كتبه/ د . ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
المعنى الثالث من معاني الربوبية : فهو معنى الأمر والنهي والتشريع ، قال -سبحانه وتعالى-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ( الأعراف : 54 ) .
فالرب: هو الذي له الخلق والأمر.
فكما يعتقد الإنسان المؤمن أن الله -سبحانه وتعالى-منفرد بالخلق ، فكذلك يعتقد أنه -سبحانه وتعالى-منفرد بالأمر الكوني و الشرعي ، فالله -سبحانه وتعالى-يأمر في الكون بما يريد فيكون ما أراد (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)( يس : 82 ) ، فهو السيد الحق لهذا الكون -سبحانه وتعالى-، فكل ما يأمر به -عز وجل- يكون وينفذ .
وله وحده حق التشريع ، فيعتقد المؤمن أنه سبحانه له حق التشريع ؛ بمعنى أنه له حق الأمر والنهي.
فالله -عز وجل- وحده له الأمران ؛ الأمر الكوني : أي الذي يُكَوّن به الخلق فيقول : كن فيكون ، كما قال -عز وجل- : وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) ( البقرة : 117 ) ، والأمر الشرعي: أي الذي يشرعه لعباده نحو : افعل ولا تفعل ، كما قال -عز وجل- : (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة: من الآية5)، وكقوله -عز وجل- : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)(البقرة: من الآية21)
فقوله -تعالى-: (اعْبُدُوا) هذا أمر شرعي، وليس من باب: كن فيكون، وإلا لو كان من باب: كن فيكون، لوجد الناس أنفسهم يُصَلُّون ويَصُومُون، كما يجدون قلوبهم تدق، وعروقهم تنبض، لكن المعنى: (اعْبُدُوا) أي افعلوا أنتم ذلك.
ولذلك من مظاهر الشرك في الربوبية في هذا المعنى ، اعتقاد أن مع الله -عز وجل- من له حق الأمر والنهي والتشريع ، أو حق تبديل الشريعة فبهذا قد جعله رباً مع الله .
والدليل على ذلك :
قول الله -عز وجل- عن اليهود والنصارى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)(التوبة: من الآية31) ، فهم لم يعتقدوا أن الأحبار والرهبان خالِقون ، أو رازقون أو يدبرون الأمر ! ليس كذلك.
ولم يعتقدوا أنهم مالكون لهم ، وهل ظنوا أنفسهم رقيقاً عند الأحبار والرهبان ، بل ادعى الأحبار والرهبان الزهد في الدنيا ، وجلسوا في الصوامع .
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ : « يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ » ، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)، قلت : « يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدهم ! » ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « ألم يُحَرِّمُوا الحَلالَ ويُحَلِلُوا الحَرامَ فاتَبَعْتُمُوهم ؟! » ، قلت : « بلى » ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « تلكَ عِبَادَتُهم » ([1] ) .
ففي هذا الحديث قضيتان :
1- قضية اعتقاد أن لغير الله أن يغير الشرع ، وله أن يحكم ويحلل ويحرم ، فمن اعتقد ذلك في أحد ، فقد اتخذه رباً ، فهذا شرك في الربوبية .
2- فإن اتبعه على التبديل معتقداً ما قاله دون ما قاله الله ورسوله ، فقد عبده من دون الله ، وهذا شرك في الإلوهية كما قال -عز وجل- : (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(التوبة: من الآية31) فهم أمروا أن يعبدوه بكل معاني العبادة التي من ضمنها اتباع الشرع ، فالتحريم والتحليل يكونان على النحو الذي شرعه الله -عز وجل- .
ومعنى ذلك أنه لا يجوز لإنسان أن يعتقد أن لفلان أو لطائفة من الناس حق التشريع ، ولو لم يتحاكم إليهم ، كما يعتقد أصحاب الديمقراطية أن لكل شعب من الشعوب أن يُشرع لنفسه ما يشاء، وإن لم يتحاكموا هم ـ أي من يعتقدون ذلك ـ إلى تشريعاتهم .
