السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفريغ خطبة صنوف البر فى رمضان للشيخ خالد المصلح
صُنوفُ البِرِّ في رمضانَ.
الخطبة الأولى: ِإنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد.
فيا أيها المؤمنون، اتقوا ربَّكم واشكروه، أن منَّ عليكم بإدراكِ هذا الشهرِ العظيمِ، الذي أنزل فيه أحسنَ كتبِه، وبعثَ فيه خاتمَ رسلِه، وفيه أظهرَ أمرَ رسولِه صلى الله عليه وسلم يومَ بدرٍ، وخلَّص بيتَه من المشركين على يدِ رسولِه صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ، فالحمدُ لله أوَّلاً وآخراً، والحمدُ لله ظاهراً وباطناً.
أيها المؤمنون. قد أظلَّكم شهرٌ كريمٌ، وموسمٌ عظيمٌ، فيه تفتحُ أبوابُ الجنانِ، وتغلقُ أبوابُ النيران، وتسلسل الشياطينُ، نوَّع اللهُ فيه أبوابَ الخير الموصِلةَ إليه، وصنوفَ البرِّ التي تقرِّب منه، فهو من أعظمِ مزارعِ الآخرةِ. الخيرُ بادٍ فيك والإحسانُ والليلُ فيك نسائمٌ هفهافةٌ 0 والذكرُ والقرآنُ يا رمضانُ حنت لطيبِ عبيرِها الرهبانُ( ) 0 أتى رمضانُ مزرعةُ العباد فأدِّ حقوقَه قـولاً وفعلاً 0 0 لتطهيرِ القلـوبِ من الفساد وبادرْ فيه أزوادَ المَعَــاد 0 فمن أعظمِ صنوفِ البرِّ في هذا الشهرِ الكريمِ أبوابُ الخيرِ في هذا الشهرِ.
أيها المؤمنون. إن أبوابَ الخيرِ في هذا الشهرِ المباركِ كثيرةٌ، فأبوابُ الخيرِ فيه مُشرَعةٌ، وطرُقُه مٌيسَّرةٌ، وسُبُلُه ممهدةٌ في أصنافٍ متنوعةٍ، فمن أبوابِ الخير: الصيامُ الذي يغفرُ به اللهُ ما تقدَّم من السيئاتِ، ويبلغُ به العبدُ العاليَ من الدرجاتِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (من صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبِه)( )، فصيامُ هذا الشهرِ سببٌ لغفرانِ الذنوبِ، بشرطِ أن يكونَ الصومُ للهِ تعالى، لا رياءَ ولا سمعةَ ولا عادةَ، بل عبادةُ للهِ رَغَباً ورَهَباً.
وهذا فضلُ صيامِ رمضانَ خاصَّةً، وأما فضائلُ الصيامِ عموماً فذاك بحرٌ بعيدٌ ساحلُه، ويكفي في ذلك قولُ الله تعالى في الحديثِ القدسيِّ: (كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصِّيامَ فإنه لي، وأنا أجْزِي به)( ).
ومن صنوفِ البرِّ في هذا الشهرِ الكريمِ:
قيامُ الليلِ،
الذي تواردَ في الحثِّ عليه وبيانِ فضله الأخبارُ، إذ فيه تُسكبُ العبراتُ، وتمحى السيئاتُ، وتحصُلُ به الدرجاتُ، وقد خُصَّ قيامُ هذا الشهرِ بمزيدِ فضلٍ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه)( ).
وقيام رمضان يتحققُ بالمحافظةِ على صلاة التراويحِ، وعدم الانصرافِ منها إلا إذا انتهت، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: صُمنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رمضانَ، فلم يقُم بنا شيئاً في الشهر حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهبَ ثلثُ الليلِ، فلما كانت السادسةُ لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتى ذهبَ شطرُ الليلِ، فقلت: يا رسولَ الله، لو نفَّلتنا قيامَ هذه الليلةِ –أي: قمتَها كاملةً-؟
قال: فقال: (إن الرجلَ إذا صلى مع الإمامِ حتى ينصرفَ حُسب له قيامُ الليلةِ)( )، وهذا يفيدُ أن من صلى مع الإمامِ ولم يفارقْه حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ هذه الليلةِ، وإذا حافظَ على ذلك جميعَ ليالي الشهرِ يكون قد قامَ رمضانَ، ومن قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه، ومن حافظَ على ذلك أيضاً حصّل فضلَ قيامِ ليلةِ القدرِ، التي هي إحدى ليالي الشهرِ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في فضلِها: (من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبِه)( ).
