تنقية للمناهج الدينية.. أم زحف عليها ؟!
في الوقت الذي كان فيه ابن وزير الداخلية المصري الأسبق الدكتورأحمد زكي بدر يصول ويجول في وزارة التربية والتعليم المصرية يصدر قراراتبمعاقبة معلمين من مواقعه تارة ، وفصل مستشاري سلفه تارة أخرى، فوجئ الجميعبزيارته لمفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة في مقر دار الإفتاء.
وفي الوقت الذي كان يتوهم فيه البعض بأن الزيارة كان هدفها التعاون المشتركبين الوزير الأحدث في الحكومة المصرية وبين مفتي الديار المصرية لتعزيزالقيم الدينية في مناهج التعليم المصري لمرحلة ما قبل الجامعة ، والاتفاقعلى نشر دورات تدريبية لتوعية المعلمين للالتزام بالأخلاق الحميدة فيتعاملهم مع طلابهم، وتعليم الشريحة الأخيرة على أهمية التمسك بمبادئ القيموالأخلاق الفضيلة ، بعد استشراء مفاهيم مغلوطة وسلوكيات معيبة في المدارس،كانت الزيارة تحمل أفقا آخر ، لم يكن مستغربا عن الوزير المصري الذي أخذيلوح بالعصا للجميع منذ توليه منصبه الوزاري.
الزيارة استهدفت عرض مناهج التربية الدينية الإسلامية علي المفتي لمراجعتها وبيان ما بها من أخطاء، حسب مفهوم الوزير ومفتي الديار، على الرغم من أنهذه المناهج هي نفسها المناهج التي تم تنقيتها عبر عشرات السنين، وتفريغهامن الآيات التي تحض على الجهاد وكراهية اليهود ، أو حذف الآيات التي تبرزموقف القرآن الكريم من بني إسرائيل.
وعلى الرغم من عدم وجود قانون في وزارة التعليم يسمح للمفتي بمراجعةالمناهج التربية الدينية الإسلامية، وكذلك للبابا شنودة، بابا الإسكندرية،بمراجعة مناهج التربية الدينية المسيحية، لكن ابن وزير الداخلية الأسبقأراد أن يفرض واقعا جديدا ، ويفتح مجالا آخر للجدل ، يمس في الأساس ما هوقائم من مناهج، بدعوى تنقيتها.
إلا أن التنقية هذه المرة ليست بحذف ما تبقى من أقل القليل من آيات الجهاد والأحاديث النبوية الشريفة التي تحض عليه ، أو تحث المسلمين على الأمربالمعروف والنهي عن المنكر، بعد حذف جل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفةمن المناهج الدينية في التنقية التي سبقتها قبل عقدين. وعلى الرغم من ذلكجاءت رغبة الوزير بدر في حذف كافة الآيات القرآنية الموجودة بمناهج التربيةالدينية الإسلامية ، بدعوى أن الطلاب قد يفهمونها على غير معناها.
من هنا تبدو الخطورة على مناهج التربية الدينية الإسلامية التي تشكل عقولالناشئة من ناحية ، وتكشف مدى التداخل الذي حدث بين دار الإفتاء ومشيخةالأزهر من ناحية أخرى ، إذ أن الأخيرة هي المسؤولة من خلال العلماء عن مثلهذه المناهج ، عن طريق ما تضمه من مجمع للبحوث الإسلامية ، والذي يتمتعبعضويته عددا كبيرا من العلماء ورجال الفقه والدعوة ، في الوقت الذي يقتصرفيه دور دار الإفتاء على الفتوى وإبداء الأحكام الشرعية فقط.
ولذلك أدرك مفتي الديار حرج ما وقع فيه ودعوته لأهمية تنقية المناهج الدينية الإسلامية ، وتطوير ما فيها ، ليؤكد تاليا أن الأمر ليس مناختصاصه، ثم يقوم في اليوم التالي بإصدار بيان يعلن فيه أن ذلك من اختصاصالأزهر.
وأيا كان الجدل الذي أثاره الوزير بدر بين المؤسستين الدينين في مصر، فانهكشف عن رغبة رسمية في مصر لتفريغ المناهج الدينية من مضمونها بين طلابالمدارس المصرية، وأنه لم يكف الحكومة قرارها السابق برفع المادة الدينيةمن درجات المجموع، حتى كان لها رأي آخر في قطع أي صلة بين الطلاب وبيندينهم ، أو تقديمه إليهم بصورة مشوهة ، لا تعمل على البناء أو فهم صحيحالدين، وهو ما قد يؤدي بهم إلى مزيد من الانحرافات السلوكية التي صارتتشهدها مدارس ما قبل التعليم الجامعي ، سواء بين فئة المعملين أو بين شريحةالطلاب أنفسهم.
