إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عاد بعد الموت " فضيلة الشيخ محمود المصري // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عاد بعد الموت " فضيلة الشيخ محمود المصري // مفهرس

    السلام عليكم
    ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
    وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين ، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ، أما بعد..
    فان أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأصدق الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

    سأبد حديثي بسؤال ، لو أن أحدنا مات بالأمس ثم عاد اليوم ، هل يا ترى سيكون حاله كما كان بالأمس أم يتغير ؟؟
    أظن أنه سيكون أعبد أهل الأرض في زمانه ، لماذا؟؟ لأنه رأى الحقيقة كاملة أمام عينيه ، فلما رأى وتبينت له الحقائق ، عاد وبدأ صفحة جديدة مع الله سبحانه تعالى .

    اذاً فأنت تموت كل يوم موتة صغرى ألا وهو النوم ، فلماذا لا تبدأ صفحة جديدة كل صباح ؟ هل تنتظر الموتة الكبرى ؟ نعم الموتة الكبرى تكون فيها العبرة أكبر لأن الحقائق التي تراها فيها لا تراها في الموتة الصغرى

    رأى الحسن البصري ذات يوم رجلاً غافلاً ، بعيداً عن طاعة الله ، لم يُصَلّ قَطّ ولم يتصدق أو يَصُم قَطّ أو يفعل أي خير ، فقال له الحسن البصري :" أيها الرجل أتأذن لي أن أسير معك " ؟؟ فأذن له الرجل ، وبينما هما يسيران سوياً ، قدّر الله أن تمر جنازة في ذاك الوقت ، فقدر الله السبب الذي يدخل به الحسن البصري على هذا الرجل فقال له : "أرأيت لو أحيا الله هذا الميت الأن فعاد الى الدنيا ، فيا ترى ماذا سيصنع " ؟؟ فقال الرجل : " لو عاد الى الدنيا لكان أكثر الناس صلاة وصياما وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر " فقال له الحسن : " اذاً فليكن هو أنت وقد أحياك الله الأن فاصنع ما قلت " .

    اذاً لو أن انسانا مات ثم عاد ، سوف يكون أعبد أهل الأرض .


    ** السؤال الثاني : هل حصل أن هناك أناساً ماتوا ثمّ عادوا ؟؟
    نعم هناك أناساً ماتوا ثم عادوا مع أن الأصل هو عدم الرجوع ولكن هناك أناساً أحياهم الله ليكونوا آيات من عند الله عز وجل ، على سبيل المثال قوم موسى عليه السلام عندما قالوا له " لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ , ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " البقرة :55:56


    وكذلك بني اسرائيل عندما قتلوا رجلاً منهم ماذا فعلوا ؟؟ كل قبيلة ألقت التهمة على القبيلة الأخرى ، فاتفقوا أن يذهبوا الى كليم الله " موسى " فسألوه ماذا نصنع فقال "انَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً "البقرة :67 قالوا له "أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً "البقرة :67 قال " أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ "البقرة :67 فبدأوا يتعنتوا ، ما هي مواصفات البقرة وما لونها وهكذا ، وبعدها ذبحوا البقرة فأمرهم موسى عليه أن يأخذوا جزءاً من لحم البقرة وأن يضربوا به المقتول ، فأحياه الله ثم قال : قتلني فلان ثم مات مرة أخرى قال تعالى : " فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " البقرة :73 .

    وكذلك أخبر الله عز وجل عن الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت قال تعالى : "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ " البقرة :243 ..

    وكذلك لما مرّ عزير على قرية بيت المقدس بعد أن خربها " بختنصر " فقال "أ َنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا " البقرة :259، فأراد الله أن يريه آية في نفسه وفي حماره وفي طعامه وشرابه فقال تعالى : " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " البقرة : 259 .


    وكذلك سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما طلب من الله عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى ، السؤال هذا لم يكن شك من سيدنا ابراهيم وانما طلب أن يرى كيفية الاحياء قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " البقرة : 260.

    وأيضا سيدنا عيسى عليه السلام قال تعالى حاكيا عنه " وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ " ال عمران :49..

    وأيضا أصحاب الكهف ، ضرب الله على آذانهم في الكهف سنوات عديدة " وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً " الكهف : 25 ..

    أخيرا أية سيدنا موسى الكبرى ، ألا وهي " العصى " يلقيها فتكون ثعبانا ولذلك عندما ألقى السحرة عصيّهم وحبالهم ، ألقى موسى عصاه فاذا هي تلقف ما يأفكون ..........والآيات كثيرة وكثيرة لذلك قال تعالى :"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ " فصلت :53 السين في كلمة "سَنُرِيهِمْ" تفيد المستقبل ، بمعنى أننا سنبقى نريهم الآيات لأخر لحضة في هذا الكون ....


    والآن سنبدأ بموضوع عاد بعد الموت .

    شاء المولى عز وجل للانسان أن يعيش في أربع دور ،


    الدار الأول : بطن الأم حيث الضلمات وحيث الضيق .
    الدار الثانية : الدار التي نعيش فيها الأن التي من خلالها نغرس للأخرة فاما نغرس خيرا وانا نغرس شرا والعياذ بالله .
    الدار الثالثة : دار البرزخ وهي القبر وهي أطول وأعظم من دار الدنيا وكل هذا أعظم من التي قبلها وأطول وأشد من التي قبلها أو أحسن من التي قبلها كلٌ حسب عمله ، لذا فان دار الدنيا ان كان فيها أناس تأتي وتذهب وتعلو وتنخفض وأناس بصحة جيدة وآخرين مرضى ، فالأحوال هذه كلها من الممكن أن نلقى أحوالا شبيهة لها في القبر ، من نعيم وعذاب ومن هبوط وصعود ومن قعود وحساب ومن سموم يأتي من الشمال ومن نعيم يأتي من اليمين ، ومن دخول عملك الصالح أو عملك السيء عليك ، فهناك أحوالاً كثيرة جدا تدور تحت الأرض ولكن لا يتفكر فيها الاّ من شغل نفسه بالأخرة .

