إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العبر والدروس من فتح مكة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العبر والدروس من فتح مكة

    العبر والدروس من فتح مكة
    الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فقد كان فتح مكة بداية فتح عظيم للمسلمين، وقد كان الناس تبعاً لقريش في جاهليتهم، كما أنهم تبع لقريشٍ في إسلامهم، وكانت مكة عاصمة الشِّرك والوثنية، وكانت القبائل تنتظر ما يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومه وعشيرته، فإن نصره الله عليهم، دخلوا في دينه، وإن انتصرت قريش، يكونوا بذلك قد كفوهم أمره، فقد روى البخاري عن عمرو بن سلمة، قال: كنَّا بماء ممر الناس وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟1، فيقولون: يزعم أنَّ الله أرسله، أوحى إليه أو أوحى الله بكذا ، فكنت أحفظ ذلك فكأنَّما يقر في صدري وكانت العرب تَلَوَّم2 بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه فإنَّه إن ظهر عليهم فهو نبِي صادق، فلمَّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قومٍ بإسلامهم..." الحديث3.
    وإذا تأملنا أحداث هذا الفتح الأكبر نستطيع أن ندرك تماماً قيمة الجهاد والاستشهاد والمحن التي وقعت من قبله. إن شيئاً من هذا الجهاد والتعب والمحن لم يذهب بدداً، ولم ترق نقطة دم لمسلم هدراً، ولم يتحمَّل المسلمون كلَّ ما لاقوه مما قد علمنا في هجرتهم وغزواتهم وأسفارهم، لأنَّ رياح المصادفة فاجأتهم بها، ولكن كل ذلك كان وفق قانونٍ سماوي، وبحسب سنة الله في خلقه فكل التضحيات المتقدمة كانت تؤدي أقساطاً من ثمن الفتح والنَّصر وتلك هي سنة الله في عباده... لا نصر بدون إسلامٍ صحيحٍ ولا إسلام بدون عبودية لله، ولا عبودية بدون بذل وتضحية وضراعة على بابه وجهاد في سبيله، ولذلك كان الفتح مليئاً بالدروس والعبر والفوائد وهذه لمحات من الفتح وعبره وفوائده:
    1- بيان عاقبة نكث العهود وأنه وخيم للغاية، إذ نكثت قريش عهدها فحلت بها الهزيمة، وخسرت كيانها الذي كانت تدافع عنه وتحميه.
    2- تجلِّي النبوة المحمدية والوحي الرباني في الإخبار بالمرأة حاملة خطاب حاطب بن أبي بلتعة؛ إذ أخبر عنها وعن المكان الذي انتهت إليه في سيرها وهو (رَوْضة خاخ).
    3- فضيلة إقالة عثرة الكرام، وفضل أهل بدر، وقد تجلَّى ذلك واضحاً في العفو عن حاطب بعد عتابه، واعتذاره عن ذلك، بالتوبة منه.
    4- مشروعية السفر في رمضان، وجواز الفطر والصيام فيه. فقد سافر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فتح مكة في رمضان وكان في السفر الصائم والمفطر ولم يعتب على أحد.
    5- مشروعية التعمية على العدو حتى يُباغت، قبل أن يكون قد جمع قواه، فتسرع إليه الهزيمة وتقل الضحايا والأموات من الجانبين حقناً للدِّماء البشرية.
    6- بيان الكمال المحمدي في قيادة الجيوش, وتحقيق الانتصارات الباهرة.
    7- مشروعية إرهاب العدو بإظهار القوة له، وفي القرآن الكريم قال -تعالى-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} الأنفال60.
    8- إنزال الناس منازلهم، وقد تجلَّى هذا في إعطاء الرسول-صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان كلماتٍ يقولهن، فيكون ذلك فخراً له واعتزازاً، وهي: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره وأغلق بابه فهو آمن" ينادي بها بأعلى صوته.
    9- بيان تواضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لربه شكراً له على آلائه وإنعامه عليه إذ دخل مكة وهو مطأطئ الرأس، حتى إنَّ لحيته لتمس رحلَ ناقته تواضعاً لله وخشوعاً. فلم يدخل -وهو الظافر المنتصر- دخولَ الظلمة الجبارين سفاكي الدماء البطَّاشين بالأبرياء والضعفاء.
    10- بيان العفو المحمدي الكبير إذْ عفا عن قُريشٍ العدو الألد، ولم يقتل منهم سوى أربعة رجال وامرأتين.
    11- بيان الكمال المحمدي في عدله ووفائه، تجلَّى ذلك في رد مفتاح الكعبة لعثمان بن أبي طلحة، ولم يُعطه مَن طلبه منه وهو "علي بن أبي طالب" -رضي الله عنه- وهو صهره الكريم وابن عمه.
    12- وجوب كسر الأصنام، والصور، والتماثيل، وإبعادها من المساجد بيوت الله -تعالى-.
    13- تقرير مبدأ الجوار في الإسلام لقوله- صلى الله عليه وسلم- : (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)4.
    14- وجوب البيعة على الإسلام، وهي الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر في المعروف وما يستطاع.5
    والحمد لله رب العالمين
    -------------------
    1 - أي يسألون عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, وعن حال العرب معه.فتح الباري (7/ 617).
    2 - بفتح أوله واللام, وتشديد الواو, أي تنتظر , وإحدى التاءين محذوفة.فتح الباري (7/ 617).
    3 - رواه البخاري كتاب المغازي, حديث رقم(3963).
    4 -أخرجه البخاري كتاب الجزية برقم(2935).
    5- انظر: (هذا الحبيب يا محب) للشيخ أبي بكر الجزائري.



