محاكمة شعار "إلا رسول الله!"
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تعرضنا في مقال "الإنفصام بين الفكر والسلوك" لظاهرة الشعارات التي أدمن الناس إطلاقها في هذه الأيام، والتي غالباً ما يكون رصيدها العملي ضعيفاً، وربما كان منعدماً، ومثلنا بذلك بشعار "نحن فداؤك يا رسول الله" والذي أطلقه اللاعبون والمشجعون في مباراة كرة قدم، ثم تحول بعد ذلك إلى شعار تزين به واجهات السيارات وخلفياتها، وربما وضع جنباً إلى جنب مع شعارات الأندية الكروية وربما أيضاً مع شعارات الحب والغرام.
وموعدنا في هذه المرة مع شعار آخر ارتبط كسابقه بالدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصبح أيضاً في ظن الكثيرين مجرد شعار يتردد دون أن يكون له تأثير في سلوك صاحبه.
ولك أن تتخيل رجلاً قد ظلم صاحبه، واعتدى عليه في مواطن متعددة حتى وصل إلى منطقة شديدة الوقع على صاحبها حتى صاح فيه بالتعبير الدارج "كله إلا ذلك"، ترى هل يمكن أن يقول هذه الكلمة مع استمرار حالة الود والمحبة بينهما، وهل الذي يفيض به الكيل من ظلم الظالم حتى ينفجر فيه بهذه الكلمة يمكن أن يعود فيستجديه اعتذاراً باهتاً كما فعله بعض المنتسبين إلى الدعوة.
لقد أصاب هذا الشعار ما أصاب غيره من تفريغه من مضمونه أو سلوك طرق خاطئة لتحقيقه مع ضعف في الهمة والإرادة، ولكننا نريد أن نركز في محاكمتنا لهذا الشعار على قضية أخرى في غاية الأهمية، وهى خطأ هذا الشعار معنوياً، وتضمنه لمعانٍ فاسدة وإن كان من أطلقه لم يرد هذا المعنى قطعاً، ولكن العجب من انتشار هذا الشعار كانتشار النار في الهشيم دون أن ينتبه هذا الجمع الكبير ممن استخدمه لخطأ فحواه، لاسيما وأنه قد استخدم من قبل كثير من الغيورين على دين الله عز وجل.
وغالب الظن أن واضع هذا الشعار قد أخذه من التعبير الدارج الذي يقوله الناس عندما تقترب من الخطوط الحمراء في حياتهم كمصدر رزقهم مثلاً، وقد غفل ناقل هذا الشعار أن دائرة الحقوق الشخصية قابلة للتنازل والتسامح، وأن حتى لقمة العيش التي غالباً ما يرفع معها هذا الشعار "كله إلا لقمة العيش" و "يا ناوي على قوتي يا ناوي على موتى" هي نفسها داخلة في دائرة العفو.
فأداة الاستثناء "إلا" تضع الخط الفاصل بين ما يقبل التسامح وما لا يقبل، والحقوق الشخصية كلها قابلة للتسامح من حيث المبدأ وراجعة إلى طيب نفس كل واحد من حيث التطبيق، ولذا فكل واحد يعلن عن نفسه أن يتسامح في حقه إلا في كذا وكذا، وأسمح الناس نفساً من يتسامح في حقه كله، ولكن حق الله لا يملك أحد التسامح فيه، وما أجمل "إلا" التي وصفت بها السيدة عائشة - رضي الله عنها - حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يغضب لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله.
إذاً فكل الحرمات تأتي بعد "إلا" لا قبلها ومتى قال القائل "إلا رسول الله" فأين حرمة سائر الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -؟ وأين حرمة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ؟ بل أين حرمة آحاد المؤمنين التي هي أعظم عند الله من البيت الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام.
