للعلماء عناية زائدة على غاية عامة الناس من دراسة علم التفسير. فإذا كان عوام الناس وأولئك الذين لم تتحقق فيهم شروط المفسر وآدابه لا بد لهم من الوقوف عند المعاني التي ذكرها العلماء عند الآيات و لا يجوز لهم الخوض في التفسير واستخراج المعاني والأحكام:
إلا أن العلماء الذين تحققت فيهم تلك الشروط لهم غاية عالية إضافة إلى ما سبق؛ وهي:
1- استخراج أدلة مسائل الأصول (العقائد).
2- استخراج أدلة مسائل الفروع (الفقه والأحكام).
3- دراسة القصص القرآني واستخراج الحكم والمواعظ والإشارات الربانية منه لتعليمها للناس؛ وإرشادهم لما يصلح أمور دينهم ودنياهم.
4- دراسة آيات القرآن عموما لاستخراج ما يصلح حال الناس ويحل مشكلات زمانهم من النوازل المتجددة.
فإذا كانت عناية علماء التفسير بهذا العلم للغايات السامية سالفة الذكر؛ من توضيح الحق والتدليل عليه؛ ونشره والدعوة إليه؛
فإن للعلمانيين هدفا آخر من الخوض في هذا العلم.
فلقد نظر العلمانيون إلى القرآن على أنه حاجر متين؛ وحصن حصين يمنع عقول المسلمين وقلوبهم من قبول دعوة العلمانية. ورأوا أن مرجعية المسلمين إلى أحكامه وتعظيم أوامره عقبة في سبيل نشر أفكارهم.
وبعد مراجعة تجربة الجيل العلماني المؤسس حين حاولوا إبعاد الناس عن إتباع القرآن والتشكيك فيه صراحة وبدون مواربة؛ فأثار ذلك حفيظة أهل الإسلام وشنوا عليهم حربا أنهكتهم ومنتهم بخسائر اجتماعية وثقافية وسياسية كبيرة؛
وعليه فقد عزم العلمانيون المحدثون على هدم الحصن من داخله؛ ولبس العباءة والعمامة قبل الدعوة للتغريب وامتطاء صهوة جواد العلم قبل الدعوة إلى الضرب بالقرآن عرض الحائط؛ ورأوا أن الطريقة الملتوية تنطلي على العامة وغير المتخصصين؛ وتتيح لهم الفرصة للهجوم على الدين باسم الدين ولا تثير حفيظة المسلمين ضدهم.
ومما يدل على ذلك قول د.فؤاد زكريا وهو يتحدث عن التعليل في العقائد و الألوهية والوحي الذي حدث في الغرب: ذاكرا أمثلة على اعتقاد (جون بريون) في السببية الذي يلغي كل الخرافات والعقائد الباطلة: (هذا النوع من التعديل في المفاهيم الرئيسية يستحيل تصوره في مجتمعنا؛ بل إن محاولة كهذه تدان بشدة وتعرض صاحبها <ونحن في الربع الأخير من القرن العشرين> لأخطار مادية ومعنوية خطيرة). (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل ص: 157؛ نقلا عن أقطاب العلمانية ص: 44).
ومن هنا كان توجههم للخوض في التفسير واضح المعنى؛ معقول المغزى؛ بيّن الهدف؛ وهو التمكين للعلمانية ونشرها لكن ليس بالتنظير لها عن طريق الفلسفة بل تحت شعار تجديد وتطوير علم التفسير؛ فهذا الشعار يملؤون به الكتب والمجلات ليظهروا بمظهر المفكرين المجددين وينفوا عن أنفسهم الشكوك والشبهات؛
ويفتحوا به قلوب الناس لقبول آرائهم؛ فيزعمون أن ما توصلوا إليه من تأويل جديد لآيات الله ما هو إلا نتيجة لذلك التجديد المبني على مناهج أصناف العلوم الحديثة؛ وأنه قراءة عصرية للقرآن وتطبيق حقيقي لروح الإسلام. ساعين لهدفهم الحقيقي في خبث ودهاء مقتربين منه في حذر شديد.
لكن إذا تساءلنا عن حصيلة الاجتهادات العلمانية في علوم الشريعة الإسلامية، تبين لنا من خلال البحث أن خلاصتها تشكل في النهاية دينا جديدا قائما بذاته، ينسبه العلمانيون إلى الله ورسوله زورا وبهتانا، فدينهم هذا لا علاقة له بالإسلام، فهو دين يقبل بالمرتدين بين صفوفه وباللواطيين وشاربي الخمور، وآكلي الربا وموكليها،
ولا مكان فيه للحجاب أو النقاب أو اللحية أو الحدود الشرعية أو الجهاد، دين مفرغ من أي طابع تشريعي، دين محكوم وليس حاكما، دين مسجون بين جوانح الفرد لا ينظم الحياة العامة، دين محبوس بين جدران المساجد بعيد عن الإدارات والأسواق و الأبناك، وباختصار: هو دين يساوي العلمانية!!!
تعليق