أطهر من السحاب
كسحابة بيضاء رطبة تجمعت في كبد السماء الملتهبة ثم انهمر ماؤها العذب يسقى الربى والوهاد ويذهب صدى القلوب وعطش الارواح والنفوس
كنت انت كذلك ياسيدى
كلما رايت الماء العذب البارد يروي قفار الصحاري فيحيلها الى مروج يانعة زاهرة
تذكرتك يا سيدي
كلما هبت رياح باردة في ليلة صيف فبددت حرها و يأسها وزرعت الحياة في القلوب تذكرتك ياسيدي
وكلما تلمست عبير سيرتك العطرة تاخذ بمجامع روحي لتخفق في فضاء الكون , لكنه كون غير كوننا اليوم ,إنه كون محمد "ص" حدوده الرحمة والحب وقوامه العدل والغفران وشريعته الاحسان والطهر وهو مع هذا دائر في فلك العبودية والافتقار إلى الله سبحانه ومحبته والسكون اليه والوجل منه وقرة العين والانس به سبحانه
تخفق روحي وانا اراك يا سيدي شاهقاً عالياً فلا ادري هل استطالت هامتك الى السماء فلامستها أم اقتربت السماء اليها فتوجتها
لكني دائماً اصحو من ذلك على انسياب دموعي الحارة تبكي عالما لست فيه ,وتنعي قوما ً ضلوا عنك السبيل وترأف لبشرية ابتعدت عن هديك فانسلخت من انسانيتها وكيانها, وأضحت ظلاً باهتاً وجسداً بلا حراك ونفوسا ًمحطمة وتائهة وتعيسة
واقول يا ليت قومي يعلمون
مسيرة الرحمة الإلهية للعالمين تلك المسيرة التي توقفت بصعود المسيح عليه السلام
] لقد ولد رجل من نسل إسماعيل المبارك وتربي يتيما في أشرف بيوت مكه
ولما شب وترعرع كان يرعي الغنم لعمه ثم اشتغل بالتجارة وأشتهر بين الناس بالصادق الأمين وكان يأنف من الشرك المنتشر في قومه فلم يشاركهم في شيء من أفعالهم وفواحشهم الكثيرة بل كان يخرج إلى غار حراء يعبد الله علي ملة إبراهيم حتى أتاه جبريل بالوحي من الله
فخاف النبي وذهب إلى بيته فزعاً فقالت له زوجته خديجه والله لا يخزيك الله أبداً
إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتكرم الضيف و تعين علي نوائب الدهر
وذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان مسيحياً يقرأ الإنجيل والتوراة
فقال لها والله هذا الناموس الذي نزل علي موسى ولما رجع النبي إلى بيته وتدثر في فراشه جاءه الأمر من الله بالدعوة إلى دينه وحمل الأمانة وتلك لحظات يتوقف عندها القلم ويجمد المداد وتتواري الكلمات خجلاً وعجز من وصفها
إن الإنسان عندما يتذكر تلك اللحظات المجيدة التي نزل فيها التكليف للنبي صلي الله عليه وسلم والتشريف للبشرية جميعاً, وما اشدها من لحظة ,لقد جاءه الخطاب الإلهي وهو متدثر في فراشة ليقول( يا أيها المدثر* قم فانذر * وربك فكبر) ما أقواه من خطاب ينتزع النبي صلي الله عليه وسلم من فراشه ليلقي به في صدر العالم الحائر المتخبط وكأنه يقول له إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً, أما الذي يعيش للتعاساء والبؤساء والمتعبين والتائهين والفقراء إلى رحمة الله,أما الذي يتحمل اكبر عبء يمكن أن يتحمله بشر, عبء هداية البشرية جميعاً فما له والنوم وما له والراحة وما له والفراش الدافئ والعيش الهانئ والمتاع المريح , أن البشرية أحوج ما تكون الى الرسالة الخاتمة التي تضعهم على الطريق من جديد وأنت المختار من قبل الله العظيم لتحمل هذا العبء وتلك الرسالة للعالمين جميعاً
إذاً قم ,قم للجد والنصب والكد والتعب ,قم فقد مضي وقت النوم والراحة وما عاد لك ألا السهر المتواصل والجهاد الطويل الشاق , وما عاد لك إلا الصبر والمثابرة بين الزعازع والأنواء وبين الشد والجذب في واقع الحياة وضمائر الخلق ,قم فانذر وربك فكبر,وقام رسول الله صلي الله عليه وسلم وظل قائماً وقالت له خديجة ألا تنام قليلاً
فقال : مضي عهد النوم يا خديجةقام رسول الله صلي الله عليه وسلم وظل قائماً أكثر من عشرين عاماً , لم يسترح ولم يسكن ولم يعش لنفسه أو أهله ,قام صلي الله عليه وسلم وظل قائماً يحمل علي عاتقه عبء البشرية جميعاً وعبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض,عبء الكفاح في ميادين شتي بين واقع الناس ورسالة السماء
قام صلي الله عليه وسلم وظل قائماً أكثر من عشرين عاماً لا يلهيه شأن عن شأن ولا يشغله شاغلٌ عن شاغل ولا يطغي جانب من عظمته علي جانب اخر بأبي هو وأمي
