السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أمَّا بعد، فإنَّ من أجلُّ نعم الله تعالى التي أنعم بها على الإنس والجنِّ في آخر الزمان أن بعث فيهم رسولَه الكريم محمداً عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم، فبلَّغهم ما أُرسل به إليهم من ربِّهم على التمام والكمال،
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ))
فمن الله الرسالة، وقد حصل ذلك، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ))، وقال: ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)).
والذي على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو البلاغ قد حصل على أكمل الوجوه وأتمِّها، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ))، وقال: ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)).
وأمَّا الذي على العباد وهو التسليم والانقياد، فقد انقسم الناس فيه إلى موفَّق متَّبع لسبيل الحقِّ، وغير موفَّق متَّبع للسبل الأخرى، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
الفرق بين البدعة في اللغة والبدعة في الشرع
المعاني اللغوية غالباً أعمُّ من المعاني في الشرع، والمعنى الشرعي غالباً جزء من جزئيات المعنى اللغوي، والبدعة في اللغة كلُّ ما أُحدث على غير مثال سابق،
المعاني اللغوية غالباً أعمُّ من المعاني في الشرع، والمعنى الشرعي غالباً جزء من جزئيات المعنى اللغوي، والبدعة في اللغة كلُّ ما أُحدث على غير مثال سابق،
وفي الشرع ما أُحدث مِمَّا لَم يكن له أصل في الدِّين، وهي مقابلة للسنَّة.
ليس من البدع المصالح المرسلة
المصلحة المرسلة هي المصلحة التي لَم يأت الشرعُ باعتبارها أو إلغائها، وهي وسيلة إلى تحقيق أمر مشروع، مثل جمع القرآن في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وتدوين الدواوين، وكتابة أصحاب العَطاء في ديوان؛ فإنَّه لَم يأت في الشرع نصٌّ على إثباتهما أو المنع منهما، فأمَّا جمع القرآن فهو سبيل إلى حفظه وعدم ضياع شيء منه، وفيه تحقيق قول الله عزَّ وجلَّ: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))،
المصلحة المرسلة هي المصلحة التي لَم يأت الشرعُ باعتبارها أو إلغائها، وهي وسيلة إلى تحقيق أمر مشروع، مثل جمع القرآن في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، وتدوين الدواوين، وكتابة أصحاب العَطاء في ديوان؛ فإنَّه لَم يأت في الشرع نصٌّ على إثباتهما أو المنع منهما، فأمَّا جمع القرآن فهو سبيل إلى حفظه وعدم ضياع شيء منه، وفيه تحقيق قول الله عزَّ وجلَّ: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))،
وقد توقَّف أبو بكر رضي الله عنه عندما أشار عليه عمر رضي الله عنه في جمعه، وقال: (( كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر: هو والله خير، فلَم يزل عمر يُراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيتُ الذي رأى عمر )) رواه البخاري (4679)، وجَمْعُ أبي بكر رضي الله عنه القرآنَ كان في صُحف، وأمَّا جَمْعُ عثمان رضي الله عنه فكان في مصحف.
وأمَّا تدوين الدواوين فكان في عهد عمر رضي الله عنه لَمَّا كثرت الفتوحات وكثرت الغنائم والفيء، فاحتيج إلى تدوين أسماء الجنود وغيرهم من أهل العَطاء، ولم يكن ذلك موجوداً قبل زمنه صلى الله عليه وسلم ، وذلك سبيل إلى إيصال الحقوق إلى أهلها وعدم سقوط شيء منها، ولا يُقال: إنَّ من البدع ما هو حسن إلحاقاً بالمصالح المرسلة؛ لأنَّ المصالح المرسلة فيها الوصول إلى تحقيق أمر مشروع، بخلاف البدع التي فيها اتِّهام الشريعة بالنقصان، كما مرَّ بيانُ ذلك في كلام الإمام مالك رحمه الله.
