إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2




    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
    نعيش اليوم -إن شاء الله عز وجل- مع سورة أخرى هي سورة الصف، وتسمى أيضًا سورة الحواريين فذكر فيها الصف في أولها صف المسلمين في القتال، وذكر فيها الحواريون في آخرها قال ربنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ" الصف:14.
    وللتعرف على تفسير سورة الصف ودلائل على أنها سورة مدنية والصفات التي يمقتها الله ومثال مذموم يجب الحذر منه وسبب نزولها وسبب تسميتها بهذا الاسم ومن الثلاثة الذين يحبهم الله وكيف قام الأقوام بأذية الانبياء على مر الأزمان وكيف برأ الله سيدنا موسى عليه السلام وتعريف الفسق وأنواعه وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وما هي التجارة الرابحة مع الله وما هي نتيجتها





    ولمعرفة المزيد
    ندعوكم للتعرف على درس بعنوان
    مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2

    لفضيلة الشيخ الدكتور/ محمد عطية




    تفضلوا معنا في تحميل الدرس السادس بجميع الصيغ

    http://way2allah.com/khotab-item-127401.htm



    الجودة العالية wmv
    http://way2allah.com/khotab-mirror-127401-198936.htm



    الصوت
    http://way2allah.com/khotab-mirror-127401-198937.htm



    الساوند كلاود
    https://soundcloud.com/way2allahcom/tafsir6



    اليوتيوب


    https://www.youtube.com/watch?v=KOcosdfolac



    رابط تفريغ بصيغة pdf

    http://way2allah.com/media/pdf/127/127401.pdf




    فهرس مادة التفسير وعلوم القرآن // الشيخ الدكتور محمد عطية // دورة بصائر العلمية 2



    :..: موضوع خاص باستقبال أسئلة مادة التفسير وعلوم القرآن:..:


    مثبــت: جدول الدورة العلمية بصائر 2

    مثبــت: موضوع مخصص لتلقي الاستفسارات والشكاوى الخاصة بالدورة العلمية بصائر 2


    مثبــت: مقاطع الدورة العلمية بصائر 2 | من إنتاج فريق الصوتيات


    مثبــت: مقاطع الدورة العلمية بصائر 2 | من إنتاج فريق المونتاج


    ولمشاهدة وتحميل جميع دروس دورة بصائر العلمية 2 من خلال هذا الرابط
    http://way2allah.com/category-578.htm



    لقراءة التفريغ مكتوب على المنتدى تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله

    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 26-10-2016, 02:50 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.


  • #2
    رد: مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    حياكم الله وبياكم
    الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر
    فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
    أن يقدم لكم:
    تفريغ:
    مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2
    لفضيلة الشيخ الدكتور/ محمد عطية

    سائلين الله -عز وجل- أن يجعله في ميزان حسنات كل من شارك فيه
    وأن يبارك في فريق عمل التفريغ


    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:



    سورة الصف

    نعيش اليوم -إن شاء الله عز وجل- مع سورة أخرى هي سورة الصف، وتسمى أيضًا سورة الحواريين فذكر فيها الصف في أولها صف المسلمين في القتال، وذكر فيها الحواريون في آخرها قال ربنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ" الصف:14.

    الصواب أن سورة الصف مدنية
    وهذه السورة اختلف هل هي مكية أو مدنية ولكن الصواب أنها مدنية.

    بماذا يهتم القرآن المكي والمدني؟

    لأن
    - القرآن المكي اهتم بأمور منها تفاصيل العقيدة ودعوة إلى الأخلاق وله ضوابط معروفة عند أهل التفسير.
    وأيضًا اهتم
    - القرآن المدني بأمور الجهاد وما يتعلق ببني إسرائيل وكل ما جاء من تفصيل عن بني إسرائيل؛ إنما هو في القرآن المدني.

    دلائل على أن السورة مدنية

    1. والسورة بدأت بذكر القتال ثم تحدثت عن موسى مع قومه -لا مع فرعون وتحدثت بعد ذلك مع عيسى -عليه السلام- وبينت أن لا أحد أظلم ممن يُدعى إلى الله -عز وجل- فيزعم أنه هو على الحق ويكفر بالله العظيم؛ ثم أيضًا دعت المؤمنين إلى هذه التجارة مع الله رب العالمين "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " الصف:10 و11، فبدأت بالجهاد وتوسطت بالجهاد وفي آخرها إشارة أيضًا إلى نصرة النبي ونصرة دينه وهو دعوة إلى الجهاد –أيضًا- وبينت طبعًا ثواب هذه التجارة لمن يقوم بها.

