حديث ( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) وشرحه
أولا الحديث:
عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال: مر النبي صلي الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: (( أتقي الله واصبري)) فقالت إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلي الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلي الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: (( إنما الصبر عند الصدمة الأولي))(118) ( متفق عليه).
وفي رواية لمسلم: (( تبكي على صبي لها)).
ثانيا شرح الحديث للشيخ ابن عثيمين رحمه الله من رياض الصالحين:
قال المؤلف - رحمه الله تعالي- فيما نقله عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن النبي صلي الله عليه وسلم مر بامرأة وهي عند قبر صبي لها قد مات، وكانت تحبه حباً شديداً، فلم تملك نفسها أن تخرج إلي قبره لتبكي عنده. فلما رآها النبي صلي الله عليه وسلم أمرها بتقوى الله والصبر.
قال لها: (( اتقي الله واصبري، فقالت له: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي)) إليك عني أي: ابعد عني فإنك لم تصب بمثل مصيبتي.
وهذا يدل على أن المصيبة قد بلغت منها مبلغاً عظيماً،فانصرف النبي صلي الله عليه وسلم عنها.
ثم قيل لها: إن هذا رسول الله صلي الله عليه وسلم فندمت وجاءت إلي رسول الله، إلي بابه، وليس على الباب بوابون أي: ليس عنده أحد يمنع الناس من الدخول عليه. فأخبرته وقالت: إنني لم أعرفك ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( إنما الصبر عند الصدمة الأولي)).
الصبر الذي يثاب عليه الإنسان هو أن يصبر عند الصدمة الأولي أول ما تصيبه المصيبة، هذا هو الصبر.
أما الصبر فيما بعد ذلك، فإن هذا قد يكون تسليا كما تتسلي البهائم. فالصبر حقيقة أن الإنسان إذا صدم أول ما يصدم يصبر ويحتسب ، ويحسن ان يقول: (( إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)).
ففي هذا الحديث عدة فوائد:
أولاً: حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ودعوته إلي الحق وإلي الخير، فإنه لما رأي هذه المرأة تبكي عند القبر أمرها بتقوى الله والصبر.
ولما قالت: (( إليك عني)) لم ينتقم لنفسه، ولم يضربها ، ولم يقمها بالقوة، لأنه عرف أنه أصابها من الحزن ما لا تستطيع أن تملك نفسها، ولهذا خرجت من بيتها لتبكي عند هذا القبر.
فإن قال قائل : أليس زيارة القبور حراما على النساء؟ قلنا بلي هي حرام على النساء ، بل هي من كبائر الذنوب !! لأن النبي عليه الصلاة والسلام (( لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج))(119).
لكن هذه لم تخرج للزيارة ، وإنما خرجت لما في قبلها من لوعة فراق هذا الصبي والحزن الشديد، لم تملك نفسها أن تأتي ؛ ولهذا عذرها النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقمها بالقوة، ولم يجبرها على أن ترجع إلي بيتها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يعذر بالجهل، سواء أكان جهلاً بالحكم الشرعي أم جهلاً بالحال، فإن هذه المرأة قالت للنبي صلي الله عليه وسلم : إليك عني، أي: ابعد عني، مع أنه يأمرها بالخير والتقوي والصبر. ولكنها لم تعرف أن رسول الله صلي الله عليه وسلم فلهذا عذرها النبي عليه الصلاة والسلام.
ومنها: أنه لا ينبغي للإنسان المسؤول عن حوائج المسلمين أن يجعل على بيته بواباً يمنع الناس إذا كان الناس يحتاجون إليه. إلا إذا كان الإنسان يخشي من كثرة الناس وإرهاق الناس وإشغال الناس عن شيء يمكنهم أن يتداركوا شغلهم في وقت آخر، فهذا لا بأس به.
وما جعل الاستئذان إلا من أجل النظر، ومن أجل أن الإنسان يتصرف في بيته في إدخال من شاء ومنع من شاء.
ومن فوائده : أن الصبر الذي يحمده فاعله هو الصبر الذي يكون عند الصدمة الأولي ويصبر الإنسان ويحتسب، ويعلم أن الله ما أخذ وله ما أعطي، وأن كل شيء عنده بأجل مسمي.
ومن فوائد هذا الحديث: أن البكاء عند القبر ينافي الصبر؛ ولهذا قال لها الرسول صلي الله عليه وسلم : (( اتقي الله واصبري)).
ويوجد من الناس من يبتلي ، فإذا مات له ميت صار يتردد على قبره ويبكي عنده، وهذا ينافي الصبر، بل نقول: إذا شئت ان تنفع الميت فادع الله وأنت في بيتك ، ولا حاجة أن تترد على القبر، لأن التردد على القبر يجعل الإنسان يتخيل هذا الميت دائما في ذهنه ولا يغيب عنه، وحينئذ لا ينسي المصيبة أبدا، مع أن الأفضل للإنسان أن يتلهى وأن ينسي المصيبة بقدر ما يستطيع . والله
أولا الحديث:
عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال: مر النبي صلي الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: (( أتقي الله واصبري)) فقالت إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلي الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلي الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: (( إنما الصبر عند الصدمة الأولي))(118) ( متفق عليه).
