهقي بسند صحيح.


      ب- عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو- أن رجلاً صنع له طعاماً، فدعاه، فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل. البيهقي سنده صحيح.


      ج- قال الإمام الأوزاعي: ((لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف)) أبو الحسن الحربي.


      ما يستحب لمن حضر الدعوة:
      ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
      الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وهو أنواع:


      أ- عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعاه، فأجابه، فلما فرغ من طعامه قال: ((اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك لهم فيما رزقتهم)) ابن أبي شيبة، ومسلم، وأبو داود.


      ب- عن المقداد بن الأسود قال: قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصابنا جوع شديد، فتعرضنا للناس، فلم يضفنا أحد، فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله؛ وعنده أربع أعنز، فقال لي: يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعاً، فكنت أجزئه بيننا أرباعاً، [فيشرب كل إنسان نصيبه، ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه]، فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار، فأكل حتى شبع، وشرب حتى روي، فلو شربت نصيبه (!) فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته(!) ثم غطيت القدح، فلما فرغت أخذني ما قدُم وما حدث، فقلت: يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعاً ولا يجد شيئاً، فتسجّيت، [قال: وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي، وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي، قال:] [وجعل لا يجيئني النوم]، وجعلت أحدث نفسي، [قال: وأما صاحباي فناما]، فبينا أنا كذلك؛


      إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم تسليمة يسمع اليقظان، ولا يوقظ النائم، [ثم أتى المسجد فصلى]، ثم أتى القدح فكشفه، فلم ير شيئاً، فقال:
      ((اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني))، واغتنمت الدعوة، [فعمدت إلى الشملة فشددتها علي]، فقمت إلى الشفرة فأخذتها، ثم أتيت الأعنز، فجعلت أجتسّها أيها اسمن؛ [فأذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم]، فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلاً، [فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطعمون أن يحلبوا فيه]، فحلبت حتى ملأـ القدح، ثم أتيت [به] رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟ قال:] فقلت: اشرب يا رسول الله! فرفع رأسه إلي، فقال: بعض سوآتك يا مقداد، ما الخبر؟ قلت: اشرب ثم الخبر، فشرب حتى روي، ثم ناولني فشربت، فلما
      عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته، ضحكت، حتى ألقيت إلى الأرض، فقال: ما الخبر؟ فأخبرته، فقال: هذه بركة نزلت من السماء، فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا؟ فقلت: [والذي بعثك بالحق]، إذا أصابتني وإياك البركة، فما أبالي من أخطأت!. مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه.

      الثاني: عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[ كان يزور الأنصار، فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله، فيدعوا لهم، ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم، فأتى إلى باب سعد بن عبادة فـ] استأذن على سعد فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يُسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثاً، ورد عليه سعد ثلاثاً، ولم يُسمعه، [وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات، فإن أذن له،وإلا انصرف]، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، [فادخل يا رسول الله]، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيباً، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ قال:
      ((أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون)). أحمد والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم صحيح.

      الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة، وفيه أحاديث:


      الأول: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
      هلك أبي، وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيباً، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم، فقال: أبكراً أم ثيباً، قلت: بل ثيباً، قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك؟ فقلت له: إن عبد الله هلك وترك [تسع أو سبع] بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال:((بارك الله لك))، أو قال لي خيراً. البخاري ومسلم.


      الثاني: عن بريدة رضي الله عنه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال: يا رسول الله! ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليهما، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحباً وأهلاً، فقالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما، أعطاك الأهل والمرحب، فلما كان بعد ذلك، بعدما زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة، فقال سعد: عند كبش، وجمع له رهط من الأنصار أصوعاً من ذرة، فلما كانت ليلة البناء، قال: لا تحدث شيئاً حتى تلقاني، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتوضأ فيه، ثم أفرغه على علي، فقال: ((اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في بنائهما)).


      الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
      تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتني أمي، فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: ((على الخير والبركة، وعلى خير طائر)).


