السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إعلام الحبيب بموضع التثويب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه...أما بعد :
فهذه مسائل انتزعتها من شرحي للدرر البهية للشوكاني – رحمه الله - وأردت نشرها بياناً للحق- إن شاء الله - في هذه المسألة.
المسألة التاسعة :
يطلق التثويب على أربعة معان:
1- قول المؤذن : ( الصلاة خير من النوم ) مرتين بعد قوله ( حي على الفلاح ) في أذان الصبح ، دون غيرها من الصلوات .
2- أن يقول بين الأذان والإقامة ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) مرتين.
3-قول المؤذن : ( الصلاة خير من النوم ) مرتين ، بعد قوله (حي على الفلاح ) في الأذان للصلوات الخمس.
4- التثويب بمعني إقامة الصلاة ، أو بمعنى التطوع بعد الفريضة. وهذا معنى لغوي.
- اتفق الفقهاء على أن التثويب ( الصلاة خير من النوم ) سنة في الأذان لصلاة الفجر وقد حكى الإجماع على ذلك ابن هبيرة- رحمه الله- واختلفوا في موضع التثويب على قولين:
القول الأول:
أن موضع التثويب يكون بعد قول المؤذن حي على الفلاح وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة ورأي لبعض الحنفية، واستدلوا بحديث أبي محذورة في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له سنة الأذان قال :)) تقول الله أكبر الله أكبر- إلى أن قال- حي على الفلاح حي على الفلاح فان كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله )) رواه أبو داود والنسائي وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح سنن أبي داود ( 1/147-148) .
القول الثاني :
أن موضعه يكون بعد الأذان، وهو مذهب الحنفية، واستدلوا بما روي أن النبي صلى الله علية وسلم قال (( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص كحصاص الحمار ،فإذا فرغ رجع ،فإذا ثوب أدبر..... وجعل يوسوس إلى المصلي أن كم صلى؟ ))
وجه الدلالة من الحديث: أنه قال: ( فإذا فرغ ) أي من الأذان، ثم قال ( فإذا ثوَّب أدبر )،فذكر أن التثويب يكون بعد الفراغ من الأذان، وليس المراد بالتثويب هنا الإقامة إلا أنه صرح بذكر الإقامة بعد التثويب.
أجيب عنه بثلاثة أوجه:
الأول :
الحديث ليس له إسناد ،وإنما ذكره السرخسي في( المبسوط ) .
الثاني :
أن الحديث بهذا اللفظ جمع بين لفظ الإقامة ولفظ التثويب ،والروايات الصحيحة الواردة لم تجمع بين هذين اللفظين، بل تقتصر على أحدهما، ومنها روايات الصحيحين من حديث أبي هريرة وفيه (( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان ... حتى إذا ثوب للصلاة أدبر )) ؛ لأن التثويب يطلق على الإقامة كما تقدم.
الثالث :
لا يمكن أن يكون المراد بالتثويب هنا قول المؤذن ((الصلاة خير من النوم )) مرتين، وإن كان يسمى تثويباً؛
لأمرين :
أحدهما:
أن هذا خاص بأذان الصبح ،والحديث عام في كل أذان.
الثاني :
أن الحديث دل على أن هذا التثويب يتخلل بينه وبين الأذان فصل يحضر فيه الشيطان، والتثويب الذي في الصبح لا فصل بينه وبين الأذان،بل هو في أثنائه.
والراجح القول الأول .
المراجع : لسان العرب لابن منظور مادة (ثوب )، بدائع الصنائع(1/148)،المجموع (3/100)، المغني (2/61) ،المبسوط ( 1 / 130 ) ، طرح التثريب (248/3 ) .
المسألة العاشرة :
اختلف العلماء القائلون بأن التثويب يكون بعد قول المؤذن ( حي على الفلاح ) من أذان الفجر هل يشرع في الأذان الأول للفجر أم في الأذان الثاني ؟ وذلك على أربعة أقوال:
القول الأول :
أنه يشرع في الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر، وهو رأي لبعض الحنابلة، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ،
ودليلهم:
1- حديث أبي محذورة في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الأذان وفيه (( تقول :الله أكبر... الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح )) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في سنن أبي داود (1/147-148) .
2- حديث أبي محذورة قال :(( كنت أؤذن لرسول الله صلى الله وعلية وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول حي على الفلاح ، الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله )) رواه النسائي وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/215).
تنبيه : هذان الحديثان لا يخلوان من مقال إلا أنهما في الشواهد.
3- عن ابن عمر قال ((كان في الأذان الأول بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين )) رواه البيهقي (1/423) والطحاوي في شرح المعاني ( 1 / 82 ) وحسنه الحافظ ابن حجر و وافقه الشيخ الألباني في تمام المنة ص(146-147) .
القول الثاني :
أنه يشرع في الأذان الثاني الذي يكون بعد طلوع الفجر ، وهو مذهب الحنابلة ، ودليلهم حديث نعيم النحام قال : كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة، فنادى منادي رسول الله صلى الله علية وسلم إلى صلاة الصبح ، فلما سمعت قلت : لو قال(من قعد فلا حرج)، قال: فلما قال الصلاة خير من النوم ، قال: و (من قعد فلا حرج ) رواه أحمد. وهذا الحديث من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن نعيم النحام، ولم يسمع منه. انظر ( تعجيل المنفعة ) للحافظ ابن حجر ص (472-473) ، (( وقد صح بلفظ أخر وهو: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه من طريق نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم قال : أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة فيها باردة وأنا تحت لحافي ، فتمنيت أن يلقي الله على لسانه : (ولاحرج) قال :( ولاحرج )) .وسنده صحيح وذكره شيخنا مقبل في (الجامع الصحيح) (2/66) .
القول الثالث :
أنه يشرع في كل أذان للصبح سواء كان الأول الذي قبل الفجر أو الثاني الذي بعده ، وهو وجه للشافعية ، ورأي لبعض متأخري الحنابلة وقالوا : لأن فيه جمعاً بين الآثار الواردة في ذلك.
القول الرابع : إذا ثوَّب المؤذن في الأذان الأول لم يثوِّب في الثاني، وهو الوجه الثاني للشافعية .
-والراجح أن التثويب في الأذان الأول.
المراجع : المجموع (3/101)، عون المعبود (2/126) ،سبل السلام (1/208)، تمام المنة ص (146/148)، الشرح الممتع ( 2 / 57 ) ، الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة لبازمول ص( 158 – 166 ) .
منقول للإفادة والدال على الخير كفاعله
تعليق