    2. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: "تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيسأله أي الأعمال أحب إلى الله –تعالى- فلم يقم منا أحد فأرسل إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة.." يعني سورة الصف وفي هذا دلالة واضحة على أنها سورة مدنية لأن عبد الله بن سلام إنما أسلم بعد الهجرة وهو من أهل المدينة.
    وهذا الحديث رواه الإمام الترمذي بلفظ " قعدنا نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نتذاكر أي الأعمال أحب إلى الله تعالى فقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله –تعالى- لعملناها فأنزل الله –تعالى-: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ" الصف:2،1، قال عبد الله بن سلام فقرأها علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
    إذن الصواب أو الصحيح أن هذه السورة مدنية يعني نزلت بعد هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن المدني هو ما نزل بعد الهجرة والمكي ما نزل قبلها.



    استفتاح جميل لسورة الصف كما في سورة الحشر

    استفتح الله -عز وجل- هذه السورة بما استفتح به سورة الحشر التي كانت معنا في الدرس الماضي فقال: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ما من شيء من مخلوقات الله إلا ويسبح بحمده في السماوات وفي الأرض مما يرى ومما لا يرى الكل يعرف ربه ويقدره حق قدره حتى قال ربنا في سورة النور: "كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ " النور:41، وألهموا ذلك فهم يسبحون الله -تبارك وتعالى- والله -تبارك وتعالى- حقيق بالتسبيح وبالتنزيه وهو العزيز الحكيم؛ عزيز لا يغالب حكيم فيما شرع وقدر.



    من الصفات التي يمقتها الله –عز وجل-

    ثم قال ربنا -تبارك وتعالى- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ" وهذا إنكار على من يعد وعدًا ثم يخلفه وهذه ليست صفة المؤمنين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "آيةُ المنافِقِ ثلاثٌ : إذا حدَّثَ كذَبَ ، وإذا وعَدَ أخلَفَ ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ" صحيح البخاري، وفي الحديث الآخر " أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خَصْلةٌ منهن كانت فيه خَصْلَةٌ من النفاقِ حتى يدعَها.." صحيح البخاري، فذكر منها إخلاف الوعد، وإخلاف الوعد صفة ذم، خلق مذموم أن يعد الإنسان ثم لا يفي. لذلك على الإنسان ألا يعد إلا بما يمكن أن يوفي به؛ فلا يعد بما فوق طاقته ولا يعد بما لا يفي به. وهذه الآية بين الله عز وجل أن هذا الأمر مما يغضب على صاحبه ويمقت ويكرهه كرهًا شديدًا هذا الفعل "كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ" الصف:3، وروى الإمام أحمد حديثًا يبين لنا جزئية من الجزئيات التي يمكن أن تكون في حياتنا ونحن لا نلتفت إليها عن عبد الله بن عامر قال: "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتنا وأنا صبي فذهبت أخرج لألعب فقالت لي أمي يا عبد الله: تعال أعطك. فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما تعطيه ما أردتِ أن تعطيه؟ قالت: تمرًا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة. " دعتني أمِّي يومًا ورسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قاعدٌ في بيتِنا فقالت ها تعالَ أعطيكَ فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ما أردتِ أن تعطيهِ قالت أعطيهِ تمرًا فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أما إنَّكِ لو لم تعطِه شيئًا كُتبت عليكِ كَذِبةٌ " حسنه بن حجر العسقلاني.



    مثال مذموم يجب أن نحذر منه

    كثير من الناس قد يعد أبنائه بشيء ما إذا فعل شيئًا ما على سبيل المثال يقول له: إذا نجحت فأنا أتيك بكذا. فإذا نجح الولد أخلف الأب معه وهذا مما لا يصح فإنه
    –أولاً-: مخالفة شرعية،
    وثانيًا: يربي في الولد أيضًا هذه الصفة المذمومة ويعلمه الكذب وهذا مما لا يجوز، لذلك علمنا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن هذا يكتب على صاحبه كذبة.