      الرابع: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفّأ الإنسان إذا تزوج قال:
      ((بارك اله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في (وفي رواية: على) خير)) أبو داود، والترمذي، وكذا أبو علي الطوسي وصححاه، والدارمي وأحمد والحاكم والبيهقي.

      بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية:


      ولا يقول: ((بالرفاء والبنين))؛ كما يفعل الذين لا يعلمون، فإنه من عمل الجاهلية، وقد نُهي عنه في أحاديث، منها: عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم، فدخل عليه القوم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا ذلك [فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك]، قالوا: فما نقول يا أبا زيد؟ قال: قولوا: بارك الله لكم، وبارك عليكم، إنا كذلك كنا نؤمر. ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، والنسائي،وابن ماجه، والدارمي.

      قيام العروس على خدمة الرجال:


      ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة وأمنت الفتنة، لحديث سهل بن سعد قال: ((لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً، ولا قدمه إليهم، إلا امرأته أم أسيد، بلّت (وفي رواية: أنقعت) تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك، [فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس] )). البخاري ومسلم.


      الغناء والضرب بالدف:


      ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور، وفي ذلك أحاديث:


      الأول: عن الربيع بنت معوذ قالت: ((جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني علي، فجلس على فراشي مجلسك مني، (الخطاب للراوي عنها)، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين)). البخاري والبيهقي وأحمد والمحاملي في صلاة العيدين. وغيرهم.


      الثاني: عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة! ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟)) البخاري والحاكم وعنه البيهقي.وفي رواية بلفظ: ((فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول:

      أتيناكم أتيناكـم فحيـونا نحييـكـم
      لولا الذهب الأحمـ ـر ما حلت بواديكم
      لولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم))


      الثالث: عنها أيضاً:
      ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ناساً يغنون في عرس وهم يقولون:
      وأهـدي لها أكبش يبحبحن في المربـد
      وحبك في النـادي ويعلم ما في غـد
      وفي رواية:
      وزوجـك في النادي ويعلم ما في غـد
      قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه)). أخرجه الطبرانفي في الصغير والحاكم، البيهقي، وقال الحاكم:صحيح على شرط مسلم.


      الرابع: عن عامر بن سعد البجلي، قال:
      ((دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود، وذكر ثالثاً- ذهب علي- وجواري يضربن بالدف ويغنين، فقلت: تقرون على وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: إنه قد رخص لنا في العرسات، والنياحة عند المصيبة))، وفي رواية: ((وفي البكاء على الميت في غير نياحة)) أخرجه الحاكم، والبيهقي، والنسائي، والطيالسي.


      الخامس: عن أبي بلج يحيى بن سليم قال:
      ((قلت لمحمد بن حاطب: تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت، يعني دفاً، فقال محمد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف)). النسائي، والترمذي وقال: حديث حسن، وابن ماجه.وغيرهم.


      السادس: ((أعلنوا النكاح)). ابن حبان والطبراني.





      الامتناع من مخالفة الشرع:


      ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع، وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة، حتى ظن كثير منهم- بسبب سكوت العلماء- أن لا بأس فيها، وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها:


      1ً- تعليق الصور:
      الأول: تعليق الصور على الجدران، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل، أو لا ظل لها، يدوية أو فوتوغرافية، فإن ذلك كله لا يجوز، ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها، وفي أحاديث:


      1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوةً لي بقرام فيه تماثيل، (وفي رواية: فيه الخيل ذوات الأجنحة)، فلما رآه هتكة، وتلون وجهه، وقال: يا عائشة! أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله، (وفي رواية: إن أصحاب هذه الصور يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة)، قالت: عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين، [فقد رأيته متكئاً على إحداهما وفيها صورة] )).البخاري ومسلم.



