السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة البدعة والموقف من أهلها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد..
فإنّ الله تعالى أرسل رسله بالبينات والهُدى ليتبع الناس منهاجهم، ويقتفوا آثارهم، ويسلكوا طريقهم؛ وذلك أنّ هذا الدين: دينٌ مبنيٌّ على الاتباع والاقتداء والتأسي "وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبُل فتفرق بكم عن سبيله" [الأنعام:153]
فمن تعبّد لله بغير ما جاء به رسوله فهو مُسيء الظن به، كيف وقد كَمّل الله لنا الدين، وأتمّ النعمة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا". [المائدة:3]. وإذا كَمُل الدين فكل محدَثٍ فيه بعد ذلك فليس منه.
وهذا الإحداث – أيضًا – تشويه لجمال الدين، وطَمْسٌ لمعالم السُّنن، وحيلولة بين النّاس وبين دينهم الصحيح، وتعرّض للفتنة والعذاب الأليم "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" [النور:63].
وسداد المنهج إنما يكون بالوقوف عند ما جاءت به السُّنَّةُ، واتّباع ما أمر به نبيّنا عليه الصلاة والسلام، امتثالاً لقوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر:7] وتأويلاً لقوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا" [الأعراف:21]. والسير على هذا السبيل ابتغاء موعد الحق تبارك وتعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" [آل عمران:31].
وهذا هو الواجب على العبد في دينه: أن يتبع ما قاله الله، وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون من بعده.
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودّع، فأوصنا. فقال: ((اتقوا الله، وعليكم بالسّمع والطّاعة وإن تأمّر عليكم عبدٌ حبشيّ، وإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) (1).
وإنّه (من المحال في العقل والدين: أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به النَّاس من الظلمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بُعِث به من الكتاب والحكمة، وقد أخبر الله بأنّه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته) (2). محال أن يترك تعليمهم شيئًا مما يقرّبهم لربهم وينفعهم في دينهم – وإن دَقّ – كيف وقد عَلّم النبي صلى الله عليه سلم أمته كل شيء كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئًا مما نهاكم عنه إلاّ وقد نهيتكم عنه) (3). وقال: (تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) (4).
وفي هذه الأوراق القليلة عرض وبيان لمسائل متعلّقة بهذا الأصل من أصول الاعتقاد نستعرضها بشكل موجز من خلال ست فقرات أساسية:
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة البدعة والموقف من أهلها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد..
فإنّ الله تعالى أرسل رسله بالبينات والهُدى ليتبع الناس منهاجهم، ويقتفوا آثارهم، ويسلكوا طريقهم؛ وذلك أنّ هذا الدين: دينٌ مبنيٌّ على الاتباع والاقتداء والتأسي "وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبُل فتفرق بكم عن سبيله" [الأنعام:153]
فمن تعبّد لله بغير ما جاء به رسوله فهو مُسيء الظن به، كيف وقد كَمّل الله لنا الدين، وأتمّ النعمة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا". [المائدة:3]. وإذا كَمُل الدين فكل محدَثٍ فيه بعد ذلك فليس منه.
وهذا الإحداث – أيضًا – تشويه لجمال الدين، وطَمْسٌ لمعالم السُّنن، وحيلولة بين النّاس وبين دينهم الصحيح، وتعرّض للفتنة والعذاب الأليم "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" [النور:63].
وسداد المنهج إنما يكون بالوقوف عند ما جاءت به السُّنَّةُ، واتّباع ما أمر به نبيّنا عليه الصلاة والسلام، امتثالاً لقوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر:7] وتأويلاً لقوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا" [الأعراف:21]. والسير على هذا السبيل ابتغاء موعد الحق تبارك وتعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" [آل عمران:31].
وهذا هو الواجب على العبد في دينه: أن يتبع ما قاله الله، وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون من بعده.
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودّع، فأوصنا. فقال: ((اتقوا الله، وعليكم بالسّمع والطّاعة وإن تأمّر عليكم عبدٌ حبشيّ، وإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) (1).