    سبب نزول الآية
    وسبب نزول الآية كما مر معنا أن الصحابة ذكروا أي الأعمال أحب إلى الله نعملها؟ فلما نزل الأمر بالجهاد صَعُب على بعضهم لذلك يقول الله -عز وجل- "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" النساء:77.
    وقال ربنا –أيضًا-: "وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ" محمد:20، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -: "كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله -عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال؛ إيمان به لا شك فيه وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله -سبحانه وتعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ" .



    سسب تسمية سورة الصف بهذا الإسم

    وهذا واضح في أنه لا يجوز للمسلم أن يقول شيئا أو يعد بشيء ثم لا يقوم بعد ذلك بما وعد به أو بما أخذه على نفسه، ولهذا قال –تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ " الصف:4، بهذه الآية سميت السورة سورة الصف وهذا إخبار من الله –تعالى- بمحبته لعباده المؤمنين إذا اصطفوا مواجهين للأعداء مقاتلين لهم، مدافعين عن دينه؛ ليجعل الله بهم كلمته هي العليا، هؤلاء المجاهدون الله -تبارك وتعالى- يحبهم وخاصة إذا كان على الصفة التي وصفها ربنا -تبارك وتعالى- "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ".
    ما هو البنيان المرصوص؟
    البنيان المرصوص هو: الذي يصف فيه اللبنات بعضها بجوار بعض فتكون في منتهى الشدة؛ فلا يتجاوزها أحد ولا يخرقها أحد لماذا؟ لأنها من الشدة بمكان. هكذا في الحرب وكانت طبعًا الحروب أيامهم كما نعلم تحتاج إلى هذا الصف الذي يكون فيه قوة للجيش.

    مِنَ الثلاثة الذين يحبهم الله

    "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ" ويحب ذلك في الصلاة أيضًا وهذا قد ورد أيضًا حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: "كان يبلغني عن أبي ذر حديث فكنت أشتهي لقاءه فلقيته فقلت: يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي أن أراك أو أن ألقاك فقال له: لله أبوك فلقد لقيت فهات، يعني هات ما عندك، فقلت: كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثكم: إن الله يبغض ثلاثة ويحب ثلاثة قال: أجل فلا أخالني أكذب على خليلي -صلى الله عليه وسلم-..."

    لم يظهر الكذب إلا بعد القرون الثلاثة الأولى

    ما كانوا يعرفون الكذب حقيقة إنما الكذب ظهر بعد القرون الثلاثة وإن كان في بعضهم من قبل القرون الثلاثة لكن ليس شائعًا فيهم ولم يكونوا يُعرفون بذلك ولذلك خير القرون هي القرون الثلاثة الأولى فما بالنا بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

    وعيد شديد لم يكذب على النبي –صلى الله عليه وسلم-

    ولذلك أنس -رضي الله عنه- لما تكلم معه أحد التابعين في حديث رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما كنا نكذب ولا نعرف الكذب" وطبعًا معلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من كذب علي متعمدًا فليبوأ مقعده من النار"، فأولى الناس بذلك صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    "..قلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله -عز وجل-؟ قال: رجل غزى في سبيل الله خرج محتسبًا مجاهدًا فلقي العدو فقتل وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ثم قرأ "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ".



    من هو كعب الأحبار

    كعب الأحبار أسلم في عهد عمر، وكان من العلماء، وأحبار يهود، وكان عنده من الأخبار الكثير وكان يروي ما يكون موافقًا عندنا في شريعتنا فيُقبل منه ذلك.
    عن كعب الأحبار أنهقال: "يقول الله تعالى لمحمد –صلى الله عليه وسلم- عبدي المتوكل المختار ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولا سخَّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطابة –طابة هذه من أسماء المدينة- وملكه الشام، وأمته الحمَّادون -يحمدون الله تعالى على كل حال وفي كل منزلة-، لهم دوي كدويِّ النحل في جو السماء بالسحر -يعني من تلاوة القرآن واللهج بالدعاء- يوضأون أطرافهم ويأتزرون على أنصافهم، -يعني إلى نصف الساق- صفتهم في القتال مثل صفتهم في الصلاة ثم قرأ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ" الصف:4، رعاة للشمس، يصلون الصلاة حيث أدركتهم ولو كان على ظهر دابة وحكى ذلك؛ لأن هذه الصفات موجودة عندهم في التوراة فلما أسلم حكى، الله –تعالى- يقول: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ" الأعراف:157.
    فهذا لحكاية كعب الأحبار بعد أن أسلم يوضح أن ذلك كان صفة النبي –صلى الله عليه وسلم- وصفة أمته وهو موجود في التوراة؛ ثم يستدل بقول الله –عزَّ وجل-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ".

