الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وبعد:
فلقد عمد أعداء الإسلام والحاقدون عليه والحاسدون له والكارهون للهدى ودين الحق إلى مهاجمته في جولة جديدة من جولات الظلم والعدوان، والكراهية والبهتان، تمثلت هذه الجولة في الاستهزاء بسيد البشر، سيد ولد آدم، وإن ما فعلوه سيندمون عليه في الدنيا والآخرة ولن ينفعهم الندم، فمن ندمهم في الدنيا؛ تلك المكاسب والمغانم العظيمة للمسلمين التي لا تعدلها الملايين من الأموال، والممثلة في تميز المسلمين بعد ذوبانهم في غيرهم، وانحيازهم إلى نبيهم بعد أن أهملوا كثيرًا من سيرته وسنته، فضلا عن الحجم الباهظ من المؤلفات والمقالات والرسائل والكتب والإذاعات المرئية والمسموعة والخطب والدروس التي تعرّف بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحث الأمة على طاعته واتباع هديه، إضافة إلى ترسيخ الكراهية في قلوب المسلمين تجاه أهل الضلال والانحراف، وشحنها إيمانيًا بتعظيم اللَّه ورسوله، ومعه احتقار الباطل والكفر به، بل من النتائج والمكاسب أيضًا تفتح عيون اللادينيين والمنصرفين إلى دنياهم ليعرفوا الكثير عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان المجرمون الذين أساءوا للإسلام والمسلمين بالاستهزاء بنبيهم يعلمون أن كل ذلك سيحدث لما فعلوه، ولو أعطيناهم أغلى ما يملكه أهل الإسلام من مال ودنيا، ومن النتائج أيضًا؛ تلك الخسائر الفادحة في اقتصادهم وأموالهم ودنياهم التي هم أحرص الناس عليها، مما يورث الفتن والشحناء بينهم والبأس الشديد، قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } [الحشر:14]، ومن النتائج أنهم استجلبوا مزيدًا من سخط اللَّه عليهم وتعجيلاً لتنكيل اللَّه تعالى بهم،
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[البقرة]،
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }[العنكبوت].
عند هذا كله يعرف المسلمون جيدًا ما قاله اللَّه تعالى في أمثال هؤلاء المنحرفين من قبل:
{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[النور: 11].
إنهم وإن كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم على الإجمال كما أخبر اللَّه تعالى عنهم بقوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، لكنهم لطول الأمد وقسوة القلوب وامتلائها بالحقد والكراهية والتعصب الأعمى البغيض نسوا الجوانب الهامة العظيمة التي أودعها اللَّه تعالى في أخلاق هذا النبي الكريم وشخصيته.
لقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين ليبين لهم هدفًا من أهداف بعثته فيقول: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». [السلسلة الصحيحة (54)]، تلك الأخلاق التي يتشدقون بحمايتها ويزعمون كذبًا صيانتها ويسمونها حرية وحضارة، وهم في الحقيقة أعداء الحرية والحضارة، جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليريح المظلومين من شبح العنصرية المبنية على اختلاف الأديان والأوطان والألوان والألسنة، فيعلن النبي وهو عربي للبشرية جمعاء «إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى». [غاية المرام (803)] ويذيع لهم خبر السماء الذي انطلق منه وبه:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }[الحجرات:13] ثم يعرفهم الأصل الذي ينتمون إليه ليلتفوا حوله جميعًا: «الناس ولد آدم وآدب من تراب». [السلسلة الصحيحة (9001)] ويزيح ستار الظلم والبغي: «إن اللَّه أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد». [السلسلة الصحيحة (075)]
هذه المعاني وأكثر منها لو ذكرت أمام الغربيين الحاقدين لقالوا نحن الدعاة إليها، بل يحاولون عند احتلالهم لقطر من الأقطار أن يذيعوا ويشيعوا أنهم جاءوا حماة لهذه المبادئ، فكيف لو عرفوا أن الداعية الأول إليها هو النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بدون احتلال، ولا خداع واحتيال، فمن كان يؤمن بذلك بعد توحيد اللَّه تعالى فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، دمه وماله وعرضه حرام على من طمع فيه.
