قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ [آل عمران: 103]. قال ابن كثير رحمه الله: "﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ ﴾ قِيلَ: بِعَهدِ اللهِ، وَقِيلَ: القُرآنُ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ، وَقَالَ ابنُ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه: هُوَ الجَمَاعَةُ""تفسير ابن كثير" (3 /136-137).
قوله: ﴿ وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾: أمرهم بالجماعة ونهاهم عن الفرقة.
وقد وردت النصوص الكثيرة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 159].
روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ".صحيح مسلم
والاعتصام بالكتاب والسنة هو التمسك بهما على فهم السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]. روى أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه في سننهما مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وسَتَفْتَرقْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيهِ وَأَصْحَابِي"."سنن الترمذي" أي: هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
قَالَ عَبدُاللهِ بنُ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه: "إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ العِبَادِ، فَوَجَدَ قَلبَ مُحَمَّدٍ خَيرَ قُلُوبِ العِبَادِ فَاصطَفَاهُ لِنَفسِهِ فَابتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ العِبَادِ بَعدَ قَلبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصحَابِهِ خَيرَ قُلُوبِ العِبَادِ فَجَعَلَهُم وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَن دِينِهِ""العقيدة الطحاوية". ثُمَّ قَالَ: "مَن كَان مِنكُم مُستَنًّا فَليَستَنَّ بِمَن مَاتَ فَإِنَّ الحَيَّ لَا تُؤمَنُ عَلَيهِ الفِتنَةُ، أُولَئِكَ أَصحَابُ مُحَمَّدٍ كَانُوا أَفضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا وَأَعمَقَهَا عِلمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، اختَارَهُمُ اللهُ لِصُحبَةِ نَبِيِّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعرِفُوا لَهُم فَضلَهُم وَاتَّبِعُوهُم عَلَى آثَارِهِم وَتَمَسَّكُوا بِمَا استَطَعتُم مِن أَخلَاقِهِم وَسِيَرِهِم فَإِنَّهُم كَانُوا عَلَى الهُدَى المُستَقِيمِ""جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر
وقد وردت النصوص الكثيرة التي تحث على التمسك بالكتاب والسنة والاعتصام بهما، قَالَ تَعَالَى: ﴿ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون ﴾ [الأعراف: 3]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم ﴾ [الزخرف: 43]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون ﴾ [الجاثية: 18].
والتمسك بالقرآن والسنة عصمة للعبد من الضلالة وهداية له، روى مسلم في صحيحه والحاكم في مستدركه مِن حَدِيثِ جَابِرِ بنِ عَبدِاللهِ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ"مستدرك الحاكم"، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"
وروى الحاكم في المستدرك مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيئَينِ لَن تَضِلُّوا بَعدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي""مستدرك الحاكم" وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير"
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعًا لما جاء به الرسول صلى اللهُ عليه وسلم، ولا يتقدم بين يديه بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعًا لقوله، وعمله تبعًا لأمره، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين، فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس دينًا غير ما جاء به الرسول، وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله الله والرسول، فمنه يتعلم وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستنير فهذا أصل أهل السنه"الفتاوى" (13 /62-63).
تعليق