    قال -صلى الله عليه وسلم - :" من كانت الأخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله ولم يأته من الدنيا الا ما قدّر له منها " .
    المشكلة التي غفلنا عنها أن الأحداث التي تحصل تحت الأرض أشد وأكثر بكثير من التي تحصل فوق الأرض وأن عدد من هم تحت الأرض أكثر مئات المرات ممن هم فوق الأرض ،

    وقال كثير من أهل العلم أن معظم التراب الذي نراه في هذه الدنيا كلها هو رفات الأموات من الأمم السابقة ، كم من الأمم تمر علينا ؟؟


    الدار الأخيرة : دار القرار وهي الجنة أو النار . أعطيكم مثل بسيط : " الانسان في الدنيا هل يرى الملائكة أو الشياطين ؟؟ فهو لا يقدر أما عند الموت فهو يرى ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب " وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ " الواقعة : 85 هو يراهم وأنتم لا ترون ، هو يرى ملك الموت عند رأسه ويسمعه وأنتم لا ترونه لأن الأجهوة الخاصة بكم غير مهيأة لهذه اللحضة أن تر الملائكة ولكن عند الموت تبدل هذه الأجهزة فترى الملائكة بل وحتى الشياطين " فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ " ق : 22، وعندما تدخل القبر ترى منكرا ونكير ، ويوم القيامة لو دخلت الجنة ترى وجه الله تعالى .

    اذا لكل مرحلة خصائص معينة فكل مرحلة ترى عينيك أشياءً لم تكن تراها من قبل ، هذا الجسد لا يصح أن تدخل به الجنة فأنت تدخل الجنة على طول سيدنا آدم ، ولا يجوز أن يكون لك معدة ، أنت في الجنة لا تجوع ولا تعطش ولا تبرد ولا تسخن ، أنت تأكل في الجنة من أجل التمتع فقط وليس من أجل الجوع ، وهذا الأكل يخرج من الجسد كرشح المسك " إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى , وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى" طه :118:119 اذا كل شيء يتغير في الجنة ،
    لذا أود أن نسأل أنفسنا سؤال بصدق وبصراحة : كم سنة سنعيش في الدنيا ؟؟ وكم سنة سنعيش في الأخرة ؟؟ كم سنة سوف تبقى تحت الأرض ؟؟ سوف تبقى أضعاف أضعاف المدة التي ستعيشها فوق الأرض بكثير .
    أرأيتم كم سيبقى الانسان تحت الارض ، أريد منكم أن تجلسوا مع أنفسكم وتسألوها كم سنة تمتعت في سنين عمرك ؟؟ وكم متعة أنت تتذكرها وتحس بها لهذه اللحضة ؟؟ ذهبت اللذات كلها ، أي متعة في الدنيا ستذهب بعدها بدقائق ولا تبقى الا لذة الايمان .
    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربّا وبمحمد نبيا ورسولا "، وكذلك الحديث الذي في الصحيحين " ثلاثة من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الايمان : أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما " .
    اذا متى تنتهي الدنيا ؟؟ كل انسان تنتهي دنيته بمجرد موته ولذلك جاء في الحديث الضعيف " اذا مات العبد قامت قيامته " ، بمجرد الموت بدأ الدخول في أول مرحلة من مراحل الأخرة .
    الدار الأخرة ستبدأ حينما ينفخ في الصور نفخة البعث ، بعد النفخة هل يبقى أحد على الأرض ولم يقف في أرض المحشر ؟؟ قال تعالى :" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ , وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " الرحمن :26:27 , هذه الآية عزاء لكل انسان على وجه الأرض أنه لن يبقى حيا الا الحي القيوم ولو نجا أحد من الموت لنجا النبي -صلى الله عليه وسلم - .
    قال تعالى :" إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" الزمر : 30 وقال تعالى : "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" الأنبياء : 34 وقال تعالى :" كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ " .
    ال عمران :185
    لو أن أحب الناس اليك _ سواء أمك أو أبيك أو ابنك ..._ في سكرات الموت ، هل تقدر أن تشفع له أن يرجع حتى ولو كنت تملك الدنيا وما فيها وتريد أن تضحي به من أجلهم ؟؟ لا لن تقدر أن تزود ساعة من حياتهم ولذلك صدق من قال : ان الطبيب بطبّه ودوائه لا يستطيع دفاع لحد ٍ قد أتى ما للطبيب يموت بالداء الذي كان يبرؤ مثله فيما مضى مات المداوي والمداوى والذي جلب الدواء وباعه ومن اشترى .