فالفرنسيون منذ قامت الثورة الفرنسية يعتقدون وينادون بأن الديمقراطية حق لكل شعب من الشعوب ، فوضعوا القانون الفرنسي ، ولم يُلْزِمُوا أحداً كالإنجليز مثلاً باتباع ذلك القانون ، ولم يتبعوا القانون الأنجلوساكسوني مثلاً ، لكنهم يعتقدون أن للإنجليز حق التشريع ، وأن لكل شعب الحق في ذلك ، ولكل أمة حق التشريع من خلال ممثليها ، من حقهم أن يُشَرِّعُوا ما يشاءون ، يحللون الزنا أو يحرمونه فهم أحرار ، وهذا شأنهم ، ويَعُدُّون ذلك من الشؤون الداخلية التي لو أقرها نواب الشعب ورأوا تطبيقها فإنها تُطَبَق ، وإن لم يروا ذلك فلا تُطَبَق ( [2]) ، ولو رأوها حلالاً فهي حلال ، ولو رأوها حراماً فهي حرام ، فهم لم يتحاكموا إلى قانون غير قانونهم ، ولكنهم اعتقدوا أن لهذا الغير حق التشريع ، فبهذا جعلوهم أرباباً لأنهم وصفوهم بوصف الربوبية ، وإن لم يعبدوهم ، كمن يظن ـ على سبيل المثال ـ أن الله خلقنا نحن وهناك أرباب آخرون خَلقوا خلقاً آخرين ، أليسوا بذلك مشركين أم لا ؟!! بالقطع هم مشركون ، لأنهم اعتقدوا أن مع الله -سبحانه وتعالى- مَنْ يَخلق ، وإن اعتقدوا أنه يَخلق غيرَهُم، فلابد أن نعتقد أن الله -عز وجل- هو الذي خلق كل هذا الخلق ، ولا يوجد معه خالق آخر لا لنا ، ولا لغيرنا ، فكذلك لابد أن نعتقد أن الله وحده هو الذي يأمر وينهى ويشرع لنا ولغيرنا ، فلو أنك مع اعتقادك أن غير الله له حق التشريع ، لجأت إليه وقلت له : سألتزم بما تأمر به وتشرعه ، فقد عبدته من دون الله .
ولذلك فهذه قضية عظيمة الأهمية ، ومظاهر الشرك فيها منتشرة جداً ، وهي قضية التشريع ، والأمر والنهي والسيادة ، وينصون في الدساتير المدنية على أن السلطة التشريعية من حقوق الشعب ، وأن الشعب مصدر كل السلطات ، التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ونحن نعوذ بالله من ذلك ، فالله -عز وجل- قال : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )(الشورى: من الآية21) ، فَسَمَّاهُم اللهُ -عز وجل- شركاءَ ، وهذا ـ كما قدمنا ـ مرتبط بالاعتقاد ، فمن اعتقد أن ما يقوله فلان حقٌ سواءٌ أكان ذلك في التشريع أم في التحليل أم في التحريم ، فهذا من الشرك في الربوبية حتى لو لم يتحاكم إليه ، وحتى لو لم يُطِعْه في هذا ، أما إذا أضاف إلى ذلك طاعته في التحليل والتحريم فقد عبده من دون الله -عز وجل- ، وهذا شرك في الألوهية ، وإن لم يقل : إني أعبدهم ، فإن عدي بن حاتم قال : « إنا لسنا نعبدهم » ، فلم يكونوا يركعون لهم ولا يسجدون ، ولكن اتبعوهم في تبديل الشريعة ، لم تكن طاعتهم في المعصية فقط ، بل اتبعوهم في التبديل ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « ألم يُحَرِّمُوا الحَلالَ ويُحَلِلُوا الحَرامَ فاتَبَعْتُمُوهم » ، قال : بلى ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « تلكَ عِبَادَتُهم » .
وهذه نقطة مهمة جداً وهي الفرق بين أن يطيع الإنسان غيره في معصية الله ، وبين من يعبده من دون الله -عز وجل- ، فيكف ذلك ؟!
نذكر مثالاً : لو أن أحد الناس قال : الزنا حرية شخصية ، من أراد أن يزني فليفعل ، مادام برضا الطرفين ، وكان سنُ الأنثى فوق الثامنة عشرة ، فهما حُرَّان يفعلان ما يشاءان .
فسمعه آخر فقال : إن هذا صواب ، وإن الحرية أفضل شيء ، وإنه لا يُعَاقَب إلا المُغْتَصِب ، فهذا قد اتبعه على التبديل ، فالأول حلل الزنا ، والآخر اتبعه على التبديل ، بخلاف شخص ثالث سمع الأول وهو يحلل الزنا ، فاعتقد أن : هذا حرام ، لكنه زنى لصعوبة الزواج الآن ... الخ، فاتبعه على الفعل ووافقه على الفعل لكنه لم يتبعه على التبديل فهو يقول له: هذا الفعل حرام.