وإنّه (من المحال في العقل والدين: أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به النَّاس من الظلمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بُعِث به من الكتاب والحكمة، وقد أخبر الله بأنّه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته) (2). محال أن يترك تعليمهم شيئًا مما يقرّبهم لربهم وينفعهم في دينهم – وإن دَقّ – كيف وقد عَلّم النبي صلى الله عليه سلم أمته كل شيء كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئًا مما نهاكم عنه إلاّ وقد نهيتكم عنه) (3). وقال: (تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) (4).
وفي هذه الأوراق القليلة عرض وبيان لمسائل متعلّقة بهذا الأصل من أصول الاعتقاد نستعرضها بشكل موجز من خلال ست فقرات أساسية:
أوّلاً: تعريف البدعة:
البدعة: اسم هيئة من: بَدَع، وهو ابتداء الشيء وصُنْعُهُ لا عن مثالٍ سابق(5). وفي أسماء الله تعالى: البديع، وهو: الخالق المخترع(6).
والعرب تقول: ابتدع فلانٌ الرَّكيّ، إذا استنبطه(7).
قال تعالى: "ما كنت بدعًا من الرسل" [الأحقاف:9] أي: ما كنت أوّل المرسلين.
والبدعة في الاصطلاح العامّ: خلاف السُّنة(8).
وتطلق على الحدث في الدين بعد الإكمال، وما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال(9).
وعلى هذا، فإنّ البدعة قد تكون لغويّة فحسب، فتطلق على كل مستحدث كالمخترعات الحديثة مثلاً، وقد تكون في الاصطلاح العام، فتطلق على كل ما خالف السنة، ولو لم يكن بدعة ضلالة محرّمة، كمن يترك سنّة من سنن الوضوء، فهذا يصح أن يقال عن صفة وضوئه أنّه بدعة بمعنى أنه خلاف السُّنة وإن لم يكن مبتدعًا بالمعنى الاصطلاحي الخاص.
قال ابن الأثير: (وأكثر ما يُستعمل المبتَدَع عرفًا في الذمّ، أي أنّه إذا أطلق لفظ البدعة فإنّه يراد به المذموم شرعًا) (10).
والبدعة بالمعنى الاصطلاحي عُرّفت بعدة تعريفات، منها:
- تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: بأنّها ما خالف الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات(11).
- وتعريف الشاطبي بأنها: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعيّة، يقصد من السلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى(12).
ومراده بتضاهي الطريقة الشرعيّة يعني: تشابهها.
- وعَرفّها ابن رجب بأنّها: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه(13).
- وعُرّفت بأنها: كل تعبّد لله على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قولاً وعملاً واعتقاداً(14).
وبأنها: العبادة التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى(15).
والجامع لكل التعريفات السابقة أن البدعة محدثٌ - لا دليل عليه - مضاف للدين.
سواء كان فعلاً أو قولاً أو اعتقاداً(16).
ثانياً: حكم البدعة :
- البدعة: -بالتعريف المتقدّم– محرمة؛ قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) [الشورى:21]. فقد أخبر الله تعالى أن المشركين أحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله. فلم يفردوه بالتشريع (وهذا الذي ابتدع في دين الله قد صَيّر نفسه نظيراً مضاهياً لله , حيث شَرع مع الشارع , ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع) (17).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (18).
وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (19).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: (خير الحديث: كتاب الله، وخير الهدي: هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة) (20). وفي رواية: (وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) (21).
قال ابن رجب: (فقوله: كل بدعة ضلالة، من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين... فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة) (22).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة) (23).
وقد وردت عن الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة نصوص متكاثرة في النهي عن الابتداع وذم البدع وأهلها، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) (24).
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: اتقوا الله يا معشر القراء، خذوا طريق من قبلكم فوالله لئن سبقتم لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، وإن تركتموه يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا(25).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة(26).
وقال أبو إدريس الخولاني: لأن أرى في المسجد نارًا لا أستطيع إطفاءها، أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها(27).
فالنصوص المتكاثرة تفيد قاعدة شرعية وتقررها على أتم وجه، وهي أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يرد الدليل الشرعي عليها، فلا يتعبد لله تعالى إلا بعبادة دل الدليل عليها سواء من أصلها أو من جهة عددها أو هيئتها(28).