    قال تعالى :" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ " الرحمن : 26 وقال تعالى :" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ " القصص :88 وقال تعالى :" قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ " الجمعة :8 , يبقى فقط الحي القيوم وهي صفة لله جل وعلا من صفاته العظيمة توسل بها الاخيار في لجج البحار .
    وهذه قصة أحد التابعين يقول :" كنا مع ابراهيم بن أدهم في مركب في البحر مسافرين ، فهبت الريح وهاجت الامواج واضطربت السفينة وبكى الناس وبدأوا يجأرون الى الله عز وجل ، فقلنا يا ابراهيم ، الا تر ماذا حل بالناس ، الا تدعوا الله ليفرج ما بنا ؟؟ فرفع رأسه وقد أشرف الناس على الهلاك فقال :" يا حيّ حين لا حيّ ، ويا حيّ قبل كل حيّ ، ويا حيّ بعد كل حيّ ، يا حيّ يا قيوم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك " قال فهدأت السفينة .
    بعد هذا نستخلص أننا على يقين بأننا سنترك الدنيا لا محالة ، اذاً الدنيا لا تساوي شيئا حتى ولو عشنا لمدة طويلة عيشة الملوك فماذا ستساوي هذه العيشة مع أول ليلة في القبر ؟ في القبر نعيم وعذاب ، القبر عالم جديد ، دنيا جديدة ، تخيل أنه توفر لك عقد عمل في احدى الدول ، وأنت ذاهب اليها تشعر برهبة لأنك أول مرة تذهب اليها ، فعندما تجد فيها من يتكلم بلهجتك أو من بلدك ، تشعر براحة نفسية وأنس ، هذا في الدنيا فتخيل عندما توضع في القبر ويقفل عليك لوحدك ، تُسأل لوحدك ، تعيش لوحدك وهكذا ، فلماذا لا تعمر وتعمل لهذا القبر ؟ أنت عندما تسافر الى أي بلد تجهّز نفسك وملابسك ومالك وغير ذلك من حاجاتك ، أي تستعد للسفر ، فلماذا لا تستعدّ للقبر ؟ فالسفر يكون لسنوات قصيرة ثم العودة لارض الوطن ، أما القبر فسفر اليه بلا عودة ، بقاء فيه حتى ينفخ في الصور ، لذا يجب علينا أن نستعد ونحضّر ونفكر بدخول القبر ، يجب أن نعمل ونهيء أنفسنا قبل دخول ، لأن من لم يتفكر بالقبر سيفاجأ يوم القيامة
    " وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " الزمر : 47.



    حوار جرى بين سليمان بن عبد الملك والعالم الزاهد أبي حازم ، قال سليمان بن عبد الملك لابي حازم ، " ما لنا نكره الموت "؟ قال :" لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم ، فأنتم تقصدون أن تنتقلوا من العمار الى الخراب " . ثم سأله كيف القدوم عللى الله ؟قال :" أما الحسن فيقدم على الله كقدوم الغائب اذا رجع الى أهله وأما المسء فيقدم على الهله كالعبد الآبق من سيده فقال سليمان بعد أن بكى يا ليت شعري ، ثم قال له فما لنا عند الله فقال له اعرض عملك على كتاب الله قال : وأين أجد ذلك ؟ قال : في قوله جل وعلا "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ,وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " الانفطار:13:14

    فقال سليمان : فأين رحمة الله ؟ قال ابو حازم : ان رحمة الله قريبة من المحسنين ، وليس معنى ذلك أن رحمة الله بعيدة عن المسلمين ولكن الكلام هنا في نقطة معينة فهو يتحدث مع ملك من ملوك الدنيا .
    وهناك الحديث القدسي الذي رواه الترمذي باسناد حسن " أن المولى جل جلاله قال : يا ابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة .
    لذا أمرنا حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم - أن نكثر من ذكر هادم اللذات فقال والحديث رواه الترمذي بسند صحيح قال :" أكثروا ذكر هادم اللذات الموت " لأنك عندما تكثر من ذكر الموت والقبر ستجد نفسك دائما في طاعة .
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين :" يتبع الميت ثلاثة ماله وأهله وعمله ، فيرجع اثنان _ ماله وأهله _ ويبقى عمله " .

    من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه وقال -صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري :" اذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال فان كانت صالحة قالت " قدموني" وان كانت غير صالحة قالت " يا ويلها أين يذهبون بها " ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -يسمع صوتها كل شيء الا الانسان ولو سمعها لصُعق .

    وفي صحيح البخاري ومسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم - في يوم من الايام مرت جنازة ، فقال النبي : جنازة من هذه قالوا جنازة فلان ابن فلان فقال " مستريح " ثم مرت بعدها جنازة رجل يهودي فقال -صلى الله عليه وسلم - ومن هذا ؟ قالوا جنازة رجل يهودي من أقصى المدينة فقال " مستراح منه" فقالوا يا رسول الله : ما مستريح ؟ وما مستراح منه ؟ فقال والحديث في الصحيحين :" ان العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا ورداها الى رحمة الله جل وعلا وان العبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ".


    عامر بن الزبير عند موته وهو في السكرات في بدايتها سمع أذان المغرب فقال احملوني الى المسجد ، فقالوا أنت في سكرات الموت فقال سبحان الله أسمع حي على الصلاة ، حي على الفلاح ولا آتي الى بيت الله ، فحملوه الى المسجد وأجلسوه بين المصلين ، فكبّر خلف الامام ثم قرأ ثم ركع ثم سجد ومات مع أول سجدة لله تعالى في صلاة المغرب .

    الحافظ بن عساكر - رحمه الله - في بداية السكرات سأله سأله تلميذ له قال له يا سيدي ماذا تجد ؟ فلم يستطع أن يتكلم من شدة السكرات ثم كتب باصبعه في الهواء " رَوح وريحان وجنة نعيم " ثم مات .
    انظر في المقابل قال تعالى

    :" وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " الأنعام : 93 ثم قال بعد ذلك "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " الانعام :94 " وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً " مريم:95 وقال تعالى :"وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً , اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " , مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً الاسراء:13:14:15 .
    عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه - كان يجمع العلماء كل ليلة ويتذاكرون الموت والقيامة حتى كأن بين أيديهم جنازة .
    كان النبي -صلى الله عليه وسلم - والحديث رواه الترمذي باسناد حسن ، يقول حنظله : كان النبي يكلمنا عن الجنة والنار فكأن رأي عين ، دليل على كثرة تكرار الجنة والنار من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم - ولذلك لما سأل أحدهم النبي فقال : " بأبي أنت وأمي ماذا تقول أنت ومعاذ بن جبل ؟ فاني لا أحسن دندنتكما ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم - ماذا تقول أنت ؟ قال أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم - حولها ندندن أنا ومعاذ بن جبل .