ترى هل فهم أعداؤنا الشعار على ظاهره اللغوي فظنوا أن الأمة لا يهمها إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراحوا يسخرون من عيسى - عليه السلام - "راجع مقال نحن أولى بعيسى منهم"، وأطلقوا عملية "أمطار الصيف" القذرة على إخواننا في فلسطين تمطرهم بوابل من الرصاص والقنابل، وانتهكوا أعراض المسلمات في العراق وأشاعوا ذلك علناً، لا نستطيع أن ندعي ذلك لأن الأعداء يفعلون هذه الجرائم من قبل أن نطلق هذا الشعار، ولكننا لا نستبعد تأثير هذا الشعار على العقل الباطن لكثير من المسلمين فأصبح تفاعله مع قضايا الأمة الأخرى منعدماً بالنسبة إلى تفاعله مع قضية نصرة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن المعلوم أن الأعداء يرصدون هذه الظواهر، ومتى رصدوا ذلك فسوف تزداد القضية خطورة عما هي عليه الآن، ونحن نعلم أن أصحاب هذا الشعار أرادوا أن ينبهوا على أن الخطب في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم ـ خطر من غيره، إلا أننا يجب أن نعبر عن ذلك بعبارات لا تتضمن معنى فاسداً.
وألا يكفينا في ذلك ما دافع به الله ـ عز وجل ـ عن رسوله - صلى الله عليه وسلم ـ (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) (الحجر:95)، (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) (الكوثر:3)، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد:1).
(كَلاً لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ٭ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ٭ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ٭ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ٭ كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:15 -19).
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان:27)
أو ما يكفينا ما دافع به المؤمنون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ
قال حسان بن ثابت - رضي الله عنه -:
هجــوتَ محمـداً وأجبتُ عنه وعنـد الله في ذاك الجزاءُ
أتهجــوه ولســـتَ لـه بكفء فشـــركما لخيـركما الفداءُ
هجوت مبــاركاً بـــراً حنيفـاً أميــــن الله شـيمته الوفاءُ
أمن يهجو رسول الله منــكم ويمدحه وينصره ســـواءُ؟
فإن أبى ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقــاءُ
لساني صارم لا عيب فيـــه وبحري لا تكدره الـــدلاءُ
أو ما يكفينا ذلك العنوان الذي ما زالت ترتعد منه فرائص من يقرأه، أعنى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الصارم المسلول على شاتم الرسول".أهـ
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تعرضنا في مقال "الإنفصام بين الفكر والسلوك" لظاهرة الشعارات التي أدمن الناس إطلاقها في هذه الأيام، والتي غالباً ما يكون رصيدها العملي ضعيفاً، وربما كان منعدماً، ومثلنا بذلك بشعار "نحن فداؤك يا رسول الله" والذي أطلقه اللاعبون والمشجعون في مباراة كرة قدم، ثم تحول بعد ذلك إلى شعار تزين به واجهات السيارات وخلفياتها، وربما وضع جنباً إلى جنب مع شعارات الأندية الكروية وربما أيضاً مع شعارات الحب والغرام.
وموعدنا في هذه المرة مع شعار آخر ارتبط كسابقه بالدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصبح أيضاً في ظن الكثيرين مجرد شعار يتردد دون أن يكون له تأثير في سلوك صاحبه.
ولك أن تتخيل رجلاً قد ظلم صاحبه، واعتدى عليه في مواطن متعددة حتى وصل إلى منطقة شديدة الوقع على صاحبها حتى صاح فيه بالتعبير الدارج "كله إلا ذلك"، ترى هل يمكن أن يقول هذه الكلمة مع استمرار حالة الود والمحبة بينهما، وهل الذي يفيض به الكيل من ظلم الظالم حتى ينفجر فيه بهذه الكلمة يمكن أن يعود فيستجديه اعتذاراً باهتاً كما فعله بعض المنتسبين إلى الدعوة.
لقد أصاب هذا الشعار ما أصاب غيره من تفريغه من مضمونه أو سلوك طرق خاطئة لتحقيقه مع ضعف في الهمة والإرادة، ولكننا نريد أن نركز في محاكمتنا لهذا الشعار على قضية أخرى في غاية الأهمية، وهى خطأ هذا الشعار معنوياً، وتضمنه لمعانٍ فاسدة وإن كان من أطلقه لم يرد هذا المعنى قطعاً، ولكن العجب من انتشار هذا الشعار كانتشار النار في الهشيم دون أن ينتبه هذا الجمع الكبير ممن استخدمه لخطأ فحواه، لاسيما وأنه قد استخدم من قبل كثير من الغيورين على دين الله عز وجل.