معارضة عامة
الغريب في الأمر أنه لم يناصر الوزير بدر أي من الدعاة – حتى المحسوبين على الحكومة المصرية والحزب الحاكم- في رغبته لتفريغ المناهج الدينيةالإسلامية من القرآن الكريم. معتبرين أن "تعديلاتها" السابقة بحذف آياتالقتال والأحاديث النبوية التي وردت في الحض على الجهاد وكراهية بنيإسرائيل كاف في حد ذاته.
لذلك لم يجد الوزير تعضيدا من غيره من الوزراء ، حتى من وزير الأوقاف ذاته ،الذي لم يصدر عنه بيان يرحب بالفكرة أو المقترح الذي دعا إليه بدر ، فضلاعن المعارضة اللافتة من علماء ودعاة الأزهر ، باستثناء الترحيب الذي دعاإليه مفتي الديار المصرية في بادئ الأمر ، إلى أن أدرك خطورته موكلاالتطوير وما يقال عنه للأزهر الشريف.
ويعترض خبراء التعليم على مثل هذه الدعاوى. معتبرين إياها دعاية إعلامية ،وأن الوزير يريد أن يخفي السبب الحقيقي وراء مراجعة الكتب الدينية من خلال "الشو الإعلامي" الذي قام به، "لأن هذه الدعوة تتسق مع الدعوات الغربيةلمراجعة المناهج الدينية في الشرق الأوسط، وكذلك الخطاب الديني عموما".
ويؤكد الخبراء عدم وجود أي أخطاء بهذه المناهج، وأن الأمر لا يعدو كونهتعليمات سياسية لحذف العبارات التي تخص "مبحث الجهاد" من المناهج، رغم أنهاآيات وحدود لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يلغيها.
الدور الأمريكي
الواقع ، ترافقت دعوة الوزير بدر لتنقية مناهج التربية الدينية الإسلامية مع ما حملته وكالات الأنباء من أن خبيرة أمريكية يهودية أسندتإليها الحكومة المصرية مهمة إعادة النظر في مناهج التربية الدينيةالإسلامية، المقررة على الطلاب بالمدارس الحكومية، ضمن مجموعة من الخبراءالأمريكيين المشاركين في مشروع "الخطة الإستراتيجية لتطوير التعليم فيمصر"، وهو المشروع الذي أسندته وزارة التربية والتعليم إلى مركز التطويرالأمريكي، التابع لهيئة المعونة الأمريكية الذي يعمل به نحو 600 خبيرأمريكي يعملون في مجال تطوير التعليم. وفي هذا السياق ، فان السفارة الأمريكية بالقاهرة تقوم منذ خمسة أعوامبإعداد كتاب لتدريسه على الطلاب المصريين علي غرار مادة الأخلاق التي كانتمن تأليف وتمويل هيئة المعونة الأمريكية، وتوزيعه على 39 ألف مدرسة حكوميةبجميع محافظات مصر، ويحمل في طياته تدريبا للطلاب على الثقافة الجسدية، وأنيكون هذا الكتاب بديلا عن المناهج الدينية لتجفيف ما يسمى "منابعالإرهاب"، باعتبار أن مناهج التربية الإسلامية والتاريخ الإسلامي أحد روافدالإرهاب من وجهة النظر الأمريكية.
هذا المشروع الأمريكي في الواقع يهدف إلى تفريغ للمناهج الدراسية بمختلفالمراحل التعليمية وخاصة من التوجه الديني والتاريخي سواء في التعليم العامأو حتى الأزهري، وذلك لطمس الهوية الدينية والتاريخية لمصر والأمة العربيةوالإسلامية.
وفي هذا الإطار فقد تم تقليص المادة التاريخية والدينية في المرحلتينالإعدادية والثانوية بالأزهر الشريف بنسبة 70%، كما تم حذف 65 % من حصصالقرآن الكريم في مرحلة التعليم الابتدائي الأزهري، وحذف 35% من مناهجالسيرة خاصة المتعلقة بالغزوات والفتوحات الإسلامية.
كما تم حذف 45% من مناهج التفسير وإلغاء 20 معهدا من معاهد المعلمينالأزهريين، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 170 معهدا أزهريا في 1999، وتقليصسنوات الدراسة الأزهرية واختصار جميع المواد الشرعية بنسبة 33% ، ورفع سنالقبول في التعليم الأزهري لصرف التلاميذ عنه إلى التعليم العام، إضافة إلىإلغاء "الكتاتيب" الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم.
