لماذا تخيب آمالنا !
اتصل بي صديق -وأظنّه يقرأ كلامي الآن-، وبعد شكوى طويلة قال كلامًا معناه :
" أشعر بخيبة أمل؛ فأنا أستنفدُ يومي في قضاء واجباتي، ولا أنام إلا وأنا مجهدٌ مستهلك، ومع هذا لا أحد راضٍ عني؛ لا أمي، ولا زوجتي، ولا رئيسي في العمل . قلتُ: ولا حتى نفسك؛ قال : نعم، ولا حتى نفسي .
أمثال صاحبي في الحياة كثير؛ يؤتون من غياب الفهم الصحيح لأربعة أشياء برأيي: طبيعة الحياة، وطبيعة أنفسهم، وطبيعة الآخرين، وطبيعة الآمال التي نتمناها .
أما عند التفصيل فلا أملك إجابات حاسمة لهذا السؤال؛ لكن هذه إشارات لبعض قناعاتي التي آمنتُ بها علّها أن تجيب مجتمعة عن جزء من السؤال الكبير :
"لماذا تخيب آمالنا ! "
ربما لأننا نجهل طبيعة الحياة الدنيا، وأنها دار زرع لا دار حصاد، فلا عجب إن تعب ليحسُن حصاده . ثم إننا نغفل عن أن هذه الدنيا ليست دار جزاء تام؛ فما تنتظره منها قد يدخر كاملًا للآخرة .
وتخيب الآمال؛ لأننا نحاول أن نرفع أسهمنا عند الآخرين، فنكلف أنفسنا ما لا تطيق، ولو عقلنا لما جعلنا رضا الناس مقياسًا لرضانا عن أنفسنا، نفعل ما نراه حسنًا ولائقًا ثم نمضي لشأن آخر .
وتخيب الآمال؛ لأننا ننظر للحياة وكأنها معادلة رياضية، قد تعطي كثيرًا وتأخذ قليلًا، وقد تعطي قليلًا وتأخذ كثيرًا، وقد لا تعطي وتأخذ كل شيء؛ القانون الوحيد للحياة ألا قانون فيها .
وتخيب الآمال؛ لأننا نخطئ في تقدير أنفسنا، فنظن مبالغين أننا دائمًا نستحق فوق ما نحن عليه، وأن الآخرين لا يقدرون نعمة وجودنا، ويشعر كل منا بأنه الفتى الذي أضاعه قومه؛ وهذا وهم كبير .
وتخيب أيضًا؛ لأننا نؤجل سعاداتنا الصغيرة بانتظار نقطة تحول كبرى، والذي أعرفه من ناموس الحياة أن الفوز على البؤس يكون بالنقاط لا بالضربة القاضية .
وتخيب؛ عندما نجبن عن اتخاذ قرار الابتعاد عن العلاقات المكلفة روحيًا، ونستمر في النزيف والهدر .
وتخيب أحيانًا؛ حين نعد أنفسنا مركز الكون، وأن هفواتنا مرصودة لا تُنسى، فنعيش أيامنا حاملين عبء أغلاط ماضينا .
وتخيب بالتأكيد؛ حين لا ندرك أن جميع من حولنا يريد حظه منا، من وقتنا، ومشاعرنا، وأموالنا، وأن بعض الناس كمصاصي الدماء؛ كلما أسقيته منك عطش أكثر .
وتخيب آمالنا؛ لأننا حين نقترب نبالغ في الاقتراب؛ حتى تعجن أرواحنا بأرواح من نحب، فإذا افترقنا كنا كقطعتي الصلصال؛ لا ينفك جزءٌ إلا ببعض من الآخر .
وتخيب دون أن نعلم؛ لأننا ننسى أن قليلًا من حبنا لأنفسنا سيجعلنا نتخفف من الضغوط، ومن ثَم سنحب الآخرين .
وتخيب دائمًا وأبدًا؛ حين ننسى أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وأن السجن وإن تزخرف، فهو موطن البلاء وامتحان الصبر .