    الله –جل جلاله- لا يحب أن يختلف أمره

    وقال قتادة بن دعامة –وكان آية التفسير رحمه الله-: "كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ألم ترَ صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه؛ فكذلك الله –عز وجل- لا يحب أن يختلف أمرهم، وإن الله صفَّ المؤمنون في قتالهم، وصفَّهم في صلاتهم؛ فعليكم بأمر الله فإنه عصمةٌ لمن أخذ به"، لا بد أن نُنَزل هذا –أيضًا- على الواقع؛ لأن المسلم لا بد أنه يوفي بما عاهد اللهَ عليه، يوفي من عاهد من الناس أن يقوم به تجاهه؛ فإن الوفاء هذا هو الميزان، هذا هو العدل ولعلنا يمكن أن نقول هنا العدل ميزان فمن وفَّى وفّى الله له، ومن طفَّف فقد علمتم ما قال الله في المطفِّفين.
    وهذا كما قال بن مسعود –رضي الله عنه-: "الصلاة ميزان فمن وفّى وفى الله له، ومن طفَّف فقد علمتم ما قال الله في المطففين".



    إيذاء الأقوام لأنبيائهم يتوالى على مر الأزمان

    قال الله بعد ذلك: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" الصف:5، من المعلوم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لاقى ما لاقى من قومه المقرّبين. وهذا فيه تسلية لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي" ، ولذلك النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "رَحِمَ اللهُ موسى ، لقد أوذيَ بأكثرَ من هذا فصبرَ" صحيح البخاري، موسى طبعًا هو من أولي العزم من الرسل، أولو العزم من الرسل خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد –صلى الله عليهم جميعًا وسلم-، ولكنه لاقى من قومه مع أنهم مؤمنون وهم بنو إسرائيل، لكنه لاقى منهم عنتًا وشدة وقد حكى الله –عز وجل- في كتابه كثيرًا من هذه المواقف، خاصة في سورة البقرة، وأيضا في سورة المائدة وغير ذلك من السور المدنية، وها هنا يشير الله –تبارك وتعالى- إلى ما كان من أمر هؤلاء أنهم كانوا يؤذون موسى عليه السلام.
    ولذلك قال ربنا –تبارك وتعالى- في سورة الأحزاب: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا" الأحزاب: 69، يعني لا تؤذوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كما آذى موسى من قبل من؟ الذين آمنوا لأن موسى لاقى ذلك –أيضًا- من الذين آمنوا، بنو إسرائيل كانوا مؤمنين بموسى ولكنهم آذوه.



    كيف برَّأ الله موسى –عليه السلام-؟

    والإيذاء المذكور في سورة الأحزاب إن موسى –عليه السلام- كان إذا اغتسل لا يتعرّى وكان بنو إسرائيل يتعرون، فأرادوا أن يخرجوا علة لذلك؛ فقالوا إن موسى: "آدر"، آدر في اللغة معناها كبير الخصية فماذا كان من موسى؟
    ذهب إلى شاطئ البحر وتعرى ووضع ثيابه على حجر عند الشاطئ ودخل يغتسل فجرى الحجر بثياب موسى، طبعًا هذه آية من آيات الله –عز وجل- ليبين لهم أنهم غير صادقين فيما زعموا وأنهم بهذا آذوا موسى –عليه السلام-، فتبعه موسى وهو يقول: "ثوبي حجر، ثوبي حجر" حتى مرَّ على ملإٍ من بني إسرائيل فرأوه؛ فعلموا أنهم كانوا مخطئين، وهنا قال ربنا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا"، وها هنا في سورة الصف يقول الله –تبارك وتعالى-: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ"، أنتم تعلمون أني رسول الله إليكم وبنو إسرائيل كانوا ينتظرونه أصلًا وهو الذي أخذهم ونجا بهم، وأنجاهم الله بهِ، يعلمون أنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلم يؤذونه؟ إنما هذه صفة يهود على مرِّ التاريخ.
    الجزاء من جنس العمل