لا بدَّ مع حسن القصد من موافقة السنَّة
وقد يقول من يهوِّن مِن شأن البدع: إنَّ الذي يأتي بالبدعة متقرِّباً بها إلى الله قصدُه حسن، فيكون فعلُه محموداً بهذا الاعتبار، والجواب: أنَّه لا بدَّ مع حسن القصد أن يكون العملُ موافقاً للسنَّة، وهو أحد الشرطين اللَّذين تقدَّم ذكرُهما لقبول العمل الصالح، وهما الإخلاصُ لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد مرَّ الحديثُ الدَّال على ردِّ البدع المحدثة على صاحبها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ ))،
وفي لفظ لمسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))، ومِمَّا يدلُّ على أنَّه لا بدَّ مع حسن القصد من موافقة السنَّة قصة الصحابي الذي ذبح أُضحيته قبل صلاة العيد،
وقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (( شاتُك شاةُ لحم )) رواه البخاري (955) ومسلم (1961)،
وقد يقول من يهوِّن مِن شأن البدع: إنَّ الذي يأتي بالبدعة متقرِّباً بها إلى الله قصدُه حسن، فيكون فعلُه محموداً بهذا الاعتبار، والجواب: أنَّه لا بدَّ مع حسن القصد أن يكون العملُ موافقاً للسنَّة، وهو أحد الشرطين اللَّذين تقدَّم ذكرُهما لقبول العمل الصالح، وهما الإخلاصُ لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد مرَّ الحديثُ الدَّال على ردِّ البدع المحدثة على صاحبها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ ))،
وفي لفظ لمسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))، ومِمَّا يدلُّ على أنَّه لا بدَّ مع حسن القصد من موافقة السنَّة قصة الصحابي الذي ذبح أُضحيته قبل صلاة العيد،
وقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (( شاتُك شاةُ لحم )) رواه البخاري (955) ومسلم (1961)،
قال الحافظ في شرح الحديث في الفتح (10/17): (( قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: وفيه أنَّ العملَ وإن وافق نية حسنة لَم يصح إلاَّ إذا وقع على وفق الشرع )).
ويدلُّ لذلك أيضاً ما في سنن الدارمي (210) بإسناد صحيح أنَّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى أناس متحلِّقين في المسجد، وبأيديهم حصى، وفيهم رجلٌ يقول: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة يعدُّون بالحصى، ويقول: هلِّلوا مائة، سبِّحوا مائة كذلك، فوقف عليهم فقال: (( ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ، قال: فعُدوا سيِّئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يَضيعَ من حسناتكم شيءٌ، وَيْحَكم يا أمّة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابةُ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابُه لَم تَبْلَ، وآنيتُه لَم تُكسر، والذي نفسي بيده إنَّكم لَعلَى مِلَّةٍ هي أهدى من مِلَّة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة؟! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلاَّ الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه ... ))، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (2005).
خطر البدع وبيان أنَّها أشدُّ من المعاصي
والبدعُ خطرُها كبير، وخطْبُها جسيم، والمصيبة بها عظيمة، وهي أشدُّ خطراً من الذنوب والمعاصي؛ لأنَّ صاحبَ المعصية يعلم أنَّه وقع في أمر حرام، فيتركه ويتوب منه، وأمَّا صاحب البدعة، فإنَّه يرى أنَّه على حقٍّ فيستمرّ على بدعته حتى يموت عليها، وهو في الحقيقة متَّبع للهوى وناكبٌ عن الصراط المستقيم، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ((أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ))، وقال: ((أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ))، وقال: ((وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ))، وقال: ((وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ))، وعن أنس رضي الله عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله حجب التوبةَ عن كلِّ صاحب بدعة حتى يدَع بدعتَه ))، أورده المنذري في كتاب الترغيب والترهيب (86)، في الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء، وقال: ((رواه الطبراني، وإسناده حسن ))، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني(1620).
