. ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم
سئلت عائشة رضي الله عنها فقالت: كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه ولا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله فيغضب لله وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد، وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم ما سئل شيئًا فقال: لا، ولا يبيت في بيته دينار ولا درهم فإن فضل ولم يجد من يأخذه وجاءه الليل لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت أهله عامًا فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل
انقضاء العام.
وكان أصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة وأحلم الناس وأشدهم حياء، بل أشد حياء من العذراء في خدرها خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة.
وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعًا يجيب من دعاه من غني أو فقير أو حر أو عبد وأرحم الناس يصغي الإناء للهرة وما يرفعه حتى تروي رحمة لها.
وكان صلى الله عليه وسلم أعف الناس وأشدهم إكرامًا لأصحابه لا يمد رجليه بينهم ويوسع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، من رآه بديهة هابه ومن خالطه أحبه، له رفقاء يحفون به إذا قال انصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره.
يبدأ من لقيه بالسلام ويتجمل لأصحابه ويتفقدهم ويسأل عنهم، فمن مرض عاده ومن غاب دعاه ومن مات استرجع فيه وأتبعه الدعاء ومن كان تخوف أن يكون وجد في نفسه شيئًا انطلق إليه حتى يأتيه في منزله ويخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافاتهم، ويتألف أهل الشرف ويكرم أهل الفضل ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه ويقبل معذرة المعتذر إليه والقوي والضعيف عنده في الحق سواء ولا يدع أحدًا يمشي خلفه ويقول: "خلوا ظهري للملائكة" ولا يدع أحدًا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله فإن أبى قال: "تقدمني إلى المكان الذي تريد" يخدم صلى الله عليه وسلم من خدمه وله عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا مشرب ولا ملبس، قال أنس: خدمته صلى الله عليه وسلم عشر سنين فوالله ما صحبته في حضر ولا سفر لأخدمه إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له، وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا.
وكان صلى الله عليه وسلم في سفر فأمر بإصلاح شاة فقال رجل: يا رسول الله علي ذبحها وقال آخر: علي سلخها وقال آخر عليَّ طبخها فقال صلى الله عليه وسلم "وعلي جمع الحطب" فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك فقال: "قد علمت أنكم تكفونني ولكن أكره أن أتميز عليكم فإن الله تبارك وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزًا بين أصحابه" وقام صلى الله عليه وسلم فجمع الحطب.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس ويأمر بذلك. ويعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلى الله عليه وسلم حتى يقوم الذي جلس إليه إلا أن يستعجله أمر فيستأذنه.
ولا يقابل صلى الله عليه وسلم أحدًا بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها بل يعفو ويصفح.
وكان صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يهاب ملكًا لملكه، يعظم النعمة وإن قلت لا يذم منها شيئًا فما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحفظ جاره، ويكرم ضيفه وكان أحسن الناس تبسمًا وأحسنهم بشرًا لا يمضي له وقت في غير عمل لله عز وجل أو فيما لا بد منه، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه يخصف نعله ويرقع ثوبه ويركب الفرس والبغل والحمار ويردف خلفه عبده أو غيره ويمسح وجه فرسه بطرف كمه أو بطرف ردائه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة وإذا جاءه ما يحب يقول: "الحمد لله رب العالمين" وإذا جاءه ما يكره قال: "الحمد لله على كل حال" وإذا رفع الطعام من بين يديه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا من المسلمين" وأكثر جلوسه مستقبل القبلة ويكثر الذكر ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ويستغفر الله في المجلس الواحد مائة مرة، وكان صلى الله عليه وسلم يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
وكان صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام في كل شهر وعاشوراء وكان يفطر يوم الجمعة. وأكثر صيامه في شعبان.
وكان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارًا للوحي، وإذا نام نفخ ولا يغط، وإذا رأى في منامه ما يكره قال: "هو الله لا شريك له" وإذا أخذ مضجعه قال: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك" وإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية ويكافئ عليها ولا يتأنق فيما أكل. وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وآتاه الله تبارك وتعالى مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها واختار الآخر([1]) صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته أجمعين.
([1]) المصدر السابق (19-25).