    وفي الحديث الذي رواه الترمذي باسناد حسن " كان النبي -صلى الله عليه وسلم - في الثلث الأخير من الليل ، كان يخرج وينادي على الناس ويقول أيها الناس جاءت الراجفة تتبعها الرادفة _ الراجفة هي النفخة الاولى والرادفة هي النفخة الثانية _ .

    يقول البراء بن عازب بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - اذ أبصر جماعة من الرجال يجتمعون على قبر ، فقال علام اجتمعوا هؤلاء ؟ فقالوا على ميت أو على قبر يحفرونه يا رسول الله ، ففزع النبي واتجه مسرعا الى القبر ، يقول البراء فجئت من أمامه أنظر ماذا يصنع ، فلما استقبل النبي القبر دمعت عيناه حتى بلّ الثرى بدموعه ، ثم أقبل على أصحابه وقال : أيّ أخواني ، لمثل هذا اليوم فأعدوا ، ولذلك شرع لنا النبي -صلى الله عليه وسلم - زيارة القبور ، قال -صلى الله عليه وسلم - والحديث رواه لبن ماجة " زوروا القبور فانها تذكركم الأخرة " وفي رواية أخرى " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها فانها تُرقّ القلب وتُدمع العين وتذكر الأخرة ".
    ولذلك سيدنا عثمان بن عفّان -رضي الله عنه -والحديث رواه الترمذي باسناد حسن " عندما يُذكر أمامه الجنة والنار لم يكن يبكي ولكن عندما يذكر أمامه القبر يبكي ، فاستغرب الصحابة فعله هذا فسألوه : يا عثمان يذكر أمامك الجنة والنار فلا تبك وحين يذكر القبر تبكي ؟؟ قال أجل ، فاني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول ان القبر أول منازل الأخرة فان نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد منه ".
    وقال -صلى الله عليه وسلم - كما عند الترمذي بسند حسن " ما رأيت منظرا قط الا والقبر أفظع منه " لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحابة أن يستعيذوا في كل صلاة من أربعة أشياء : من عذاب القبر ومن عذاب النار ، ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والمات " والحديث رواه مسلم .


    أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم - عن بعض المشاهد التي تحدث في القبر والحديث رواه البخاري ومسلم :" ان أحدكم اذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة " وفي الحديث الذي رواه مسلم " ان العبد اذا وضع في قبره وتولى وذهب عنه أصحابه ، انه ليسمع قرع نعالهم ، فيأتياه ملكان ، فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل : أي النبي -صلى الله عليه وسلم - فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر الى مقعدك من النار ، فينظر ، فيقال له انظر الى الأفق الأخر فينظر ، فاذا داخل الجنة فتقول له الملائكة هذا مقعدك أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال النبي -صلى الله عليه وسلم - فيراهما جميعا ، وأما الكافر والمنافق فيقول عند سؤاله عن النبي ، لا أدري ، كنت أقول مثلما يقول الناس فيقال له لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضرية بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه الا الثقلين الانس والجن . هذه رواية البخاري .
    أما في رواية مسلم عن طريق قتادة أنه قال :" وذكر لنا أنه يفسح له في قبره ( أي المؤمن ) سبعون ذراعا ويملاْ عليه قبره خضراً الى يوم يبعثون .


    وكذلك الحديث الذي رواه الترمذي باسناد حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال اذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والأخر النكير فيأمرانه " ما كنت تقول في هذا الرجل ، فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وهذا قول الله " يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ " إبراهيم : 27 فيقولان له قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينوّر له فيه ثم يقال له نمّ ، فيقول لا ، حتى أرجع الى أهلي ومالي فأخبرهم ، فيقولان له نمّ في قبرك كنومة العروس الذي لا يوقضه الا أحب الناس اليه حتى يبعثه الله من مطلعه ذلك ، وان كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثلهم لا أدري ، فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه ثم تختلج أضلاعه فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .

    وفي رواية البراء بن عازب والحديث عند أحمد بسند صحيح :" أن العبد المؤمن اذا دخل القبر وسئل وأتياه منكر ونكير بعد ذلك يأتيه رجل أبيض الوجه أبيض الثياب جميل الرائحة فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح فيفرح ويقول ربي أقم الساعة حتى أرجع الى أهلي ومالي _ والمقصود بأهلي ومالي شيئان ، أهلي ومالي الذين في الدنيا لأبشرهم بالخير الذي ينتظرني أو أهلي ومالي الذين هم في الجنة _ أما ان كان العبد منافقا يأتيه رجل أسود الوجه أسود الثياب منتن الرائحة ، فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي لا يأت بخير فيقول أنا عملك السيء .
    لذا قال تعالى : " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ , إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ , فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ , فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ,قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ , كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ , وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ , وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ , يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ , مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ , هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ , خُذُوهُ فَغُلُّوهُ , ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ , ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ,إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ,وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ , فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ , وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ , لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ " الحاقة : 19-37.


    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 04-01-2012, 03:30 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع
    اللهم ارحم ابي برحمتك الواسعة وغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
    اللهم إجعل قبره روضه من رياض الجنه


  • #2
    رد: عاد بعد الموت " فضيلة الشيخ محمود المصري

    ما شاء الله جزاكم الله خيرا

    هل الدرس من تفريغ حضرتك الشخصي ؟؟
    ام انه منقول ؟

    وفقك الله ؟
    الحمد لله رزقني الله بـ "رقية"
    اللهم اجعلها قرة عين لي ولوالدها واجعلها من عبادك الصالحين واشفها شفاءا لا يغادر سقما

    يارب اهد امتك آية واغفر لها وقها شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وثبتها وقوي ايمانها
    اللهم اشفها شفاءا لا يغادر سقماً

    اللهم طهر قلوبنا واحسن خاتمتنا وامح ذنوبنا
    رباااه اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم


    إلاهي أنت تعلم كيف حالي فهل يا سيدي فرج قريب

    تعليق


    • #3
      عاد بعد الموت للشيخ محمود المصرى

      السلام عليكم
      ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
      وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين ، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ، أما بعد..
      فان أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأصدق الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

      سأبد حديثي بسؤال ، لو أن أحدنا مات بالأمس ثم عاد اليوم ، هل يا ترى سيكون حاله كما كان بالأمس أم يتغير ؟؟
      أظن أنه سيكون أعبد أهل الأرض في زمانه ، لماذا؟؟ لأنه رأى الحقيقة كاملة أمام عينيه ، فلما رأى وتبينت له الحقائق ، عاد وبدأ صفحة جديدة مع الله سبحانه تعالى .


