الكتاب : أليس الصبح بقريب
المؤلف : محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله .
المطبعة : دار سحنون – دار السلام
230 صفحة .
الطبعة 2006.
هذا الكتاب هو أثر فريد في بابه و طريف في موضوعه و عنوانه , يعرض تاريخ المعرف البشرية عند الأمم القديمة و عند العرب في الجاهلية ثم في العصور الإسلامية الزهية . ففيه وصف دقيق للتعليم الإسلامي : أساليبه و مناهجه و تاريخ لمواضعه في سائر أقطار المشرق و المغرب . كما بين صاحبه أهمية تعليم المرأة في الإسلام بل ضرورته . كما تعرض بالتفصيل للتنبيه على مواطن الخلل التي أصابت مناهج التعليم في عصور الانحطاط , فأفاض في بيان أسباب تأخر العلوم و طرق تدريسها في العالم العربي عامة و في جامع الزيتونة خاصة . ثم عرض طريقته للإصلاح التربوي و التعليمي بجرأة و إخلاص . فأبان عن نظرة استشرافية منيرة و إحاطة و فهم للشريعة و الواقع . فخط بذلك للأمة الإسلامية طريقا للنهوض و الإصلاح و رسم لها منهجا قويما للنمو و الفلاح .
و أقترح عليكم هذه الباقة من أزهار هذه التحفة الفريدة :
وإذا كان الرجل من الصالحين و ألف تأليفا أو أنشأ شعرا أدخلوا صلاحه في آثاره فعصموه من الخطل و أعطوا شعره رتبة الاختيار و لبسوا لمن ينقد شيئا من كلامه جلد النمر و أحضروا له سياط الزجر....
وهكذا كانوا يأخذون كلام الصالحين فيقضون به على العلم و ربما نزلوه منزلة ما لا يقبل الطعن كأخذهم أجوبة صاحب الإبريز التي يرويها عن شيخه الصالح عبد العزيز الدباغ , فيعتقدون أنها تمام مراد الله أو رسوله من كلامه المفسر فيها . و قد يأتي الواحد منهم بمقالة تخالف العلم أو أصول الدين – نشأت عن قصور في العلم أو سوء فهم أو ضيق تعبير – فاعتبروها- أتباعهم أو مريدوهم - هي الدين و صمموا عقدهم على غلط الأئمة السابقين , إذ شتان بين من يأخذ من طريق الاجتهاد و من يأخذ من طريق الكشف . ظنا منهم أن الصالح منزه عن الغلط و أنه إذا تكلم تكلم عن شبه وحي وهو ما عبروا عنه بالكشف , و توهموه أنه الاطلاع على مراد الله أو قراءة اللوح المحفوظ كما يقول الجهال من العامة , مع أن هذا الكشف خواطر تعرض لأهل الصلاح و ليست معصومة من الخطأ . و لقد كانوا يعتقدون و ما زالوا أن الأمر المشكل إذا ريء في النوم ما يبينه فقد فسر بوجه لا يقبل الخطأ لأنهم يرون الأحلام كشفا و يثقون بأنفسهم وهم نائمون بما كانوا يشكون فيها وهم أيقاظ فهم لا يقلدون إلا ميتا .
..............
اعتل الوضاعون بعدما رأوا من صرامة أهل النقد بعلة جديدة و هي التساهل في أحاديث فضائل الأعمال و منشأ ذلك شيوع التصوف ظنا منهم أن الكذب في الترغيب مصلحة حتى إن أحدهم ليم على صنيعه و ذُكِر بحديث " من كذب علي متعمدا فليتوبأ مقعده من النار" فقال " إنما كذبت له لا عليه" و تغالى بعض الجهلة فقال : يكفينا في وجوب الأخذ قول القائل : قال رسول الله سواء كان صدقا أو كذبا . و أيدوا ذلك برؤى حلمية . و من العجيب أن النووي يحكي اتفاق الحفاظ على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال و الواجب سد هذه الذريعة .
................
أما أسباب التأخر فهي :
الأول : التعصب للمذاهب و العكوف على إمام المذهب و استنباط الحكم بالالتزام أو نحوه , فتلقى أتباع الأئمة مذاهبهم برهبة منعتهم النظر في الفقه بل صار قصاراهم نقل الفروع و جمع الغرائب المخالفة للقياس و نقل الخلاف . و أبوا التراجع و رفع الخلاف الذي هو الغرض من التفقه و عوضوا ذلك بالانتصار للمذاهب لا يلوون على غير ذلك . مع تصريح الأئمة بأن لا يوافقهم أحد إلا بعد عرض مذاهبهم على الأصول ز قال الباجي " لا أعلم قوما أشد خلافا على مالك من أهل الأندلس لأن مالكا لا يجيز تقليد الرواة و هم لا يعتمدون غير ذلك"...
السبب الثاني : إبطال النظر في الترجيح و التعليل و رمي من يسلك ذلك بأنه يريد إحداث مذهب جديد أو إحداث قول ثالث كما هو اللقب المعروف في باب الإجماع من كتب الأصول . و قد كان علماء السلف مع تقليدهم لواحد من الأئمة لا يرون تقليده مانعا من النظر و الترجيح فهذا سحنون يخرج فروع " المدونة" مذيلة بأحاديث صحيحة تخالفها لينبه على أنه يختار غيرها .....
الرابط
تعليق