ومن أبوابِ البر في هذا الشهرِ الكريم:
قراءةُ القرآن،
فإن هذا الشهرَ هو شهرَ القرآنِ، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾( ) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يختمُ القرآنَ في رمضانَ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان جبريلُ يعرضُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم القرآنَ كلَّ عامٍ مرةً، فعرَضَ عليه مرتين في العامِ الذي قُبضَ فيه)( ). وقد كان السلفُ يهتمُّون بالقرآنِ اهتماماً زائداً في هذا الشهرِ، فقد كان الإمامُ مالكٌ رحمه الله إذا دخلَ رمضانُ تركَ قراءةَ الحديثِ، وأقبلَ على قراءةِ القرآنِ الكريمِ من المصحفِ، وقال الزهري: "إذا دخلَ رمضانُ، فإنما هو قراءةُ القرآنِ، وإطعامُ الطعام". ومن أبوابِ الخيرِ في هذا الشهرِ الكريمِ: الجودُ والكرمُ والسخاءُ والصدقاتُ؛ وذلك أن النفوسَ إذا زَكَت وطهرت أعطتْ وبذلتْ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ، وكان يلقاه جبريلُ في كلِّ ليلةٍ من رمضانَ، فيدارسُه القرآن، فلَرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخير من الرِّيحِ المرسلةِ)( ). فعليكم أيها الأحبابُ بكثرةِ النفقةِ والصدقةِ في وجوهِ البرِّ، في هذا الشهرِ الكريمِ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صدقتِه حتى يفصلَ بين الناسِ)( ) ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ، فيما أخرجه الترمذي بسند صحيح: (والصدقةُ تطفئُ الخطيئةَ، كما يُطفئُ الماءُ النارَ)( ).
ولي عند هذا البابِ من أبوابِ البرِّ في هذا الشهرِ وقفاتٌ:
الأولى:
أن كثيراً من الناسِ يؤخِّر زكاتَه إلى هذا الشهرِ الكريمِ، أو يعجلُها فيه، ويكتفي بإخراجِها عن إخراجِ الصدقاتِ غيرِ الواجبةِ، التي ورد في الحثِّ عليها نصوصٌ كثيرةٌ، وقد يكون فيه أيضاً تضييعٌ للفقراءِ والمستحقين للزكاة، في غيرِ شهرِ رمضانَ.
الثانية:
أن بعضَ أهلِ الإنفاقِ يمسكُ عن البذلِ والصدقةِ خشيةَ الفقرِ، أو بسببِ الركودِ الاقتصادي أو غير ذلك من الأسبابِ، ولهؤلاء الإخوةِ نقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ)( )، وقال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: (جُهْدُ المُقِلِّ، وابدأْ بمن تعولُ)( ). الثالثة: أن بعضَ الناسِ لا يتحرَّى المستحقين للصدقةِ والزكاةِ، فهو يعطي كلَّ من سأله، بل بعضُ الناسِ اعتادَ أن يعطي أناساً كلَّ عامٍ، حتى لو اغتنى هؤلاء، ولا شكَّ أن هذا لا يَحلُّ صرفُ الزكاةِ فيه، وهي لا تجزىء عن صاحبِها،
وقد يتعذَّر بعضُ المتصدِّقين بأنه لا يعرفُ المحتاجين، والجوابُ على هذا أن نقولَ: ابحثْ عمَّن يدلُّك عليهم.
أيها الإخوة الكرام.