      2- وعنها قالت: ((حشوت وسادة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة، فقام بين البابين، وجعل يتغير وجهه، فقلت: ما لنا يا رسول الله؟ [أتوب إلى الله مما أذنبت]، قال: ما بال هذه الوسادة؟ قالت: قلت: وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها، قال: أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة، فيقال: أحيوا ما خلقتم؟! وفي رواية: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة [قالت: فما دخل حتى أخرجتها] )) البخاري وأبو بكر الشافعي.


      3- قوله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل عليه السلام، فقال لي: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تمثال [الرجال]، وكان في البيت قرام سترٍ فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومُر بالستر فليقطع، فليجعل منه وسادتين توطآن، ومر بالكلب فليخرج [فإنا لا ندخل بيتاً فيه صورة ولا كلب]، وإذا الكلب [جرو] لحسن أو حسين، كانت تحت نضد لهم (وفي رواية: تحت سريره)، [فقال يا عائشة! متى دخل هذا الكلب؟ فقالت: والله ما دريت]، فأمر به فأخرج [ثم أخذ بيده ماءً فنضح مكانه] ))حديث صحيح.


      - ستر الجدران بالسجاد:
      الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه: ستر الجدار بالسجاد ونحوه، ولو من غير الحرير، لأنه سرف وزينة غير مشروعة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غائباً في غزاة غزاها، فلما تحينت قفوله، أخذت نمطاّ [فيه صورة]كانت لي، فسترت به على العرض، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقيته في الحجرة، فقلت: السلام عليك يا رسول ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي أعزك فنصرك، وأقر عينيك وأكرمك، قالت: فلم يكلمني! وعرفت في وجهه الغضب، ودخل البيت مسرعاً، وأخذ النمط بيده، فجذبه حتى هتكه، ثم قال: أتسترين الجدار؟!بستر فيه تصاوير؟!، إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة والطين. قالت: فقطعنا منه وسادتين، وحشوتهما ليفاً، فلم يعب ذلك عليّقالت: فكان صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما )) مسلم وأبو عوانة وأحمد.



      ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت المستورة جدرها، قال سالم بن عبد الله:
      ((أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، وكان أبو أيوب فيمن آذنّا، وقد ستروا بيتي بنجاد أخضر، فأقبل أبو أيوب فدخل، فرآني قائماً، واطلع فرأى البيت مستتراً بنجاد أخضر، فقال: يا عبد الله! أتسترون الجدر؟! قال: أبي: - واستحيى- غلبنا النساء أبا أيوب! فقال: من [كنت] أخشى [عليه] أن تغلبنه النساء فلم[أكن] أخشى [عليك] أن تغلبنك! ثم قال: لا أطعم لكم طعاماً، ولا أدخل لكم بيتاً. ثم خرج رحمه الله)) الطبراني وابن عساكر.




      - نتف الحواجب وغيرها!
      الثالث: ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال، يفعلن ذلك تجملاً بزعمهن!وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله بقوله:
      ((لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والواصلات، والنامصات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن؛ المغيرات خلق الله))البخاري ومسلم وأبو داود، والترمذي وصححه وغيرهم.


      تدميم الأظفار وإطالتها:
      الرابع: هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات، وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم بـ(مينيكور)،
      وإطالتهن لبعضها- وقد يفعلها بعض الشباب أيضاً- فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفاً، ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((... ومن تشبه بقوم فهو منهم))؛ فإنه أيضاً مخالف للفطرة ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها﴾، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
      ((الفطرة خمس: الاختتان، والاستحداد، (وفي رواية: حلق العانة)، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط)). وقال أنس رضي الله عنه: ((وُقِّتَ لنا (وفي رواية: وقَّتَ لنا رسول الله) في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة))مسلم وأبو عوانة وأبو داود.