قال ابن تيمية: (البدع هي مبادئ الكفر، ومظانّ الكفر، كما أنّ السُّنن المشروعة هي مظاهر الإيمان) (29)
ومع أن البدعة محرمة فقد تبلغ بصاحبها للكفر، في البدع المكفرة.
- كاعتقاد بعض المبادئ الكفرية كمقالات الفلاسفة مثلاً، وكالطواف على القبور بقصد التقرّب لأصحابها ونحو ذلك – فليست البدع مع تحريمها على رتبة واحدة(30).
- أما البدعة بالمعنى اللغوي وهو كل مستحدث، وبالمعنى الاصطلاحي العام وهو ما خالف السنة، فهذا قد يكون جائزًا، لا يترتب الإثم عليه، وقد يكون مكروهًا أو محرمًا.
فمن أمثلة الجائز ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجمع بين أنواع الأدعية الواردة على صفات متنوعة، وأنّ بعضهم لَفّق لفظ الدعاء الذي عَلّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما قال له قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً – وفي رواية كثيراً – ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنّك أنت الغفور الرحيم. فقال يستحب أن يقول: كثيراً، كبيراً. قال: (هذا ضعيف؛ فإن هذا ليس بسُنّة، بل خلاف المسنون، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَقُل ذلك جميعه جميعاً، وإنما كان يقول هذا تارةً، وهذا تارةً – إن كان الأمران ثابتين عنه – فالجمع بينهما ليس سنّة، بل بدعة، وإن كان جائزاً) (31).
ومن استعمال المعنى اللغوي للبدعة قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جمع الناس لصلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه) (32).
قال ابن رجب: (ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغويّة لا الشرعيّة) (33).
ومن استعمال الاصطلاح العام بمعنى مخالفة السنة قول ابن عمر رضي الله عنهما لما سُئِل عن صلاة الناس الضُّحى، قال: (بدعة) (34).
قال الحافظ ابن حجر: (.. إنما أنكر ابن عمر ملازمتها، وإظهارها في المساجد. وصلاتها جماعة؛ لأنها مخالفة للسُّنّة) (35).
وكذلك قول عمر بن عبد العزيز: إظهار المعازف والمزمار: بدعة في الإسلام(36).
فالحاصل أن البدع كلها محرمة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة، وما سمي بدعة ولم يطلق عليه وصف الذم والتحريم فهو ليس بدعة في الدين.
ثالثًا – دخول البدعة في الاعتقاد والعمل.
الإحداث في دين الله تعالى يكون في الاعتقادات وفي الأعمال.
فالبدعة الاعتقادية: اعتقاد خلاف ما أخبر الله ورسوله(37). فالصحابة قد تلقوا المسائل الاعتقادية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاها عنهم التابعون، حتى صارت جملة المسائل الخبرية محفوظة، فمن خالف اعتقادهم فهو مبتدع.
ومثال ذلك أن السلف أجمعوا على أن الإيمان قول وعمل، وأنه يزيد وينقص، وخالف في ذلك بعض الناس، فأخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، فهذه بدعة اعتقادية.
وأما البدعة العملية فهي التقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه الله ولا رسوله، كتخصيص يوم بعبادة معينة كليلة السابع والعشرين من رجب أو الثاني عشر من ربيع الأول أو نحو ذلك.
والبدعة سواء كانت عملية أو اعتقادية قد تكون في أمر كلي في الدين، وقد تكون دون ذلك وبهذا تخرج من الفرقة الناجية أو لا تخرج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وستفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: وما هي يا رسول الله ؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) (38).
قال الشاطبي: (هذه الفرق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزيئات؛ إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية.. ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا كثر من إنشاء الفروع المخترعة، عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة، كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضاً، وأما الجزئي فبخلاف ذلك، بل يُعد وقوع ذلك من المبتدع كالذلة والفلتة) (39).
رابعاً: ـ انقسام البدعة إلى حقيقية وإضافية.