البدع اعتقادية وفعلية وقولية
والبدعُ أنواع: اعتقادية، وقولية، وفعلية، والفعلية زمانية ومكانية، فأمَّا البدع الاعتقادية، فمثل بدع الخوارج والروافض والمعتزلة وغيرهم مِمَّن تعويلهم على علم الكلام، وفيهم مَن تعويلهم مع ذلك على الروايات المكذوبة، قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/95):
(( أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنَّ أهل الكلام أهلُ بدع وزيغ، ولا يُعدُّون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنَّما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز )).
والبدعُ خطرُها كبير، وخطْبُها جسيم، والمصيبة بها عظيمة، وهي أشدُّ خطراً من الذنوب والمعاصي؛ لأنَّ صاحبَ المعصية يعلم أنَّه وقع في أمر حرام، فيتركه ويتوب منه، وأمَّا صاحب البدعة، فإنَّه يرى أنَّه على حقٍّ فيستمرّ على بدعته حتى يموت عليها، وهو في الحقيقة متَّبع للهوى وناكبٌ عن الصراط المستقيم، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ((أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ))، وقال: ((أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ))، وقال: ((وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ))، وقال: ((وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ))، وعن أنس رضي الله عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله حجب التوبةَ عن كلِّ صاحب بدعة حتى يدَع بدعتَه ))، أورده المنذري في كتاب الترغيب والترهيب (86)، في الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء، وقال: ((رواه الطبراني، وإسناده حسن ))، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني(1620).
البدع اعتقادية وفعلية وقولية
والبدعُ أنواع: اعتقادية، وقولية، وفعلية، والفعلية زمانية ومكانية، فأمَّا البدع الاعتقادية، فمثل بدع الخوارج والروافض والمعتزلة وغيرهم مِمَّن تعويلهم على علم الكلام، وفيهم مَن تعويلهم مع ذلك على الروايات المكذوبة، قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/95):
(( أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنَّ أهل الكلام أهلُ بدع وزيغ، ولا يُعدُّون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنَّما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز )).
والبدعُ القولية، منها التلفظ بالنية، كأن يقول: نويتُ أن أصلي كذا، نويتُ أن أصوم كذا، وغير ذلك، ولا يُستثنى من ذلك إلاَّ المناسك، فللمعتمر أن يقول: لبَّيك عمرة، وللمفرد أن يقول: لبَّيك حجًّا، وللقارن أن يقول: لبَّيك عمرة وحجًّا؛ لأنَّه ورد في السنَّة ما يدلُّ على ذلك.
ومنها سؤال الله بجاه فلان وبحقِّ فلان، ونحو ذلك مِمَّا لم يَرِد به سنَّةٌ ثابتةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن البدع القولية ما يكون كفراً، كدعاء أصحاب القبور وطلب الغوث منهم وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات، وغير ذلك مِمَّا لا يُطلَبُ إلاَّ من الله، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً))، وقال: ((أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ))،
وأمَّا الحكم على مَن حصل منه ذلك بالكفر فيكون بعد إقامة الحجة، وهو قول كثير من أهل العلم، ذكرتُ منهم سبعة في الفصل الخامس من مقدمة تطهير الاعتقاد وشرح الصدور، أوَّلهم الإمام محمد ابن إدريس الشافعي رحمه الله، وآخرهم الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
والبدعُ الفعلية مكانية وزمانية،
فمِن البدع المكانية التمسح بالقبور وتقبيلها، قال النووي في المجموع شرح المهذب في شأن مسح وتقبيل جدار قبره صلى الله عليه وسلم (8/206): ((ولا يُغتر بمخالفة كثيرين من العوام وفعلهم ذلك؛ فإنَّ الاقتداءَ والعملَ إنَّما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء، ولا يُلتفتُ إلى مُحدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم،
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم تبلغني حيثما كنتم) رواه أبو داود بإسناد صحيح،
وقال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ ما معناه: (اتَّبع طرق الهدى ولا يضرك قلَّة السالكين، وإيَّاك وطرق الضلالة ولا تغترَّ بكثرة الهالكين)، ومَن خَطَرَ على باله أنَّ المسحَ باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأنَّ البركةَ إنَّما هي فيما وافق الشرع، وكيف يُبتغى الفضل في مخالفة الصواب؟! )).