      اذاً فأنت تموت كل يوم موتة صغرى ألا وهو النوم ، فلماذا لا تبدأ صفحة جديدة كل صباح ؟ هل تنتظر الموتة الكبرى ؟ نعم الموتة الكبرى تكون فيها العبرة أكبر لأن الحقائق التي تراها فيها لا تراها في الموتة الصغرى

      رأى الحسن البصري ذات يوم رجلاً غافلاً ، بعيداً عن طاعة الله ، لم يُصَلّ قَطّ ولم يتصدق أو يَصُم قَطّ أو يفعل أي خير ، فقال له الحسن البصري :" أيها الرجل أتأذن لي أن أسير معك " ؟؟ فأذن له الرجل ، وبينما هما يسيران سوياً ، قدّر الله أن تمر جنازة في ذاك الوقت ، فقدر الله السبب الذي يدخل به الحسن البصري على هذا الرجل فقال له : "أرأيت لو أحيا الله هذا الميت الأن فعاد الى الدنيا ، فيا ترى ماذا سيصنع " ؟؟ فقال الرجل : " لو عاد الى الدنيا لكان أكثر الناس صلاة وصياما وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر " فقال له الحسن : " اذاً فليكن هو أنت وقد أحياك الله الأن فاصنع ما قلت " .

      اذاً لو أن انسانا مات ثم عاد ، سوف يكون أعبد أهل الأرض .


      ** السؤال الثاني : هل حصل أن هناك أناساً ماتوا ثمّ عادوا ؟؟
      نعم هناك أناساً ماتوا ثم عادوا مع أن الأصل هو عدم الرجوع ولكن هناك أناساً أحياهم الله ليكونوا آيات من عند الله عز وجل ، على سبيل المثال قوم موسى عليه السلام عندما قالوا له " لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ , ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " البقرة :55:56


      وكذلك بني اسرائيل عندما قتلوا رجلاً منهم ماذا فعلوا ؟؟ كل قبيلة ألقت التهمة على القبيلة الأخرى ، فاتفقوا أن يذهبوا الى كليم الله " موسى " فسألوه ماذا نصنع فقال "انَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً "البقرة :67 قالوا له "أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً "البقرة :67 قال " أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ "البقرة :67 فبدأوا يتعنتوا ، ما هي مواصفات البقرة وما لونها وهكذا ، وبعدها ذبحوا البقرة فأمرهم موسى عليه أن يأخذوا جزءاً من لحم البقرة وأن يضربوا به المقتول ، فأحياه الله ثم قال : قتلني فلان ثم مات مرة أخرى قال تعالى : " فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " البقرة :73 .

      وكذلك أخبر الله عز وجل عن الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت قال تعالى : "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ " البقرة :243 ..

      وكذلك لما مرّ عزير على قرية بيت المقدس بعد أن خربها " بختنصر " فقال "أ َنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا " البقرة :259، فأراد الله أن يريه آية في نفسه وفي حماره وفي طعامه وشرابه فقال تعالى : " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " البقرة : 259 .


      وكذلك سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما طلب من الله عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى ، السؤال هذا لم يكن شك من سيدنا ابراهيم وانما طلب أن يرى كيفية الاحياء قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " البقرة : 260.

      وأيضا سيدنا عيسى عليه السلام قال تعالى حاكيا عنه " وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ " ال عمران :49..

      وأيضا أصحاب الكهف ، ضرب الله على آذانهم في الكهف سنوات عديدة " وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً " الكهف : 25 ..

      أخيرا أية سيدنا موسى الكبرى ، ألا وهي " العصى " يلقيها فتكون ثعبانا ولذلك عندما ألقى السحرة عصيّهم وحبالهم ، ألقى موسى عصاه فاذا هي تلقف ما يأفكون ..........والآيات كثيرة وكثيرة لذلك قال تعالى :"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ " فصلت :53 السين في كلمة "سَنُرِيهِمْ" تفيد المستقبل ، بمعنى أننا سنبقى نريهم الآيات لأخر لحضة في هذا الكون ....


      والآن سنبدأ بموضوع عاد بعد الموت .

      شاء المولى عز وجل للانسان أن يعيش في أربع دور ،


      الدار الأول : بطن الأم حيث الضلمات وحيث الضيق .
      الدار الثانية : الدار التي نعيش فيها الأن التي من خلالها نغرس للأخرة فاما نغرس خيرا وانا نغرس شرا والعياذ بالله .
      الدار الثالثة : دار البرزخ وهي القبر وهي أطول وأعظم من دار الدنيا وكل هذا أعظم من التي قبلها وأطول وأشد من التي قبلها أو أحسن من التي قبلها كلٌ حسب عمله ، لذا فان دار الدنيا ان كان فيها أناس تأتي وتذهب وتعلو وتنخفض وأناس بصحة جيدة وآخرين مرضى ، فالأحوال هذه كلها من الممكن أن نلقى أحوالا شبيهة لها في القبر ، من نعيم وعذاب ومن هبوط وصعود ومن قعود وحساب ومن سموم يأتي من الشمال ومن نعيم يأتي من اليمين ، ومن دخول عملك الصالح أو عملك السيء عليك ، فهناك أحوالاً كثيرة جدا تدور تحت الأرض ولكن لا يتفكر فيها الاّ من شغل نفسه بالأخرة .