الإحداث في الدين قد يكون باختراع شيء جديد مطلقاً وإدخاله في الدين، فيكون العمل كله بدعة لا دليل عليها، لا في الجملة ولا في التفصيل، ومثالها: التقرب إلى الله تعالى بالرهبانية، ونحو تحكيم العقل ورفض النصوص في دين الله تعالى، فهذه تسمى: بدعة حقيقية.
وقد يكون للبدعة شائبة من الأدلة، لكن أضيف لها وألصق بها ما ليس عليه دليل، فمن جهة الأصل عليها دليل، ومن جهة ما أضيف إليها -من كيفية أوصفة أو تفاصيل- لا دليل عليها، فهذه تسمى: بدعة إضافية، ومثالها: تخصيص يوم ـ لم يخصه الشارع ـ بصوم، فإن أصل الصوم في ذاته مشروع، وتخصيصه بيوم مخصوص ـ لم يخصه الشارع به ـ بدعة. (فصاحب البدعة الإضافية يتقرب إلى الله تعالى بمشروع وغير مشروع. والتقرب إلى الله يجب أن يكون بمحض المشروع) (40).
قال ابن تيمية: (البدعة لا تكون حقاً محضاً؛ إذ لو كانت كذلك، لكانت مشروعة، ولا تكون مصلحتها راجحة على مفسدتها؛ إذ لو كانت كذلك، لما اشتبهت على أحد، وإنما يكون فيها بعض الحق وبعض الباطل) (41).
خامساً: ـ قواعد في معرفة البدع.
التعرف على البدع أصلٌ للحذر منها، فإن تمييز البدعة وضبطها بضوابط عامة يعين على التعرف على أفراد البدع، ليتأتى الحكم عليها، ويمنع من أن يدخل فيها ما ليس منها، وقد حاول عدد من الباحثين تقصي ضوابط التعرف على البدع، فمقل ومكثر(42)، وقد انتقيت مما ذكره أهل العلم جملة قواعد حسبت أنها أحق ما يحتاج لمعرفته.
1ـ العادة المحضة لا يدخلها الابتداع.
من مقررات اعتقاد أهل السنة اعتقادهم الحكمة في أفعال الله تعالى، فربنا سبحانه حكيم عليم بمصالح خلقه، لا يأمر بشيء إلا لحكمة قد يعرفها العباد وقد يجهلونها.
فالأحكام الشرعية الواضحة العلة والحكمة كالبيع والنكاح ونحوها، تسمى: عادات، أو أمور عادية، وأما المجهولة العلة التي شرعت من أجلها. وإن علمنا شيئاً من مصالحها ـ فهذه هي التعبديات أو الأمور التعبدية. فالعبادات لا إشكال أن الإحداث فيها ابتداع مذموم كما تقدم. وأما العادات فإنها إن تمحضت عادة، ولم يكن فيها شائبة تعبد لم يدخلها الابتداع، وإن كان فيها شائبة تعبد فقد يدخلها الابتداع في هذه الشائبة. ومثال ذلك النكاح، فإنه من العاديات، فإن أحدث في الذي ليس فيه شائبة تعبد منه، لم يكن بدعة مذمومة، مثل إقامة الزواجات في أماكن معينة، وكالتوسع في التكاليف، أو اتخاذ عادة في الاجتماع له ونحو ذلك. وأما إن حصل الإحداث في الذي فيه شائبة التعبد منه، فهو بدعة، كما لو ألغى المهر عن الزوج، وألزمته به المرأة؛ لأن الشرع قيد النكاح بمثل هذا القيد، فلم يكن للمكلف اختيار فيه، بخلاف الأول، فالعادة من حيث هي عادة لا بدعة فيها. ومن حيث التعبد بها أو وضعها وضع التعبد تدخلها البدعة(43).
2 ـ كل عبادة وردت مطلقة فتقييدها بدعة.
فالشرع قد حث على عبادات وأطلق وقت أدائها، فصلاة الليل عبادة مشروعة في كل ليلة، وصيام النفل المطلق مندوب إليه كل يوم، فمتى قيدت هذه العبادة، كأن خص القيام بليلة الجمعة مثلاً، أو الصيام بيوم كالجمعة من كل أسبوع، دون معنى يخصه، فإن تخصيصه بذلك بدعة إضافية.
