إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أهمية المحبة الصادقة من العبد لربه 2

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أهمية المحبة الصادقة من العبد لربه 2

    ثالثًا: الشوق إلى الله


    عندما يتمكن حب الله من قلب العبد، فإن هذا من شانه أن يجعله دومًا



    حريصًا على اغتنام أية فرصة تتاح له فيها الخلوة به سبحانه وبذكره



    ومناجاته، وجمع قلبه معه، وشيئًا فشيئًا تستثار كوامن الشوق إليه سبحانه،


    وتستبد بالقلب، وتلح عليه في طلب رؤيته، ليأتي العِلم فيخبره بأنه لا رؤية


    ولا لقاء لله في الحياة الدنيا، بل بعد الموت، فيزداد الشوق إلى هذا اللقاء،



    وأي لقاء:
    [info] لقاء المحبوب الأعظم الذي ناجاه لسنوات طويلة، وسكب الدمع في محرابه.


    لقاء من دعاه في أوقات عصيبة فوجده منه قريبًا، ولدعائه مجيبًا.


    لقاء من كفاه وحماه وأعانه على نفسه وعدوه.


    لقاء من أعطاه وأكرمه وحفظه ورعاه وبكل بلاء حسن أبلاه.
    [/info]

    يقول الحسن البصري:



    إن أحباء الله هم الذين ورثوا الحياة الطيبة وذاقوا نعيمها بما وصلوا إليه



    من مناجاة حبيبهم، وبما وجدوا من حلاوة في قلوبهم، لاسيما إذا خطر على


    بالهم ذكر مشافهته وكشف ستور الحجب عنه في المقام الأمين والسرور،


    وأراهم جلاله وأسمعهم لذة كلامه ورد عليهم جواب ما ناجوه به أيام حياتهم([1]).


    فالشوق إلى الله – إذن – ثمرة من ثمار تمكن حبه في قلب العبد،



    ويؤكد ابن رجب على ذلك بقوله:


    الشوق إلى الله درجة عالية رفيعة تنشأ من قوة محبة الله عز وجل، وقد كان صلى الله علية وسلم يسأل الله هذه الدرجة([2]).


    ففي دعائهصلى الله علية وسلم



    «اللهم إني أسألك الرضى بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة»([3])


    فهو يسأل ربه الشوق إلى لقائه دون وجود أسباب ضاغطة عليه تدعوه



    لذلك مثل: ضراء الدنيا وأقدارها المؤلمة، أو الفتن في الدين المضلة، أو


    بمعنى آخر أن يكون الشوق إلى الله ناشئًا عن محض المحبة.


    جاء في الأثر أن الله تبارك وتعالى يقول:


    ألا قد طال شوق الأبرار إلى لقائي، وإني إليهم لأشد شوقًا، وما شوق المشتاقين إليَّ إ


    لا بفضل شوقي إليهم. ألا من طلبني وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، من ذا



    الذي أقبل عليَّ فلم أقبل عليه؟ ومن ذا الذي دعاني فلم أجبه؟ ومن ذا الذي سألني فلم أعطه([4]).







    رابعًا: التضحية من أجله والجهاد في سبيله




    المحبة الصادقة لله عز وجل تدفع صاحبها لبذل كل ما





    يملكه من أجل نيل رضا محبوبه، وليس ذلك فحسب بل





    إنه يفعل ذلك بسعادة، وكل ما يتمناه أن تحوز هذه





    التضحية على رضاه.



    تأمل معي ما حدث من عبد الله بن جحش ليلة غزوة أحد


    عندما قال لسعد بن أبي وقاص:



    ألا تأتي ندعو الله تعالى،


    فَخَلَوا في ناحية، فدعا سعد، فقال: يا رب إذا لقينا العدو


    غدًا فَلَقِّني رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله



    ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله فآخذ سلبه



    فأمَّن عبد الله، ثم قال: اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا



    بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع



    أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا


    قلت لي: يا عبد الله فيم جُدع أنفك وأذنك؟



    فأقول: فيك وفي رسولك،


    فتقول: صدقت.


    قال سعد:كانت دعوته خيرًا من دعوتي، فلقد رأيته آخر

    النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط([5]).