      حلق اللحى:
      الخامس: ومثلها في القبح –إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطرة السليمة- ما ابتُلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار، حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق! وفي ذلك عدة مخالفات:


      أ- تغيير خلق الله، قال تعالى في حق الشيطان:
      ﴿لعنه الله وقال لاتخذّن من عبادك نصيباً مفروضاً، ولأضلنّهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرنّ خلق الله، ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً﴾. فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى، إطاعة لأمر الشيطان، وعصيان للرحمن جل جلاله، فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قرباً، ولا شك في دخول اللحية للحُسن(!) في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى، وإنما قلت: ((دون إذن من الله تعالى))، لكي لا يُتوهم، أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع، بل استحبه، أو أوجبه.


      ب- مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ((أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى))البخاري ومسلم وأبو عوانة وغيرهم. ومن المعلوم أن الأمر يفيد الوجوب إلا لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب،


      ج- التشبه بالكفار، قال صلى الله عليه وسلم: ((جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)) مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما. ويؤيد الوجوب أيضاً:


      د- التشبه بالنساء، فقد: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)). البخاري، والترمذي وصححه.
      ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته- التي ميزه الله بها على المرأة- أكبر تشبه بها، فلعل فيما أوردنا من الأدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة، عافانا الله وإياهم من كل ما لا يحبه ولا يرضاه.


      خاتم الخطبة:
      السادس: لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ((خاتم الخطبة))، فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضاً- لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى-
      ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال وعلى النساء أيضاً كما ستعلمه، وإليك بعض هذه النصوص:
      أولاً: ((نهى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب)).


      ثانياً: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده؟!)).
      فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك وانتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.


      ثالثاً عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر في يده خاتماً من ذهب، فجعل يقرعه بقضيب معه، فلما غفل النبي صلى الله عليه وسلم ألقاه، [فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره في يده فـ]قال: ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك. النسائي وأحمد وابن سعد وأبو نعيم في ((أصبهان)).


      رابعاً: عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتماً من ذهب، فأعرض عنه، فألقاه، واتّخذ خاتماً من حديد، فقال: هذا شر، هذا حلية أهل النار، فألفاه، فاتخذ خاتماً من وَرِق- أي فضة- فسكت عنه. حديث صحيح رواه أحمد. والبخاري في ((الأدب المفرد)).


      خامساً: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريراً ولا ذهباً))أحمد بسند حسن.


      سادسا: ((من لبس الذهب من أمتي، فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة)). أحمد بسند صحيح



      وصايا إلى الزوجين:

      وختاماً أوصي الزوجين:
      أولاً: أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى، واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس، أو مذهباً فقد قال عز وجل: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهُم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً﴾ [الأحزاب: 36].


      ثانياً: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلا تطلب الزوجة- مثلاً- أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة ؛ فيظلمها، ويضربها بدون حق، فقد قال الله عز وجل: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم﴾ [البقرة: 228]، وقال: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيراً﴾ [النساء: 34]. وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب، [ولا تهجر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إلا بما حل عليهن] أبو داود والحاكم وأحمد بسند حسن. وقال صلى الله عليه وسلم: ((المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن- وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في
      حكمهم وأهليهم وما ولوا)). مسلم وابن منده وقال: ((حديث صحيح)).




      فإذا هما عرفا ذلك وعملاً به، أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة، وعاشا- ما عاشا معاً- في هناء وسعادة، فقد قال عز وجل: ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم أحسن ما كانوا يعملون﴾ [النحل: 97].
      ثالثاً: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين: ﴿الرجال قوامون على النساء﴾، ﴿وللرجال عليهن درجة﴾، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة بوضوح ما للمرأة، وما عليها؛ إذا هي أطاعت زوجها أو عصته، فلا بد من إيراد بعضها، لعل فيها تذكيراً لنساء زماننا، فقد قال تعالى: ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾.


      الحديث الأول: ((لا يحل لأمرأة أن تصوم (وفي رواية: لا تصم المرأة) وزوجها شاهد إلا بإذنه[غير رمضان]، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه))البخاري ومسلم وغيرهما.


      الثاني: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح، (وفي رواية: أو حتى ترجع، وفي أخرى: حتى يرضى عنها) )).