قال أبو شامة: (لا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضّله الشرع، وخصّه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء(44)
وقال ابن تيمية: (من أحدث عملاً في يومٍ كإحداث صوم أول خميس من رجب، والصلاة في ليلة تلك الجمعة.. فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد القلب؛ وذلك لأنه لابد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابًا زائدًا.. إذ لو لا قيام هذا الاعتقاد في قلبه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة) إلى أن قال: (ومن قال إن الصلاة أو الصوم في هذه الليلة كغيرها، هذا اعتقادي، ومع ذلك فأنا أخصّها، فلابد أن يكون باعثه إما موافقة غيره، وإمّا اتباع العادة، وإما خوف اللوم له، ونحو ذلك، وإلا فهو كاذب... فعلمت أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة، وينازع الرسل ما جاؤوا به عن الله) (45).
أما لو استند التقييد إلى سبب معقول، كجعل قراءة القرآن في وقت معين لكونه أفرغ من الأعمال، أو أهدأ من الأوقات؛ بحيث لو زال هذا السّبب لزال التقييد، فإنه لا بأس به، ولا يكون من تقييد العبادة الذي يجعلها بدعة.
3- كل عبادة وردت مقيّدة فإطلاقها بدعة.
تأتي بعض العبادات مقيّدة بسبب معين، أو بمحل معين، فإذا طردها البعض دائمًا، أو في محل غير ما قيدت به، صارت بدعة من هذا الوجه.
مثال ذلك أن الطواف لم يشرع إلا حول الكعبة، ولم يشرع السعي بين جبلين سوى الصفا والمروة، فلو طاف أحد حول غير الكعبة، أو سعى بين جبلين آخرين فهذه بدعة.
قال ابن رجب: (وليس كل ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقًا، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قائمًا في الشمس، فسأل عنه، فقيل: إنّه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه(46)، فلم يجعل قيامه وبروزه للشمس قربة يوفي بنذرهما... مع أنّ الصيام عبادة في مواضع أخرى كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة، والبروز للشمس قربة للمحرم، فدلّ على أنّه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن، وإنّما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعة في مواضعها) (47).
4- تغيير الحدود الشرعيّة المقدّرة: بدعة.
الأحكام الشرعية الثابتة المقدرة كأنصبة المواريث، وعقوبات ارتكاب موجبات الحدود جعلها الشارع أحكامًا ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل، فالتغيير فيها ابتداع في الدين، كمن زاد في الصلاة المفروضة، أو نقص منها، أو غير أنصبة الزكاة مثلاً.
5- دلالة أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.
أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليست نوعًا واحدًا، بل هي أنواع، فمنها ما يدل على الندب فيسنّ التأسي به فيها، ومنها ما يدل على إباحة الفعل فقط.
فأفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يظهر منها قصد التقرّب إلى الله، وليست بيانًا لأمرٍ وارد في القرآن، قد اختلف أهل العلم في دلالتها، فذهب جمهور أهل العلم على أنها تدل على رفع الحرج والإباحة فقط(48). وهذا هو الراجح (فإنّ الصحابة رضوان الله عليهم وهم أعلم الناس بالدين، وأحرص الناس على اتباع الرسول في كل ما يقرب إلى الله تعالى كانوا يشاهدون من النبي صلى الله عليه وسلم أفعالاً، ولما لم يظهر لهم فيها قصد التقرّب لم يتخذوها ديناً يتعبدون به ويدعون الناس إليه) (49).
وعليه فقصد التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأفعال ليس مندوبًا ولا مطلوبًا. قال ابن تيمية: (تنازع العلماء فيما إذا فعل صلى الله عليه وسلم فعلاً من المباحات لسبب، وفعلناه نحن تشبّهًا به مع انتفاء ذلك السبب، فمنهم من يستحب ذلك، ومنهم من لا يستحبّه، وعلى هذا يخرج فعل ابن عمر رضي الله عنهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في تلك البقاع التي في طريقه لأنّها كانت منزله، لم يتحرّ الصلاة فيها لمعنى في البقعة) (50).