مثال آخر : التبرج الموجود منبعه وأصله من الغرب ، فنساء الغرب هن اللاتي يتبرجن أشد من تبرج الجاهلية الأولى ، وفعلهم هذا مبني على الحرية ، فالنساء يخرجن هناك متبرجات سافرات لأنهن حرائر فيما يفعلن ، فالحرية أحد أسس المجتمع عندهم ، فلو قال قائل : من حق المرأة أن تحتجب بالزي الشرعي ، أو لا تحتجب فتتبرج كما تريد ، لا شيء يُلزمها ، والشرع ليس له أن يُلزمها ، فهذا القائل قد اتبعهم على التبديل ، اتبعهم على تحريم الحلال وتحليل الحرام ، وعلى عدم إيجاب الواجب ، فيعدون أنفسهم أحراراً في أن يفعلوا الواجب أو يردُّوه ـ كما قلنا في قضية الملك ـ فقد ردوا شرع الله -عز وجل- ، واتبعوهم على التبديل ، وأخرى متبرجة ترى الحجاب تخلفاً ، وترى أن الشرع ليس له أن يلزمها ، فهذا خروج من الملة .
بخلاف أخرى تعتقد أن : الحجاب فرض ، والتبرج حرام ، وتقول : تَبَرُجِي هذا خطأ ، لكن كل الفتيات متبرجات ، وأنا لا أستطيع ترك مجاراتهم وموافقتهم فتتبرج ، وتلبس أحدث الأزياء ، وقد تكون أشد تبرجاً من الأولى التي قالت إنها حرة مع شرع الله -عز وجل- ، لكن الأخرى عاصية وفعلها كبيرة من الكبائر ، ولها نصيب من العبودية لغير الله ، ولكنه شرك أصغر وليس شركاً أكبر ، لأنها اتبعت في معصية الله ، ولم تعتقد أنها حرة ولم ترد شرع الله -عز وجل- .
يزداد الأمر وضوحاً إذا تأملنا الفرق بين فعل آدم وفعل إبليس ، فكل منهما عصى اللهَ -عز وجل- ، لكن إبليس رد الشرع وقال : (قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) ( الحجر : 33 ) ، فَكَفَرَ بترك سجدة واحدة ، وسيدنا آدم عصى وأكل من الشجرة ، ولم يَكْفُر ، مع أنه أطاع إبليس ، وإبليس هو الذي أمره أن يأكل من الشجرة ، لكنه لما عرف أنه ظالم لنفسه قال : (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ( الأعراف : 23 ) ، فلم تكن معصيته عبودية للشيطان ، لكنها مجرد معصية .
فالقضية قضية اعتقاد لا متابعة في الفعل فحسب ، اعتقاد أن الله وحده هو الذي يأمر وينهى ، ويُشرِّع للناس ، وهو -سبحانه وتعالى-السيد الآمر ـ الأمر الكوني و الشرعي ـ الناهي المُطاع في هذا الكون ، فهذا هو توحيد الربوبية .
واعتقاد أن غير الله له أن يأمر وينهى ويُشَرِّع للناس... شركٌ وإن كان صاحبه لا يلتزم بطاعة من يعتقد أن له هذا الحق.
فإذا أضاف إليه اتباعه على الشرع الذي شرعه دون شرع الله لكان عابداً له من دون الله .
ولو ردَّ عليه الأمر واعتقد أنه مبطل، وليس له حق التشريع، وأن أوامره باطلة، وفي نفس الوقت نفذ أوامره وأطاعه فهو عاص لله -عز وجل-.
والمؤمن يقع في معصية ، ويقع في طاعة إبليس ، وهو مع ذلك يرد على إبليس أمره ، يقول له إبليس : كلامي هو الصواب والرشاد ، فيقول المؤمن : كلامك خطأ وضلال ، ثم يقع في تنفيذ كلامه ، فهذه مجرد معصية ، بخلاف من يقول : كلام إبليس صواب ، ومن حقه أن يُشرع للناس ويأمر وينهى وكل واحد حر .
