بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي: سمعت ابن طاهر يقول: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت أعيش على ما يأتي. [سير أعلام النبلاء (19/363)].
2- قال عبد الرحمن بن أبي حاتم - رحمه الله -: كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة.
قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا،فاشتريناها، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه. ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد[تذكرة الحفاظ (3/830)].
3- كان العلاّمة النّحوي محمّد بن أحمد أبو بكرٍ الخيّاط البغدادي: يدرسُ جميع أوقاته، حتّى في الطّريق، وكان رُبَّما سَقَطَ في جُرفٍ أو خَبَطَتْهُ دَابّةٌ [المشوق إلى القراءة وطلب العلم (ص 62)].
4- وقال ابن عقيل- رحمه الله -: "أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سف الكعك وتحسية بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه"[ذيل طبقات الحنابلة (1/ 145)].
5- كَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ - رحمه الله -: يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً[المجالسة وجواهر العلم» (1/346)].
6- قال ابن القيم - رحمه الله -: وسمعت شيخنا أبا العباس ابن تيميه - رحمه الله - يقول ـ وقد عرض له بعض الألم ـ فقال له الطبيب: أضر ما عليك الكلام في العلم والفكر فيه والتوجه والذكر،فقال: ألستم تزعمون أن النفس إذا قويت وفرحت أوجب فرحها لها قوة تعين بها الطبيعة على دفع العارض؛ فإنه عدوها، فإذا قويت عليه قهرته؟ فقال الطبيب: بلى، فقال إذا اشتغلت نفسي بالتوجيه والذكر والكلام في العلم وظفرت بما يشكل عليها منه فرحت به وقويت فأوجب ذلك دفع العارض[مفتاح دار السعادة (2/170)].
7- قال أحمدُ بن حنبل - رحمه الله -: أقام شعبة على الحكَم بنِ عُتَيْبةَ ثمانية عشَر شَهْراً -يعني يطلب الحديث- حتى باع جُذُوعَ بيته[العلل ومعرفة الرجال (2/342)].
8- قال ابن عُيينة - رحمه الله -: سمعت شعبة يقول: من طلب الحديث أفلس!، بعتُ طَسْتَ أمي بسبعة دنانير[سير أعلام النبلاء (7/220)].
9- قَالَ ابنُ أبي حَاتم - رحمه الله -: سمعتُ أبي يقولُ: بَقِيتُ بالبصرةِ في سنةِ أربعَ عشرةَ ومائتين ثمانيةَ أشهرٍ، وَكَانَ في نفسِي أنْ أُقيمَ سنةً فانقطعَ نَفَقَتي، فَجَعلتُ أبيعُ ثيابَ بَدَني شيئاً بعدَ شيء حَتى بقيتُ بلا نفقةٍ، ومضيتُ أطوفُ مَعَ صديقٍ لي إلى المشيخةِ وأسمعُ منهمْ إلى المساءِ فانصرفَ رفيقي ورجعتُ إلى بيت خالٍ، فَجَعلتُ أشربُ الماءَ من الجوع. ثمّ أصبحتُ من الغد، وغدا عليّ رفيقي، فجعلتُ أطوفُ مَعَهُ في سماعِ الحديثِ على جوعٍ شديدٍ، فانصرفَ عني وانصرفت جائعاً، فلمّا كَانَ مِنْ الغد غَدَا عليّ فَقَالَ: مُرّ بِنَا إلى المشايخِ، قلتُ: أنا ضعيفٌ، لا يمكنني قَالَ: مَا ضَعْفُكَ؟، قلتُ: لا أكتُمكَ أمري قد مَضَى يومانِ مَا طعمتُ فيهما شيئاً، فَقَالَ: قدْ بقي معي دينار فأنا أواسِيك بنصفهِ، ونجعلُ النصفَ الآخرَ في الكِراء، فخرجنا من البصرةِ وقبضتُ منه النصفَ دِينار[تقدمة الجرح والتعديل (ص363)].
10- قال جعفر بن درستويه - رحمه الله -: وكنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المدديني وقت العصر اليوم لمجلس غد فنقعد طول الليل مخافة أن يؤخذ مكانه إن قام للبول. أن لا يلحق من الغد موضعا يسمع فيه ورأيت شيخا في المجلس يبول في طيلسانه * ويدرج الطيلسان حتى فرغ مخافة أن يؤخذ مكانه إن قام للبول[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/138)]- "الطيلسان: ثوب يحيط بالبدن ينسج ليلبس، خال من التفصيل والخياطة".
11- قال محمد بن إسماعيل الصائغ - رحمه الله -: كنت في إحدى سفراتي ببغداد، فمر بنا أحمد بن حنبل وهو يعدو، ونعلاه في يده، فأخذ أبي هكذا بمجامع ثوبه، فقال: يا أبا عبد الله، ألا تستحي؟ إلى متى تعدو مع هؤلاء الصبيان؟ قال: إلى الموت[مناقب الإمام أحمد (ص 32)].
12- قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين حجرة عائشة -رضي الله تعالى عنها- فيقول: الناس إنه مجنون وما بي جنون ما بي إلا الجوع[حلية الأولياء (1/379)].
13- قال ابن كثير - رحمه الله -: وقد كان البخاريُّ يستيقظُ في الليلةِ الواحدة من نومه، فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره، ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى، حتى كان يتعدد منه ذلك قريباً من عشرين مرة[البداية والنهاية (11/31)].
14- قال أبو أحمد نصر بن أحمد العياضي الفقيه السمرقندي: لا ينال هذا العلم إلا من عطّل دُكانه، وخرّب بستانه، وهجر إخوانه، ومات أقرب أهله إليه فلم يشهد جنازته[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/174)].