  • #2
    رد: العبر والدروس من فتح مكة

    ما شاء الله

    جزاكم الله خيرا

    تعليق


    • #3
      فَتْحُ مَكَّةَ .. فتوحات، وفتحٌ لكل زمان الأذان فوق الكعبة .. نَبْأة الحق : اسمعي يا مكة !

      فَتْحُ مَكَّةَ .. فتوحات، وفتحٌ لكل زمان الأذان فوق الكعبة .. نَبْأة الحق :
      اسمعي يا مكة !
      [22 رمضان 8 هـ-يناير 630 م]
      فتح مكة .. دروس متجددة
      هذا الفتح الرباني الرمضاني الذي حدث في شهر يناير عام 630 م، أشبه بنبع فياض، نرتشف منه زلالاً، ودروسًا وعبرًا، متجددة بتجدد الليل والنهار، مستمرة دائرة في دورة الفَلك، شأنها شأن السيرة النبوية كلها، كلما طوى الزمان صفحة من أيامه؛ انبرت السيرة في حلة جديدة، وفي ثوب قشيب، وانبرى لها باحثون وعلماء يستخرجون ما ضمته السيرة في أحشائها من جواهر ولألاء . ولكل زمان حظه منها.
      .... إليك – أخي القارىء – هذه الدروس المستفادة من هذا الفتح الفضيل.

      وعسى أن تكرهوا شيئًا ...!
      والسبب التاريخي لفتح مكة؛ أن هدنة الحديبية، فتحت الباب لكل قبيلة أن تدخل في عقد من شاءت من أطراف الهدنة، فارتضت خزاعة أن تدخل في عقد المسلمين – نظرًا للعلاقات القديمة بين خزاعة وبني هاشم -، وارتضت بنو بكر أن تدخل في حلف قريش، وحدث على أثر ذلك، أن اعتدت بنو بكر على خزاعة، فقُتل من خزاعة عشرون رجلاً على الأقل، ومما زاد الطينة بلة، أن قريشًا أمدت بني بكر برجال وسلاح في هذه المذبحة الشنعاء، ونقضت بذلك معاهدة الحديبية نقضة صلعاء، وشارك في ذلك الصناديد والوجهاء، وأرسلت خزاعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – تخبره الفعلة، وتسأله النصرة، وهو إمام الحق والعدل والمنعة، ما خاب من لاذ بجنابه، وهو لم يَخذل من سأل جواره، فسار إمام المجاهدين إلى المشركين، فكان هذا الفتح المبين، ليكون الدرس : "فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً " [النساء:19 ].