ومن أبوابِ الخير في هذا الشهر الكريم:
العمرةُ،
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فإن عمرةً فيه – أي: رمضان - تعدل حجةً) أو قال: (حجةً معي)( ) وهذا الفضلُ حاصلٌ لمن اعتمرَ في أي جزءٍ من أجزاءِ هذا الشهرِ، فليس هذا مخصوصاً بزمانٍ معينٍ فيه.
ومن أبوابِ الخيرِ في هذا الشهر:
اعتكافُ العشرِ الأواخرِ منه،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم : (كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ، حتى توفَّاه اللهُ عز وجل) ( ). فأبوابُ الخير، وصنوفُ البر في هذا الشهرِ كثيرةٌ، والسعيدُ من اغتنم مواسمَ النفحاتِ، وسارع في الخيراتِ، وصدق من قال: طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَهُ 0 في شهرِهِ، وبحبلِ الله معتصما 0 ¹
الخطبة الثانية أما بعد. فاغتنموا عبادَ اللهِ هذا الموسمَ الكريمَ،
واعلموا أن الحسنةَ فيه تضاعفُ، والسيئةُ تعظمُ، فاستكثروا من الحسناتِ، وتخفَّفوا من السيئاتِ، فإن الصيامَ لم يشرعْ إلا لتحقيقِ هذه الغايةِ، وفي هذا المقصدِ قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾( ) فقد ذكر اللهُ تعالى في هذه الآيةِ أن الغايةَ من فريضةِ الصيامِ على هذه الأمةِ، وعلى الأممِ التي قبلَها هي تقوى الله عز وجل، فليس المقصودَ من الصيامِ الجوعُ والعطشُ وتركُ الشهوة فحسب، فإن هذه الأشياء وسيلةٌ إلى غايةٍ، ووصلةٌ إلى نهايةٍ،
وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (من لم يدعْ قولَ الزُّورِ والعملَ به فليس للهِ حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابَه)( ). فمن منع نفسَه الطعامَ والشرابَ والشهوةَ، ثم أطلقَ لجوارحِه وقلبِه العنانَ في ارتكابِ المعاصي والذنوبِ، فإنه لم يحقق التقوى التي من أَجلِها شُرِع الصيامُ.
إذ إن تقوى الله تعالى هي أن تجعلَ بينك وبين عذابِ اللهِ وقايةً،
بفعلِ الطاعاتِ واجتنابِ المنهياتِ، فهل اتقى اللهَ، يا عباد الله، عبدٌ صام عن الطعامِ والشرابِ،
ثم أعملَ لسانَه في الغِيبةِ والنميمةِ؟
أم هل اتقى اللهَ عبدٌ نامَ عن الصلواتِ المكتوباتِ،
وضيَّع الحقوقَ والواجباتِ؟
أم هل اتقى اللهَ من أحيا ليلَه بالملذَّاتِ والشهواتِ والمنكراتِ؟
أم هل اتقى اللهَ من شغل أذنَه بسماعِ المحرماتِ،
ونظرَه بمشاهدة الممنوعاتِ والمحظوراتِ؟ .
أم هل اتقى اللهَ من هجرَ القرآنَ وترك القيام،
وعمَّر وقتَه بما يغضبِ الرحمن؟
أم هل اتقى اللهَ رجلٌ ضيّع أبناءَه وبناتَه، فلم يقم بحفظِهم ووقايتِهم مما حرَّم الله؟ الجواب: لا واللهِ، لم يتق اللهَ، إنما اتقى اللهَ من زادَه الصيامُ استقامةً وعبادةً وصلاحاً.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وأكثروا من عبادةِ اللهِ تعالى في هذا الشهرِ، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يخصُّ رمضانَ بالإكثارِ من العباداتِ والطاعاتِ،
واستغلوا أيها المؤمنون مواسمَ الخيراتِ لتكثيرِ الحسناتِ، وتكفيرِ السيئاتِ،
فإن المحرومَ من أدركَ هذا الشهرَ ولم يغفر له. ¹
http://www.manzilat.org/site/index.p...&limitstart=40
http://www.khutabaa.com/index.cfm?me...*******ID=4481
تفريغ خطبة صنوف البر فى رمضان للشيخ خالد المصلح
صُنوفُ البِرِّ في رمضانَ.
