استعجال النصر
قصة الإسلام
[justify]إن الناظر لحال الأمة الإسلامية الآن من شرقها إلى غربها ليتملَّكه الأسى والحزن من تلك الحال التي وصلت إلى الذل والهوان وتعدُّد الابتلاءات؛ فمن احتلال في فلسطين والعراق وكشمير وأفغانستان، إلى ظلم وقهر وجوع واستعباد.. وأمام هذه الأوضاع يستعجل الصالحون والغيورون على الأمة النصر والتمكين ورفع الظلم عن الأمة هنا وهناك، وهذا حال المخلصين!!
حول هذه المعاني السابقة يحدثنا الدكتور راغب السرجاني في إحدى خطبه المؤثرة..
تدور الخطبة حول معنى استعجال النصر، فبدأ الدكتور راغب السرجاني بالحديث عن حال الأمة وأوضاعها، واستعجال المخلصين من أبناء أمة الإسلام لحظة واحدة يرون فيها النصر ورفع الظلم، ثم استدرك الحديث عن أن الاستعجال هو فطرة فطرها الله في الإنسان؛ فالله سبحانه يقول: {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء: 11]. ويقول تعالى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37]. وقد وردت كلمة "عجل" بمشتقاتها في القرآن الكريم تسع عشرة مرة، جاء معظمها على سبيل الذم والنهي، أو صفة للكفار والمنافقين والمارقين عن الدين، يقول تعالى: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [العنكبوت: 54]، {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص: 16].
ولما جاءت العَجَلة في حق المؤمنين، جاءت على سبيل النهي، يقول تعالى: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114].
فالمؤمنون وجميع الناس يستعجلون النصر والخير بصفة عامة، إلا من وضع الله الصدق الحقيقي لسنن الله في الإصلاح والتغيير؛ فنصر الأمة لا يكون بالأماني والأقوال، بل بالجهاد والأعمال.
ولهذا ضرب الله العديد من الأمثلة التي تبيِّن حال الأمم التي بدَّل الله حالها من الضعف إلى القوة ومن الذل إلى العزة، ومن الاستضعاف إلى التمكين. والناظر في كتاب الله يجد أن قصة بني إسرائيل من أوضح الأمثلة على فقه التغيير في حياة الأمم، وهو ما يوضحه لنا الدكتور راغب السرجاني بشيء من التفصيل.
فإن كان المؤمنون يستعجلون النصر والتمكين والتغيير، فإن سنن الله لا تعرف التبديل والتغيير، وهو ما يظهر بصورة واضحة في قصة نوح u مع قومه، فقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى التوحيد، ومع ذلك رفضوا واستكبروا أكثر من تسعمائة سنة، مع أن الله قادر على أن يعذبهم وينصر نبيه ورسوله u في سنة أو أقل، ولكنها سنة الله في التغيير والإصلاح، وكأن الله I يطمئن أمة الإسلام أن لا تستعجلوا النصر؛ فهو قادم لا محالة، فهذا نوح بقي ألف سنة إلا خمسين عامًا.
وهذا رسول الله ، يظل عشرين سنة من الدعوة والاضطهاد والطرد والهجرة ومحاولات الاغتيال وغزوات وسرايا وبعثات ورسل، ثم يأتيه التمكين وفتح مكة المكرمة بعد أكثر من عشرين سنة من البعثة النبوية؛ فسنة الله ماضية حتى مع حبيبه .
وإن كنا نحن الآن نستعجل النصر للأمة وللإسلام، فقد استعجله الصحابة من قبلنا.. فهذا خباب بن الأرت يستعجل النصر من رسول الله بعد أن ضاقت الأرض بالمسلمين، واشتد تعذيب مشركي قريش للمسلمين؛ فقد روى البخاري بسنده عن خباب قال: أتيت النبي وهو متوسد بُرْدَةً وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه، فقال: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
وكأن الله يريد بنا أن نعرف مغزى الحياة، ومن ثم فلا بد من استكمال التربية أولاً، إذ التمكين فتنة؛ فتمكين بلا تربية فتنة كبيرة في الأرض، فيأبى الله أن يمكِّن للمسلمين إلا بعد أن يجتازوا مراحل ومراحل من التربية.
إن نصر الله للمسلمين لا يأتي للكسالى والخاملين بل للعاملين والمجاهدين، وإن من رحمة الله أنه يعطي للمؤمنين الأجر والثواب على العمل لا على النتيجة؛ فقد يموت المسلم وهو عامل مجاهد، غير أن الله لا يُريه التمكين والنصر، فيأجره الله على ذلك، وإن الأمثلة على ذلك من تاريخ الصحابة والسلف الصالح كثيرة، وهذا ما سنتعرف عليه في الخطبة.[/justify]
لتحميل المحاضرة:استعجال النصر
تعليق