السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسباب الجالبة لمحبة الله - تعالى:
الحمد لله كما أمر والصلاة والسلام على خير البشر وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الحشر الأكبر ... ثم أما بعد ...،
لا شك أن كل مسلم في هذه الحياة يتمنى محبة الله جل وعلا له ويطمع أن يكون أحد المقربين من الله سبحانه والنصوص في القرآن والسنة الدالة على محبة الله لعباده المؤمنين كثيرة جدا
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسباب الجالبة لمحبة الله - تعالى:
الحمد لله كما أمر والصلاة والسلام على خير البشر وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الحشر الأكبر ... ثم أما بعد ...،
لا شك أن كل مسلم في هذه الحياة يتمنى محبة الله جل وعلا له ويطمع أن يكون أحد المقربين من الله سبحانه والنصوص في القرآن والسنة الدالة على محبة الله لعباده المؤمنين كثيرة جدا
وقد ذَكَر ابنُ القَيِّم - رحمه الله - عشرة أسباب تجلب محبَّة الله - تعالى - للعبد، نذْكُرها بإيجازٍ:
1- قراءة القرآن بالتدبُّر والتفهم لمعانيه وما أُريد به.
2- التقرُّب إلى الله بالنوافِل بعد الفرائض.
3- دوام ذِكْره على كلِّ حال؛ باللسان، والقلب، والعمل، والحال.
4- إيثار محابِّه على محابك عند غلبات الهوى.
5- مطالَعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلّبه في رياض هذه المعرفة.
6- مشاهَدة برّه وإحسانه وآلائه ونعمه الظاهرة والباطنة.
7- انكسار القلب بكُلِّيَّته بين يدي الله - تعالى - قال ابن القيم: "وهو أعجبها".
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدُّب بأدب العبودية بين يديه، ثم خَتْمُ ذلك بالاستغفار والتوبة.
9- مجالَسة المُحِبِّين الصادقين، والتِقاط أطايب ثَمرات كلامِهم؛ كما تُنتقى أطايب الثمَر.
10 - مباعَدة كل سبب يحول بين القلْب، وبَيْن الله - عزَّ وجَل انظر: "مدارج السالكين".
وأيضًا يُضاف إليها أسباب أخرى يحب الله المتَّصفِين بها؛ منها:
1- اتِّباع هدْي النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال الله - تعالى -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران: 31].
2- التقْوى: قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: 4]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله يُحب العبد الغني الخفي التَّقِي)) رواه مسلم.
والتَّقْوى هي:أن تجعلَ بينك وبين عذاب الله وقاية، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
3- الصبر: قال - تعالى -: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: 146].
4- الإحسان: قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: 195].
5- العَدْل والقِسْط: قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات: 9].
6- الإكْثار منَ التوبة: قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}[البقرة: ٢٢٢]، ولا بُدَّ أن تكون التوبةُ صادقة.
7- الطهارة: قال الله - تعالى -: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222].
قال الشيخ السَّعْدي عند تفسيرِه لهذه الآية: "{وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}؛ أي: المُتَنَزِّهين عنِ الآثام، وهذا يشمَل التطهُّر الحِسي من الأنجاس والأحداث، ففيه مشروعية الطهارة مُطلقًا، ويَشْمل التطهُّر المعنوي عن الأخلاق الرَّذيلة، والصفات القبيحة، والأفعال الخسيسة".
وقال تلميذُه ابن عثيمين: "{وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}: إذا غسلت ثوبك من النجاسة، تحس بأن الله أحبك؛ لأنَّ الله يحب المتطهِّرين، إذا توضأتَ تحس بأن الله أحبك؛ لأنك تطهَّرْت، وإذا اغتسلت تحس أن الله أحبك؛ لأنَّ الله يحب المتطهِّرين، ووالله إننا لغافِلون عن هذه المعاني، أكثر ما نستعمل الطهارة من النجاسة أو من الأحداث؛ لأنها شرْط لصحة الصلاة؛ خوفًا من أن تفسدَ صلاتنا، لكن يغيب عنَّا كثيرًا أن نشعرَ بأن هذا قرْبة وسبب لمحبَّة الله لنا، ولو كنَّا نستحضر عندما يغسل الإنسان نقطة بول أصابتْ ثوبَه أنَّ ذلك يجلب محبة الله له، لحصَّلنا خيراً كثيرًا، لكنَّنا في غفْلة" انظر: "شرح العقيدة الواسطية" ص (202).