    يقول ربنا –تبارك وتعالى-: " فَلَمَّا زَاغُوا" أي: مالوا عن الحق "أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" الجزاء من جنس العمل " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْيعني أمالها إلى الحيرة وإلى عدم الإيمان الصحيح؛ فكانوا على ما هم عليه من هذا الغيِّ وهذا الضلال –عياذًا بالله- فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به أزاغ الله قلوبهم عن الهُدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان كما قال -تعالى-: " وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" الأنعام:110، وقال –تعالى-: "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" النساء:115، ولهذا قال الله –تعالى- في هذه الآية: "وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ".

    تعريف الفسق وأنواعه


    الفسق: الخروج عن الطاعة، يُقال: فسقت الرطبة أي: خرجت عن قشرتها، وفسقت الفأرة يعني: خرجت من جحرها للإفساد، وكذلك من يفسق فهو يخرج عن الطاعة،
    - إما يخرج عن الطاعة بالكلية يعني يخرج عن توحيد الله رب العالمين ويكون كافرا.
    - وإما يخرج عن الطاعة العملية فيكون فاسقًا، ليس بكافر، الفسق قد يُطلق ويُراد به الكفر وقد يُطلق ويُراد به ما دون ذلك،
    وكذلك الظلم وقد قال ربنا –تبارك وتعالى- في سورة البقرة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ" البقرة: 254، فوصف الكافرين بالظلم؛ لأنه هو الظلم العظيم، وقد يأتي الظلم –أيضًا- بمعنى الكفر.

    ثم انتقلت الآيات -بعد الحديث عن موسى وبيان ما كان من قومه معه وإيذائهم له- تكلمت الآيات عن عيسى –عليه السلام- وهو آخر الرسل من بني إسرائيل، وعيسى –عليه السلام- كانت بشارته التوراة كما كانت بشارة محمد –صلى الله عليه وسلم- أيضًا في التوراة. ولكن عيسى بشر بمن سيأتي بعده، وهو خاتم الأنبياء والرسل "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ"الصف:6، أحمد من أسماء رسول الله –صلّى الله عليه وسلم-.



    أسماء الرسول –صلى الله عليه وسلم-

    فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لي أسماءً: أنا محمَّدٌ، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكُفرَ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحشَرُ النَّاسُ على قَدَمَي، وأنا العاقِبُ" صحيح البخاري، والعاقب هو الذي لا نبي بعده، فهذه من أسماء رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وقد جاء التصريح باسمه في هذه السورة بأحمد "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ" لأن عيسى بُعث في بني إسرائيل وهو آخر رسلهم وأنبيائهم، "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ" لماذا قال هذا؟
    -ليعلموا أنه إنما جاء من عند الله وجاء مصدقًا بها ويعمل بها، ولذلك الإنجيل ليست فيه أحكام، حتى النصارى يرجعون في أحكامهم إلى التوراة ويسمونها العهد القديم، يسمونها العهد القديم.

    قاعدة الضمير يعود على أقرب مذكور


    "مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ"، فلما جاءهم الضمير هنا يعود على من؟
    -أكثر المفسرين أن الضمير يعود على سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والذي جاء اسمه في هذه الآية أحمد؛ لأنه أقرب مذكور للضمير، والضمير يعود على أقرب مذكور إلا أن تأتي قرينة أو دلالة أن البعيد هو المراد؛ فمثلًا قول الله -تبارك وتعالى- في سورة الإسراء: "وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ" الإسراء:2، "وَجَعَلْنَاهُ"

