أسرارُ العباداتِ
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى،
وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى،
ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء،
{لَهُ مَا فِي السَّمَـوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى } [طه: 6 8]،
خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى،
وبَعَثَ نُوحاً فصنَع الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى،
ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْداً وسلاماً عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى،
وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى،
وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى،
وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه
وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا،
وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى،
وعلى عثمانَ زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثاً يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ، وسَلَّمَ تسليماً.
1- فصل في أسرار طلب العلم الشرعي(وهو بمثابة المقدمة لما يليه بإذن الله)
قال ابن الوردي في "لاميته" المشهورة :
اطلب العلم وحصله فما أبعد الخير على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن يعرف المقصود يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل
فالعلم لا بد منه، ولهذا من آنس من نفسه رشدا لا بد أن يتعلم ...
ولي في هذا المقام وقفات كثيرة وهامة فاستعن بالله ثم بها على فهم ما سيأتي والصبر على تعلمه
الوقفة الأولى: قال الله تعالى:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }
[الزمر:9]
قال شيخنا المبارك ": أبو عبد الله مصطفى بن العدوى "- حفظه الله –
قال تعالى: { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [الحشر:20] هذه الآية قد تكرر معناها في جملة آيات، من ذلك:-
قوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ } [السجدة:18]، وقوله تعالى: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [الرعد:19]،
وقوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد:14]،
وقوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]،
وقوله تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص:28]، إلى غير ذلك من الآيات.
قلت (حاد الطريق):
تأمل معي بقلبك وعقلك لتعرف الإجابة
وهكذا نفهم كتاب الله بأعين بصيرة وقلوب مستنيرة ...
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ >>> وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ >>>>>>>>>>>>>>>> أَصْحَابُ النَّارِ
مُؤْمِنًا >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> فَاسِقًا
أَفَمَنْ يَعْلَمُ >>>>>>>>>>>>>>>>> كَمَنْ هُوَ أَعْمَى
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ >>>>>>>> كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ >>>>>> كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ
الْمُتَّقِينَ >>>>>>>>>>>>>>>>>>>> كَالْفُجَّارِ
" فانظر رحمني الله وإياك إلى هذه الآيات وتأمل هذا الارتباط العجيب بين المعاني والمتقابلات اللغوية، حتى أنها تتكامل في سلسلة منتظمة تتدلى منها واسطة عقد ثمين نرصع به صدور العلماء و طلاب العلم ، جعلنا الله وإياكم منهم... آمين،
وكيف لا! وقد قال سبحانه مستنكرا:
((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
أحبتي في الله: نستطيع الآن أن نقول بملئ أفواهنا
(( لا يَسْتَوونَ ))
• إنه نفى دائم ومستمر لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية
بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم،
وتأمل معي – هداك الله إلى ما يحبه ويرضاه –
((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
الاستفهام هنا مستعمل في الإنكار ...والمراد : تفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون ...
وعدل عن أن يقول : هل يستوي هذا وذاك إلى التعبير بالموصول إدماجا للثناء على فريق ولذم فريق بأن أهل الإيمان أهل علم وأهل الشرك أهل جهالة فأغنت الجملة بما فيها من إدماج عن ذكر جملتين فالذين يعلمون هم أهل الإيمان،
قال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) والذين لا يعلمون هم أهل الشرك الجاهلون قال تعالى: ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون )
وفي ذلك إشارة إلى:
أن الإيمان أخو العلم لأن كليهما نور ومعرفة حق وأن الكفر أخو الضلال لأنه والضلال ظلمة وأوهام باطلة ...
هذا ووقوع فعل ( يستوي ) في حيز النفي يكسبه عموم النفي لجميع جهات الاستواء .
فإنك ما تأملت مقاما اقتحم فيه عالم وجاهل إلا وجدت للعالم فيه من السعادة ما لا تجده،
ولنضرب لذلك مثلا بمقامات ستة هي جل وظائف الحياة الاجتماعية :ـ
ـ المقام الأول : الاهتداء إلى الشيء المقصود نواله بالعمل به وهو مقام العمل فالعالم بالشيء يهتدي إلى طرقه فيبلغ المقصود بيسر وفي قرب،
ويعلم ما هو من العمل أولى بالإقبال عنه،
وغير العالم به يضل مسالكه ويضيع زمانه في طلبه فإما أن يخيب في سعيه وإما أن يناله بعد أن تتقاذفه الأرزاء وتنتابه النوائب وتختلط عليه الحقائق فربما يتوهم أنه بلغ المقصود حتى إذا انتبه وجد نفسه في غير مراده ومثله
قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) }.