    وفي يوم من الأيام رأى رسول الله صلى الله علية وسلم مصعب بن عمير


    يمشي وعليه إهاب كبش قد تمنطق به، فقال النبي صلى الله علية وسلم:


    «انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه، ولقد رأيته بين

    أبوين يغذيانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون»([6]).


    فالتضحية والجهاد من أعظم دلائل المحبة.


    خامسًا: الرجاء والطمع فيما عند الله



    فكلما اشتد الحب اشتد الرجاء في الله وحسن الظن فيه ألا يلقي حبيبه في النار،

    فالمحب لا يعذب حبيبه كما جاء

    الرد الإلهي على اليهود عندما قالوا:


    ]نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم[[المائدة: 18].


    وفي الحديث أنه صلى الله علية وسلم قال:

    «والله، لا يلقي الله حبيبه في النار»([7]).


    مرض أعرابي فقيل له:

    إنك تموت.



    قال: وأين أذهب؟


    قالوا: إلى الله.


    قال: فما كراهتى أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه([8]).


    وكان سفيان الثوري يقول:


    ما أُحب أن حسابي جعل إلى والديَّ، ربي خير لي من والدي([9]).


    وقال ابن المبارك:



    أتيت سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبته

    وعيناه تهملان فبكيت،


    فالتفت إلى فقال: ما شأنك؟



    فقلت: من أسوأ أهل الجمع حالا؟



    قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له([10]).








    سادسًا: الحياء من الله



    فالمحب الصادق في حبه لله عز وجل يستحي أن يراه حبيبه في وضع مشين،


    أو مكان لا يحب أن يراه فيه، فإذا ما وقع في معصية أو تقصير سارع بالاعتذار


    إليه واسترضائه بشتى الطرق.


    بل إن أي بلاء يتعرض إليه يجعله قلقًا بأن يكون هذا البلاء مظهر من مظاهر لوم


    الله له وغضبه عليه، لذلك تجده حينئذٍ يهرع إلى مولاه يسترضيه ويتذلل إليه


    ويستغفره، ويطلب منه العفو والصفح.


    ويتجلى هذا الأمر جيدًا في دعاء رسولنا صلى الله علية وسلم



    بعد أحداث الطائف وما تعرض فيها من استهزاء وتضيق وإيذاء، فكان مما قاله لربه


    «...إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور

    وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة: أن ينزل بي

    غضبك أو يحل علىّ سخطك، لك العتبي( ) حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».


    وفي هذا المعنى يقول ابن رجب:


    إن محبة الله إذا صدقت أوجبت محبة طاعته وامتثالها، وبغض معصيته واجتنابها،

    وقد يقع المحب أحيانًا في تفريط في بعض المأمورات، وارتكاب بعض

    المحظورات، ثم يرجع إلى نفسه بالملامة، وينزع عن ذلك، ويتداركه بالتوبة( ).









    سابعًا: الشفقة على الخلق





    من الثمار العظيمة للحب الصادق تلك الشفقة التي يجدها المحب في قلبه تجاه


    الناس جميعًا بخاصة العصاة منهم، وكيف لا وقد علم أنه ما من أحد من البشر إلا


    وفيه نفخة علوية كرَّمه الله بها على سائر خلقه،


    وأن الذي يرضيه سبحانه – هو عودة الجميع إليه ودخولهم الجنة، لذلك تجد هذا


    المحب شفيقًا على الخلق، حريصًا على دعوتهم لسان حاله يقول:


    يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف: 59].



    .. يستخدم في ذلك كل الطرق والوسائل الممكنة، ولا يرتاح له بال حتى يُعيد


    الشاردين إلى حظيرة العبودية لربهم.


    ومن الأمثلة العظيمة التي تبين تلك الشفقة على العصاة ما فعله مؤمن آل


    فرعون مع قومه, تأمل أقواله الذي جاء ذكرها في سورة غافر


    يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:38].


    يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ [غافر:30],


    وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ [غافر:41].


    وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ [غافر:42].



    هذه الثمرة العظيمة من ثمار المحبة من شأنها أن تجعلنا نقوم بتعديل خطابنا


    الدعوي، فنستوعب الجميع ونبشرهم ونطمئنهم تجاه ربهم قبل تخويفهم وترهيبهم.