ومن ضمن الشرك في الربوبية شرك طائفة هي مجوس هذه الأمة ، وهم الذين يقولون بأنه ليس لله سلطان على أفعالهم ، وهم القدرية النفاة ، الذين يقولون إن الإنسان مخير تخييراً تاماً ، ليس هناك سلطان لله -عز وجل- عليه ، بمعنى أنهم ينفون أمر الله الكوني المتعلق بأفعال العباد ويقولون : ليست هناك أوامر كونية متعلقة بأفعال العباد ، وأن قوله -تعالى- : (كُنْ فَيَكُونُ) متعلقٌ بالذوات فقط وليس متعلقًا بالأفعال الإنسانية .
وهذا كلام باطل وشرك بالله ، والرسول -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- سَمَّى هذه الطائفة مجوس هذه الأمة ، والصحابة سموها مجوس هذه الأمة ، وهم الذين يقولون إن الإنسان مخير تخييراً مطلقاً بمعنى أن إرادته وأفعاله لا سلطان لله -عز وجل- عليها ، وهذا خروج عن مقتضى الربوبية ، فكيف يكون ربٌ ثم يأمر في الكون بأمر فيحدث عكسه ، وتغلب إرادةُ المخلوق إرادَتَه الكونية ؟!
فهل معنى ذلك أن الإنسان مسيَّر ؟ لا ، بل الإنسان « مُيَسَّر » كما سيأتي فيما بعد إن شاء الله ، بمعنى أن الله -عز وجل- هو الذي أمر أن يكون لهذا العبد إرادة ، وأن يريد العبدُ كذا وكذا ، كما قال -تعالى-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )(الإنسان: من الآية30) ، فجمع بين الأمرين ، فأثبت لنا مشيئة ، ولكنها تحت مشيئته -سبحانه وتعالى-، ولنا قدرة ، ولكن بقدرته -سبحانه وتعالى-كانت لنا هذه القدرة .
* شبهة والرد عليها :
قد تدخل للناس بعض الشبهات عن طريق موضوع الاستنساخ المعاصر ، فيظنون أنهم سيبتكرون نوعاً جديداً من البشر ، ويخلقون ما يشاءون ، وهذا وَهْمٌ كبير جداً سببه عدم إدراك المسألة على حقيقتها .
فالاستنساخ الذي يذكرونه هو أنهم يأخذون خلية من الخلايا غير التناسلية أصلاً ، وليست مكونة من بويضة وحيوان منوي ، بل خلية من الخلايا العادية ، قد تكون في جلد الإنسان مثلاً أو جزء من أجزاء الجسم ، ويُهيئ ـ المُجَرِّب ـ لها ظروفاً مشابهة لظروف البويضة ، ويضعها في الرحم لتنمو نمواً طبيعياً ، فهو شبيه جداً بعملية التوأمة ، كأنه يُهيئ الظروف للحمل بتوأم ، ويُهيئ له ظروف الانقسام ، مثل منشطات التبويض التي تؤدي إلى كثرة التبويض فتنتج توائم أكثر ، فعملية تهيئة ظروف ملائمة لتنقسم الخلية كانقسام البويضة المُلَقَحة التي هي في الحقيقة مكونة من خلية واحدة متكونة ، هذه البويضة المُلَقَحة يتكون منها الإنسان أو النعجة ... ، ليست بمعنى أنهم يخلقونها ـ فجهل عظيم أن يُقال ذلك ـ إنما هم يهيئون ظروفاً مناسبة كالتلقيح الصناعي ، كأطفال الأنابيب عندما يكون الحيوان المنوي غير قادر على تلقيح البويضة في المكان الطبيعي ، فَيُجْرُون التلقيح في الخارج ، فمن الذي يُشَكِّل هذا الكائن بعد ذلك ؟! الله وحده لا شريك له .
فهنا أخذوا خلية عادية وهيئوا لها ظروف الخلية الملقحة ، فمن الذي صنعها ؟! فلا يقدر إنسان أن يصنع شيئاً من هذا الخلق، فالخلق لله وحده لا شريك له، ولو اعتقد أحد أن غير الله -عز وجل- يستطيع أن يخلق ذبابة لكفر.
[1] ) ) رواه الترمذي (3095) ، والبيهقي (10/116) واللفظ له ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي
([2] ) هذا في أصل النظرية ، أما اليوم فهم لا يرون بديلاً عن الإباحية فهم يعاقبون سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً من يجرم الزنى أو يقيم الحدود الشرعية أو يقضي بالقصاص .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
المعنى الثالث من معاني الربوبية : فهو معنى الأمر والنهي والتشريع ، قال -سبحانه وتعالى-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ( الأعراف : 54 ) .