6- سنّة النبي صلى الله عليه وسلم فعليّة وتركيّة.
(سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون بالفعل، تكون بالترك، فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله الذي يتقرب به كذلك طالبنا باتباعه في تركه، فيكون الترك سنة، والفعل سنة، وكما لا نتقرّب إلى الله تعالى بترك ما فعل لا نتقرب إليه بفعل ما ترك، فالفاعل لما ترك، كالتارك لما فعل، ولا فرق بينهما) (51).
وكذلك قد يقع الابتداع بالترك كمن يحرّم على نفسه شيئًا، أو يقصد تركه تدينًا، أو يتدين بضد ما شرع الله تعالى؛ لأن هذا معارضة للشارع، والله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" [المائدة:87].
ففي الآية أن تحريم الحلال اعتداء لا يحبه الله تعالى(52).
سادسًا: معاملة المبتدع.
أمر الله تعالى بالعدل مع العدو المخالف، فقال سبحانه: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".[المائدة :8]. وحَرّم الله تعالى إيذاء المؤمنين أو الإساءة إليهم فقال :"والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا" [الأحزاب :58].
فالكلام على الناس, والحكم على أقوالهم وأفعالهم, وتقرير طريقة التعامل معهم, أو الموقف منهم , مبناه العدل, والتزام أُصول وقواعد منهج أهل السنة.
قال ابن تيمية: (ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل , كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل , لا بالظن وما تهوى الأنفس) (53).
وقال: (وأئمة السنّة والجماعة , وأهل العلم والإيمان, فيهم العلم والعدل والرحمة, فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسٌنّة سالمين من البدعة... ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم, لا يقصدون الشر لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبيّنوا خطأهم كان قصدهم بذلك بيان الحق, ورحمة الخلق) (54).
ويمكننا من خلال تلمّس مواقف وأقوال أهل العلم أن نبيّن معالم أساسيّة لطريقة التعامل مع المبتدع والموقف منه:
1- فأول هذه القواعد أن البدع متفاوتة وليست مرتبة واحدة , وهذا سبق بيانه, وأصحاب البدع الذين خالفوا السنة في أصول عظيمة ليسوا كمن خالفها في أمور دقيقة , وبناءً عليه يراعى في التعامل مع أصحاب البدع مدى مخالفة بدعهم للسنة.
قال ابن تيميّة: (وأصحاب ابن كُلاّب كالحارث المحاسبي , والقلانسي ونحوهما خير من الأشعريّة , وكلما كان الرجل إلى السلف والأئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل) (55).
وقال: (متكلّمة أهل الإثبات من الكلابيّة والكراميّة والأشعريّة... فهؤلاء في الجملة لا يطعنون في السلف بل قد يوافقونهم في أكثر جمل مقالاتهم. لكن من كان بالحديث من هؤلاء أعلم, كان بمذهب السلف أعلم , وله أتبع , وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة بقدر استنانها وقلة ابتداعها) (56).
2- إقامة الحجة شرط في التبديع.
فمن أتى ببدعة سواء كانت مكفرة دونها , فإنه لا يحكم عليه بمقتضى هذه البدعة, حتى تقام عليه الحجّة، يقول ابن تيميّة :( إنّي من أعظم الناس نهيًا أن يُنسب معيّن إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة , وفاسقًا أخرى , عاصيًا أُخرى , وإني أقرر أن الله غفر لهذه الأمة خطأها , وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبريّة القوليّة , والمسائل العلميّة , وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية) (57).
3- لا يلزم أن يكون غير المبتدع أفضل منه.
فالتفاوت في درجات العباد , والتفاضل بينهم يكون بحسب تفاضلهم في الأعمال الصالحة , وما يقوم بقلوبهم من إيمان وصدق وإخلاص.
والمبتدع مع أنه قد لا يأثم ببدعته إذا كان متأوّلاً مجتهدًا، أو لم تقم عليه الحجّة، مثلاً.
فإنه لو كان آثماً ببدعته فإن إثمه فيها كسائر المعاصي التي تقع من العباد.
يقول ابن تيميّة: (ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مجّهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته) (58).