سئلت عائشة رضي الله عنها فقالت: كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه ولا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله فيغضب لله وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد، وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم ما سئل شيئًا فقال: لا، ولا يبيت في بيته دينار ولا درهم فإن فضل ولم يجد من يأخذه وجاءه الليل لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت أهله عامًا فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل
انقضاء العام.
وكان أصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة وأحلم الناس وأشدهم حياء، بل أشد حياء من العذراء في خدرها خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة.
وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعًا يجيب من دعاه من غني أو فقير أو حر أو عبد وأرحم الناس يصغي الإناء للهرة وما يرفعه حتى تروي رحمة لها.
وكان صلى الله عليه وسلم أعف الناس وأشدهم إكرامًا لأصحابه لا يمد رجليه بينهم ويوسع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، من رآه بديهة هابه ومن خالطه أحبه، له رفقاء يحفون به إذا قال انصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره.
يبدأ من لقيه بالسلام ويتجمل لأصحابه ويتفقدهم ويسأل عنهم، فمن مرض عاده ومن غاب دعاه ومن مات استرجع فيه وأتبعه الدعاء ومن كان تخوف أن يكون وجد في نفسه شيئًا انطلق إليه حتى يأتيه في منزله ويخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافاتهم، ويتألف أهل الشرف ويكرم أهل الفضل ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه ويقبل معذرة المعتذر إليه والقوي والضعيف عنده في الحق سواء ولا يدع أحدًا يمشي خلفه ويقول: "خلوا ظهري للملائكة" ولا يدع أحدًا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله فإن أبى قال: "تقدمني إلى المكان الذي تريد" يخدم صلى الله عليه وسلم من خدمه وله عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا مشرب ولا ملبس، قال أنس: خدمته صلى الله عليه وسلم عشر سنين فوالله ما صحبته في حضر ولا سفر لأخدمه إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له، وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا.
وكان صلى الله عليه وسلم في سفر فأمر بإصلاح شاة فقال رجل: يا رسول الله علي ذبحها وقال آخر: علي سلخها وقال آخر عليَّ طبخها فقال صلى الله عليه وسلم "وعلي جمع الحطب" فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك فقال: "قد علمت أنكم تكفونني ولكن أكره أن أتميز عليكم فإن الله تبارك وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزًا بين أصحابه" وقام صلى الله عليه وسلم فجمع الحطب.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس ويأمر بذلك. ويعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلى الله عليه وسلم حتى يقوم الذي جلس إليه إلا أن يستعجله أمر فيستأذنه.
ولا يقابل صلى الله عليه وسلم أحدًا بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها بل يعفو ويصفح.
وكان صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يهاب ملكًا لملكه، يعظم النعمة وإن قلت لا يذم منها شيئًا فما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحفظ جاره، ويكرم ضيفه وكان أحسن الناس تبسمًا وأحسنهم بشرًا لا يمضي له وقت في غير عمل لله عز وجل أو فيما لا بد منه، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه يخصف نعله ويرقع ثوبه ويركب الفرس والبغل والحمار ويردف خلفه عبده أو غيره ويمسح وجه فرسه بطرف كمه أو بطرف ردائه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة وإذا جاءه ما يحب يقول: "الحمد لله رب العالمين" وإذا جاءه ما يكره قال: "الحمد لله على كل حال" وإذا رفع الطعام من بين يديه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا من المسلمين" وأكثر جلوسه مستقبل القبلة ويكثر الذكر ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ويستغفر الله في المجلس الواحد مائة مرة، وكان صلى الله عليه وسلم يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
وكان صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام في كل شهر وعاشوراء وكان يفطر يوم الجمعة. وأكثر صيامه في شعبان.
وكان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارًا للوحي، وإذا نام نفخ ولا يغط، وإذا رأى في منامه ما يكره قال: "هو الله لا شريك له" وإذا أخذ مضجعه قال: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك" وإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية ويكافئ عليها ولا يتأنق فيما أكل. وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وآتاه الله تبارك وتعالى مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها واختار الآخر([1]) صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته أجمعين.
([1]) المصدر السابق (19-25).
تعليق