فالرب: هو الذي له الخلق والأمر.
فكما يعتقد الإنسان المؤمن أن الله -سبحانه وتعالى-منفرد بالخلق ، فكذلك يعتقد أنه -سبحانه وتعالى-منفرد بالأمر الكوني و الشرعي ، فالله -سبحانه وتعالى-يأمر في الكون بما يريد فيكون ما أراد (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)( يس : 82 ) ، فهو السيد الحق لهذا الكون -سبحانه وتعالى-، فكل ما يأمر به -عز وجل- يكون وينفذ .
وله وحده حق التشريع ، فيعتقد المؤمن أنه سبحانه له حق التشريع ؛ بمعنى أنه له حق الأمر والنهي.
فالله -عز وجل- وحده له الأمران ؛ الأمر الكوني : أي الذي يُكَوّن به الخلق فيقول : كن فيكون ، كما قال -عز وجل- : وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) ( البقرة : 117 ) ، والأمر الشرعي: أي الذي يشرعه لعباده نحو : افعل ولا تفعل ، كما قال -عز وجل- : (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة: من الآية5)، وكقوله -عز وجل- : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)(البقرة: من الآية21)
فقوله -تعالى-: (اعْبُدُوا) هذا أمر شرعي، وليس من باب: كن فيكون، وإلا لو كان من باب: كن فيكون، لوجد الناس أنفسهم يُصَلُّون ويَصُومُون، كما يجدون قلوبهم تدق، وعروقهم تنبض، لكن المعنى: (اعْبُدُوا) أي افعلوا أنتم ذلك.
ولذلك من مظاهر الشرك في الربوبية في هذا المعنى ، اعتقاد أن مع الله -عز وجل- من له حق الأمر والنهي والتشريع ، أو حق تبديل الشريعة فبهذا قد جعله رباً مع الله .
والدليل على ذلك :
قول الله -عز وجل- عن اليهود والنصارى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)(التوبة: من الآية31) ، فهم لم يعتقدوا أن الأحبار والرهبان خالِقون ، أو رازقون أو يدبرون الأمر ! ليس كذلك.
ولم يعتقدوا أنهم مالكون لهم ، وهل ظنوا أنفسهم رقيقاً عند الأحبار والرهبان ، بل ادعى الأحبار والرهبان الزهد في الدنيا ، وجلسوا في الصوامع .
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ : « يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ » ، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)، قلت : « يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدهم ! » ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « ألم يُحَرِّمُوا الحَلالَ ويُحَلِلُوا الحَرامَ فاتَبَعْتُمُوهم ؟! » ، قلت : « بلى » ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « تلكَ عِبَادَتُهم » ([1] ) .
ففي هذا الحديث قضيتان :
1- قضية اعتقاد أن لغير الله أن يغير الشرع ، وله أن يحكم ويحلل ويحرم ، فمن اعتقد ذلك في أحد ، فقد اتخذه رباً ، فهذا شرك في الربوبية .
2- فإن اتبعه على التبديل معتقداً ما قاله دون ما قاله الله ورسوله ، فقد عبده من دون الله ، وهذا شرك في الإلوهية كما قال -عز وجل- : (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(التوبة: من الآية31) فهم أمروا أن يعبدوه بكل معاني العبادة التي من ضمنها اتباع الشرع ، فالتحريم والتحليل يكونان على النحو الذي شرعه الله -عز وجل- .
ومعنى ذلك أنه لا يجوز لإنسان أن يعتقد أن لفلان أو لطائفة من الناس حق التشريع ، ولو لم يتحاكم إليهم ، كما يعتقد أصحاب الديمقراطية أن لكل شعب من الشعوب أن يُشرع لنفسه ما يشاء، وإن لم يتحاكموا هم ـ أي من يعتقدون ذلك ـ إلى تشريعاتهم .