وفي رواية لمسلم: (( تبكي على صبي لها)).
ثانيا شرح الحديث للشيخ ابن عثيمين رحمه الله من رياض الصالحين:
قال المؤلف - رحمه الله تعالي- فيما نقله عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن النبي صلي الله عليه وسلم مر بامرأة وهي عند قبر صبي لها قد مات، وكانت تحبه حباً شديداً، فلم تملك نفسها أن تخرج إلي قبره لتبكي عنده. فلما رآها النبي صلي الله عليه وسلم أمرها بتقوى الله والصبر.
قال لها: (( اتقي الله واصبري، فقالت له: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي)) إليك عني أي: ابعد عني فإنك لم تصب بمثل مصيبتي.
وهذا يدل على أن المصيبة قد بلغت منها مبلغاً عظيماً،فانصرف النبي صلي الله عليه وسلم عنها.
ثم قيل لها: إن هذا رسول الله صلي الله عليه وسلم فندمت وجاءت إلي رسول الله، إلي بابه، وليس على الباب بوابون أي: ليس عنده أحد يمنع الناس من الدخول عليه. فأخبرته وقالت: إنني لم أعرفك ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( إنما الصبر عند الصدمة الأولي)).
الصبر الذي يثاب عليه الإنسان هو أن يصبر عند الصدمة الأولي أول ما تصيبه المصيبة، هذا هو الصبر.
أما الصبر فيما بعد ذلك، فإن هذا قد يكون تسليا كما تتسلي البهائم. فالصبر حقيقة أن الإنسان إذا صدم أول ما يصدم يصبر ويحتسب ، ويحسن ان يقول: (( إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)).
ففي هذا الحديث عدة فوائد:
أولاً: حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ودعوته إلي الحق وإلي الخير، فإنه لما رأي هذه المرأة تبكي عند القبر أمرها بتقوى الله والصبر.
ولما قالت: (( إليك عني)) لم ينتقم لنفسه، ولم يضربها ، ولم يقمها بالقوة، لأنه عرف أنه أصابها من الحزن ما لا تستطيع أن تملك نفسها، ولهذا خرجت من بيتها لتبكي عند هذا القبر.
فإن قال قائل : أليس زيارة القبور حراما على النساء؟ قلنا بلي هي حرام على النساء ، بل هي من كبائر الذنوب !! لأن النبي عليه الصلاة والسلام (( لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج))(119).
لكن هذه لم تخرج للزيارة ، وإنما خرجت لما في قبلها من لوعة فراق هذا الصبي والحزن الشديد، لم تملك نفسها أن تأتي ؛ ولهذا عذرها النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقمها بالقوة، ولم يجبرها على أن ترجع إلي بيتها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يعذر بالجهل، سواء أكان جهلاً بالحكم الشرعي أم جهلاً بالحال، فإن هذه المرأة قالت للنبي صلي الله عليه وسلم : إليك عني، أي: ابعد عني، مع أنه يأمرها بالخير والتقوي والصبر. ولكنها لم تعرف أن رسول الله صلي الله عليه وسلم فلهذا عذرها النبي عليه الصلاة والسلام.
ومنها: أنه لا ينبغي للإنسان المسؤول عن حوائج المسلمين أن يجعل على بيته بواباً يمنع الناس إذا كان الناس يحتاجون إليه. إلا إذا كان الإنسان يخشي من كثرة الناس وإرهاق الناس وإشغال الناس عن شيء يمكنهم أن يتداركوا شغلهم في وقت آخر، فهذا لا بأس به.
وما جعل الاستئذان إلا من أجل النظر، ومن أجل أن الإنسان يتصرف في بيته في إدخال من شاء ومنع من شاء.
ومن فوائده : أن الصبر الذي يحمده فاعله هو الصبر الذي يكون عند الصدمة الأولي ويصبر الإنسان ويحتسب، ويعلم أن الله ما أخذ وله ما أعطي، وأن كل شيء عنده بأجل مسمي.
ومن فوائد هذا الحديث: أن البكاء عند القبر ينافي الصبر؛ ولهذا قال لها الرسول صلي الله عليه وسلم : (( اتقي الله واصبري)).
ويوجد من الناس من يبتلي ، فإذا مات له ميت صار يتردد على قبره ويبكي عنده، وهذا ينافي الصبر، بل نقول: إذا شئت ان تنفع الميت فادع الله وأنت في بيتك ، ولا حاجة أن تترد على القبر، لأن التردد على القبر يجعل الإنسان يتخيل هذا الميت دائما في ذهنه ولا يغيب عنه، وحينئذ لا ينسي المصيبة أبدا، مع أن الأفضل للإنسان أن يتلهى وأن ينسي المصيبة بقدر ما يستطيع . والله
تعليق