ومن أجل هذا شاع تشبيه العلم بالنور والجهل بالظلمة
ـ والمقام الثاني : ناشئ عن الأول وهو مقام السلامة من نوائب الخطأ ومزلات المذلات
فالعالم يعصمه علمه من ذلك والجاهل يريد السلامة فيقع في الهلكة فإن الخطأ قد يوقع في الهلاك من حيث طلب الفوز ومثله قوله تعالى ( فما ربحت تجارتهم ) إذ مثلهم بالتاجر خرج يطلب فوائد الربح من تجارته فآب بالخسران،
ولذلك يشبه سعي الجاهل بخبط العشواء
ولذلك لم يزل أهل النصح يسهلون لطلبة العلم الوسائل التي تقيهم الوقوع فيما لا طائل تحته من أعمالهم،
ـ المقام الثالث : مقام أنس الانكشاف
فالعالم :
*تتميز عنده المنافع والمضار،
*وتنكشف له الحقائق فيكون مأنوسا بها واثقا بصحة إدراكه، وكلما انكشفت له حقيقة كان كمن لقي أنيسا،
بخلاف غير العالم بالأشياء:
*فإنه في حيرة من أمره حين تختلط عليه المتشابهات فلا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع فإن اجتهد لنفسه خشي الزلل
*وإن قلد خشي زلل مقلده وهذا المعنى يدخل تحت قوله تعالى (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا)
ـ المقام الرابع : مقام الغنى عن الناس بمقدار العلم والمعلومات فكلما ازداد علم العالم قوي غناه عن الناس في دينه ودنياه .
ـ المقام الخامس : الالتذاذ بالمعرفة،
وقد حصر فخر الدين الرازي اللذة في المعارف وهي لذة لا تقطعها الكثرة .
وقد ضرب الله مثلا بالظل إذ قال (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) فإن الجلوس في الظل يلتذ به أهل البلاد الحارة.
ـ المقام السادس : صدور الآثار النافعة في مدى العمر مما يكسب ثناء الناس في العاجل وثواب الله في الآجل . فإن العالم مصدر الإرشاد والعلم دليل على الخير وقائد إليه،
قال الله تعالى:
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
وهذه وقفتنا الثانية إن شاء الله
وانظر التحرير والتنوير و تفسير البيضاوي والقرطبي والطبري وابن كثير – رحمهم الله جميعا - تفسير سورة الزمر
وللحديث بقية
( ابن عباس )
حادي الطريق - هداه الله -
>>> يتبع >>>
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى،
وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى،
ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء،
{لَهُ مَا فِي السَّمَـوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى } [طه: 6 8]،
خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى،
وبَعَثَ نُوحاً فصنَع الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى،
ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْداً وسلاماً عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى،
وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى،
وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى،
وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه
وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا،
وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى،
وعلى عثمانَ زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثاً يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ، وسَلَّمَ تسليماً.
1- فصل في أسرار طلب العلم الشرعي(وهو بمثابة المقدمة لما يليه بإذن الله)
قال ابن الوردي في "لاميته" المشهورة :
اطلب العلم وحصله فما أبعد الخير على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن يعرف المقصود يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل
فالعلم لا بد منه، ولهذا من آنس من نفسه رشدا لا بد أن يتعلم ...
ولي في هذا المقام وقفات كثيرة وهامة فاستعن بالله ثم بها على فهم ما سيأتي والصبر على تعلمه
الوقفة الأولى: قال الله تعالى:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }
[الزمر:9]
قال شيخنا المبارك ": أبو عبد الله مصطفى بن العدوى "- حفظه الله –
قال تعالى: { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [الحشر:20] هذه الآية قد تكرر معناها في جملة آيات، من ذلك:-
قوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ } [السجدة:18]، وقوله تعالى: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [الرعد:19]،
وقوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد:14]،
وقوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]،
وقوله تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص:28]، إلى غير ذلك من الآيات.
قلت (حاد الطريق):
تأمل معي بقلبك وعقلك لتعرف الإجابة
وهكذا نفهم كتاب الله بأعين بصيرة وقلوب مستنيرة ...
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ >>> وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ >>>>>>>>>>>>>>>> أَصْحَابُ النَّارِ
مُؤْمِنًا >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> فَاسِقًا
أَفَمَنْ يَعْلَمُ >>>>>>>>>>>>>>>>> كَمَنْ هُوَ أَعْمَى
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ >>>>>>>> كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ >>>>>> كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ
الْمُتَّقِينَ >>>>>>>>>>>>>>>>>>>> كَالْفُجَّارِ
" فانظر رحمني الله وإياك إلى هذه الآيات وتأمل هذا الارتباط العجيب بين المعاني والمتقابلات اللغوية، حتى أنها تتكامل في سلسلة منتظمة تتدلى منها واسطة عقد ثمين نرصع به صدور العلماء و طلاب العلم ، جعلنا الله وإياكم منهم... آمين،
وكيف لا! وقد قال سبحانه مستنكرا:
((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
أحبتي في الله: نستطيع الآن أن نقول بملئ أفواهنا
(( لا يَسْتَوونَ ))
• إنه نفى دائم ومستمر لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية
بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم،
وتأمل معي – هداك الله إلى ما يحبه ويرضاه –
((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
الاستفهام هنا مستعمل في الإنكار ...والمراد : تفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون ...