في الوقت الذي كان فيه ابن وزير الداخلية المصري الأسبق الدكتورأحمد زكي بدر يصول ويجول في وزارة التربية والتعليم المصرية يصدر قراراتبمعاقبة معلمين من مواقعه تارة ، وفصل مستشاري سلفه تارة أخرى، فوجئ الجميعبزيارته لمفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة في مقر دار الإفتاء.
وفي الوقت الذي كان يتوهم فيه البعض بأن الزيارة كان هدفها التعاون المشتركبين الوزير الأحدث في الحكومة المصرية وبين مفتي الديار المصرية لتعزيزالقيم الدينية في مناهج التعليم المصري لمرحلة ما قبل الجامعة ، والاتفاقعلى نشر دورات تدريبية لتوعية المعلمين للالتزام بالأخلاق الحميدة فيتعاملهم مع طلابهم، وتعليم الشريحة الأخيرة على أهمية التمسك بمبادئ القيموالأخلاق الفضيلة ، بعد استشراء مفاهيم مغلوطة وسلوكيات معيبة في المدارس،كانت الزيارة تحمل أفقا آخر ، لم يكن مستغربا عن الوزير المصري الذي أخذيلوح بالعصا للجميع منذ توليه منصبه الوزاري.
الزيارة استهدفت عرض مناهج التربية الدينية الإسلامية علي المفتي لمراجعتها وبيان ما بها من أخطاء، حسب مفهوم الوزير ومفتي الديار، على الرغم من أنهذه المناهج هي نفسها المناهج التي تم تنقيتها عبر عشرات السنين، وتفريغهامن الآيات التي تحض على الجهاد وكراهية اليهود ، أو حذف الآيات التي تبرزموقف القرآن الكريم من بني إسرائيل.
وعلى الرغم من عدم وجود قانون في وزارة التعليم يسمح للمفتي بمراجعةالمناهج التربية الدينية الإسلامية، وكذلك للبابا شنودة، بابا الإسكندرية،بمراجعة مناهج التربية الدينية المسيحية، لكن ابن وزير الداخلية الأسبقأراد أن يفرض واقعا جديدا ، ويفتح مجالا آخر للجدل ، يمس في الأساس ما هوقائم من مناهج، بدعوى تنقيتها.
إلا أن التنقية هذه المرة ليست بحذف ما تبقى من أقل القليل من آيات الجهاد والأحاديث النبوية الشريفة التي تحض عليه ، أو تحث المسلمين على الأمربالمعروف والنهي عن المنكر، بعد حذف جل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفةمن المناهج الدينية في التنقية التي سبقتها قبل عقدين. وعلى الرغم من ذلكجاءت رغبة الوزير بدر في حذف كافة الآيات القرآنية الموجودة بمناهج التربيةالدينية الإسلامية ، بدعوى أن الطلاب قد يفهمونها على غير معناها.
من هنا تبدو الخطورة على مناهج التربية الدينية الإسلامية التي تشكل عقولالناشئة من ناحية ، وتكشف مدى التداخل الذي حدث بين دار الإفتاء ومشيخةالأزهر من ناحية أخرى ، إذ أن الأخيرة هي المسؤولة من خلال العلماء عن مثلهذه المناهج ، عن طريق ما تضمه من مجمع للبحوث الإسلامية ، والذي يتمتعبعضويته عددا كبيرا من العلماء ورجال الفقه والدعوة ، في الوقت الذي يقتصرفيه دور دار الإفتاء على الفتوى وإبداء الأحكام الشرعية فقط.
ولذلك أدرك مفتي الديار حرج ما وقع فيه ودعوته لأهمية تنقية المناهج الدينية الإسلامية ، وتطوير ما فيها ، ليؤكد تاليا أن الأمر ليس مناختصاصه، ثم يقوم في اليوم التالي بإصدار بيان يعلن فيه أن ذلك من اختصاصالأزهر.
وأيا كان الجدل الذي أثاره الوزير بدر بين المؤسستين الدينين في مصر، فانهكشف عن رغبة رسمية في مصر لتفريغ المناهج الدينية من مضمونها بين طلابالمدارس المصرية، وأنه لم يكف الحكومة قرارها السابق برفع المادة الدينيةمن درجات المجموع، حتى كان لها رأي آخر في قطع أي صلة بين الطلاب وبيندينهم ، أو تقديمه إليهم بصورة مشوهة ، لا تعمل على البناء أو فهم صحيحالدين، وهو ما قد يؤدي بهم إلى مزيد من الانحرافات السلوكية التي صارتتشهدها مدارس ما قبل التعليم الجامعي ، سواء بين فئة المعملين أو بين شريحةالطلاب أنفسهم.