      الانهزام النفسي للقيادة الوثينة .. أول الفتح :
      وخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى مكة - لعشر مضين من رمضان، وكان عددهم حين خروجهم من المدينة عشرة آلاف، ثم انضم إليهم في الطريق عدد من قبائل العرب، ودب الرعب في نفس أبي سفيان قائد المشركين، فخرج مع العباس بن عبد المطلب عم النبي – صلى الله عليه وسلم – قاصدًا رسول الله ليحصل منه على أمان، وفي (مر الظهران) عثر حرس رسول الله – صلى الله عليه وسلم - على أبي سفيان مع العباس، فأراد عمر بن الخطاب أن يقتل أبا سفيان، فأجار العباس أبا سفيان عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأسلم أبو سفيان، وشاهد كتائب الجيش الإسلامي، كتيبة تلو الأخرى، ففزع فزعًا شديدً، وخرج من عند النبي إلى مكة، يدعوهم إلى الإستسلام، وأخذ ينفث فيهم أنهم لا طاقة لهم بقوة المسلمين، فقد جَمع لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم – جمعًا عظيمًا، وجيشًا كبيرًا ..فهَزمَ أبو سفيان قومه، وانهزموا نفسيًا، قبل أن يدخل المسلمون مكة، وهذا فتح من فتوحات مكة .

      العودة إِلَى مَعَاد
      وواصل الجيش الإسلامي زحفه، يجوب الفيافي والقفار من المدينة إلى مكة، تعلو الجيش هيبة وعزة، يبث الرعب في قلوب الأجلاف، وينشر النور والحضارة يمنة ويسرة ..
      ودخل رسول الله، وصدَق الله وعده :"إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " [القصص:85] .
      ودخلها .. الذي خرج منها طريدًا أسيفًا ..
      ها هو اليوم يدخلها فاتحًا عزيزًا .. ها هو اليوم يدخلها وهو راكب راحلته، عليه الخشوع والتواضع، قد تلفع واعتم برداء متواضع، وأحنى ظهره على راحلته - تواضعًا لربه-، وطأطأ رأسه فكانت لحيته الكريمة تمس راحلته أحيانًا - تواضعَا لربه -، ولم ينطق لسان بكلمة فخر أو كبر بكل كان ترداده القرآن، وأنشودة الفتح؛ هي سورة الفتح .. كل ذلك تواضعًَا لله، ولم يدخلها دخول الجبارين، ولم يفعل فيها فعل الملوك المغرورين. ولو شاء لجعلها خرابًا يبابًا، واسْحَنفَرَ في التكنيل ولم يتلبث !
      وهذا التواضع، والخشوع، هو متعة الفاتحين الربانيين، ولذة المجاهدين الصادقين .

      إعلان الأمان
      حتى إذا وصل الجيش الإسلامي مكة، فأعلن منادي الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من دخل دار أبي سفيان وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن..
      وانتشر الأمان في أصقاع مكة، التي عاشت رزحًا من الزمان؛ يُنكل فيها بالمؤمنين، وتُجلد فيها ظهور الموحدين، ولا يسكن فيها روع المستضعفين . جاء اليوم الذي أمِنَ فيها المسلمون . وذهب الروع، وتبدد الخوف، وانقشع الظلم، فكان المسلم فيه هو السيد الموقَرُ، والظالمين هم " المحظورون " .
      فلما دب الأمان في أرض مكة؛ دب على أثره الإسلامُ في نفوس الناس، دبيب الصهباء في عروق العشاق.
      وطفق الناس يدخلون في دين الله أفوجًا..
      وهذا فتح من فتح ...