      قال -صلى الله عليه وسلم - :" من كانت الأخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله ولم يأته من الدنيا الا ما قدّر له منها " .
      المشكلة التي غفلنا عنها أن الأحداث التي تحصل تحت الأرض أشد وأكثر بكثير من التي تحصل فوق الأرض وأن عدد من هم تحت الأرض أكثر مئات المرات ممن هم فوق الأرض ،

      وقال كثير من أهل العلم أن معظم التراب الذي نراه في هذه الدنيا كلها هو رفات الأموات من الأمم السابقة ، كم من الأمم تمر علينا ؟؟


      الدار الأخيرة : دار القرار وهي الجنة أو النار . أعطيكم مثل بسيط : " الانسان في الدنيا هل يرى الملائكة أو الشياطين ؟؟ فهو لا يقدر أما عند الموت فهو يرى ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب " وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ " الواقعة : 85 هو يراهم وأنتم لا ترون ، هو يرى ملك الموت عند رأسه ويسمعه وأنتم لا ترونه لأن الأجهوة الخاصة بكم غير مهيأة لهذه اللحضة أن تر الملائكة ولكن عند الموت تبدل هذه الأجهزة فترى الملائكة بل وحتى الشياطين " فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ " ق : 22، وعندما تدخل القبر ترى منكرا ونكير ، ويوم القيامة لو دخلت الجنة ترى وجه الله تعالى .

      اذا لكل مرحلة خصائص معينة فكل مرحلة ترى عينيك أشياءً لم تكن تراها من قبل ، هذا الجسد لا يصح أن تدخل به الجنة فأنت تدخل الجنة على طول سيدنا آدم ، ولا يجوز أن يكون لك معدة ، أنت في الجنة لا تجوع ولا تعطش ولا تبرد ولا تسخن ، أنت تأكل في الجنة من أجل التمتع فقط وليس من أجل الجوع ، وهذا الأكل يخرج من الجسد كرشح المسك " إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى , وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى" طه :118:119 اذا كل شيء يتغير في الجنة ،
      لذا أود أن نسأل أنفسنا سؤال بصدق وبصراحة : كم سنة سنعيش في الدنيا ؟؟ وكم سنة سنعيش في الأخرة ؟؟ كم سنة سوف تبقى تحت الأرض ؟؟ سوف تبقى أضعاف أضعاف المدة التي ستعيشها فوق الأرض بكثير .
      أرأيتم كم سيبقى الانسان تحت الارض ، أريد منكم أن تجلسوا مع أنفسكم وتسألوها كم سنة تمتعت في سنين عمرك ؟؟ وكم متعة أنت تتذكرها وتحس بها لهذه اللحضة ؟؟ ذهبت اللذات كلها ، أي متعة في الدنيا ستذهب بعدها بدقائق ولا تبقى الا لذة الايمان .
      قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربّا وبمحمد نبيا ورسولا "، وكذلك الحديث الذي في الصحيحين " ثلاثة من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الايمان : أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما " .
      اذا متى تنتهي الدنيا ؟؟ كل انسان تنتهي دنيته بمجرد موته ولذلك جاء في الحديث الضعيف " اذا مات العبد قامت قيامته " ، بمجرد الموت بدأ الدخول في أول مرحلة من مراحل الأخرة .
      الدار الأخرة ستبدأ حينما ينفخ في الصور نفخة البعث ، بعد النفخة هل يبقى أحد على الأرض ولم يقف في أرض المحشر ؟؟ قال تعالى :" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ , وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " الرحمن :26:27 , هذه الآية عزاء لكل انسان على وجه الأرض أنه لن يبقى حيا الا الحي القيوم ولو نجا أحد من الموت لنجا النبي -صلى الله عليه وسلم - .
      قال تعالى :
      " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ"الزمر : 30 وقال تعالى : "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" الأنبياء : 34 وقال تعالى :" كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ " .
      ال عمران :185
      لو أن أحب الناس اليك _ سواء أمك أو أبيك أو ابنك ..._ في سكرات الموت ، هل تقدر أن تشفع له أن يرجع حتى ولو كنت تملك الدنيا وما فيها وتريد أن تضحي به من أجلهم ؟؟ لا لن تقدر أن تزود ساعة من حياتهم ولذلك صدق من قال : ان الطبيب بطبّه ودوائه لا يستطيع دفاع لحد ٍ قد أتى ما للطبيب يموت بالداء الذي كان يبرؤ مثله فيما مضى مات المداوي والمداوى والذي جلب الدواء وباعه ومن اشترى .
      قال تعالى :" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ " الرحمن : 26 وقال تعالى :" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ " القصص :88 وقال تعالى :" قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ " الجمعة :8 , يبقى فقط الحي القيوم وهي صفة لله جل وعلا من صفاته العظيمة توسل بها الاخيار في لجج البحار .
      وهذه قصة أحد التابعين يقول
      :" كنا مع ابراهيم بن أدهم في مركب في البحر مسافرين ، فهبت الريح وهاجت الامواج واضطربت السفينة وبكى الناس وبدأوا يجأرون الى الله عز وجل ، فقلنا يا ابراهيم ، الا تر ماذا حل بالناس ، الا تدعوا الله ليفرج ما بنا ؟؟ فرفع رأسه وقد أشرف الناس على الهلاك فقال :" يا حيّ حين لا حيّ ، ويا حيّ قبل كل حيّ ، ويا حيّ بعد كل حيّ ، يا حيّ يا قيوم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك " قال فهدأت السفينة .
      بعد هذا نستخلص أننا على يقين بأننا سنترك الدنيا لا محالة ، اذاً الدنيا لا تساوي شيئا حتى ولو عشنا لمدة طويلة عيشة الملوك فماذا ستساوي هذه العيشة مع أول ليلة في القبر ؟ في القبر نعيم وعذاب ، القبر عالم جديد ، دنيا جديدة ، تخيل أنه توفر لك عقد عمل في احدى الدول ، وأنت ذاهب اليها تشعر برهبة لأنك أول مرة تذهب اليها ، فعندما تجد فيها من يتكلم بلهجتك أو من بلدك ، تشعر براحة نفسية وأنس ، هذا في الدنيا فتخيل عندما توضع في القبر ويقفل عليك لوحدك ، تُسأل لوحدك ، تعيش لوحدك وهكذا ، فلماذا لا تعمر وتعمل لهذا القبر ؟ أنت عندما تسافر الى أي بلد تجهّز نفسك وملابسك ومالك وغير ذلك من حاجاتك ، أي تستعد للسفر ، فلماذا لا تستعدّ للقبر ؟ فالسفر يكون لسنوات قصيرة ثم العودة لارض الوطن ، أما القبر فسفر اليه بلا عودة ، بقاء فيه حتى ينفخ في الصور ، لذا يجب علينا أن نستعد ونحضّر ونفكر بدخول القبر ، يجب أن نعمل ونهيء أنفسنا قبل دخول ، لأن من لم يتفكر بالقبر سيفاجأ يوم القيامة
      "
      وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " الزمر : 47.



