
ليس من قبيل المصادفة أن يخرج المسلم من حدث الهجرة إلى حدث عاشوراء، فلا شيء في كون الله تعالى إلا وهو مخلوق بقدر، ولئن كانت تلك أيام الله، فيا تُرى ما حكمة أن يكون يوم عاشوراء هو المناسبة الأولى التي تنتظر المسلم بعد خروجه من أيام الهجرة؟
(1) لقد كانت الهجرة بداية تأسيس الدولة الإسلامية، والدولة الإسلامية هي الصورة الأخيرة التي ستعطي المثال لأهل الأرض جميعًا، فتثبت لهم أن هذه الرسالة هي رسالة الله الخاتمة لجميع البشر، وأنها قادرة على إنشاء النظام الحضاري الأمثل في عالم البشر، كما هي -وفي نفس الوقت- قادرة على منح السعادة النفسية والدينية في عالم ما بعد البشر.لقد بعثت الهجرة في الوجود (خير أمة أخرجت للناس)، وكانت عاشوراء تحدد صيغة ومعنى هذه الخيرية، وسر هذا التفوق الذي تميزت به الأمة الإسلامية.
لم يكن الإسلام مجرد منهج تغيير، بل كان منهج تطور وتفوق وتميز، أي ليس تغييرًا فحسب، بل تغيير إلى الحال الأفضل، وكان من ضرورة هذا أن يتعامل مع "الوضع القديم" بشكل مختلف.
لقد بُعث النبي



فعلى هذا كان منهج الإسلام في الإصلاح، وبالأحرى منهجه في استلام راية الرسالة الخاتمة وكلمة الله الأخيرة إلى العالمين، منهج يجوز أن نسمِّيه "نحن أولى".فكل خير في هذه الحياة وإن فعله غيرنا فنحن أولى به منهم، أي نحن الأولى بأن نفعله دونه، وتلك الأمة، وبما أنها خير أمة أخرجت للناس، فإنها الأحقُّ والأجدر بأن تكون صاحبة اليد العليا والسابقة إلى الخيرات من بين كل الأمم. هكذا سجل الله في كتابه من صفات المؤمنين {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].
وحتى إذا كان أول منشأ هذا الخير عند غيرهم؛ ولذا عبرت الآية بلفظ (المسارعة)، أي أن ثمة منافسين آخرين يسارعون إلى الخير، لكن هذه الأمة أولى بالسبق والتفوق. وقد ذكر النبي

وأول الخير وأرفع المنازل هو ما سنَّه الأنبياء من قبلنا، فنحن أولى بكل نبي ممن يدعي صلته به وانتسابه إليه، وعلى هذا رفع النبي شعار هذه الأمة "نحن أولى بموسى منكم".
(2) غير أنه مما يستلفت النظر أنه كان تميزًا بالفعل والعمل لا بمجرد الدعوى والشعارات، فلم يكد النبي



فهنا سعت الأمة -في جيلها الذهبي الفريد- إلى التميز عن اليهود والنصارى، فكان أن وجههم

(3) إن المرء ليشعر بالفخر -كما يشعر بالمسئولية- وهو يحمل منهجًا يرتفع فوق العصبية والعنصرية والطبقية وسائر أوصال الجاهليات. لا سبيل -في الإسلام- إلى الدرجات العُلا عند الله وعند الناس إلا بالعمل وبذل الخير. ولا فرق في هذا بين عنصر وعنصر، ولا بين جنس وجنس {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].في الإسلام تذهب الجاهليات ويبقى معنى الإنسانية، ذلك ما قاله محمد

إنها إنسانية تعالت على كل الفوارق بين البشر، وهذا شيء لا نعرف أحدًا أتى بمثله، منذ أفلاطون الذي فلسف لعلوّ شأن الفلاسفة ذوي العقول، كما فلسف لعبودية الضعفاء، وحتى أيامنا هذه التي سادتها فلسفة "الرجل الأبيض".وحيث استقرت لدينا إنسانية المنهج الإسلامي واستحقاق الولاية والخيرية فيه بالعمل، فليرنا كلُّ امرئ عمله.
موقع قصة الإسلام - الكاتب: محمد إلهامي.

تعليق