بدر الثوعي
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
لماذا تخيب آمالنا ! _ بدر الثوعي
تقليص
- أنشئ بواسطة: يسرا بنت الصالحين
- نشرت: 21-12-2017, 06:32 PM
- 1348 مشاهدات
- 6 تعليقات
X
تقليص
-
لماذا تخيب آمالنا ! _ بدر الثوعي
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- 4 معجبون
-
#4أبوسلمى المصري تم التعليق13-11-2018, 11:07 AMتعديل التعليقجزاكم الله خيرا
-
#5قدوتي أمهات المؤمنين تم التعليق10-05-2020, 04:57 AMتعديل التعليقجزاكم الله خيرا
-
#6حابب اعمل خير تم التعليق14-01-2024, 12:28 PMتعديل التعليقاللهم آمين و إياكم جزاكم الله خيرا
لا يمكن إضافة تعليقات.
التصانيف
تقليص
article_tags
تقليص
لا توجد كلمات دلالية.
Latest Articles
تقليص
-
بواسطة يسرا بنت الصالحينالشخص الذي ينتظر:...
الفراغ الكامل
و البال الرايق
و الجو الجميل والخُضرة والماء والوجه الحسن
و الخُطط المتكاملة
و توفُّر الأدوات والدعم والتشجيع والمتابعة
ينتظر كل ذلك ليبدأ في طريق هدفه=
فلن يبرحَ مكانه و سيبقى هكذا يحلُم
و الذي يُكيِّف نفسه على المُتاح و يعمل يصبر و يجتهد =سيكتمل معه كُل ذلك شيئا فشيئا إن شاء الله
# شروطٌ وهميّة يُكبّل الكسولُ بها نفسه ليُعلِّق عليها عمله، و يُبرّر بها قعوده !
أ.حسين عبد-
المنتدى: الرئيسي
05-11-2019, 05:03 PM -
-
بواسطة يسرا بنت الصالحين
إذا وجدت في قلبك ثقبا أسودا يبتلع كل فرحة أو إنجاز أو أمل ويتركك فارغ الفؤاد على شفا التصدع تعيش متأرجحا بين شبه موت وشبه حياة..فسُدَّ هذا الثقب..
سيحتاج وقتا وجهادا..وسيغلبك وتغلبه..حتى تنجح. ستدفع أثمانا وتهدم في القلب أركانا وتخفض للبعض أو ترفع شانا.. لكن اعلم أن الله أراد لك في هذه الدنيا الحياة الطيبة فلا تقنع بالضنك ولا تستسلم للحوادث ولا تركن لليأس..ولا تكن من الغافلين.
واذكر ربك كثيرا..
فلا حول..
ولا قوة..
إلا بالله
د/ هبة رءوف عزت-
المنتدى: الرئيسي
04-02-2019, 04:13 AM -
-
بواسطة يسرا بنت الصالحينغدًا يموتُ المرءُ .....
وينكشفُ عنه كلُّ هذا الزَّيف، ويرى كلَّ أمرٍ على حقيقتِه، ويكتشف أنَّ هذا الذي أنفق فيه عُمُرَه ترابٌ فوق ترابٍ، وأنَّ هؤلاء الذين أرضاهُم بسخط ربِّه سبحانه ترابٌ يمشي على تُرابٍ.
ولم يبقَ له إلا أعمالٌ مسْطُورة في صحيفتِه، فالنَّاس: فَرِحٌ ومحزون، قائلٌ يقولُ:-
المنتدى: الرئيسي
13-01-2019, 08:25 PM -
-
بواسطة يسرا بنت الصالحينأن يجتمع التعلق بالخلق مع الراحة والسعادة؛ فذلك صعب جدا إن لم يكن مستحيلا
إن عز المؤمن في استغنائه عن الناس ...
هكذا بيّن نبيك ﷺ موطن عزتك ومناط غناك وكرامتك
ألا يستشعر أحدهم حاجتك إليه
أن تزهد فيما بين أيديهم وأن يطمئنوا أنك لا تريد شيئا منهم
أن يستوي عندك رضاهم...-
المنتدى: الرئيسي
11-12-2018, 04:28 PM -
-
بواسطة كريمه بركاتتأمل في الهجرة، نبي وصحابي وشخص يدلهما على أفضل الطرق وامرأة تأتي بالطعام ورجل يسرب أخبار مكة ... السؤال ماذا لو احتقر أحد هؤلاء دوره فتركه؟؟؟
فلا تحقر من نفسك ولا من شأنك مهما كان دورك ومهما كان قدر علمك)-
المنتدى: الرئيسي
13-11-2018, 11:12 AM -