      حوار جرى بين سليمان بن عبد الملك والعالم الزاهد أبي حازم ، قال سليمان بن عبد الملك لابي حازم ، " ما لنا نكره الموت "؟ قال :" لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم ، فأنتم تقصدون أن تنتقلوا من العمار الى الخراب " . ثم سأله كيف القدوم عللى الله ؟قال :" أما الحسن فيقدم على الله كقدوم الغائب اذا رجع الى أهله وأما المسء فيقدم على الهله كالعبد الآبق من سيده فقال سليمان بعد أن بكى يا ليت شعري ، ثم قال له فما لنا عند الله فقال له اعرض عملك على كتاب الله قال : وأين أجد ذلك ؟ قال : في قوله جل وعلا "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ,وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " الانفطار:13:14

      فقال سليمان : فأين رحمة الله ؟ قال ابو حازم : ان رحمة الله قريبة من المحسنين ، وليس معنى ذلك أن رحمة الله بعيدة عن المسلمين ولكن الكلام هنا في نقطة معينة فهو يتحدث مع ملك من ملوك الدنيا .
      وهناك الحديث القدسي الذي رواه الترمذي باسناد حسن " أن المولى جل جلاله قال : يا ابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة .
      لذا أمرنا حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم - أن نكثر من ذكر هادم اللذات فقال والحديث رواه الترمذي بسند صحيح قال :" أكثروا ذكر هادم اللذات الموت " لأنك عندما تكثر من ذكر الموت والقبر ستجد نفسك دائما في طاعة .
      قال النبي -صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين :" يتبع الميت ثلاثة ماله وأهله وعمله ، فيرجع اثنان _ ماله وأهله _ ويبقى عمله " .

      من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه وقال -صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري :" اذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال فان كانت صالحة قالت " قدموني" وان كانت غير صالحة قالت " يا ويلها أين يذهبون بها " ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -يسمع صوتها كل شيء الا الانسان ولو سمعها لصُعق .

      وفي صحيح البخاري ومسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم - في يوم من الايام مرت جنازة ، فقال النبي : جنازة من هذه قالوا جنازة فلان ابن فلان فقال " مستريح " ثم مرت بعدها جنازة رجل يهودي فقال -صلى الله عليه وسلم - ومن هذا ؟ قالوا جنازة رجل يهودي من أقصى المدينة فقال " مستراح منه" فقالوا يا رسول الله : ما مستريح ؟ وما مستراح منه ؟ فقال والحديث في الصحيحين :" ان العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا ورداها الى رحمة الله جل وعلا وان العبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ".


      عامر بن الزبير عند موته وهو في السكرات في بدايتها سمع أذان المغرب فقال احملوني الى المسجد ، فقالوا أنت في سكرات الموت فقال سبحان الله أسمع حي على الصلاة ، حي على الفلاح ولا آتي الى بيت الله ، فحملوه الى المسجد وأجلسوه بين المصلين ، فكبّر خلف الامام ثم قرأ ثم ركع ثم سجد ومات مع أول سجدة لله تعالى في صلاة المغرب .

      الحافظ بن عساكر - رحمه الله - في بداية السكرات سأله سأله تلميذ له قال له يا سيدي ماذا تجد ؟ فلم يستطع أن يتكلم من شدة السكرات ثم كتب باصبعه في الهواء " رَوح وريحان وجنة نعيم " ثم مات .
      انظر في المقابل قال تعالى

      :" وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " الأنعام : 93 ثم قال بعد ذلك "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " الانعام :94 " وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً " مريم:95 وقال تعالى :"وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً , اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " , مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً الاسراء:13:14:15 .
      عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه - كان يجمع العلماء كل ليلة ويتذاكرون الموت والقيامة حتى كأن بين أيديهم جنازة .
      كان النبي -صلى الله عليه وسلم - والحديث رواه الترمذي باسناد حسن ، يقول حنظله : كان النبي يكلمنا عن الجنة والنار فكأن رأي عين ، دليل على كثرة تكرار الجنة والنار من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم - ولذلك لما سأل أحدهم النبي فقال : " بأبي أنت وأمي ماذا تقول أنت ومعاذ بن جبل ؟ فاني لا أحسن دندنتكما ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم - ماذا تقول أنت ؟ قال أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم - حولها ندندن أنا ومعاذ بن جبل .