    الهاء هنا تعود على موسى أم تعود على الكتاب؟


    - الراجح أنها تعود على الكتاب؛ لأن هذا الكتاب هو الذي كان هدىً لبني إسرائيل –وإن كان موسى أيضًا هدىً لبني إسرائيل، وهو الذي جاء بالكتاب؛ فلو قلنا أنها تعود على موسى بقرينة أنه هو الذي جاء بالكتاب فهذا أيضًا صحيح، لكن أن الضمير يعود على أقرب مذكور فالمراد هنا أن التوراة جعلها الله هدىً لبني إسرائيل لأن موسى -عليه السلام- كان له عمر، انقضى عمره وبقيت التوراة هي التي تُكون هذا الهدى لبني إسرائيل؛ فالضمير يعود على أقرب مذكور.
    ولذلك هنا "فَلَمَّا جَاءَهُم" يعني رسول الله محمد –صلى الله عليه وسلم- "بِالْبَيِّنَاتِ" يعني على صدقه سواء كانت المعجزات أو البينات التي جاء بها بالكتاب، يعني من القرآن وحكاية قصصهم مع رسولهم موسى، ومع رسولهم عيسى –عليه السلام-، "فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ" كما قالت العرب والمشركون في رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

    النبي دعوة إبراهيم وبشرى عيسى


    يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: أنا "دعوةُ أبي إبراهيمَ وبشرى عيسى" إسناده حسن، وبشرى أخي عيسى، يعني ما كان في هذه الآيات من دعوة إبراهيم كقول الله –عز وجل- في سورة البقرة: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ" البقرة:129، فهذه دعوة إبراهيم؛ ولذلك نقول الدعاء مهم في حياة الناس فإنه يغير الله –عز وجل- به الكون فدعوة إبراهيم استجابها الله وكان محمد –صلى الله عليه وسلم- الذي غير الله به الكون.





    إيمان النجاشي برسول الله وشهادته على صدق رسالته


    وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: "بعَثَنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى النجاشيِّ" إسناده حسن، معلوم أن هذا كان في الهجرة الأولى للصحابة لما كثر إيذاء قريش لهم، قال: "فأَتَوْا النجاشيَّ وبعثت قريشٌ عمرو بنَ العاصِ وعمارةُ بنَ الوليدِ بهديةٍ فلمَّا دخلا على النجاشيِّ سجدا لهُ ثم ابتدراهُ عن يمينِهِ وعن شمالِهِ" إسناده حسن، يعني واحد عن يمينه وواحد عن شماله، "ثم قالا لهُ: إنَّ نفرًا من بني عمِّنا نزلوا أرضكَ ورغبوا عنَّا وعن مِلَّتِنَا قال: فأين هم؟ قالهم في أرضكَ فابعث إليهم فبعث إليهم فقال جعفرُ: أنا خطيبكم اليومَ" إسناده حسن، يعني جعفر بن أبي طالب –رضي الله عنه- "فاتَّبعوهُ فسلَّمَ ولم يسجد فقالوا لهُ: ما لك لا تسجدُ للملكِ قال:إنَّا لا نسجدُ إلا للهِ عزَّ وجلَّ قال: وما ذاك؟ قال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ بعث إلينا رسولَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأمرنا أن لا نسجدَ لأحدٍ إلا للهِ عزَّ وجلَّ وأمرنا بالصلاةِ والزكاةِ قال عمرو بنُ العاصِ: فإنَّهم يُخالفونك في عيسى بنِ مريمَ" إسناده حسن

    لماذا؟ اعتقادهم أن النصارى جميعًا يقولون في عيسى غير ما جاء به القرآن في سورة مريم وهي السورة المكية في ذاك الوقت وهم عندهم خبر بعقيدة هؤلاء أنهم يقولون عيسى بن الله، يقولون هو ثالث ثلاثة فلهذا أراد أن يستفزه بهذه المقوله فقال: "فإنَّهم يُخالفونك في عيسى بنِ مريمَ"

    فقال النجاشي: "قال: ما تقولون فيعيسى بنِ مريمَ وأُمِّهِ قالوا: نقولُ كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: هوكلمةُ اللهِ وروحُهُ ألقاها إلى العذراءِ البتولِ التي لم يمَسَّها بشرٌولم يفرضها ولدٌ قال: فرفع عودًا من الأرضِ ثم قال: يا معشرَ الحبشةِ والقسيسينَ والرهبانِ واللهِ ما يزيدونَ على الذي نقولُ فيهِ ما يَسْوَى هذا" إسناده حسن، يعني هذا العود، العود طبعًا مستقيم فالكلام مستقيم كما نقول في عيسى –عليه السلام- وكان رجلًا صالحًا موحدًا، لم يكن على ملة هؤلاء الذين يقولون أن عيسى ابن الله ولا أنه ثالث ثلاثة.


