السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال بعنوان :
" ثم حُبّب إليه الخلاء "
أ. بيان المقبل
كيف أعرف مكانتى عند ربى؟
http://way2allah.com/fatawa-all-6103.htm
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه؛ وبعد:
كنت قد طرحت هذا الاستفتاء في تويتر:
هل تؤيد / تنوي ترك برامج التواصل في شهر رمضان المبارك؟
- نعم "تدوير"
- لا "مفضلة"
+ تفضل بذكر السبب أيا كان اختيارك.
وكانت النتيجة: ثلثي المصوتين أجابوا ب نعم
والثلث الباقي أجاب ب لا
وهذا تعقيب يسير عليه- ما كتبته إلا لحبي ونصحي:
في الحديث الذي اتفق عليه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئا إلا جاء مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه - أي يتعبد فيه- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ... "
قال (النووي) في شرحه على صحيح مسلم:
الخلاء: هو الخلوة وهي شأن الصالحين وعباد الله العارفين.
هل دار ببالك تساؤل: لماذا الخلاء؟
لماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختلي في الغار يتعبد؟
كان بإمكانه أن يتعبد في بيته أو في البيت الحرام!
ولعل ما قاله (أبو سليمان الخطابي) في تعليقه على الحديث يمحو هذا التساؤل؛ حيث يقول:
"حببت العزلة إليه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن معها فراغ القلب وهي معينة على التفكر وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويتخشع قلبه ".
يا صحاب: أقلب معتكف اختلى بربه خير أم قلوب منشغلة أمضت جل وقتها في فضول النظر والخبر؟
تعال تفكر معي لحظة:
ما حال قلبك بعد أن طفت به حول شتى المواقع وسعيت به بين البرامج: من خبر لآخر، صورة تفجعك وأخرى تضحكك وثالثة تعجبك ...
ومن رسالة لمقطع ومحادثة تجر أختها
ثم إذا فرغت من هذا كله وقمت لتصلي تراويحك!
كيف هو قلبك الذي سيقرأ ويناجي ربه؟
لا محالة أنه سيتخلله ذكرى تلك الصورة، وطيف ذلك الطفل الذي بالمقطع، والتفكير بم ترد على رسالة فلان، وماذا تغرد الليلة!
أيستوي هو ومن أفرغ قلبه من كل هذه الشواغل، وغواشي الفكر، وجاء ربه بقلب خال لا يشغله سوى محبته والإقبال عليه والشوق للقائه ومناجاته؟
هل يستويان مثلا؟
دعني أتقمص جوابك:
دقائق قبل الفطر لن تضر ودقائق بعده وأخرى قبل التراويح ومثلها بعده وساعة قبل السحر وأيضا بعده ثم نظرة قبل النوم وتفقد لما استجد بعد الاستيقاظ!
ماذا بقي من نفائس وقتك؟
ما الوقت إلا ساعات، وما الساعات إلا دقائق تمضي وأنت منهمك في قراءة هذه ومشاهدة تلك والرد على ذاك!
وتصرم رمضانك الذي بت ترقبه وأنت رهين محبس جهازك.
بعض من شارك في الاستفتاء يقول في سبب عدم نيته ترك جهازه: لعلي أفيد وأستفيد.
-وأقول له: مضت ثمانية أشهر ألم تفد وتستفد خلالها؟ ثم دونك بضع ليال قبل رمضان، اكتب ما شئت واقرأ ما شئت.
والبعض الآخر يقول: أقرأ ما يشجعني على العبادة.
-ببساطة: أنت لست بحاجة إلى تشجيع؛
كل ما في الكون في رمضان يدفعك ويؤزك للعبادة رغما عنك:
الدافع الإيماني العجيب الذي بداخلك،
صوت إمام مسجدكم،
الشياطين المصفدة،
أبواب الجنة المفتوحة،
عتقاء الله في كل ليلة،
جميعها تدفعك دون أن تدري!
جرب : أنت وقلبك والله ثالثكما، وحدكما في جنح الليالي، تقرب إليه باعا، اركض إليه بأقصى حبك، لعل الشهر لا ينقضي إلا وقد كتبت من أولياء الله، من القليل الآخرين المقربين الذين قال الله -عز وجل- فيهم:
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ(13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ(14) }
لعلك تقول لي:
قرأت كثيرا هذا اليوم وبقي وقت، لا بأس بالترفيه قليلا؟
أخي في الله: إني لأحبك فيه فاسمعني :
طيلة أيامك وأنت عاكف على جهازك، في معمعة مع الناس، وأخبارهم ومقاطعهم ورسائلهم! ألا تتوقف هذا الشهر فقط؟
تجعله خالصا لربك؟
اخرج بنفسك من وعثاء هذه الأجهزة وكثرة غشيان الناس واعرج بقلبك إلى السماء.
يكفي هذا الفتور والهزال في علاقتك مع الله!
اقرأ أخرى وثالثة ورابعة، تدبر، اقرأ تفسير ما تقرأه.