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم تبلغني حيثما كنتم) رواه أبو داود بإسناد صحيح،
وقال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ ما معناه: (اتَّبع طرق الهدى ولا يضرك قلَّة السالكين، وإيَّاك وطرق الضلالة ولا تغترَّ بكثرة الهالكين)، ومَن خَطَرَ على باله أنَّ المسحَ باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأنَّ البركةَ إنَّما هي فيما وافق الشرع، وكيف يُبتغى الفضل في مخالفة الصواب؟! )).
ومن البدع الزمانية الاحتفال بالموالد، كالاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، فإنَّها من البدع المحدثة في القرن الرابع الهجري، ولَم يأت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وخلفائه وصحابته شيءٌ من ذلك، بل ولَم يأت عن التابعين وأتباعهم، وقد مضت الثلاثمائة سنة الأولى قبل أن توجد هذه البدعة، والكتب التي أُلِّفت في تلك الفترة لا ذكر للموالد فيها، وإنَّما كانت ولادة هذه البدعة في القرن الرابع الهجري، أحدثها العبيديُّون الذين حكموا مصر،
فقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابه المواعظ بذكر الخطط والآثار (1/490) أنَّه كان للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، فذكرها وهي كثيرة جدًّا، ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد علي وفاطمة والحسن والحُسين رضي الله عنهم، ومولد الخليفة الحاضر، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (567هـ)، وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد، قال: (( ظهرت في دولتهم البدعُ والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقلَّ عندهم الصالحون من العلماء والعُبَّاد ... )).
وذكر ابن كثير قبل ذلك بقليل أنَّ صلاح الدين قطع الأذان بـ(حيَّ على خير العمل) من مصر كلِّها، ومن أحسن ما أُلِّف في هذه المسألة كتاب: القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرُّسْل، للشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري رحمه الله، ولا شكَّ أنَّ محبَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلب كلِّ مسلم أعظمَ من محبَّته لأبيه وأمِّه وابنه وبنته وسائر الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (( لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين )) رواه البخاري ومسلم،
ومحبَّته صلى الله عليه وسلم إنَّما تكون باتِّباعه والسير على نهجه صلى الله عليه وسلم، وليس بالبدع المُحدَثة، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)).
ومحبَّته صلى الله عليه وسلم إنَّما تكون باتِّباعه والسير على نهجه صلى الله عليه وسلم، وليس بالبدع المُحدَثة، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)).
بدعة امتحان الناس بالأشخاص
ومن البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من امتحان بعض من أهل السنَّة بعضاً بأشخاص، سواء كان الباعث على الامتحان الجفاء في شخص يُمتحن به، أو كان الباعث عليه الإطراء لشخص آخر، وإذا كانت نتيجة الامتحان الموافقة لِمَا أراده الممتحِن ظفر بالترحيب والمدح والثناء، وإلاَّ كان حظّه التجريح والتبديع والهجر والتحذير،
وهذه نقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أوَّلها التبديع في الامتحان بأشخاص للجفاء فيهم، وفي آخرها التبديع في الامتحان بأشخاص آخرين لإطرائهم، قال ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى (3/413 ـ 414) في كلام له عن يزيد بن معاوية: (( والصواب هو ما عليه الأئمَّة، من أنَّه لا يُخَصُّ بمحبة ولا يلعن، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً فالله يغفر للفاسق والظالم، لا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (أوَّل جيش يغزو القسطنطينيَّة مغفورٌ له)، وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية، وكان معه أبو أيوب الأنصاري ...