الخطبة الأولى: ِإنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد.
فيا أيها المؤمنون، اتقوا ربَّكم واشكروه، أن منَّ عليكم بإدراكِ هذا الشهرِ العظيمِ، الذي أنزل فيه أحسنَ كتبِه، وبعثَ فيه خاتمَ رسلِه، وفيه أظهرَ أمرَ رسولِه صلى الله عليه وسلم يومَ بدرٍ، وخلَّص بيتَه من المشركين على يدِ رسولِه صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ، فالحمدُ لله أوَّلاً وآخراً، والحمدُ لله ظاهراً وباطناً.
أيها المؤمنون. قد أظلَّكم شهرٌ كريمٌ، وموسمٌ عظيمٌ، فيه تفتحُ أبوابُ الجنانِ، وتغلقُ أبوابُ النيران، وتسلسل الشياطينُ، نوَّع اللهُ فيه أبوابَ الخير الموصِلةَ إليه، وصنوفَ البرِّ التي تقرِّب منه، فهو من أعظمِ مزارعِ الآخرةِ. الخيرُ بادٍ فيك والإحسانُ والليلُ فيك نسائمٌ هفهافةٌ 0 والذكرُ والقرآنُ يا رمضانُ حنت لطيبِ عبيرِها الرهبانُ( ) 0 أتى رمضانُ مزرعةُ العباد فأدِّ حقوقَه قـولاً وفعلاً 0 0 لتطهيرِ القلـوبِ من الفساد وبادرْ فيه أزوادَ المَعَــاد 0 فمن أعظمِ صنوفِ البرِّ في هذا الشهرِ الكريمِ أبوابُ الخيرِ في هذا الشهرِ.
أيها المؤمنون. إن أبوابَ الخيرِ في هذا الشهرِ المباركِ كثيرةٌ، فأبوابُ الخيرِ فيه مُشرَعةٌ، وطرُقُه مٌيسَّرةٌ، وسُبُلُه ممهدةٌ في أصنافٍ متنوعةٍ، فمن أبوابِ الخير: الصيامُ الذي يغفرُ به اللهُ ما تقدَّم من السيئاتِ، ويبلغُ به العبدُ العاليَ من الدرجاتِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (من صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبِه)( )، فصيامُ هذا الشهرِ سببٌ لغفرانِ الذنوبِ، بشرطِ أن يكونَ الصومُ للهِ تعالى، لا رياءَ ولا سمعةَ ولا عادةَ، بل عبادةُ للهِ رَغَباً ورَهَباً.
وهذا فضلُ صيامِ رمضانَ خاصَّةً، وأما فضائلُ الصيامِ عموماً فذاك بحرٌ بعيدٌ ساحلُه، ويكفي في ذلك قولُ الله تعالى في الحديثِ القدسيِّ: (كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصِّيامَ فإنه لي، وأنا أجْزِي به)( ).
ومن صنوفِ البرِّ في هذا الشهرِ الكريمِ:
قيامُ الليلِ،
الذي تواردَ في الحثِّ عليه وبيانِ فضله الأخبارُ، إذ فيه تُسكبُ العبراتُ، وتمحى السيئاتُ، وتحصُلُ به الدرجاتُ، وقد خُصَّ قيامُ هذا الشهرِ بمزيدِ فضلٍ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه)( ).
وقيام رمضان يتحققُ بالمحافظةِ على صلاة التراويحِ، وعدم الانصرافِ منها إلا إذا انتهت، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: صُمنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رمضانَ، فلم يقُم بنا شيئاً في الشهر حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهبَ ثلثُ الليلِ، فلما كانت السادسةُ لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتى ذهبَ شطرُ الليلِ، فقلت: يا رسولَ الله، لو نفَّلتنا قيامَ هذه الليلةِ –أي: قمتَها كاملةً-؟
قال: فقال: (إن الرجلَ إذا صلى مع الإمامِ حتى ينصرفَ حُسب له قيامُ الليلةِ)( )، وهذا يفيدُ أن من صلى مع الإمامِ ولم يفارقْه حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ هذه الليلةِ، وإذا حافظَ على ذلك جميعَ ليالي الشهرِ يكون قد قامَ رمضانَ، ومن قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه، ومن حافظَ على ذلك أيضاً حصّل فضلَ قيامِ ليلةِ القدرِ، التي هي إحدى ليالي الشهرِ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في فضلِها: (من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبِه)( ).