معارضة عامة
الغريب في الأمر أنه لم يناصر الوزير بدر أي من الدعاة – حتى المحسوبين على الحكومة المصرية والحزب الحاكم- في رغبته لتفريغ المناهج الدينيةالإسلامية من القرآن الكريم. معتبرين أن "تعديلاتها" السابقة بحذف آياتالقتال والأحاديث النبوية التي وردت في الحض على الجهاد وكراهية بنيإسرائيل كاف في حد ذاته.
لذلك لم يجد الوزير تعضيدا من غيره من الوزراء ، حتى من وزير الأوقاف ذاته ،الذي لم يصدر عنه بيان يرحب بالفكرة أو المقترح الذي دعا إليه بدر ، فضلاعن المعارضة اللافتة من علماء ودعاة الأزهر ، باستثناء الترحيب الذي دعاإليه مفتي الديار المصرية في بادئ الأمر ، إلى أن أدرك خطورته موكلاالتطوير وما يقال عنه للأزهر الشريف.
ويعترض خبراء التعليم على مثل هذه الدعاوى. معتبرين إياها دعاية إعلامية ،وأن الوزير يريد أن يخفي السبب الحقيقي وراء مراجعة الكتب الدينية من خلال "الشو الإعلامي" الذي قام به، "لأن هذه الدعوة تتسق مع الدعوات الغربيةلمراجعة المناهج الدينية في الشرق الأوسط، وكذلك الخطاب الديني عموما".
ويؤكد الخبراء عدم وجود أي أخطاء بهذه المناهج، وأن الأمر لا يعدو كونهتعليمات سياسية لحذف العبارات التي تخص "مبحث الجهاد" من المناهج، رغم أنهاآيات وحدود لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يلغيها.
الدور الأمريكي
الواقع ، ترافقت دعوة الوزير بدر لتنقية مناهج التربية الدينية الإسلامية مع ما حملته وكالات الأنباء من أن خبيرة أمريكية يهودية أسندتإليها الحكومة المصرية مهمة إعادة النظر في مناهج التربية الدينيةالإسلامية، المقررة على الطلاب بالمدارس الحكومية، ضمن مجموعة من الخبراءالأمريكيين المشاركين في مشروع "الخطة الإستراتيجية لتطوير التعليم فيمصر"، وهو المشروع الذي أسندته وزارة التربية والتعليم إلى مركز التطويرالأمريكي، التابع لهيئة المعونة الأمريكية الذي يعمل به نحو 600 خبيرأمريكي يعملون في مجال تطوير التعليم. وفي هذا السياق ، فان السفارة الأمريكية بالقاهرة تقوم منذ خمسة أعوامبإعداد كتاب لتدريسه على الطلاب المصريين علي غرار مادة الأخلاق التي كانتمن تأليف وتمويل هيئة المعونة الأمريكية، وتوزيعه على 39 ألف مدرسة حكوميةبجميع محافظات مصر، ويحمل في طياته تدريبا للطلاب على الثقافة الجسدية، وأنيكون هذا الكتاب بديلا عن المناهج الدينية لتجفيف ما يسمى "منابعالإرهاب"، باعتبار أن مناهج التربية الإسلامية والتاريخ الإسلامي أحد روافدالإرهاب من وجهة النظر الأمريكية.
هذا المشروع الأمريكي في الواقع يهدف إلى تفريغ للمناهج الدراسية بمختلفالمراحل التعليمية وخاصة من التوجه الديني والتاريخي سواء في التعليم العامأو حتى الأزهري، وذلك لطمس الهوية الدينية والتاريخية لمصر والأمة العربيةوالإسلامية.
وفي هذا الإطار فقد تم تقليص المادة التاريخية والدينية في المرحلتينالإعدادية والثانوية بالأزهر الشريف بنسبة 70%، كما تم حذف 65 % من حصصالقرآن الكريم في مرحلة التعليم الابتدائي الأزهري، وحذف 35% من مناهجالسيرة خاصة المتعلقة بالغزوات والفتوحات الإسلامية.
كما تم حذف 45% من مناهج التفسير وإلغاء 20 معهدا من معاهد المعلمينالأزهريين، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 170 معهدا أزهريا في 1999، وتقليصسنوات الدراسة الأزهرية واختصار جميع المواد الشرعية بنسبة 33% ، ورفع سنالقبول في التعليم الأزهري لصرف التلاميذ عنه إلى التعليم العام، إضافة إلىإلغاء "الكتاتيب" الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم.
تعليق