وغالب الظن أن واضع هذا الشعار قد أخذه من التعبير الدارج الذي يقوله الناس عندما تقترب من الخطوط الحمراء في حياتهم كمصدر رزقهم مثلاً، وقد غفل ناقل هذا الشعار أن دائرة الحقوق الشخصية قابلة للتنازل والتسامح، وأن حتى لقمة العيش التي غالباً ما يرفع معها هذا الشعار "كله إلا لقمة العيش" و "يا ناوي على قوتي يا ناوي على موتى" هي نفسها داخلة في دائرة العفو.
فأداة الاستثناء "إلا" تضع الخط الفاصل بين ما يقبل التسامح وما لا يقبل، والحقوق الشخصية كلها قابلة للتسامح من حيث المبدأ وراجعة إلى طيب نفس كل واحد من حيث التطبيق، ولذا فكل واحد يعلن عن نفسه أن يتسامح في حقه إلا في كذا وكذا، وأسمح الناس نفساً من يتسامح في حقه كله، ولكن حق الله لا يملك أحد التسامح فيه، وما أجمل "إلا" التي وصفت بها السيدة عائشة - رضي الله عنها - حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يغضب لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله.
إذاً فكل الحرمات تأتي بعد "إلا" لا قبلها ومتى قال القائل "إلا رسول الله" فأين حرمة سائر الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -؟ وأين حرمة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ؟ بل أين حرمة آحاد المؤمنين التي هي أعظم عند الله من البيت الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام.
ترى هل فهم أعداؤنا الشعار على ظاهره اللغوي فظنوا أن الأمة لا يهمها إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراحوا يسخرون من عيسى - عليه السلام - "راجع مقال نحن أولى بعيسى منهم"، وأطلقوا عملية "أمطار الصيف" القذرة على إخواننا في فلسطين تمطرهم بوابل من الرصاص والقنابل، وانتهكوا أعراض المسلمات في العراق وأشاعوا ذلك علناً، لا نستطيع أن ندعي ذلك لأن الأعداء يفعلون هذه الجرائم من قبل أن نطلق هذا الشعار، ولكننا لا نستبعد تأثير هذا الشعار على العقل الباطن لكثير من المسلمين فأصبح تفاعله مع قضايا الأمة الأخرى منعدماً بالنسبة إلى تفاعله مع قضية نصرة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن المعلوم أن الأعداء يرصدون هذه الظواهر، ومتى رصدوا ذلك فسوف تزداد القضية خطورة عما هي عليه الآن، ونحن نعلم أن أصحاب هذا الشعار أرادوا أن ينبهوا على أن الخطب في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم ـ خطر من غيره، إلا أننا يجب أن نعبر عن ذلك بعبارات لا تتضمن معنى فاسداً.
وألا يكفينا في ذلك ما دافع به الله ـ عز وجل ـ عن رسوله - صلى الله عليه وسلم ـ (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) (الحجر:95)، (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) (الكوثر:3)، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد:1).
(كَلاً لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ٭ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ٭ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ٭ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ٭ كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:15 -19).
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان:27)
أو ما يكفينا ما دافع به المؤمنون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ
قال حسان بن ثابت - رضي الله عنه -:
هجــوتَ محمـداً وأجبتُ عنه وعنـد الله في ذاك الجزاءُ
أتهجــوه ولســـتَ لـه بكفء فشـــركما لخيـركما الفداءُ
هجوت مبــاركاً بـــراً حنيفـاً أميــــن الله شـيمته الوفاءُ
أمن يهجو رسول الله منــكم ويمدحه وينصره ســـواءُ؟
فإن أبى ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقــاءُ
لساني صارم لا عيب فيـــه وبحري لا تكدره الـــدلاءُ
أو ما يكفينا ذلك العنوان الذي ما زالت ترتعد منه فرائص من يقرأه، أعنى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الصارم المسلول على شاتم الرسول".أهـ
تعليق