فالفرنسيون منذ قامت الثورة الفرنسية يعتقدون وينادون بأن الديمقراطية حق لكل شعب من الشعوب ، فوضعوا القانون الفرنسي ، ولم يُلْزِمُوا أحداً كالإنجليز مثلاً باتباع ذلك القانون ، ولم يتبعوا القانون الأنجلوساكسوني مثلاً ، لكنهم يعتقدون أن للإنجليز حق التشريع ، وأن لكل شعب الحق في ذلك ، ولكل أمة حق التشريع من خلال ممثليها ، من حقهم أن يُشَرِّعُوا ما يشاءون ، يحللون الزنا أو يحرمونه فهم أحرار ، وهذا شأنهم ، ويَعُدُّون ذلك من الشؤون الداخلية التي لو أقرها نواب الشعب ورأوا تطبيقها فإنها تُطَبَق ، وإن لم يروا ذلك فلا تُطَبَق ( [2]) ، ولو رأوها حلالاً فهي حلال ، ولو رأوها حراماً فهي حرام ، فهم لم يتحاكموا إلى قانون غير قانونهم ، ولكنهم اعتقدوا أن لهذا الغير حق التشريع ، فبهذا جعلوهم أرباباً لأنهم وصفوهم بوصف الربوبية ، وإن لم يعبدوهم ، كمن يظن ـ على سبيل المثال ـ أن الله خلقنا نحن وهناك أرباب آخرون خَلقوا خلقاً آخرين ، أليسوا بذلك مشركين أم لا ؟!! بالقطع هم مشركون ، لأنهم اعتقدوا أن مع الله -سبحانه وتعالى- مَنْ يَخلق ، وإن اعتقدوا أنه يَخلق غيرَهُم، فلابد أن نعتقد أن الله -عز وجل- هو الذي خلق كل هذا الخلق ، ولا يوجد معه خالق آخر لا لنا ، ولا لغيرنا ، فكذلك لابد أن نعتقد أن الله وحده هو الذي يأمر وينهى ويشرع لنا ولغيرنا ، فلو أنك مع اعتقادك أن غير الله له حق التشريع ، لجأت إليه وقلت له : سألتزم بما تأمر به وتشرعه ، فقد عبدته من دون الله .
ولذلك فهذه قضية عظيمة الأهمية ، ومظاهر الشرك فيها منتشرة جداً ، وهي قضية التشريع ، والأمر والنهي والسيادة ، وينصون في الدساتير المدنية على أن السلطة التشريعية من حقوق الشعب ، وأن الشعب مصدر كل السلطات ، التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ونحن نعوذ بالله من ذلك ، فالله -عز وجل- قال : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )(الشورى: من الآية21) ، فَسَمَّاهُم اللهُ -عز وجل- شركاءَ ، وهذا ـ كما قدمنا ـ مرتبط بالاعتقاد ، فمن اعتقد أن ما يقوله فلان حقٌ سواءٌ أكان ذلك في التشريع أم في التحليل أم في التحريم ، فهذا من الشرك في الربوبية حتى لو لم يتحاكم إليه ، وحتى لو لم يُطِعْه في هذا ، أما إذا أضاف إلى ذلك طاعته في التحليل والتحريم فقد عبده من دون الله -عز وجل- ، وهذا شرك في الألوهية ، وإن لم يقل : إني أعبدهم ، فإن عدي بن حاتم قال : « إنا لسنا نعبدهم » ، فلم يكونوا يركعون لهم ولا يسجدون ، ولكن اتبعوهم في تبديل الشريعة ، لم تكن طاعتهم في المعصية فقط ، بل اتبعوهم في التبديل ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « ألم يُحَرِّمُوا الحَلالَ ويُحَلِلُوا الحَرامَ فاتَبَعْتُمُوهم » ، قال : بلى ، قال -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- : « تلكَ عِبَادَتُهم » .
وهذه نقطة مهمة جداً وهي الفرق بين أن يطيع الإنسان غيره في معصية الله ، وبين من يعبده من دون الله -عز وجل- ، فيكف ذلك ؟!
نذكر مثالاً : لو أن أحد الناس قال : الزنا حرية شخصية ، من أراد أن يزني فليفعل ، مادام برضا الطرفين ، وكان سنُ الأنثى فوق الثامنة عشرة ، فهما حُرَّان يفعلان ما يشاءان .
فسمعه آخر فقال : إن هذا صواب ، وإن الحرية أفضل شيء ، وإنه لا يُعَاقَب إلا المُغْتَصِب ، فهذا قد اتبعه على التبديل ، فالأول حلل الزنا ، والآخر اتبعه على التبديل ، بخلاف شخص ثالث سمع الأول وهو يحلل الزنا ، فاعتقد أن : هذا حرام ، لكنه زنى لصعوبة الزواج الآن ... الخ، فاتبعه على الفعل ووافقه على الفعل لكنه لم يتبعه على التبديل فهو يقول له: هذا الفعل حرام.