    ثم قال لهم: "مرحبًا بكم وبمن جئتم من عندِهِ أشهدُ أنَّهُ رسولُ اللهِ فإنَّهُ الذي نجدُ في الإنجيلِ وإنَّهُ الرسولُ الذي بَشَّرَ بهِ عيسى بنُ مريمَ انزلواحيثُ شئتم واللهِ لولا ما أنا فيهِ من المُلْكِ لأتيتُهُ حتى أكونَ أنا أحملُ نعليْهِ وأُوَضِّئَهُ وأمرَ بهديةِ الآخرينَ فرُدَّتْ إليهما ثم تعجَّلَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ حتى أدركَ بدرًا" إسناده حسن،يعني تعجل في عودته لأنهم سمعوا أن قريشًا أسلمت فعاد بعضهم فلما وجدوا الأمر أشد رجعوا وهذه تسمى بهجرة الحبشة الثانية ولكن عبد الله بن مسعود بقي مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.


    يقول: "وزعم أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استغفرَ لهُ حين بلغَهُ موتُهُ" إسناده حسن، طبعًا هذا كلام صحيح بأنه -صلى الله عليه وسلم- صلى عليه صلاة الغائب كما في الصحيحين، لما مات النجاشي أُخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- وحيًا بأنه مات فصفهم وقال: "إنَّ أخًا لكم قد مات. فقوموا فصلُّوا عليه. يعني النَّجاشيَّ. وفي روايةِ زهيرٍ: إنَّ أخاكم" صحيح مسلم، وصلى عليه -صلى الله عليه وسلم-، تعرفون أن صلاة الجنازة إنما هي دعاء واستغفار للميت.


    فهذا بيان بما كان من أمر النجاشي وهو نصراني وملك وكان بذلك شهادة منه على صدق ما كان في الإنجيل من أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هو أحمد المبشر به في الإنجيل والذي جاء به عيسى –عليه السلام- "فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ.." يعني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ" الصف:6.





    لا أحد أظلم ممن يعبد غير الله
    "وَمَنْ أَظْلَمُ.." الصف:7، إذا رأيت هذه العبارة "وَمَنْ أَظْلَمُ.." فمعناها لا أحد أظلم، لا أحد أظلم ممن يكون هذه صفته "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ" الصف:7، يعني يدعوه الرسول والمؤمنون إلى التوحيد وإلى الإسلام وهو يعتقد مع الله –تبارك وتعالى- إلهًا آخر أو يعبد غير الله -سبحانه جل في علاه- "وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" الصف:7، هؤلاء الظالمون الذين هم متعنتون فيما ذهبوا إليه ولا يقبلون الحق هؤلاء لايهديهم الله –تبارك وتعالى-، الله أعلم بمن يُهدَى فيهديه، وأعلم بمن يشقى فيشقيه سبحانه –جل في علاه-.



    لا أحد يستطيع أن يطفيء نور الحق
    "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" الصف:8، يحاولون أن يردوا الحق بالباطل ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفيء شعاع الشمس، هل يمكن لأحد ولو اجتمع الناس جميعًا ولو اجتمع الخلق جميعًا من الجن والإنس أن يطفئوا شعاع الشمس "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ.."

    يعني بكلماتهم هذه "وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" الصف:8، الله لا يُغالب ولا يُعاند هو سبحانه العزيز الجبار، هو سبحانه المقتدر، "أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍالزمر:37،بلى، الله سبحانه وتعالى لايقدر أحد من الذين خلقهم على معاداته ولا على محاربته، "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" الصف:8.



    سيظهر دين الإسلام رغم أنف كارهِيهْ
    "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" الصف:9، "الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ" يعني محمد –صلى الله عليه وسلم- "بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ" بهذا الدين الإسلام "لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ"

    فدين الإسلام نسخ ما قبله فهو آخر عهد الله –عز وجل- لعباده "وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" يعني ولو كره هؤلاء الذين عادوا وأشركوا فإن هذا الدين سيظهر وقد أخبرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- بهذا أن هذا الدين سيدخل كل بيت "بعِزِّ عزيزٍ وذُلِّ ذليلٍ"إسناده صحيح.