عش مع القرآن! تنفس كلام الله
وهل خلقت إلا لعبادته؟
وهل خلقت إلا لعبادته؟
أتستكثر على نفسك أجورا مزيدة.
أترضيك هذه الركعات السريعات وقراءة القرآن العجلى ثم تؤوب إلى جهازك؟
ماذا تراك تجني منه؟
وإن الموتى -رحمهم الله- أقصى آمالهم ساعة يتزودون فيها، تلك التي تهدرها بلا مبالاة! وأي ساعة؟ ساعات رمضان!
لا تكن عاديا، أر الله من نفسك جهادا في الوصول إليه ونيل المراتب القريبة منه.
{هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ}
ألا تدفعك هذه الآية لسؤال عظيم يهيج له قلب المؤمن اضطرابا ورجاء:
"ما أنا عند الله"، "ما درجتي عنده"؟
http://way2allah.com/fatawa-all-6103.htm
اجعل رمضانك هذا مختلفا، عباد الله في مشارق الأرض ومغاربها يحثون السير، يتسابقون.
قواما، خشعا، قانتين، تسيل مدامعهم، لزموا القرآن والذكر.
سابقهم، لا تدعهم يسبقونك إلى الله.
لعل الأمر يكون صعبا عليك في البداية؛ لكن
اصبر نفسك مع ربك، ولا تعد عيناك إلى شيء من هذه البرامج تريد زينتها.
وإنما هي لحظات فقط، ثم تجد لذة تركها، وأقولها عن تجربة.
يكفيك أن الله يطلع عليك فيجدك تركتها من أجل التقرب إليه وزيادة نصيبك من طاعته،
لأجل أنها تلهيك عن التزلف إليه.
ماذا تراه حينها يجازيك؟
والله إن القلب ليموج ارتجافا من هذه وحدها.
فستذكرون ما أقول لكم عند مواضع ثلاث:
- عندما تتذوق لذة تركها، وجمال الخلوة بالله وحده.
- عند نهاية الشهر وقد أحسنت في شهرك، ورضيت عما قدمته لنفسك.
- ثم كأني بك وقد دخلت جنتك، قلت: الحمد لله الذي هدانا لهذا، الذي وفقنا للتقرب منه.
هذا وأستغفر الله من الزلل، إن كان من صواب فمن الله
وإن كان من خطأ فمن نفسي،
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
راقت لى
على الهامش:
مقال قيم للدكتور عمر المقبل | لئن أدركت رمضان ليرين الله ما أصنع !!
http://www.saaid.net/mktarat/ramadan/101.htm
مقال بعنوان :
" ثم حُبّب إليه الخلاء "
أ. بيان المقبل
كيف أعرف مكانتى عند ربى؟
http://way2allah.com/fatawa-all-6103.htm
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه؛ وبعد:
كنت قد طرحت هذا الاستفتاء في تويتر:
هل تؤيد / تنوي ترك برامج التواصل في شهر رمضان المبارك؟
- نعم "تدوير"
- لا "مفضلة"
+ تفضل بذكر السبب أيا كان اختيارك.
وكانت النتيجة: ثلثي المصوتين أجابوا ب نعم
والثلث الباقي أجاب ب لا
وهذا تعقيب يسير عليه- ما كتبته إلا لحبي ونصحي:
في الحديث الذي اتفق عليه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئا إلا جاء مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه - أي يتعبد فيه- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ... "
قال (النووي) في شرحه على صحيح مسلم:
الخلاء: هو الخلوة وهي شأن الصالحين وعباد الله العارفين.
هل دار ببالك تساؤل: لماذا الخلاء؟
لماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختلي في الغار يتعبد؟
كان بإمكانه أن يتعبد في بيته أو في البيت الحرام!
ولعل ما قاله (أبو سليمان الخطابي) في تعليقه على الحديث يمحو هذا التساؤل؛ حيث يقول:
"حببت العزلة إليه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن معها فراغ القلب وهي معينة على التفكر وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويتخشع قلبه ".
يا صحاب: أقلب معتكف اختلى بربه خير أم قلوب منشغلة أمضت جل وقتها في فضول النظر والخبر؟
تعال تفكر معي لحظة:
ما حال قلبك بعد أن طفت به حول شتى المواقع وسعيت به بين البرامج: من خبر لآخر، صورة تفجعك وأخرى تضحكك وثالثة تعجبك ...
ومن رسالة لمقطع ومحادثة تجر أختها
ثم إذا فرغت من هذا كله وقمت لتصلي تراويحك!
كيف هو قلبك الذي سيقرأ ويناجي ربه؟
لا محالة أنه سيتخلله ذكرى تلك الصورة، وطيف ذلك الطفل الذي بالمقطع، والتفكير بم ترد على رسالة فلان، وماذا تغرد الليلة!