وعدل عن أن يقول : هل يستوي هذا وذاك إلى التعبير بالموصول إدماجا للثناء على فريق ولذم فريق بأن أهل الإيمان أهل علم وأهل الشرك أهل جهالة فأغنت الجملة بما فيها من إدماج عن ذكر جملتين فالذين يعلمون هم أهل الإيمان،
قال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) والذين لا يعلمون هم أهل الشرك الجاهلون قال تعالى: ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون )
وفي ذلك إشارة إلى:
أن الإيمان أخو العلم لأن كليهما نور ومعرفة حق وأن الكفر أخو الضلال لأنه والضلال ظلمة وأوهام باطلة ...
هذا ووقوع فعل ( يستوي ) في حيز النفي يكسبه عموم النفي لجميع جهات الاستواء .
فإنك ما تأملت مقاما اقتحم فيه عالم وجاهل إلا وجدت للعالم فيه من السعادة ما لا تجده،
ولنضرب لذلك مثلا بمقامات ستة هي جل وظائف الحياة الاجتماعية :ـ
ـ المقام الأول : الاهتداء إلى الشيء المقصود نواله بالعمل به وهو مقام العمل فالعالم بالشيء يهتدي إلى طرقه فيبلغ المقصود بيسر وفي قرب،
ويعلم ما هو من العمل أولى بالإقبال عنه،
وغير العالم به يضل مسالكه ويضيع زمانه في طلبه فإما أن يخيب في سعيه وإما أن يناله بعد أن تتقاذفه الأرزاء وتنتابه النوائب وتختلط عليه الحقائق فربما يتوهم أنه بلغ المقصود حتى إذا انتبه وجد نفسه في غير مراده ومثله
قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) }.
ومن أجل هذا شاع تشبيه العلم بالنور والجهل بالظلمة
ـ والمقام الثاني : ناشئ عن الأول وهو مقام السلامة من نوائب الخطأ ومزلات المذلات
فالعالم يعصمه علمه من ذلك والجاهل يريد السلامة فيقع في الهلكة فإن الخطأ قد يوقع في الهلاك من حيث طلب الفوز ومثله قوله تعالى ( فما ربحت تجارتهم ) إذ مثلهم بالتاجر خرج يطلب فوائد الربح من تجارته فآب بالخسران،
ولذلك يشبه سعي الجاهل بخبط العشواء
ولذلك لم يزل أهل النصح يسهلون لطلبة العلم الوسائل التي تقيهم الوقوع فيما لا طائل تحته من أعمالهم،
ـ المقام الثالث : مقام أنس الانكشاف
فالعالم :
*تتميز عنده المنافع والمضار،
*وتنكشف له الحقائق فيكون مأنوسا بها واثقا بصحة إدراكه، وكلما انكشفت له حقيقة كان كمن لقي أنيسا،
بخلاف غير العالم بالأشياء:
*فإنه في حيرة من أمره حين تختلط عليه المتشابهات فلا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع فإن اجتهد لنفسه خشي الزلل
*وإن قلد خشي زلل مقلده وهذا المعنى يدخل تحت قوله تعالى (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا)
ـ المقام الرابع : مقام الغنى عن الناس بمقدار العلم والمعلومات فكلما ازداد علم العالم قوي غناه عن الناس في دينه ودنياه .
ـ المقام الخامس : الالتذاذ بالمعرفة،
وقد حصر فخر الدين الرازي اللذة في المعارف وهي لذة لا تقطعها الكثرة .
وقد ضرب الله مثلا بالظل إذ قال (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) فإن الجلوس في الظل يلتذ به أهل البلاد الحارة.
ـ المقام السادس : صدور الآثار النافعة في مدى العمر مما يكسب ثناء الناس في العاجل وثواب الله في الآجل . فإن العالم مصدر الإرشاد والعلم دليل على الخير وقائد إليه،
قال الله تعالى:
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
وهذه وقفتنا الثانية إن شاء الله
وانظر التحرير والتنوير و تفسير البيضاوي والقرطبي والطبري وابن كثير – رحمهم الله جميعا - تفسير سورة الزمر
وللحديث بقية
( ابن عباس )
حادي الطريق - هداه الله -
>>> يتبع >>>
تعليق