مثال آخر : التبرج الموجود منبعه وأصله من الغرب ، فنساء الغرب هن اللاتي يتبرجن أشد من تبرج الجاهلية الأولى ، وفعلهم هذا مبني على الحرية ، فالنساء يخرجن هناك متبرجات سافرات لأنهن حرائر فيما يفعلن ، فالحرية أحد أسس المجتمع عندهم ، فلو قال قائل : من حق المرأة أن تحتجب بالزي الشرعي ، أو لا تحتجب فتتبرج كما تريد ، لا شيء يُلزمها ، والشرع ليس له أن يُلزمها ، فهذا القائل قد اتبعهم على التبديل ، اتبعهم على تحريم الحلال وتحليل الحرام ، وعلى عدم إيجاب الواجب ، فيعدون أنفسهم أحراراً في أن يفعلوا الواجب أو يردُّوه ـ كما قلنا في قضية الملك ـ فقد ردوا شرع الله -عز وجل- ، واتبعوهم على التبديل ، وأخرى متبرجة ترى الحجاب تخلفاً ، وترى أن الشرع ليس له أن يلزمها ، فهذا خروج من الملة .
بخلاف أخرى تعتقد أن : الحجاب فرض ، والتبرج حرام ، وتقول : تَبَرُجِي هذا خطأ ، لكن كل الفتيات متبرجات ، وأنا لا أستطيع ترك مجاراتهم وموافقتهم فتتبرج ، وتلبس أحدث الأزياء ، وقد تكون أشد تبرجاً من الأولى التي قالت إنها حرة مع شرع الله -عز وجل- ، لكن الأخرى عاصية وفعلها كبيرة من الكبائر ، ولها نصيب من العبودية لغير الله ، ولكنه شرك أصغر وليس شركاً أكبر ، لأنها اتبعت في معصية الله ، ولم تعتقد أنها حرة ولم ترد شرع الله -عز وجل- .
يزداد الأمر وضوحاً إذا تأملنا الفرق بين فعل آدم وفعل إبليس ، فكل منهما عصى اللهَ -عز وجل- ، لكن إبليس رد الشرع وقال : (قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) ( الحجر : 33 ) ، فَكَفَرَ بترك سجدة واحدة ، وسيدنا آدم عصى وأكل من الشجرة ، ولم يَكْفُر ، مع أنه أطاع إبليس ، وإبليس هو الذي أمره أن يأكل من الشجرة ، لكنه لما عرف أنه ظالم لنفسه قال : (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ( الأعراف : 23 ) ، فلم تكن معصيته عبودية للشيطان ، لكنها مجرد معصية .
فالقضية قضية اعتقاد لا متابعة في الفعل فحسب ، اعتقاد أن الله وحده هو الذي يأمر وينهى ، ويُشرِّع للناس ، وهو -سبحانه وتعالى-السيد الآمر ـ الأمر الكوني و الشرعي ـ الناهي المُطاع في هذا الكون ، فهذا هو توحيد الربوبية .
واعتقاد أن غير الله له أن يأمر وينهى ويُشَرِّع للناس... شركٌ وإن كان صاحبه لا يلتزم بطاعة من يعتقد أن له هذا الحق.
فإذا أضاف إليه اتباعه على الشرع الذي شرعه دون شرع الله لكان عابداً له من دون الله .
ولو ردَّ عليه الأمر واعتقد أنه مبطل، وليس له حق التشريع، وأن أوامره باطلة، وفي نفس الوقت نفذ أوامره وأطاعه فهو عاص لله -عز وجل-.
والمؤمن يقع في معصية ، ويقع في طاعة إبليس ، وهو مع ذلك يرد على إبليس أمره ، يقول له إبليس : كلامي هو الصواب والرشاد ، فيقول المؤمن : كلامك خطأ وضلال ، ثم يقع في تنفيذ كلامه ، فهذه مجرد معصية ، بخلاف من يقول : كلام إبليس صواب ، ومن حقه أن يُشرع للناس ويأمر وينهى وكل واحد حر .
ومن ضمن الشرك في الربوبية شرك طائفة هي مجوس هذه الأمة ، وهم الذين يقولون بأنه ليس لله سلطان على أفعالهم ، وهم القدرية النفاة ، الذين يقولون إن الإنسان مخير تخييراً تاماً ، ليس هناك سلطان لله -عز وجل- عليه ، بمعنى أنهم ينفون أمر الله الكوني المتعلق بأفعال العباد ويقولون : ليست هناك أوامر كونية متعلقة بأفعال العباد ، وأن قوله -تعالى- : (كُنْ فَيَكُونُ) متعلقٌ بالذوات فقط وليس متعلقًا بالأفعال الإنسانية .