      الثالث: ((والذي نفسي محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه من [نفسها] ))حديث صحيح. رواه ابن ماجه وغيره.


      الرابع: ((لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا)).


      الخامس:
      عن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: أي هذه! أذات بعل؟ قلت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه؛ إلا ما عجزت عنه، قال: [فانظري] أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك))رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد، والنسائي، والطبراني.


      السادس: إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)). حديث حسن أو صحيح له طرق.



      وجوب خدمة المرأة لزوجها


      قلت: وبعض الأحاديث المذكورة آنفاً ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك، وقد اختلف العلماء في هذا، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الفتاوى)) (2/234- 235): ((وتنازع العلماء، هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه، مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة. وهذا القول ضعيف، كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء! فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن؛ إن لم يعاونه على مصلحته؛ لم يكن قد عاشره بالمعروف.


      وقيل- وهو الصواب-: وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (كما تقدم ص 270)، وعلى العاني والعبد الخدمة، ولأن ذلك هو المعروف. ثم مِنْ هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف. وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة)). قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى؛ أنه يجب على المرأة خدمة البيت، وهو قول مالك وأصبغ كما في ((الفتح)) (9/418)، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في ((الاختيارات)) (ص145)، وطائفة من السلف والخلف، كما في ((الزاد)) (4/46)، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلاً صالحاً.


      وقول بعضهم: ((إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضاً بزوجها، فهما متساويان في هذه الناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئاً آخر لزوجته، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضاً لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، ولا سيما أنه القوّام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق، وإذا لم تقم هي
      بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها، وهذا يجعلها هي القوامة عليه، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى، فثبت أنه لا بد لها من خدمته، وهذا هو المراد.


      وأيضاً؛ فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين؛ أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح، وتبقى المرأة في بيتها عطلاً عن أي عمل ي عليها القيام به، ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق، بل وفضلت الرجل عليها درجة، ولهذا لم يُزِلِ الرسول صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما: ((أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت لعائشة، فلما جاء، أخبرته عائشة، قال علي رضي الله عنه: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء، فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم[قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين!])). رواه البخاري( 9/417- 418).

      فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحداً كما قال ابن القيم رضي الله عنه، ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم ((زاد المعاد)) (4/45- 46).


      هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك، إذا وجد الفراغ والوقت، بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ((كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله، يعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)).


      رواه البخاري (2/129 و9/418)، والترمذي (3/314)، وصححه، والمخلّص من الثالث من
      السادس من ((المخلّصيات)) (66/1)، وابن سعد (1/366). ورواه في ((الشمائل)) (2/185) من طريق أخرى عنها بلفظ: ((كان بشراً من البشر؛ يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه)). ورجاله رجال الصحيح، وفي بعضهم ضعف. لكن رواه أحمد وأبو بكر الشافعي بسند قوي كما حققته في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (رقم 670)، والله ولي التوفيق.



      وهذا آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة. و((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)).




      اللهم أرزقني الهداية والثبات حتى الممات

      وأرزق أبو رفيدة من حيث لا يحتسب

      وأرزقني وزوجي وإبنتي حجة في السنة المقبلة يـــــارب









      تعليق


      • #4
        رد: آداب الزفاف

        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا ورفع قدركم

        وجعله فى موازززين حسناتكم

        وجعلنا وايَّاكم ممن يسير على هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم


        تم التقييييم بارك الله فيكم
        سبحان الله ....الحمدلله ....الله أكبر ....لا اله الا الله
        غــرفة العنــاية الإيمــانية المركـزة ’’ بادرى بالـدخــول ’’



        تعليق


        • #5
          رد: آداب الزفاف

          وأنتم من أهل الجزاء


          اللهم أرزقني الهداية والثبات حتى الممات

          وأرزق أبو رفيدة من حيث لا يحتسب

          وأرزقني وزوجي وإبنتي حجة في السنة المقبلة يـــــارب









          تعليق

          يعمل...
          X