السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل ملك الحسنات رئيس على ملك السيئات؟
حديث قد اشتهر بين الخاصة والعامة وتناقلته قنوات وقد بثته قناة الفجر الفضائية وغيرها فذاع ويا ليته له نصيب من الصحة ...
وهذا الحديث رواه الطبراني في تفسيره عند قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} : قال حدثني المثنى ثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري ثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي،
قال: دخل عثمان بن عفان على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،
فقال له: يا رسول اللّه أخبرني عن العبد، كم معه ملك؟
فقال: "على يمينك ملك على حساتك، وهو أمين على الملك الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشراً، وإذا عملت سيئة،
قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أكتب؟
فيقول له: لا، لعله يستغفر اللّه ويتوب، فإذا قال ثلاثاً،
قال: نعم، اكتب أراحنا اللّه منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياؤه منا،
يقول اللّه: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ،
وملكان من بين يديك ومن خلفك! يقول اللّه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}
وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على اللّه قصمك،
وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد،
وملك قائم على فيك، لا يدع أن تدخل الحية في فيك،
وملكان على عينيك،
فهؤلاء عشرة أملاك على كل ابن آدم يتبدلون، ملائكة الليل على ملائكة النهار، لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار،
فهؤلاء عشرون ملكاً، على كل آدمي، وإبليس بالنهار، وولده بالليل"، انتهى.
وانظر تفسير الطبري (16/370).
.................................................. .......................
جاء في السلسلة الضعيفة للمحدث الألباني
5 رقم الحديث 2237
أن الحديث موضوع
.................................................. ...............................
قال العلامة أحمد محمد شاكر – رحمه الله -
: هذا إسناد قد سلف مثله برقم : 1386 ، 1395 (يقصد في تفسير الطبري ) .
وهو إسناد مشكل منكر .
" إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري" ، وسلف" التستري" وكان في ذلك الموضع في ابن كثير" القشيري" ، لا ندري أيهما الصواب ، ولم نجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال .
و" علي بن جرير" ، لا يدري منه هو أيضًا ، كما قلنا فيما سلف ، إلا أني أزيد أن ابن أبي حاتم ترجم في الجرح والتعديل :" علي بن جرير البارودي روى عنه ... سئل أبي عن علي بن جرير البارودي ، فقال : صدوق" ، ولا أظنه هذا الذي في إسنادنا ، كأن هذا متأخر ، ابن أبي حاتم 3 / 1 / 178 وأما" عبد الحميد بن جعفر ، فثقة ، سلف برقم : 1386 .
وأما" كنانة العدوي" ، فهو" كنانة بن نعيم العدوي" ، تابعي ثقة ، لم يذكر أنه أدرك عثمان بن عفان أو روى عنه .
فهذا حديث فيه نكارة وضعف شديد ، وانفرد بروايته أبو جعفر الطبري عن المثنى . انظر تفسير ابن كثير 4 : 503 ، والدر المنثور 4 : 48 .
وقال ابن كثير : إنه حديث غريب جدًا .
.................................................. ...................
وعليه نقول :
هذا إسناد ضعيف ؛ فيه شيخ الطبري "المثنى بن إبراهيم" ، وهو مجهول والحديث موضوع ولو كان له شواهد ويكفينا هذا ...
وعليه فلا يؤخذ بهذا الحديث لأمور :
الأول : ضعف الإسناد.
الثاني : نكارة المتن ، فالمتن منكر جداً ؛ خاصةً أن المتن يتحدث عن أمر غيبي لا يعلمه إلا الله .
الثالث : في الصحيح الثابت خير كثير يغني عن هذا الحديث .
.................................................. ...
ومع هذا فإن لبعضه شواهد من الحديث والآثار الصحيحة في بعض جزئياته وقد ذكر أهل العلم طرفا منها نسوقه للفائدة...
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه.
وأخرج ابن زمنين في السنة عن الحسن قال: الحفظة أربعة يعتقبونك: ملكان بالليل وملكان بالنهار، تجتمع هذه الأملاك الأربعة عند صلاة الفجر. اهـ .
قال ابن حبان بعد تخريج هذا الحديث : في هذا الخبر بيان واضح بأن ملائكة الليل إنما تنزل والناس في صلاة العصر، وحينئذ تصعد ملائكة النهار.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار، يحفظان عمله ويكتبان أثره . اهـ .
ويشهد له في التواضع ما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته. رواه الطبراني،
وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن، وحسنه الألباني في السلسلة.
وأما خصوص مراقبة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا نعلم ما يشهد له إلا في حديث عام،
فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما بخصوص ملكي العينين وملك الحارس للفم من دخول شيء فيه فلم نعثر على دليل ثابت يشهد لهما إلا أن عموم آية الرعد يشملهما،
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم :وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان؛
أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله قال الله عز وجل: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله. الرعد.
قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه،
وقال على رضي الله عنه إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة.
وقال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما من شيء يأتيه إلا قال له: وراءك إلا شيئا أذن الله فيه فيصيبه.اهـ. هذا،
وننبه إلى أن حديث من ترك صلاة العصر حبط عمله حديث صحيح رواه البخاري. وراجع كتاب الحبائك للسيوطي، وكتب التفسير والعقيدة للتوسع في الموضوع.
........................................
وعليه فلا يغتر أحد بإمهال الله له إن عصاه فإمهاله سبحانه وتعالى اختبار و التوبة واجبة على الفور وإياك أن تنظر إلى صغر الذنب وإنما انظر إلى عظمة من عصيت.
فكن ممن عزوا على الله فعصمهم
ولا تكن ممن هانوا عليه فعصوه
وأخيرا
وقفة وتصحيح :
رقيب وعتيد ليسا اسمين، بل هما وصفان من أوصاف الملائكة.
أما الرقيب فواضح، وهو أن الله تعالى كلّف هذا الملَكَ بمراقبة أفعاله وأقواله.
وأما العتيد فالأظهر أنه المعد والمهيأ للشهادة، فهو حاضر لا يغيب،
كما قال تعالى: " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ".
وقال كثير من السلف ـ رحمهم الله ـ: إن الذي على اليمين يكتب الحسنات، والذي على اليسار يكتب السيئات،
والله أعلم.
تعليق