    ثامنًا: الغيرة لله



    عندما يستبد حب الله في قلب العبد فإن هذا من شأنه أن يجعله يغار لمولاه،

    وعلى محارمه أن تنتهك، وحدوده أن تُتجاوز، وأوامره أن تخالف.


    فمع شفقته على العصاة، إلاّ أن هذا لا يمنعه من بغضه لتصرفاتهم التي

    تغضب ربه، ولو كانت من أقرب الناس إليه

    قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا

    بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ

    وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4].


    لقد علم المحب الصادق أن محبوبه الأعظم يحب عباده، ويحب من يحببهم

    فيه، ويعيدهم إليه، وفي نفس الوقت فإنه سبحانه لا يحب تصرفاتهم المخالفة

    لأوامره، المنافية لصفة العبودية التي ينبغي أن يتصفوا بها


    وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7]


    فهو لا يحب الكفر، ولا يحب الظلم، ولا الطغيان، ولا الكبر، ولا الفسق،

    لذلك ترى المحب لله يجمع بين الأمرين: الشفقة على الخلق، وحب الخير

    لهم من جانب، وبغضه لتصرفاتهم التي لا ترضى مولاه، ونهيهم عنها، بل

    ومحاربتهم عليها إن تطلب الأمر من جانب آخر.


    ومن لوازم هذه الغيرة:

    الغيرة على رسوله، وكيف لا وهو أحب الخلق إلى الله, فلو كانت المحبة لله


    صادقة لتبعتها ولازمتها محبة رسوله والغيرة عليه،


    ولقد تمثل هذا الأمر في الصحابة جيدًا، ولعل ما حدث لخبيب بن عدي ما يؤكد

    ذلك، فقد تم أسره في يوم الرجيع، وصُلب لكي يُقتل،

    وقبل قتله قال المشركون له:

    أتحب أن محمدًا مكانك؟

    فقال: لا والله العظيم. ما أحب أن يفديني بشوكة يُشاكها في قدمه.





    تاسعًا: الغنى بالله



    ومع كل الثمار السابقة تأتي أهم ثمرة للمحبة ألا وهي الاستغناء بالله سبحانه

    وتعالى، والاكتفاء به

    وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه: 73].

    فينعكس ذلك على تعاملات العبد مع الأحداث التي تمر به، فإن ادلهمت

    الخطوباستشعر معية الله له

    لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا[التوبة: 40]،

    وإن تشابكت أمامه الأمور تذكر فردد فى نفسه

    إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62].

    .. شعاره الدائم

    وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً [النساء: 132].


    يتغنى بمثل قول الشاعر:

    فليتك تحلو والحياة مريرة

    وليتك ترضى والأنام غضاب

    وليت الذي بيني وبينك عامر

    وبين وبين العالمين خراب


    إذا صح منك الود فالكل هين

    وكل الذي فوق التراب تراب


    قال الجنيد:

    قد أوجب الله لأهل محبته الصنع والتوفيق في جميع أحوالهم، فأورثهم


    الغنى، وسدّ عنهم طلب الحاجات إلى الخلق،


    تأتيهم ألطاف من الله من حيث لا يحتسبون، وقام لهم بما يكتفون،


    ونزَّه أنفسهم عما سوى ذلك، إكرامًا لهم


    عن فضول الدنيا، وطهارة لقلوبهم من كل دنس، وأمشاهم في طرقات الدنيا


    طيبين، وقد رفع أبصار قلوبهم إليه، فهم ينظرون إليه بتلك القلوب غير


    التعديل الأخير تم بواسطة رحيق العفة; الساعة 04-10-2009, 06:09 AM.

  • #2
    رد: أهمية المحبة الصادقة من العبد لربه 2

    جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ وجعله الله فى ميزان حسناتكِ
    موضوع طيب ورائع وجميل


    قال الشيخ الألباني رحمه الله: إن هذا الطريق طويل ونحن نمشي فيه مشي السلحفاة لايهمنا أن نصل المهم أن نموت علي الطريق

    تعليق


    • #3
      رد: أهمية المحبة الصادقة من العبد لربه 2

      بارك الله فيكِ

      اللهم إني أسألك الرضى بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة

      آمين
      لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

      استمعي بقلبك



      تعليق

      يعمل...
      X