أيستوي هو ومن أفرغ قلبه من كل هذه الشواغل، وغواشي الفكر، وجاء ربه بقلب خال لا يشغله سوى محبته والإقبال عليه والشوق للقائه ومناجاته؟
هل يستويان مثلا؟
دعني أتقمص جوابك:
دقائق قبل الفطر لن تضر ودقائق بعده وأخرى قبل التراويح ومثلها بعده وساعة قبل السحر وأيضا بعده ثم نظرة قبل النوم وتفقد لما استجد بعد الاستيقاظ!
ماذا بقي من نفائس وقتك؟
ما الوقت إلا ساعات، وما الساعات إلا دقائق تمضي وأنت منهمك في قراءة هذه ومشاهدة تلك والرد على ذاك!
وتصرم رمضانك الذي بت ترقبه وأنت رهين محبس جهازك.
بعض من شارك في الاستفتاء يقول في سبب عدم نيته ترك جهازه: لعلي أفيد وأستفيد.
-وأقول له: مضت ثمانية أشهر ألم تفد وتستفد خلالها؟ ثم دونك بضع ليال قبل رمضان، اكتب ما شئت واقرأ ما شئت.
والبعض الآخر يقول: أقرأ ما يشجعني على العبادة.
-ببساطة: أنت لست بحاجة إلى تشجيع؛
كل ما في الكون في رمضان يدفعك ويؤزك للعبادة رغما عنك:
الدافع الإيماني العجيب الذي بداخلك،
صوت إمام مسجدكم،
الشياطين المصفدة،
أبواب الجنة المفتوحة،
عتقاء الله في كل ليلة،
جميعها تدفعك دون أن تدري!
جرب : أنت وقلبك والله ثالثكما، وحدكما في جنح الليالي، تقرب إليه باعا، اركض إليه بأقصى حبك، لعل الشهر لا ينقضي إلا وقد كتبت من أولياء الله، من القليل الآخرين المقربين الذين قال الله -عز وجل- فيهم:
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ(13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ(14) }
لعلك تقول لي:
قرأت كثيرا هذا اليوم وبقي وقت، لا بأس بالترفيه قليلا؟
أخي في الله: إني لأحبك فيه فاسمعني :
طيلة أيامك وأنت عاكف على جهازك، في معمعة مع الناس، وأخبارهم ومقاطعهم ورسائلهم! ألا تتوقف هذا الشهر فقط؟
تجعله خالصا لربك؟
اخرج بنفسك من وعثاء هذه الأجهزة وكثرة غشيان الناس واعرج بقلبك إلى السماء.
يكفي هذا الفتور والهزال في علاقتك مع الله!
اقرأ أخرى وثالثة ورابعة، تدبر، اقرأ تفسير ما تقرأه.
عش مع القرآن! تنفس كلام الله
وهل خلقت إلا لعبادته؟
وهل خلقت إلا لعبادته؟
أتستكثر على نفسك أجورا مزيدة.
أترضيك هذه الركعات السريعات وقراءة القرآن العجلى ثم تؤوب إلى جهازك؟
ماذا تراك تجني منه؟
وإن الموتى -رحمهم الله- أقصى آمالهم ساعة يتزودون فيها، تلك التي تهدرها بلا مبالاة! وأي ساعة؟ ساعات رمضان!
لا تكن عاديا، أر الله من نفسك جهادا في الوصول إليه ونيل المراتب القريبة منه.
{هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ}
ألا تدفعك هذه الآية لسؤال عظيم يهيج له قلب المؤمن اضطرابا ورجاء:
"ما أنا عند الله"، "ما درجتي عنده"؟
http://way2allah.com/fatawa-all-6103.htm
اجعل رمضانك هذا مختلفا، عباد الله في مشارق الأرض ومغاربها يحثون السير، يتسابقون.
قواما، خشعا، قانتين، تسيل مدامعهم، لزموا القرآن والذكر.
سابقهم، لا تدعهم يسبقونك إلى الله.
لعل الأمر يكون صعبا عليك في البداية؛ لكن
اصبر نفسك مع ربك، ولا تعد عيناك إلى شيء من هذه البرامج تريد زينتها.
وإنما هي لحظات فقط، ثم تجد لذة تركها، وأقولها عن تجربة.
يكفيك أن الله يطلع عليك فيجدك تركتها من أجل التقرب إليه وزيادة نصيبك من طاعته،
لأجل أنها تلهيك عن التزلف إليه.
ماذا تراه حينها يجازيك؟
والله إن القلب ليموج ارتجافا من هذه وحدها.
فستذكرون ما أقول لكم عند مواضع ثلاث:
- عندما تتذوق لذة تركها، وجمال الخلوة بالله وحده.
- عند نهاية الشهر وقد أحسنت في شهرك، ورضيت عما قدمته لنفسك.
- ثم كأني بك وقد دخلت جنتك، قلت: الحمد لله الذي هدانا لهذا، الذي وفقنا للتقرب منه.
هذا وأستغفر الله من الزلل، إن كان من صواب فمن الله
وإن كان من خطأ فمن نفسي،
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
راقت لى
على الهامش:
مقال قيم للدكتور عمر المقبل | لئن أدركت رمضان ليرين الله ما أصنع !!
http://www.saaid.net/mktarat/ramadan/101.htm
تعليق