وهذا كلام باطل وشرك بالله ، والرسول -[IMG]https://forums.way2allah.com/mhtml:file://D:\مشاركات\شرك الحاكمية - الإسلام للجميع.mht!http://vb.**************/images/smilies/words/Sala-allah.png[/IMG]- سَمَّى هذه الطائفة مجوس هذه الأمة ، والصحابة سموها مجوس هذه الأمة ، وهم الذين يقولون إن الإنسان مخير تخييراً مطلقاً بمعنى أن إرادته وأفعاله لا سلطان لله -عز وجل- عليها ، وهذا خروج عن مقتضى الربوبية ، فكيف يكون ربٌ ثم يأمر في الكون بأمر فيحدث عكسه ، وتغلب إرادةُ المخلوق إرادَتَه الكونية ؟!
فهل معنى ذلك أن الإنسان مسيَّر ؟ لا ، بل الإنسان « مُيَسَّر » كما سيأتي فيما بعد إن شاء الله ، بمعنى أن الله -عز وجل- هو الذي أمر أن يكون لهذا العبد إرادة ، وأن يريد العبدُ كذا وكذا ، كما قال -تعالى-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )(الإنسان: من الآية30) ، فجمع بين الأمرين ، فأثبت لنا مشيئة ، ولكنها تحت مشيئته -سبحانه وتعالى-، ولنا قدرة ، ولكن بقدرته -سبحانه وتعالى-كانت لنا هذه القدرة .
* شبهة والرد عليها :
قد تدخل للناس بعض الشبهات عن طريق موضوع الاستنساخ المعاصر ، فيظنون أنهم سيبتكرون نوعاً جديداً من البشر ، ويخلقون ما يشاءون ، وهذا وَهْمٌ كبير جداً سببه عدم إدراك المسألة على حقيقتها .
فالاستنساخ الذي يذكرونه هو أنهم يأخذون خلية من الخلايا غير التناسلية أصلاً ، وليست مكونة من بويضة وحيوان منوي ، بل خلية من الخلايا العادية ، قد تكون في جلد الإنسان مثلاً أو جزء من أجزاء الجسم ، ويُهيئ ـ المُجَرِّب ـ لها ظروفاً مشابهة لظروف البويضة ، ويضعها في الرحم لتنمو نمواً طبيعياً ، فهو شبيه جداً بعملية التوأمة ، كأنه يُهيئ الظروف للحمل بتوأم ، ويُهيئ له ظروف الانقسام ، مثل منشطات التبويض التي تؤدي إلى كثرة التبويض فتنتج توائم أكثر ، فعملية تهيئة ظروف ملائمة لتنقسم الخلية كانقسام البويضة المُلَقَحة التي هي في الحقيقة مكونة من خلية واحدة متكونة ، هذه البويضة المُلَقَحة يتكون منها الإنسان أو النعجة ... ، ليست بمعنى أنهم يخلقونها ـ فجهل عظيم أن يُقال ذلك ـ إنما هم يهيئون ظروفاً مناسبة كالتلقيح الصناعي ، كأطفال الأنابيب عندما يكون الحيوان المنوي غير قادر على تلقيح البويضة في المكان الطبيعي ، فَيُجْرُون التلقيح في الخارج ، فمن الذي يُشَكِّل هذا الكائن بعد ذلك ؟! الله وحده لا شريك له .
فهنا أخذوا خلية عادية وهيئوا لها ظروف الخلية الملقحة ، فمن الذي صنعها ؟! فلا يقدر إنسان أن يصنع شيئاً من هذا الخلق، فالخلق لله وحده لا شريك له، ولو اعتقد أحد أن غير الله -عز وجل- يستطيع أن يخلق ذبابة لكفر.
[1] ) ) رواه الترمذي (3095) ، والبيهقي (10/116) واللفظ له ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي
([2] ) هذا في أصل النظرية ، أما اليوم فهم لا يرون بديلاً عن الإباحية فهم يعاقبون سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً من يجرم الزنى أو يقيم الحدود الشرعية أو يقضي بالقصاص .
تعليق