روى الإمامُ البخاري في صحيحه تعليقاً عن ربيعة الرأي في كتاب العلم قولهُ :
( لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ) !!
و قد قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الأثر المهم :
( ... [ وَقَالَ رَبِيعَة ] هُوَ اِبْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْفَقِيه الْمَدَنِيّ ، الْمَعْرُوف بِرَبِيعَة الرَّأْي - بِإِسْكَانِ الْهَمْزَة - قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اِشْتِغَاله بِالِاجْتِهَادِ .
وَمُرَاد رَبِيعَة أَنَّ مَنْ كَانَ فِيهِ فَهْم وَقَابِلِيَّة لِلْعِلْمِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُهْمِل نَفْسه فَيَتْرُك الِاشْتِغَال ، لِئَلَّا يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى رَفْع الْعِلْم .
أَوْ مُرَاده الْحَثّ عَلَى نَشْر الْعِلْم فِي أَهْله لِئَلَّا يَمُوت الْعَالِم قَبْل ذَلِكَ فَيُؤَدِّي إِلَى رَفْع الْعِلْم .
أَوْ مُرَاده أَنْ يُشْهِر الْعَالِم نَفْسه وَيَتَصَدَّى لِلْأَخْذِ عَنْهُ لِئَلَّا يَضِيع عِلْمه .
وَقِيلَ
مُرَاده تَعْظِيم الْعِلْم وَتَوْقِيره ، فَلَا يُهِين نَفْسه بِأَنْ يَجْعَلهُ عَرَضًا لِلدُّنْيَا.
وَهَذَا مَعْنًى حَسَن ...)
قلت أنا [ محمد الحمامي ] – ولا ينبغي أن يكون لي قول بين هؤلاء العظام – و كل هذه الوجوه محتملة ! إلا أنه – كما قال ابن حجر آخرها أحسنه !
و قد جاء في سنن الدارِمي صفحة [ 158 ] :
( أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِىُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِىِّ أَخْبَرَنَا زَيْدٌ الْعَمِّىُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ قَالَ :
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ اعْمَلْ بِعِلْمِكَ ، وَأَعْطِ فَضْلَ مَالِكَ ، وَاحْبِسِ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ يَنْفَعُكَ عِنْدَ رَبِّكَ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الَّذِى عَلِمْتَ ثُمَّ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ قَاطِعٌ حُجَّتَكَ وَمَعْذِرَتَكَ عِنْدَ رَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الَّذِى أُمِرْتَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَيَشْغَلُكَ عَمَّا نُهِيتَ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لاَ تَكُونَنَّ قَوِيًّا فِى عَمَلِ غَيْرِكَ ضَعِيفاً فِى عَمَلِ نَفْسِكَ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لاَ يَشْغَلَنَّكَ الَّذِى لِغَيْرِكَ عَنِ الَّذِى لَكَ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ وَاسْتَمِعْ مِنْهُمْ وَدَعْ مُنَازَعَتَهُمْ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ عَظِّمِ الْعُلَمَاءَ لِعِلْمِهِمْ ، وَصَغِّرِ الْجُهَّالَ لِجَهْلِهِمْ وَلاَ تُبَاعِدْهُمْ وَقَرِّبْهُمْ وَعَلِّمْهُمْ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لاَ تُحَدِّثْ بِحَدِيثٍ فِى مَجْلِسٍ حَتَّى تَفْهَمَهُ ، وَلاَ تُجِبِ امْرَأً فِى قَوْلِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مَا قَالَ لَكَ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لاَ تَغْتَرَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَغْتَرَّ بِالنَّاسِ ، فَإِنَّ الْغِرَّةَ بِاللَّهِ تَرْكُ أَمْرِهِ وَالْغِرَّةَ بِالنَّاسِ اتِّبَاعُ أَهْوَائِهِمْ ، وَاحْذَرْ مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَاحْذَرْ مِنَ النَّاسِ فِتْنَتَهُمْ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّهُ لاَ يَكْمُلُ ضَوْءُ النَّهَارِ إِلاَّ بِالشَّمْسِ كَذَلِكَ لاَ تَكْمُلُ الْحِكْمَةُ إِلاَّ بِطَاعَةِ اللَّهِ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ الزَّرْعُ إِلاَّ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ كَذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ الإِيمَانُ إِلاَّ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ كُلُّ مُسَافِرٍ مُتَزَوِّدٌ وَسَيَجِدُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى زَادِهِ مَا تَزَوَّدَ ، وَكَذَلِكَ سَيَجِدُ كُلُّ عَامِلٍ إِذَا احْتَاجَ إِلَى عَمَلِهِ فِى الآخِرَةِ مَا عَمِلَ فِى الدُّنْيَا .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَحُضَّكَ عَلَى عِبَادَتِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لَكَ كَرَامَتَكَ عَلَيْهِ فَلاَ تَحَوَّلَنَّ إِلَى غَيْرِهِ فَتَرْجِعَ مِنْ كَرَامَتِهِ إِلَى هَوَانِهِ .
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِنْ تَنْقُلِ الْحِجَارَةَ وَالْحَدِيدَ أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ أَنْ تُحَدِّثَ مَنْ لاَ يَعْقِلُ حَدِيثَكَ ، وَمَثَلُ الَّذِى يُحَدِّثُ مَنْ لاَ يَعْقِلُ حَدِيثَهُ كَمَثَلِ الَّذِى يُنَادِى الْمَيِّتَ وَيَضَعُ الْمَائِدَةَ لأَهْلِ الْقُبُورِ. )
فهاتان وصيتان عظيمتان فاحرز نفسك في حرزهما واشدد يديك في غرزهما
م/ل
تعليق