ومن أبوابِ البر في هذا الشهرِ الكريم:
قراءةُ القرآن،
فإن هذا الشهرَ هو شهرَ القرآنِ، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾( ) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يختمُ القرآنَ في رمضانَ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان جبريلُ يعرضُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم القرآنَ كلَّ عامٍ مرةً، فعرَضَ عليه مرتين في العامِ الذي قُبضَ فيه)( ). وقد كان السلفُ يهتمُّون بالقرآنِ اهتماماً زائداً في هذا الشهرِ، فقد كان الإمامُ مالكٌ رحمه الله إذا دخلَ رمضانُ تركَ قراءةَ الحديثِ، وأقبلَ على قراءةِ القرآنِ الكريمِ من المصحفِ، وقال الزهري: "إذا دخلَ رمضانُ، فإنما هو قراءةُ القرآنِ، وإطعامُ الطعام". ومن أبوابِ الخيرِ في هذا الشهرِ الكريمِ: الجودُ والكرمُ والسخاءُ والصدقاتُ؛ وذلك أن النفوسَ إذا زَكَت وطهرت أعطتْ وبذلتْ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ، وكان يلقاه جبريلُ في كلِّ ليلةٍ من رمضانَ، فيدارسُه القرآن، فلَرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريلُ أجودُ بالخير من الرِّيحِ المرسلةِ)( ). فعليكم أيها الأحبابُ بكثرةِ النفقةِ والصدقةِ في وجوهِ البرِّ، في هذا الشهرِ الكريمِ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صدقتِه حتى يفصلَ بين الناسِ)( ) ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ، فيما أخرجه الترمذي بسند صحيح: (والصدقةُ تطفئُ الخطيئةَ، كما يُطفئُ الماءُ النارَ)( ).
ولي عند هذا البابِ من أبوابِ البرِّ في هذا الشهرِ وقفاتٌ:
الأولى:
أن كثيراً من الناسِ يؤخِّر زكاتَه إلى هذا الشهرِ الكريمِ، أو يعجلُها فيه، ويكتفي بإخراجِها عن إخراجِ الصدقاتِ غيرِ الواجبةِ، التي ورد في الحثِّ عليها نصوصٌ كثيرةٌ، وقد يكون فيه أيضاً تضييعٌ للفقراءِ والمستحقين للزكاة، في غيرِ شهرِ رمضانَ.
الثانية:
أن بعضَ أهلِ الإنفاقِ يمسكُ عن البذلِ والصدقةِ خشيةَ الفقرِ، أو بسببِ الركودِ الاقتصادي أو غير ذلك من الأسبابِ، ولهؤلاء الإخوةِ نقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ)( )، وقال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: (جُهْدُ المُقِلِّ، وابدأْ بمن تعولُ)( ). الثالثة: أن بعضَ الناسِ لا يتحرَّى المستحقين للصدقةِ والزكاةِ، فهو يعطي كلَّ من سأله، بل بعضُ الناسِ اعتادَ أن يعطي أناساً كلَّ عامٍ، حتى لو اغتنى هؤلاء، ولا شكَّ أن هذا لا يَحلُّ صرفُ الزكاةِ فيه، وهي لا تجزىء عن صاحبِها،
وقد يتعذَّر بعضُ المتصدِّقين بأنه لا يعرفُ المحتاجين، والجوابُ على هذا أن نقولَ: ابحثْ عمَّن يدلُّك عليهم.
أيها الإخوة الكرام.