و تنظر إليه صلي الله عليه وسلم حين صدع بدعوته فعاداه الناس جميعا هو قبل هذا محل المحبة والأنس والولاء فما صده ذلك عن دعوته وكان يطوف علي القبائل والمجتمعات لا يطلب لنفسه مكانه أو متاع وإنما ليقول يا قوم (قولوا لا اله الاالله تفلحوا ) فيؤذوه وينالون منه وهو قبل هذا ملئ العين والقلب إجلالاً وتعظيماً فلا يرجع عن دعوة ربه, حاصروه في شعب أبي طالب وتآمروا لقتله وهو لا يلين ولا يستكين ويقول يا قوم قولوا لا اله الاالله تفلحوا
كان ساجداً عند الكعبة فجاؤا بسلا الجزور فطرحوها علي رأسه وهو ساجد لا يرفع رأسه وتأتى ابنته فاطمة فتزيح الأذى عنه وتبكي فيقول يا فاطمة إن الله مانع أباك
ويأتيه سادات قريش ويقولون له إن كنت تريد المال جمعنا لك حتى تكون أغنانا وإن كنت تريدالملك ملكناك علينا علي ان تترك هذا الدين فيقول (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي ان اترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو اهلك دونه)
ويجتمع عليه المشركين فيضربوه حتى تسيل دماءه فيمسح الدم عن وجهه ويقول
(اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون)
ويموت عمه الذي كان يحيطه ويحميه وتموت زوجته الوحيدة التي كانت عونه وسنده وتشتد وطأة المشركين عليه وعلى اصحابه فيخرج إلى الطائف يدعو الناس ويقطع المسافات البعيدة وألاميال الطويلة حتى يدعوهم فيسخرون منه
ويجمعوا له الصبيان والعبيد ويضربوه بالحجارة ويخرج النبي من الطائف ودمائه تسيل وجراحه تثعب ويسند ظهره إلى الجبل ويرفع يده ويتوجه إلى ربه بهذا الابتهال المؤثر العميق الكريم
(اللهم إني اشكوا إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس ,يا ارحم الراحمين أنت رب المتسضعفين وأنت ربي, إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني ام إلى عدو ملكته أمري ان لم يكن بك علي غضب فلا أبالي, غير ان عافيتك أوسع لي , أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ,ان ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبي حتى ترضي ولا حول ولا قوة إلا بك))ويأتيه ملك الجبال يقول له إن الله أرسلني لك فان أمرتني ان أطبق عليهم الجبلين لفعلت,فيقول صلي الله عليه وسلم بل ارجوا ان يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به. صلي الله عليه وسلم,إنها الرحمة والمحبة للبشرية في اروع صورها
وعندما يدرك أن لاأمل في أهل مكة ألان, لا يهرب ولا ييأس إنما يهاجر إلي أرض بعيدة تاركاً أرضه التي ولد بها ودياره التي نشأ وشبا فيها من أجل دعوته ,يهاجر ويترك أرضه ويبكي وهو تاركها ويقول والله انك لاحب البلاد إلى الله واحب البلاد إليولو ان قومك أخرجوني منك ما خرجت, وفي المدينة يؤسس الدولة وينشر الدعوة
ويخوض المعارك وينظم المجتمع ويبعث الرسائل ويستقبل الوفود ويرعي الأيتام والأرامل ويزور المرضي والمتعبين ويشيع الجنائز ويبارك الأفراح ويكافح عنت اليهود والمنافقين ليل نهار ويقوم على كل صغيرة وكبيرة في واقع الناس جميعاً
فإذا غابت الشمس وغارت النجوم وجن الليل وخلا كل حبيب بحبيبه قام هو صلي الله عليه وسلم إلى محرابه فتوضأ ووقف أمام ربه يصلي ويبكي ويقول(( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك أعوذ بمعافاتك من عقوبتك أعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك وفوق ما يثني عليك خلقك ,عز جارك وتقدس اسمك ولا اله غيرك ) وينزل عليه القران يبشره بان الله غفر له ورضي عنه فيزيد من قيامه وصلاته وتقول له عائشة هون عن نفسك فقد غفر الله لك فيقول أفلا أكون عبدا شكورا صلى الله عليه وسلم
لقد كانت حاجة البشرية إلى النبي محمد صلي الله عليه وسلم حاجة العين العمياء إلى البصر وحاجة الجسد المشلول إلى الحياة والحركة ,حاجة الجسد السقيم إلى البرء والعافية
=================
من افضل ما قرات من كتابات شخصيه عن الرسول علية الصلاة و السلام
هو موضوع الاخ خالد حربي اكرمه الله "اطهر من السحاب"
و هذا الموضوع ردا علي الطاعنين في رسولنا الكريم سيد ولد ادم
اسال الله ان ينفعكم به و اسالكم الدعاء لكاتبة...
ملحوظة:الموضوع بتصرف من الاخ خالد جزاه الله خير
تعليق