فليس مجرد عدم الابتداع معياراً للتفضيل، وإن كان من أسباب الفضل؛ لأن الشخص الواحد قد يجتمع فيه ما يثاب عليه وما يعاقب عليه، والعبرة بالراجح منهما. يقول ابن تيميّة: (إذا اجتمع في شخص واحد خير وشر، وطاعة وفجور، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بقدر ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة) (59).
وهذا باب من العدل والإنصاف عظيم يمتاز به أهل السنة.
4 – لا يلزم من وقوع الشخص في بدعة، ولا من انتسابه لطريقة مبتدعة أن يخرج عن أهل السنة.
إذ ارتكابه للبدعة متى كان عن اجتهاد تأول لا يجعله مبتدعاً آثماً، مع أنه ينكر عليه ويبيّن خطؤه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) (60).
وقد قرّر ابن تيمية أن كثيراً من مجتهدي السلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة لسبب من الأسباب وهذا جعلهم معذورين(61) يشملهم قول الله تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا". [البقرة:286].
والبدع غير المغلّظة لا يكون مرتكبها خارجا عن أهل السنة وعن الفرقة الناجية، ولو كان آثماً ببدعته قال ابن تيميّة: (وأمّا المرجئة فليسوا من هذه البدع المغلّظة، بل دخل في قولهم طوائف من أهل الفقه والعبادة, وما كانوا يُعَدّون إلا من أهل السنة، حتى تغلّظ أمرهم بما زادوه من الأقوال المغلّظة) (62).
ووقع بين برهان الدين ابن العلامة ابن القيّم، وبين ابن كثير رحمهم الله تعالى جميعاً منازعة، فقال له ابن كثير: أنت تكرهني لأنني أشعري. فقال له: لو كان من رأسك إلى قدميك شَعْر ما صَدّقك الناس في قولك أنك أشعري وشيخك ابن تيميّة ! (63).
فمن كان قوله واعتقاده موافقاَ لمنهج أهل السنة فإنه لا يخرج عنه بمجرّد انتسابه لطائفة معينة تخالف أهل السنة. إذ العبرة بالحقائق والمعاني لا بمجرد الانتسابات والألقاب.
5 – مراعاة المصالح والمفاسد.
الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، وهي ترجح خير الخيرين وتدفع شر الشرين.
ولا يسوغ في هذه الشريعة دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع الضرر الخفيف بتحصيل ضرر عظيم.
وهذا الضابط يراعى – مع ما سبق – في طريقة الإنكار والاحتساب، وفي الاجتماع أو الاتفاق على شيء مخصوص، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف، والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما، لأن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فساداً من الاقتداء بإمام فاجر أو مبتدع(64).
وعلى كل حال فالنظر للمصالح والمفاسد من أصول التعامل مع المبتدع، فينظر في العمل هل مصلحته راجحة بحيث يفضي إلى ضعف الشر، فيكون مشروعاً، أو أنّه يزيد الشر فلا يكون مشروعاً، وهذا بلا شك يتفاوت بتفاوت الأحوال والمصالح.
وبعد، فهنا وقف القلم، وفي كل مسألة مما تقدّم مجال للقائلين، وموضع بسط للمتناولين، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعُنق!.
.......................................
(1) سنن أبي داود (4607)؛ سنن الترمذي (2676)؛ سنن ابن ماجه (44)؛ سنن الدارمي (1/44)؛ مسند أحمد (4/126)؛ المستدرك للحاكم (1/95) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/361).
(2) تضمين من الفتوى الحموية الكبرى ص 2.
(3) الرسالة للشافعي ص 87؛ السنن الكبرى للبيهقي (7/86)؛ الفقيه والتفقّه (1/270) عن المطّلب بن حنطب، وله شواهد عن ابن مسعود وجابر والحسن وحذيفة، انظر: مجمع الزوائد (4/71). وقد صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/416) بمجموع طرقه.
(4) سنن ابن ماجه (43)؛ مسند أحمد (4/126) من حديث العرباض بن سارية، وله شواهد من حديث أبي الدرداء عند ابن ماجه (5 )، وابن أبي عاصم (47).
(5) معجم مقاييس اللغة (1/209).