8- التوَكُّل على الله: قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: 159].
9- القتال في سبيل الله: قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، ويجتمع مع القتال خصلتان: الإخلاص؛ لقوله: {فِي سَبِيلِهِ}، والمصاففة وإحكامها بالتعاون كالبنيان المرصوص، حِسًّا ومعنًى، فلا تختلف الأبدان ولا القلوب، وإنما أُلْفَةٌ وتعاوُن.
10- التقرُّب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض: وتَقَدَّم ذكرُها في كلام ابن القيم - لقول الله - عز وجل - كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - القدسي: ((ولا يزال عبدي يتقرَّب إلىَّ بالنوافل حتى أحبَّه)) رواه البخاري.
11- محبَّة أسماء الله وصفاته: وتقَدَّمَ ذكرُها في كلام ابن القَيِّم؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص: 1].، فلمَّا رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟))، فقال: لأنها صفةُ الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((أخبروه أنَّ الله - تعالى - يحبه)) متفق عليه.
12- الحب في الله: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة الرجل الذي زار أخًا له في الله، فأرصد الله على مَدْرَجَتِه ملكًا فقال: "هل لك عليه من نعمةٍ تربها؟ - أي: هل لك مصلحة في زيارتك؟ - قال: "لا، غير أنِّي أحببتُه في الله - عز وجل"، قال: "فإنِّي رسولُ الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته" رواه مسلم.
13- قوة الإيمان: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير)) رواه مسلم.
14- غنى النفس: لحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((إنَّ الله يُحب العبد التقي الغني الخفي)) رواه مسلم.، والمقصود بالغنى هنا ليس كثرة المال، وإنما المقصود: غنى النفس، وهو القانع بما أعطاه الله - جل وعلا - ورزقه، يرضى بما قسم الله له، ولا يَلِحُّ في الطلب والازدياد، وإنما اقتنع بما عنده، فكأنه غني أبدًا، ويشهد لهذا المعنى مناسبةُ الحديث الذي رواه مسلم؛ فعن عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه عامر، فلمَّا رآه سعدٌ قال: أعوذ بالله من شرِّ هذا الراكب، فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟! فضرب سعد في صدره، فقال: اسكت، سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)) رواه مسلم.
15- الخفاء في العمل والطاعة: للحديث السابق.
16- حُبُّ الأنصار: لحديث البراء؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمنٌ، ولا يُبْغِضُهم إلا منافق، مَنْ أَحَبَّهم أحبه الله، ومَن أبغضهم أبغضه الله)) رواه مسلم.
17- الرِّفق: لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخل رهطٌٌ من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السَّام عليكم، قالت عائشة - رضي الله عنها -: ففهمتُها، فقلتُ: عليكم السَّامُ واللعنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مهلاً يا عائشة، إنَّ الله يحب الرِّفق في الأمر كله))، فقلت: يا رسول الله، أَلَم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد قلتُ: وعليكم)) متفق عليه؛ والرِّفق: هو لِيْنُ الجانب في القول والفعل.
18- اجتناب الأعمال التي لا يحب الله المتَّصِفين بها؛ ومنها:
اجتناب الرِّدة؛ قال - تعالى -: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة: 5]، واجتناب الخيانة؛ لقوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}[النساء: 107]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[النساء: 107]، وكذلك الاختيال والكبْر والفخر؛ لقوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان: 18]، {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}[النحل: 23]، والإفساد؛ لقوله - تعالى -: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: 64]، وغيرها من الأعمال التي جاء النص بها؛ كقوله - تعالى -: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[آل عمران: 57]، وكذلك المسرفين؛ قال - تعالى -: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأنعام: 141]، والأعمال الجالبة لِمَحَبَّة الله - تعالى - كثيرة، وبالجُملة ترْجع للأسباب التي ذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى.
تعليق