      وفي الحديث الذي رواه الترمذي باسناد حسن " كان النبي -صلى الله عليه وسلم - في الثلث الأخير من الليل ، كان يخرج وينادي على الناس ويقول أيها الناس جاءت الراجفة تتبعها الرادفة _ الراجفة هي النفخة الاولى والرادفة هي النفخة الثانية _ .

      يقول البراء بن عازب بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - اذ أبصر جماعة من الرجال يجتمعون على قبر ، فقال علام اجتمعوا هؤلاء ؟ فقالوا على ميت أو على قبر يحفرونه يا رسول الله ، ففزع النبي واتجه مسرعا الى القبر ، يقول البراء فجئت من أمامه أنظر ماذا يصنع ، فلما استقبل النبي القبر دمعت عيناه حتى بلّ الثرى بدموعه ، ثم أقبل على أصحابه وقال : أيّ أخواني ، لمثل هذا اليوم فأعدوا ، ولذلك شرع لنا النبي -صلى الله عليه وسلم - زيارة القبور ، قال -صلى الله عليه وسلم - والحديث رواه لبن ماجة " زوروا القبور فانها تذكركم الأخرة " وفي رواية أخرى " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها فانها تُرقّ القلب وتُدمع العين وتذكر الأخرة ".
      ولذلك سيدنا عثمان بن عفّان -رضي الله عنه -والحديث رواه الترمذي باسناد حسن " عندما يُذكر أمامه الجنة والنار لم يكن يبكي ولكن عندما يذكر أمامه القبر يبكي ، فاستغرب الصحابة فعله هذا فسألوه : يا عثمان يذكر أمامك الجنة والنار فلا تبك وحين يذكر القبر تبكي ؟؟ قال أجل ، فاني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول ان القبر أول منازل الأخرة فان نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد منه ".
      وقال -صلى الله عليه وسلم - كما عند الترمذي بسند حسن " ما رأيت منظرا قط الا والقبر أفظع منه " لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحابة أن يستعيذوا في كل صلاة من أربعة أشياء : من عذاب القبر ومن عذاب النار ، ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والمات " والحديث رواه مسلم .


      أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم - عن بعض المشاهد التي تحدث في القبر والحديث رواه البخاري ومسلم :" ان أحدكم اذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة " وفي الحديث الذي رواه مسلم " ان العبد اذا وضع في قبره وتولى وذهب عنه أصحابه ، انه ليسمع قرع نعالهم ، فيأتياه ملكان ، فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل : أي النبي -صلى الله عليه وسلم - فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر الى مقعدك من النار ، فينظر ، فيقال له انظر الى الأفق الأخر فينظر ، فاذا داخل الجنة فتقول له الملائكة هذا مقعدك أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال النبي -صلى الله عليه وسلم - فيراهما جميعا ، وأما الكافر والمنافق فيقول عند سؤاله عن النبي ، لا أدري ، كنت أقول مثلما يقول الناس فيقال له لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضرية بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه الا الثقلين الانس والجن . هذه رواية البخاري .
      أما في رواية مسلم عن طريق قتادة أنه قال :" وذكر لنا أنه يفسح له في قبره ( أي المؤمن ) سبعون ذراعا ويملاْ عليه قبره خضراً الى يوم يبعثون .


      وكذلك الحديث الذي رواه الترمذي باسناد حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال اذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر والأخر النكير فيأمرانه " ما كنت تقول في هذا الرجل ، فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وهذا قول الله " يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ " إبراهيم : 27 فيقولان له قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينوّر له فيه ثم يقال له نمّ ، فيقول لا ، حتى أرجع الى أهلي ومالي فأخبرهم ، فيقولان له نمّ في قبرك كنومة العروس الذي لا يوقضه الا أحب الناس اليه حتى يبعثه الله من مطلعه ذلك ، وان كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثلهم لا أدري ، فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه ثم تختلج أضلاعه فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .

      وفي رواية البراء بن عازب والحديث عند أحمد بسند صحيح :" أن العبد المؤمن اذا دخل القبر وسئل وأتياه منكر ونكير بعد ذلك يأتيه رجل أبيض الوجه أبيض الثياب جميل الرائحة فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح فيفرح ويقول ربي أقم الساعة حتى أرجع الى أهلي ومالي _ والمقصود بأهلي ومالي شيئان ، أهلي ومالي الذين في الدنيا لأبشرهم بالخير الذي ينتظرني أو أهلي ومالي الذين هم في الجنة _ أما ان كان العبد منافقا يأتيه رجل أسود الوجه أسود الثياب منتن الرائحة ، فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي لا يأت بخير فيقول أنا عملك السيء .
      لذا قال تعالى : " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ , إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ , فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ , فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ,قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ , كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ , وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ , وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ , يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ , مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ , هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ , خُذُوهُ فَغُلُّوهُ , ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ , ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ,إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ,وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ , فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ , وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ , لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ " الحاقة : 19-37.


      سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

      التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 06-02-2012, 09:54 PM.

      تعليق


      • #4
        رد: عاد بعد الموت " فضيلة الشيخ محمود المصري


        بارك الله فيك وجزاك الله الجنة وجعله في ميزان حسناتك
        اللهم طهر قلوبنا واحسن خاتمتنا وامح ذنوبنا
        رباااه اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم

        تعليق


        • #5
          رد: عاد بعد الموت " فضيلة الشيخ محمود المصري

          عليكم السلام ورحمة الله
          بارك الله فيكم
          ونفع بكم
          أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

          تعليق


          • #6
            رد: عاد بعد الموت " فضيلة الشيخ محمود المصري

            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيراً ورفع قدركم

            ورزقنا وايَّاكم الهداية والثبات

            تعليق

            يعمل...
            X