ومن البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من امتحان بعض من أهل السنَّة بعضاً بأشخاص، سواء كان الباعث على الامتحان الجفاء في شخص يُمتحن به، أو كان الباعث عليه الإطراء لشخص آخر، وإذا كانت نتيجة الامتحان الموافقة لِمَا أراده الممتحِن ظفر بالترحيب والمدح والثناء، وإلاَّ كان حظّه التجريح والتبديع والهجر والتحذير،
وهذه نقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أوَّلها التبديع في الامتحان بأشخاص للجفاء فيهم، وفي آخرها التبديع في الامتحان بأشخاص آخرين لإطرائهم، قال ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى (3/413 ـ 414) في كلام له عن يزيد بن معاوية: (( والصواب هو ما عليه الأئمَّة، من أنَّه لا يُخَصُّ بمحبة ولا يلعن، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً فالله يغفر للفاسق والظالم، لا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (أوَّل جيش يغزو القسطنطينيَّة مغفورٌ له)، وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية، وكان معه أبو أيوب الأنصاري ...
فالواجب الاقتصاد في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيد بن معاوية وامتحان المسلمين به؛ فإنَّ هذا من البدع المخالفة لأهل السنَّة والجماعة )).
وقال (3/415): (( وكذلك التفريق بين الأمَّة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم )).
وقال (20/164): (( وليس لأحد أن ينصب للأمَّة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويُوالي ويُعادي عليها غير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويُعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمَّة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرِّقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويُعادون )).
وقال (28/15 ـ 16): (( فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك نظر فيه: فإن كان قد فعل ذنباً شرعيًّا عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة، وإن لم يكن أذنب ذنباً شرعيًّا لم يجز أن يُعاقب بشيء لأجل غرض المعلم أو غيره.
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البرِّ والتقوى، كما قال الله تعالى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) )).
ولو ساغ امتحان الناس بشخص في هذا الزمان لمعرفة مَن يكون من أهل السنَّة أو غيرهم بهذا الامتحان، لكان الأحقَّ والأولى بذلك شيخ الإسلام ومفتي الدنيا وإمام أهل السنَّة في زمانه شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المتوفى في 27 من شهر المحرم عام 1420هـ، رحمه الله وغفر له وأجزل له المثوبة، الذي عرفه الخاصُّ والعام بسعة علمه وكثرة نفعه وصدقه ورِفقه وشفقته وحرصه على هداية الناس وتسديدهم، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً؛ فقد كان ذا منهج فذٍّ في الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، يتَّسم بالرِّفق واللِّين في نصحه وردوده الكثيرة على غيره، منهج سديد يقوِّم أهلَ السنَّة ولا يُقاومهم، وينهض بهم ولا يُناهضهم، ويَسْمو بهم ولا يسِمُهم، منهج يجمع ولا يُفرِّق، ويلمُّ ولا يمزِّق، ويُسدِّد ولا يبدد، ويُيسِّر ولا يُعسِّر، وما أحوج المشتغلين بالعلم وطلبته إلى سلوك هذا المسلك القويم والمنهج العظيم؛ لِمَا فيه من جلب الخير للمسلمين ودفع الضَّرر عنهم.
والواجب على الأتباع والمتبوعين الذين وقعوا في ذلك الامتحان أن يتخلَّصوا من هذا المسلك الذي فرَّق أهلَ السنَّة وعادى بعضُهم بعضاً بسببه، وذلك بأن يترك الأتباعُ الامتحان وكلَّ ما يترتَّب عليه من بُغض وهجر وتقاطع، وأن يكونوا إخوةً متآلفين متعاونين على البرِّ والتقوى، وأن يتبرَّأ المتبوعون من هذه الطريقة التي توبعوا عليها، ويُعلنوا براءتَهم منها ومِن عمل مَن يقع فيها، وبذلك يسلم الأتباع من هذا البلاء والمتبوعون من تبعة التسبُّب بهذا الامتحان وما يترتَّبُ عليه من أضرار تعود عليهم وعلى غيرهم.
بتصرف من كتاب
الحث على اتِّباع السنَّة والتحذير من البدع وبيان خطرها
تأليف الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر
تأليف الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر
تعليق