(6) النهاية في غريب الحديث ص 67.
(7) القاموس المحيط ص 906. والرَّكِيّ: هي البئر.
(8) التعريفات للجرجاني ص 5، بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/231).
(9) القاموس المحيط ص 906.
(10) النهاية في غريب الحديث ص 67. وسيأتي مزيد تفصيل لهذا المعنى عندما نتناول حكم البدعة.
(11) مجموع الفتاوى (18/346).
(12) الاعتصام (1/37).
(13) جامع العلوم والحكم ص 260.
(14) هو تعريف الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.
(15) فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية (2/324)
(16) قواعد معرفة البدع محمد بن حسين الجيزاني ص 18.
(17) الاعتصام (1/51).
(18) صحيح البخاري (5/301 )، صحيح مسلم (12/16).
(19) صحيح مسلم (12/16).
(20) صحيح مسلم (6/153).
(21) سنن النسائي (3/188). بإسناد صحيح.
(22) جامع العلوم والحكم ص 265.
(23) السنة لابن أبي عاصم (37)؛ وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/86) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع (10/189) رجاله رجال الصحيح، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1620).
(24) شرح السنة للالكائي (104)؛ البدع والنهي عنها لابن وضاح (10)؛ العلم لأبي خيثمة (54 )، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (1/181).
(25) صحيح البخاري (7282).
(26) شرح أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي (126).
(27) الاعتصام (1/82).
(28) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (2/334).
(29) مجموع الفتاوى (10/565) – (4/87).
(30) الاعتصام (2/49).
(31) مجموع الفتاوى (24/242).
(32) صحيح البخاري (2/252).
(33) جامع العلوم والحكم ص 252.
(34) صحيح البخاري (1775)؛ صحيح مسلم (1255).
(35) فتح الباري (3/53).
(36) سنن النسائي (7/129) وصححه الألباني.
(37) أهم المهمات لابن سعدي ص 23.
(38) سنن الترمذي (2641): المستدرك للحاكم (1/128) عن عبد الله بن عمر وقد حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/334).
(39) الاعتصام (2/200).
(40) أصول في البدع والسنن، محمد العدوى ص28.
(41) مجموع الفتاوى (27/172).
(42) انظر مثلاً: قواعد ومعرفة البدع لمحمد بن حسين الجيزاني فقد ذكر وفقه الله ثلاثاً وعشرين قاعدة، والدربة على الملكة لعمر وعبد المنعم سليم فقد ذكر سبع عشرة قاعدة، وأصول في البدع والسنن لمحمد أحمد العدوى، وحقيقة البدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي.
(43) انظر: الاعتصام (2/79 )، مختصره للسقاف ص 95؛ أصول في البدع والسنن ص 29.
(44) الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 51.
(45) اقتضاء الصراط المستقيم (2/107-114).
(46) صحيح البخاري (6704).
(47) جامع العلوم والحكم (1/178).
(48) انظر: في دلالة الأفعال الموافقات للشاطبي (2/108)؛ الفقيه والتفقه (1/349)؛ الإحكام للآمدي (1/28).
(49) أصول في السنن والبدع ص 50.
(50) اقتضاء الصراط المستقيم (2/755) وبقية كلامه مهم.
(51) أصول في البدع والسنن ص 60.
(52) انظر الاعتصام (1/40).
(53) الجواب الصحيح لمن كبل دين المسيح (1/22).
(54) الرد على البكري ص 256.
(55) الرسالة التدمرية ص 192.
(56) مجموع الفتاوى (4/156).
(57) مجموع الفتاوى (3/229).
(58) مجموع الفتاوى (3/179).
(59) مجموع الفتاوى (28/209).
(60) صحيح البخاري (9/193)؛ صحيح مسلم (1342).
(61) مجموع الفتاوى (19/191).
(62) مجموع الفتاوى (3/357).
(63) الدرر الكامنة لابن حجر (1/60).
(64) انظر: مجموع الفتاوى (28/206)؛ المسائل الماردينيّة ص 63.
أصل المقال لـ د. هاني بن عبد الله الجبير جزاه الله خيرا
تعليق