وهذه نماذج مشرفة ومواقف خالدة لهذا النبي العظيم في معاملة المنافقين وغير المسلمين:
أولها: موقفه صلى الله عليه وسلم من كبير المنافقين ابن سلول لمَّا أهانه
عن أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبد اللَّه بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد اللَّه ابن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خَمَّر عبداللَّه بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى اللَّه وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد اللَّه بن أبي بن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقًا، فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد اللَّه بن رواحة: بلى يا رسول اللَّه، فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟»- يريد عبد اللَّه بن أبي - قال كذا وكذا. قال سعد بن عبادة: يا رسول اللَّه، اعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء اللَّه بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة، فلما أبى اللَّه ذلك بالحق الذي أعطاك اللَّه شَرِق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صلاته صلى الله عليه وسلم على ابن سلول عند موته وكان قد أسلم
لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ النبي قَمِيصَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِيهِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: تُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ مُنَافِقٌ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؟ قَالَ: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ أَوْ أَخْبَرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. فَقَالَ سَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ» قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ:
{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}التوبة. [رواه البخاري]
وفاء النبي صلى الله عليه وسلم مع من تعاهد معه من المشركين
قال حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: «انْصَرِفَا؛ نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ». [مسلم]
ومن وفائه صلى الله عليه وسلم بالعهود مع أهل الذمة من المشركين
ما حدث مع بني عامر:
ذكر الطبري في تاريخه قال: خرج عمرو بن أمية (رجل من المسلمين) حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بنى عامر (من الكفار) حتى نزلا معه في ظل هو فيه، وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا ممن أنتما؟ فقالا: من بنى عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بنى عامر بما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد قتلت قتيلين، لادينهما». يعني أن يدفع الدية. [تاريخ الطبري]
والموقف الثالث هنا وفاؤه لقريش بعهدها
الذي عاهدته إياه في صلح الحديبية
قال ابن إسحاق: قال الزهري: ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: آت محمدًا وصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها عنوة أبدا. فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.
فلما انتهى سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام، وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح.
فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب (العهد)، وثب عمر فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بلى. قال أو لسنا بالمسلمين ؟ قال: بلى قال أو ليسوا بالمشركين ؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنِية في ديننا ؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله: ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال: بلى، قال أو لسنا بالمسلمين ؟ قال: بلى. قال أو ليسوا بالمشركين ؟ قال: بلى. قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني.
وكان عمر رضي الله عنه يقول ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا.
قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال: فقال سهل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب «باسمك اللهم» فكتبها، ثم قال: اكتب «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو».
فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك.
ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.
فقال رسول الله: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع محمد لم يردوه عليه، وإن بيننا عيبة مكفوفة، وإنه لا إسلال ولا إغلال، وإنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وإنك ترجع عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، وإنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك، فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها.
قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، فلما رأى سهيل أبا جندل ابنه قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وقال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت فجعل ينتره بتلبيبه ويجره يعني يرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أُرد إلى المشركين يفتنونني في ديني ! فزاد ذلك الناس إلى ما بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين. القوم صلحًا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم " قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب. قال: ويدني قائم السيف منه. قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب أباه. قال فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية.
فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلح قام إلى هديه فنحره، ثم جلس فحلق رأسه، وكان الذي حلقه في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي، فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون. [البداية والنهاية لابن كثير]
منعه صلى الله عليه وسلم الغدر بالكفار
وكثيرًا ما منع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في كل مواقفهم من الغدر ولو بالمشركين.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ أَوْ خِلاَلٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ.
[مسلم]
وينهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والأطفال
عن نافع أن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه أخبره أن امرأة وُجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.
[البخاري]
عفوه صلى الله عليه وسلم عن أعدائه بعد قدرته عليهم
عند فتح مكة وغيرها
عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال: «يا معشر قريش؛ ما ترون أني فاعل فيكم؟» قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». [البداية والنهاية]
وعن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أخبره أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر فنزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا اخترط سيفي فقال من يمنعك ؟ قلت: اللَّه، فشام السيف فها هو ذا جالس». ثم لم يعاقبه. [البخاري
تعليق