Tweet
بسم الله الرّحمان الرّحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل الكتب وبعث الرسل، وصلى الله على نبينا وهو أفضل الأنبياء والرسل وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد فهذه بعض الفوائد والعبر المستنبطة من قصة يوسف عليه السلام التي ذكر الله في كتابه أنه أحسن القصص جمعتها لكم من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي، فإليكم هذه الفوائد والعبر:
1-إذا أراد الله أمراً من الأمور العظام قدم بين يديه مقدمة توطئة له وتسهيلاً لأمره واستعداداً لما يرد على العبد من المشاق لطفاً بعبده وإحساناً إليه، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والآخرة.
2-أنه ينبغي البعد عن أسباب الشر، وكتمان ما تخشى مضرته، لقول يعقوب ليوسف
(يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (5)
3- أنه يجوز ذكر الإنسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره لقوله: ( فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا).
4- أن العدل مطلوب في كل الأمور حتى في معاملة الوالد لأولاده في المحبة والإيثار وغيره، وفي الإخلال بذلك يختل عليه الأمر وتفسد الأحوال ولهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة وآثره على إخوته جرى منهم ما جرى على أنفسهم وعلى أبيهم وأخيهم.
4-الحذر من شؤم الذنوب، وأن الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة، ولا يتم لفاعله إلا بعدة جرائم، فإخوة يوسف لما أرادوا التفريق بينه وبين أبيه، احتالوا لذلك بأنواع من الحيل، وكذبوا عدة مرات، وهذا شؤم الذنب وآثاره التابعة والسابقة واللاحقة.
5- العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية، فإن أولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ماجرى في أول الأمر مما هو أكبر أسباب النقص واللوم، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح.
6- أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعضمهما، فإن إخوة يوسف لما ألقوه في غيابة الجب كان أخف وأحسن منهم من قتله.
7-أن الشيء إذا تداولته الأيدي وصار من جملة الأموال، ولم يعلم أنه كان على غير وجه الشرع أنه لا إثم على من باشره ببيع أو شراء أو خدمة أو انتفاع أو استعمال، فإن يوسف عليه السلام باعه إخوته بيعاً حراماً لا يجوز ثم ذهبت به السيارة إلى مصر فباعوه بها، وبقي عند سيده غلاماً رقيقاً وسماه الله شراء.
8- الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة، والحذر من المحبة التي يخشى ضررها فإن امرأة العزيز جرى منها ماجرى بسبب توحدها بيوسف وحبها الشديد له.
9-أن من دخل الإيمان قلبه وكان مخلصاً لله في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه وصدق إخلاصه من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي ماهو جزاء لإيمانه وإخلاصه لقوله:
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
10-أنه ينبغي للعبد إذا رأى محلاً فيه فتنة وأسباب معصية أن يفر منه ويهرب غاية ما يمكنه، ليتمكن من التخلص من المعصية، لأن يوسف لما راودته التي هو في بيتها فر هارباً يطلب الباب ليتخلص من شرها.
11-أن العبد إذا ابتلي بين أمرين إما فعل معصية وإما عقوبة دنيوية أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، ويوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية.
12- أنه ينبغي للعبد أن يلتجىء إلى الله ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية ويتبرأمن حوله وقوته، لقول يوسف عليه السلام:
(وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)
13- أنه كما على العبد عبودية لله في الرخاء فعليه عبودية في الشدة فيوسف عليه السلام لم يزل يدعو إلى الله فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا الفتيين إلى التوحيد ونهاهما عن الشرك.
14- أنه يبدأ بالأهم فالأهم وأنه إذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في غير سؤاله أشد، أنه ينبغي له أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب سؤاله، فإن هذا علامة على نصح المعلم وفطنته وحسن إرشاده وتعليمه فإن يوسف لما سأله الفتيان عن الرؤيا قدم لهما قبل تعبيرها دعوتهما إلى الله وحده لا شريك له.
15- أن من وقع في مكروه وشدة لابأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله، وأن هذا لا يكون شكوى للمخلوق، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف للذي ظن أنه ناج من الفتيين: " اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ".
16- أنه ينبغي للمسؤول أن يدل السائل على أمر ينفعه مما يتعلق بسؤاله، ويرشده إلى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه، فإن هذا من كمال نصحه وفطنته وحسن إرشاده، فإن يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك بل دلهم مع ذلك على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع وكثرة جبايته.
17-لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل، إذا كان في ذلك مصلحة ولم يقصد به العبد الرياء وسلم من الكذب لقول يوسف: ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
18- أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم فإن يعقوب قال لأولاده.(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)83 ثم لما احتبس يوسف أخوه عنده قال لهم: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا) فهم في الأخيرة لم يكونوا مفرطين ولكن جرى منهم ما أوجب لأبيهم أن قال ماقال من غير إثم عليه ولا حرج.
19- أن استعمال الأسباب الدافعة للعين أو غيرها من المكاره أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع بل جائز لأمر يعقوب لبنيه (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ).67
تعليق