    التجارة الرابحة مع الله
    قال الله –عز وجل-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ" الصف 10: 11، هذه هي التجارة مع الله –عز وجل- الإيمان بالله وتوحيده وإفراده سبحانه بالعبادة وحده والإيمان برسوله –صلى الله عليه وسلم- واتباعه وطاعته ثم الجهاد في سبيل الله –عز وجل- بالنفس والمال، هذه هي التجارة العظيمة التي لا تبور هي محصلة المقصود ومزيلةٌ للمحظور، إن كان الناس في تجاراتهم في الدنيا يحسبون ويعدون ويجهزون ويخططون فهل لنا من تجارة مع الله مثل ذلك من التنافس عليها "وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" المطففين:26.



    ما هي نتيجة التجارة الرابحة مع الله؟

    ما هو نتيجة ذلك؟

    1. مغفرة الذنوب والذلات

    "يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ" الصف:12 إن فعلتم ما أمركم الله به ودلكم عليه غفر لكم الزلات.

    2. الفوز بالجنات والمساكن الطيبات

    وأدخلكم الجنات والمساكن الطيبات والدرجات العاليات "وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ" الصف:12، جنات عدن يعني جنات إقامة يعني لا مخرج منها ولا محيد عنها، "ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" الصف:12، لاشك أن هذا هو الفوز العظيم والله -تبارك وتعالى- وصف الفوز هنا بالعظيم؛ لأنه لا أعظم فوزًا من هذا ونسأل الله تبارك وتعالى- أن يجعلنا من أهل ذلك.

    3. نصر من الله وفتح قريب

    ومع ذلك فإن الله –تبارك وتعالى- وعد أيضًا بأمرٍ هو مما يحبه الناس "وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا" الصف:13، وما هي؟ "نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ" الصف:13، ثم قال ربنا –تبارك وتعالى-: "وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" الصف:13، "نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ" يعني إن قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه تكفل الله –عز وجل- بنصركم

    كما قال -تبارك في علاه-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" محمد:7، وهذا الخير الذي وعد الله –تبارك وتعالى- من النصر والفتح القريب موصول أيضًا بالفوز في الآخرة ولذلك قال ربنا –سبحانه-: "وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" الصف:13.



    ختمت السورة بالدعوة إلى نصرة الله
    ثم ختم الله –عز وجل- هذه السورة بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" الصف:14، الحواري هو النصير ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في الزبير بن العوام أنه حواري رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعني ناصره وطائعه والمتبع لأمره ورهن إشارته، الحواريون كانوا حول عيسى –عليه السلام- يؤمنون به ويصدقونه وقد أرسلهم إلى الشام لدعوة الناس إلى الله –تبارك وتعالى-.

    والله –تبارك وتعالى- يخاطب المؤمنين ها هنا ويقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ" الصف:14، لما دُعوا إلى الله –عز وجل- آمنت منهم طائفة وكفرت طائفة "فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ" الصف:14، بماذا؟ ببعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- محمد "فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ"، آمنوا برسول الله فكانوا ظاهرين على من دونهم.

    هذا والعلم عند الله –تعالى- وصلى اللهم وسلم وبارك على النبي محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



    تم بحمد الله


    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:

    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36

    تم بحمد الله
    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
    هنـــا
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.



    التعديل الأخير تم بواسطة منآيا أوصلك يارب; الساعة 01-11-2016, 11:26 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      رد: مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      جزاك الله خيرا اخيتي وبارك الله في مجهودك
      عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك

      تعليق


      • #4
        رد: مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2

        المشاركة الأصلية بواسطة سهير(بنت فلسطين) مشاهدة المشاركة
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        جزاك الله خيرا اخيتي وبارك الله في مجهودك
        اللهم آمين وإياكم
        اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

        تعليق


        • #5
          رد: مادة التفسير وعلوم القرآن :: الدرس السادس (تفسير سورة الصف) :: دورة بصائر العلمية 2

          جزيتم خيرًا

          تعليق

          يعمل...
          X