      الأمان لا يشمل أئمة الطغيان
      ولما أصدر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العفو العام؛ استثنى – كأي شرعة ونظام– مجرمي الحرب، وممن ارتكبوا جرائم في حق المسلمين، وأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقتل هؤلاء المجرمين، - وأكد على ذلك – ولو تعلقوا بأستار الكعبة، لظلمهم التليد، وبغيهم الشديد.
      وحتى لا يطمع بعض الوجهاء - ممن لهم سجل حافل بالظلم والفساد - في حَيْفٍ؛ لشرفهم وريشهم ومالهم، فلا يزالون بالقيادة الإسلامية حتى تصبح رَؤومة لهم، عميلة عندهم. ولكن، كلا، وحاشا، فما رَئمَتْ قيادتُنا الإسلامية لظالم وما ذلت لفاسد. والله أكبر ولله الحمد .
      وكان من هؤلاء المجرمين، هبار بن الأسود، ذلك اللئيم الذي عرض لزينب بنت النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي مهاجرة، فأسقطها من فوق راحلتها، وكانت حُبلى، فأُجهضت، وسال دم سقطها .
      فالأمان العام رحمة من رحمات سيد المرسلين، وقتل أمثال المجرمين – ممن استثناهم من العفو – رحمة للعالمين. وهذا فتح من فتح؛ أن يسقط الطغيان، ويأمن اللهفان.

      إسقاط الأصنام ..
      ودخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسجد الحرام، والناس شهود ينظرونه وكأنه على رؤسهم الطير، ذلك المسجد الذي كان تحت سلطان الوثنيين، ولقد منعوا الرسول – صلى الله عليه وسلم - من عبادة ربه وممارسة دعوته فيه، ذلك المسجد الذي داس فيه عقبة بن أبي معيط على رأس رسول الله وهو ساجد، وحاول خنقه فيه وهو قائم، وجاء عقبة بأمعاء حيوان ميت فطرحه على ظهر رسول الله ورأسه وكتفه، فلا زالوا يضحكون حتى تمايلوا في سكرتهم ..
      الآن يدخل المسجد ظاهرًا، وهم خائفون واجمون، قد ورمت أنوفهم أو خضعت قلوبهم، يطلبون العفو الصريح، أو الخُلق السَّجيح.. يخشون أن تُبسلَ نُفُوسُهم بما صنعوا بالمسلمين أيام الإضطهاد.
      وهنا سقطت الأصنام السياسية .. عقدية وفكرية وثقافية ..
      فأسقط رسول الله نعرات الجاهلية وأصنام الجاهلية، أسقط الوثن الصنم، وأسقط المُعتقد الصنم .. سقطت كل الأصنام على مناخرها، ولصقَ بالرَّغام معاطسها..وطهَّرَ رسول الله – صلى عليه وسلم – المقدسات الإسلامية، طهرها تطهيرًا، وهذا فتح من فتح. فنسأل الله أن يوفقنا لتطهير المسجد الأقصى، من ركس اليهود . آمين .

      وكانت البيعة فتحًا ..
      واجتمع الناس حول الصفا ليبايعوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السمع والطاعة، فبايع الرجال ثم بايع النساء ..فبايَعهن على ألا يشركن بالله شيئًا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه، ولا يعصين رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في معروف. وكانت البيعة فتحًا .

      الأذان فوق الكعبة .. نَبْأة الحق :
      وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بلالاً أن يعتلي الكعبة، وينادي على الأمة، بنداء الصلاة التالد الخالد، فدوى الأذان في سماء مكة، فقرع القلوب، وطربت به النفوس المكلومة كأنه رنة حداء، وكان بمثابة البث الإعلامي الإسلامي الممتد في كل الأنحاء، يدخل على الناس في بيوتها، والطيور في وُكُناتها، والوحوش في أوجراتها، والإبل في معاطنها، والشاء في مراتعها. وانسجم مع صوت الأذن كُل صوت، حتى قعقة البحر، وخرير النهر، وحفيف الشجر، وزفيف الريح، وتغريد الطير، وثغاء الشاة، ونقيع الضفدِع... الكل يشهد أن " محمد رسول الله " !
      وهذا فتح من فتح، فقد أصبح للإسلام أبواق وحناجر، وإعلام ومنابر .