ومن أبوابِ الخير في هذا الشهر الكريم:
العمرةُ،
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فإن عمرةً فيه – أي: رمضان - تعدل حجةً) أو قال: (حجةً معي)( ) وهذا الفضلُ حاصلٌ لمن اعتمرَ في أي جزءٍ من أجزاءِ هذا الشهرِ، فليس هذا مخصوصاً بزمانٍ معينٍ فيه.
ومن أبوابِ الخيرِ في هذا الشهر:
اعتكافُ العشرِ الأواخرِ منه،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم : (كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ، حتى توفَّاه اللهُ عز وجل) ( ). فأبوابُ الخير، وصنوفُ البر في هذا الشهرِ كثيرةٌ، والسعيدُ من اغتنم مواسمَ النفحاتِ، وسارع في الخيراتِ، وصدق من قال: طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَهُ 0 في شهرِهِ، وبحبلِ الله معتصما 0 ¹
الخطبة الثانية أما بعد. فاغتنموا عبادَ اللهِ هذا الموسمَ الكريمَ،
واعلموا أن الحسنةَ فيه تضاعفُ، والسيئةُ تعظمُ، فاستكثروا من الحسناتِ، وتخفَّفوا من السيئاتِ، فإن الصيامَ لم يشرعْ إلا لتحقيقِ هذه الغايةِ، وفي هذا المقصدِ قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾( ) فقد ذكر اللهُ تعالى في هذه الآيةِ أن الغايةَ من فريضةِ الصيامِ على هذه الأمةِ، وعلى الأممِ التي قبلَها هي تقوى الله عز وجل، فليس المقصودَ من الصيامِ الجوعُ والعطشُ وتركُ الشهوة فحسب، فإن هذه الأشياء وسيلةٌ إلى غايةٍ، ووصلةٌ إلى نهايةٍ،
وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (من لم يدعْ قولَ الزُّورِ والعملَ به فليس للهِ حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابَه)( ). فمن منع نفسَه الطعامَ والشرابَ والشهوةَ، ثم أطلقَ لجوارحِه وقلبِه العنانَ في ارتكابِ المعاصي والذنوبِ، فإنه لم يحقق التقوى التي من أَجلِها شُرِع الصيامُ.
إذ إن تقوى الله تعالى هي أن تجعلَ بينك وبين عذابِ اللهِ وقايةً،
بفعلِ الطاعاتِ واجتنابِ المنهياتِ، فهل اتقى اللهَ، يا عباد الله، عبدٌ صام عن الطعامِ والشرابِ،
ثم أعملَ لسانَه في الغِيبةِ والنميمةِ؟
أم هل اتقى اللهَ عبدٌ نامَ عن الصلواتِ المكتوباتِ،
وضيَّع الحقوقَ والواجباتِ؟
أم هل اتقى اللهَ من أحيا ليلَه بالملذَّاتِ والشهواتِ والمنكراتِ؟
أم هل اتقى اللهَ من شغل أذنَه بسماعِ المحرماتِ،
ونظرَه بمشاهدة الممنوعاتِ والمحظوراتِ؟ .
أم هل اتقى اللهَ من هجرَ القرآنَ وترك القيام،
وعمَّر وقتَه بما يغضبِ الرحمن؟
أم هل اتقى اللهَ رجلٌ ضيّع أبناءَه وبناتَه، فلم يقم بحفظِهم ووقايتِهم مما حرَّم الله؟ الجواب: لا واللهِ، لم يتق اللهَ، إنما اتقى اللهَ من زادَه الصيامُ استقامةً وعبادةً وصلاحاً.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وأكثروا من عبادةِ اللهِ تعالى في هذا الشهرِ، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يخصُّ رمضانَ بالإكثارِ من العباداتِ والطاعاتِ،
واستغلوا أيها المؤمنون مواسمَ الخيراتِ لتكثيرِ الحسناتِ، وتكفيرِ السيئاتِ،
فإن المحرومَ من أدركَ هذا الشهرَ ولم يغفر له. ¹
http://www.manzilat.org/site/index.p...&limitstart=40
http://www.khutabaa.com/index.cfm?me...*******ID=4481