سلامة الصدر وأثره على الدعوة والدعاة
المصدر/ صيد الفوائد
عباد الله: فإن من خير الأعمال المقربة إلى رضوان الله وجنته، بعد الإسلام ، الدعوةَ إليه ، "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ
صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِيمِنَ الْمُسْلِمِينَ" (33) سورة فصلت
والدعاة هم خير هذه الأمة على الإطلاق ، قال تعالى في سورة آل عمران : " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..".
وكل مسلم عباد الله : مأمور بالدعوة إلى الله تعالى كل على حسب استطاعته ، قال صلى الله عليه وسلم : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ،
فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"
فيا أيها الدعاة المخلصون العاملون ، يا من اتبعتم سبيل الأنبياء والمرسلين ، يا من يتولون التعليم والتدريس والتربية لشباب الأمة ، لا يخفى على مقام علمكم وعلو منزلتكم عظيم ما تدعون إليه ، ولا يخفى كذلك ما ينبغي أن تتأدبوا به فمثلكم يُعلِم ولا يُعلَّم ويَنصَح ولا يُنصَح ،
ولكن أيها الدعاة استبيحكم عذراً أن أتكلم بين أيديكم وأنبهكم لخلق عظيم ،
غفل أو تغال عنه الكثيرون إلا ما رحم ربك ، ألا وهو سلامة الصدر ،
نعم سلامة الصدر أعظم خلق وأكرم صفة يتصف بها المسلم فكيف بالداعية؟
إن مما يحزن القلب ويدمع العين في هذه الأيام كثرة الجفاء بين الأخوان والأصحاب وما يحصل من مشادات ومهاترات وتحريش فيما بين
الأخ وإخيه وما ذلك أيها الأحبة إلا بسبب بعدم عن هذا الخلق الكريم
أيها الدعاة :
ها هو أنس بن مالك رضي الله عنه يقول قال: كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة
فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً
فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى،
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً،
فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت ، فقال: نعم
قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه
ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر،
قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين
أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن أوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ؟
فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه.
فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) [رواه الإمام أحمد].
الله أكبر يا لها من صدور طاهرة صافية نقية ، لا تحمل حقدا ، ولا تعرف حسدا ، ولا تكن غلا ، تلك القلوب التي لم نستطع
أن تكون صدورنا مثلها إلا من رحم ربك .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( فقول عبد الله بن عمرو له هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا نطيق يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع
الحسد ) [ مجموع الفتاوى 10-119]
أيها الدعاة المخلصون : إن لسليم الصدر مكانة عظيمة ومنزلة عالية فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق ) قيل : ما القلب المخموم ؟ قال هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد ) قيل فمن على أثره ؟ قال : ( الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ) قيل فمن على أثره ؟
قال : (مؤمن في خلق حسن ) رواه بن ماجه وصححه الألباني .
سليم الصدر أيها الدعاة : يحوز حسنات كثيرة ولو كان عمله قليلا ، فعن سفيان بن دينار قال:
قلت لأبي بشر: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا (يعني الصحابة) قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً، قال: قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم.
أيها الداعية : سلامة الصدر من أخلاق العلماء:
وقد وصف العلماء رحمهم الله أخلاق أهل العلم، فقالوا:" لا مداهن ولا مشاحن ولا مختال ولا حسود ولا حقود ولا سفيه ولا جاف
ولا فظ ولا غليظ ولا طعَّان ولا لعَّان ولا مغتاب ولا سبَّاب، يخالط من الإخوان من عاونه على طاعة ربه ونهاه عما يغضب مولاه ،
ويخالط بالجميل من لا يأمن شره إبقاء على دينه، سليم القلب للعباد من الغل والحسد،
يغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين في كل ما أمكن فيه العذر، لا يحب زوال النعم على أحد من العباد"
أيها الداعي :
الحسد مانع عن الحق وصاد عن تلقيه فما منع أهل الكفر عن قبول دعوة الحق إلا أن قالوا : ( أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) (الأنعام:53) (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31)
أيها الداعي : الحسد آكل للحسنات جالب للسيئات ، قال صلى الله عليه وسلم: "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" رواه ابن ماجه
كم من ضال للطريق المستقيم اهتدى لطريقه على يديك ، وكم من أناس أنقذهم الله من نار بسبب دعوتك ...
فهل تحب أن يأكل الحسد كل ما قدمت يداك؟
ولعظيم خطر هذا الداء العضال أمر تعالى نبيه أن يستعيذ بالله من شر الحاسدين فقال :
قل أعوذ برب الفلق .....
قال في فتح القدير : ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلى الله عليه واله وسلم إلى الاستعاذة من شر
كل مخلوقاته على العموم ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شره ومزيد ضره وهو الغاسق
والنفاثات والحاسد فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشر حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر .
ولعظيم الخطر كذلك كان قدوتكم صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويتضرع بين يديه ويسأله أن يسل سيخمة قلبه
حيث يقول : ( واسلل سخيمة قلبي ) صحيح أبي داود
أيها الدعاة :
وكم حمل الحسدُ الكثير من الدعاة هداهم الله ، إلى أن استباحوا لأنفسهم الكذب على إخوانهم والوشاية بهم وغيبتهم
وإساءة الظن بهم ، قال تعالى : ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات
وقد حذر الداعية المربي صلى الله عليه وسلم أصحابه من مثل هذا فقال : ( لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً فإني أحب
أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) رواه أبو داود وضعفه الألباني
أخي الداعية : إن الألفة والتالف والتآخي في الله من ثمرة حسن الخلق ولهذا مشاهد كثيرة من أحاديث النبي صلى الله
عليه وسلم منها قوله صلى الله عليه وسلم: { المؤمن إلفٌ مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف } رواه أحمد والطبرانى.
أيها الدعاة العاملون المخلصون:
إن الغظائن والأحقاد والحسد الذي تمتلأ به القلوب لن يزيدنا من الله إلا بعدا ولن تفلح الدعوة وتؤتي ثمارها المطلوبة والمرجوة وإن مما تسببه
هذه الشرور الدخيلة على قلوب الدعاة :
1- الشماتة بالدعاة ودعوتهم ، فيكون التنافر والتنابز مجلبة لازدرائهم ؛ حيث يجد المتربصون بالدعوة فرصة عظيمة للنيل
من أصحابها والشماتة بهم ، كما قال هارون لموسى - عليهما السلام - حين أخذ برأسه : " فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ " ( الأعراف : 150 ) .
2- انجفال المدعوين عن الدعوة ، والنفرة من أصحابها لعدم اتفاقهم في الدعوة أو عدم مراعاة آداب الخلاف ؛
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قال لهما : (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا. )
3- تصدّع صف المسلمين، وضياع قوتهم
مما يؤول بهم إلى الفشل، الذي حذرهم منه ربهم فقال :{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.[46]}[سورة الأنفال].
4- وإذا فشلوا ووهنوا وتفشي فيهم هذا الداء تفرقوا وتشتتوا
وعندئذ تسلط الأعداء عليهم فاستباحوا دمائهم، وأعراضهم وأموالهم، واستولوا على ديارهم،
5- الهلاك الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه و سلم،
وأخبر أنه سبب هلاك الأمم قبلنا:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَهَا
فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا] رواه البخاري.
6- تغليب الهوى عند التنازع على تحكيم الدليل:
فإن القلوب إذا ملئت غيظا ًوعداوة لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك يودي بصاحبها إلى تجاوز الحد في الخصومة،
ولا يحتكم حينئذ إلى عقل أو دليل، بل يتحكم الهوى فيه، فيورد صاحبه موارد الهلاك، وتستباح الأعراض، وتنشأ القطيعة والهجر، والتدابر الذي حرّمه الإسلام على المسلمين، والتي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحالقة،
فقال: [إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ]رواه الترمذي وأبوداود وأحمد.
7- إتاحة الفرصة للأعداء، الذين يتربصون بالدعاة الدوائر:
بتشويه سمعتهم، والعمل على توسيع دائرة الخلاف، وإشعال نار الفتنة بين المختلفين، حتى يصعب بعد ذلك الوئام والوفاق
وحسن التفاهم، وردم الهوة، وتسود العداوة والبغضاء بين الأخوة بسبب أوهام، أو قضايا جزئية لا تستحق كل ذلك .
8- الحقد على المسلم أو الحسد يعرض الإنسان لرد عمله، وحرمانه من الفضل العظيم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:”تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا
إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا”
رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه ومالك وأحمد.
9 - الوزر الذي يتحمله كل من كان سبباً في وقوع الفتن،
والشقاق والقطيعة: وفساد ذات البين في صف أهل السنة والجماعة .
فيا أيها الدعاة ها هو رسولكم وقدوتكم الكريم ، الداعية الرباني أمركم بالتزام الجماعة والحذر من الفرقة والاختلاف فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ...] رواه الترمذي وأحمد.
أيها الدعاة تعالوا بنا نتذاكر تلك الأمور التي تعين على سلامة الصدر والتي من أهما :
1- أن يعرف العبد خطورة هذا الداء
فهو مقس للقلوب مشتت للشمل زارع للعداوات والبغضاء بين المسلمين ، وقد سبق ذكر شئ من آثاره الوخيمة .
2- التعرف على أحوال من سلمت قلوبهم
وعلى رأسهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، يكذبه قومه ويضربوه ويفترون عليه ومع ذلك يقول : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) متفق عليه ،
وعن أنس رضي الله عنه قال "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ،
فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثر بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء " متفق عليه .
* فهذا رسول الهدى والرحمة لا يرد على هذا الأعرابي إلا بالضحك الناتج عن سلامة الصدر وصفاءه من كل شوائب الحقد والغل والحسد .....
* وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول : (( إني لأمر على الآية من كتاب الله ، فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم .
* ويضرب لنا أبو ضمضم أروع الأمثلة فكان يقول إذا أصبح : ( اللهم إنه لا مال لي أتصدق به على الناس ، وقد تصدقت عليهم بعرضي ، فمن شتمني أو قذفني فهو في حل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم )
قال ابن القيم رحمه الله : وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه ) [ تهذيب مدارج السالكين 407]
* ولما دُخل على أبي دجانة وهو مريض كان وجه يتهلل، فقيل له: مالي أرى وجهك يتهلل؟ فقال:'ما من عمل شئ أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لايعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً' .
* وكان الإمام الشافعي يقول : ( وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شئ) [صفة الصفوة 2/251 ]
3- وعلى الداعية أن يدعو إلى الله تعالى لا إلى نفسه أو جماعة معينة
وفي المعني يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : لا ينبغي أن يكون داعية لشخصه، بل يجب أن يكون داعية إلى الله: فلا يهمه أن ينتصر، أو أن يقبل قوله في حياته، أو بعد مماته، المهم أن ما يدعو إليه من الحق يكون مقبولاً لدى الناس، سواء في حياته، أو بعد موته،
4- الإيثار وعدم الشح
فقد امتدح الله تعالى أهل الإيمان فقال : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9)
5- التجاوز عن الهفوات والزلات وعدم تتبعها ، وإساءة الظن بها ، بالواجب العفو والصفح عنها
لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات
قال بعض أهل العلم : ( الأمام أبو حامد الغزالى رحمه الله )
(( وهفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية أو في حقك بتقصيره في الاخوة أما ما يكون فى الدين من ارتكاب معصية والإصرار عليها فعليك التلطف في نصحه بما يقوم عوده ويجمع شمله ويعيده إلى الصلاح والورع …
أما تقصيره فى حقك الأولى العفو والاحتمال فقد قيل ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك فتقول: لقلبك ما أقساك يعتذر إليك أخوك سبـعين عذراً فلا تقبله فأنت المعيـب لا أخوك )) انتهى كلامه رحمه الله.
والواجب على المسلم كذلك : إحسان الظن وحمل الأمور على المحمل الحسن وإيجاد الأعذار ، والمسلم مأمور بالبعد عن إساءة الظن قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12)
6- إفشاء السلام ، فهو طريق المحبة بين المسلمين
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟
أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم .
قد يمكث الناس دهرا ليس بينهم ودٌ فيزرعه التسليم واللطف
7- الحذر من هجر المسلم والتقاطع والتدابر
فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) . وقال صلى الله عليه وسلم : "لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً " . رواهما البخاري ومسلم .
فعلى المسلم أن يزور أخاه ويتعاهد زيارته فهي من حقوق المسلم على أخيه المسلم ،
وهي سبب لمحبة الله تعالى ، ففي الحديث : ( حقت محبتي للمتحابين فيَّ )
8- البعد عن الجدل والمراء
، لما يترتب عليه من إيغال الصدور ، وبث المشاحنات والعداوات وحب الانتصار للنفس ، وتذكر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :( أنا زعيمُ بيت في ربض الرجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) الحديث رواه أبو داود وحسنه الألباني
9- اعلم أن أهل الإيمان أخوة وهم كالجسد الواحد وأن المتحابين على منابر من نور
قال الله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } سورة الحجرات : 10 ..
وقال الله عز وجل فى الحديث القدسي. (( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء)) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (( مثل المؤمنين في توادهم وترحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى من عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) رواه مسلم.
10- تعاون الدعاة فيما بينهم
قال ابن عثيمين رحمه الله : ومن آداب الدعاة التي يجب أن يكونوا عليها:تعاونهم فيما بينهم: ولا يكن همّ الواحد منهم أن يقبل قوله ويُقدم على غيره، بل يكن همّ الداعية أن تُقبل الدعوة، سواء صدرت منه، أو صدرت من غيره، ما دُمتَ تريد أن تعلو كلمة الله،
فلا يهمنك أن تكون من قِبَلكِ، أو من قِبَلِ غيرك،
11- إشغال النفس بذكر الله تعالى
وما تستطيعه من أنواع الطاعات ، وعدم ترك النفس بلا شغل ، فإنك إن لم تشغلها بالطاعة شغلت بالمعصية .
ولنحذر أيها الدعاة من الأسباب المؤدية للحسد وإغارة الصدور ومن أهمها :
• ضعف الإيمان بالله تعالى والصلة به ، وعدم الرضا بقضائه وقدره وما قسمه للعبد ،
• حب الدنيا والتنافس على نعيمها وزخارفها الزائلة ، قال الحسن البصري – رحمه الله - :"من نافسك في دينك فنافسه،
ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره".
• حب الظهور والعلو على الغير ، وحب الرياسة وطلب الجاه ، والمدح من الناس
• الكبر ، والإعجاب بالنفس في الحديث : ( ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ) السلسلة الصحيحة (1802)
• الظن السيئ بالمسلمين ، وهجرهم ، وإشغال النفس بالكلام فيهم وذكر عيوبهم ...
فيا أيها المسلم كن سليم الصدر ، فإنه ينفعك في يوم أنت أحوج ما تكون إليه ، هناك :
"يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء:88 *89)
تعليق