      اسمعي يا مكة !
      ومكث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نحو عشرين يومًا، يُعَلِّمُ الناس الخير، وينشر رسله تهدم أصنامًا عبدها الناس قرونًا..
      ووقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطيبًا لأهل مكة يعلمهم الإسلام، وكلهم آذن صاغية، لا تحس منهم من أحد، لا تسمع ركزًا، ولا تسمع إلا همسًا، وهذا فتح من فتح، وهو الذي لما وقف إليهم من قَبلُ على جبل الصفا كذبوه وزبروه وشتموه، وقالوا : تباً لك ! ألهذا جمعتنا ؟ !
      إنه يقف إليهم الآن بعدما فتح الله له بكة، يحدثهم بنور الله الذي جاء به، يهدهد رواسي الجاهلية، ويقتلع أفاعي الوثنية، فيقول في خطبة له يوم الفتح :
      " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " [ الترمذي : 3193].

      ويعلَّمهم تعظيم الأراضي الإسلامية، وحرمة البقاع المقدسة، وحرمة فتحها إلى قيام الساعة بعد اليوم، فإنما أحلها الله له ساعة، فقال في خطبة آخرى في هذا اليوم العظيم :
      "إِنْ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ ، لا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيهَا فَقُولُوا لَهُ : إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " [البخاري: (3957)].
      وعن الدماء ومآثر الجاهلية، يقول :
      "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْخَطَإِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا . أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَدَمٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِدَانَةِ الْبَيْتِ وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ، أَلَا إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُهُمَا لِأَهْلِهِمَا كَمَا كَانَا" [ابن ماجه: (2618)، وقال الألباني : حسن]

      لكل زمان فتوحاته :
      إن الله يبعث لهذه الأمة في كل زمان وفي كل مكان، من يفتح لها الفتوح، ويطبب لها الجروح، كما يبعث لها من يجدد لها دينها، ويُحيي لها شرعتها، وكلهم المعني بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
      "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ - عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ - مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا" [ أبو داود عن أبي هريرة (3740) وحسنه الألباني].
      وأحق الناس بشرف التجديد؛ من أقامهم الله لإحياء الجهاد في النفوس، ومحو الذل والعار، وتحرير الأرض والديار، وإحياء مجد الأمة، وبناء النفوس وإعلاء الهمة.
      وعسى الله أن يأتي بالفتح في هذه الحقبة، ويقيد لذلك من يبيد خضراء الظَلَمة، ويسود – على أيدي المجددين الفاتحين - الأمان مكان الغربة، والنور مكان الظُلمة .

      هذه الدعوة في كنف الله من أول يوم، فالفتح متجدد، والفتوحات قادمة، وقد كتب الله على نفسه ليغلبن ورسله، ويُظهرَ الدين الإسلامي على النِّحل كلها، ويستخلف في الأرض عباده المؤمنين، ويجعلهم أئمة، ويجعلهم الوارثين، عندها سيبلغ مُلك هذه الأمة وسلطان هذه الدعوة ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله على هذه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين.
      أيها الأسد ! لتلحقْ بقاطرة الفاتحين، وبحزب المجددين المجاهدين؛ فقد جاوزَ الماءُ الزُبى، فلا وقت للنوم ..
      وبلغ الحزامُ الطُّبْييْن .. فالغوثَ، الغوث !
      وبلغ السكين العظمَ .. فأقبل ولا تخف، الأُمة تغرق !
      وانقطع السَّلى في البطن .. فلا نامت أعين الجبناء ..
      وقد تجاوز الأمر بنا قدره .. فالعملَ، العمل .. والصبرَ، الصبر .. والثباتَ، الثبات، فالجهادَ، الجهاد، فهو المجد والسؤدد، والنصر الأمجد .
      وما قط . بارت تجارة المجاهدين !


      تعليق


      • #4
        رد: فَتْحُ مَكَّةَ .. فتوحات، وفتحٌ لكل زمان الأذان فوق الكعبة .. نَبْأة الحق : اسمعي يا مكة !

        جزاكم الله خيرا ونفع بكم

        تعليق

        يعمل...
        X