15- قال ابن القاسم - رحمه الله -: أفضى بمالك بن أنس - رحمه الله - طلب العلم إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه[تاريخ بغداد (2/13)].
16- قَالَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، - وَذَكَرُوا طَلَبَ الْحَدِيثِ - رحمه الله -: «كُنْتُ أَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ قَبْلَ الْغَدَاةِ فَلَا أَرْجِعُ إِلَى الْعَتَمَةِ»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/150)].
17- قال ابن شهاب الزهري رحمه الله: "مكثت خمساً وأربعين سنة أختلف بين الشام والحجاز، فما وجدت حديثا أستطرفه! -أستبعد مكانه-[حلية الأولياء (3/362)].
- قال عبيد بن يعيش توفي سنة (228 هـ) رحمه الله: "أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي يعني بالليل كانت أختي تلقمني وأنا أكتب"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/178)].
18- قال محمد بن حبيب رحمه الله: كُنَّا نَحْضُرُ مَجْلِسَ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْهُجَيْمِيِّ لِلْحَدِيثِ وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحٍ لَهُ وَيَمْتَلِئُ شَارِعُ الْهُجَيْمِ بِالنَّاسِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ لِلسَّمَاعِ وَيُبَلِّغُ الْمُسْتَمْلُونَ عَنِ الْهُجَيْمِيِّ، قَالَ: وَكُنْتُ أَقُومُ فِي السَّحَرِ فَأَجِدُ النَّاسَ قَدْ سَبَقُونِي وَأَخَذُوا مَوَاضِعَهُمْ وَحُسِبَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْلِسُ النَّاسُ فِيهِ وَكُسِّرَ فَوُجِدَ مَقْعَدُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ. [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/57)].
19- قال أبو جعفر بن نفيل(توفي 234هـ) رحمه الله: قدم علينا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فسألني يحيى وهو يعانقني! فقال: يا أبا جعفر قرأتَ على معقل بن عبيد الله عن عطاء: أدنى وقت الحائض يوم؟ فقال له: أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل: لو جلست! قال: أكره أن يموت أو يفارق الدنيا قبل أن أسمع! [تاريخ دمشق (32/353)، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/182)].
20- قال علي بن الحسن بن شقيق رحمه الله: "كنت مع عبد الله بن المبارك في المسجد في ليلة شتوية باردة فقمنا لنخرج فلما كان عند باب المسجد ذاكرني بحديث أو ذاكرته بحديث، فما زال يذاكرني وأذاكره حتى جاء المؤذن فأذن لصلاة الصبح"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/276)].
21- رَوَى محمد بن قدامة، قال: سمعتُ شُجاعَ بن مَخْلَد، قال: سمعتُ أبا يوسف يقول: مات ابنٌ لي، فلم أحْضُر جِهازَهُ ولا دفنه وتركتُهُ على جيراني وأقربائي، مخافةَ أن يفوتني من أبي حنيفة شيءٌ لا تَذهَبُ حسْرَتُه عنى [مناقب أبى حنيفة للإمام الموفق المكي (1/472)].
22- قال إمام المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله: لما دخلت مصر لم يبق أحد من أهل العلم إلا لقيني وامتحنني في العلم الذي يتحقق به، فجاءني يوماً رجل، فسألني عن شيء من العروض، ولم أكن نشطت له قبل ذلك، فقلت له: علّي قول أن لا أتكلم في شيء من العروض، فإذا كان في غد فصر إلي، وطلبت من صديق لي كتاب (العروض) للخليل بن أحمد، فجاء به، فنظرت فيه ليلتي، فأمسيت غير عروضي وأصبحت عروضياً.
24- قال شعبة بن الحجاج رحمه الله: إذا رأيت المحبرة في بيت إنسان، فارحمه، وإن كان في كُمِّك شيء، فأطعمه [سير أعلام النبلاء (7/225)].
25- قال أبو هلالٍ العَسْكري رحمه الله: وحُكيَ عن ثعلب -اللغوي- أنه كان لا يُفارقه كتابٌ يَدْرُسه، فإذا دعاه رجلٌ إلى دعوةٍ، شَرَطَ عليه أن يوسعَ له مِقدارَ مِسْوَرَةٍ -متكأ-يضعُ فيها كتابًا ويقرأ [الحث على طلب العلم ص (76)].
26- قال عمر بن حفص الأشقر - رحمه الله -: "كنا مع البخاري بالبصرة نكتب، ففقدناه أياما، ثم وجدناه في بيت وهو عُرْيان، وقد نفد ما عنده، فجمعنا له الدراهم، وكسوناه[تاريخ دمشق (52/58)، سير أعلام النبلاء (12/448)].
27- قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى يضع أحدنا كما تضع الشاة"[حلية الأولياء (1/92)].
28- قال الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خِراش رحمه الله: شربت بولي في هذا الشأن - يعني الحديث - خَمْسَ مَرّات. قلت - أي الخطيب البغدادي: أَحْسَبُه فَعَلَ ذَلِكَ في السَّفَرِ اضْطِرارًا؛ عند عدم الماء - والله أعلم[تاريخ بغداد (10/280)].
29- قال خلف بن هشام - رحمه الله -: أُشكِل عليَّ بابٌ من النحو، فأنفقتُ ثمانين ألف درهم حتى حذقته[سير أعلام النبلاء (10/578)].
30- قال سعيد ابن المسيب رحمه الله: «إن كنت لأغيب الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/226)].
31- قال الإمام أحمد رحمه الله: كنت ربما أردت البكور إلى الحديث، فتأخذ أمي ثيابي وتقول: حتى يؤذن الناس، وحتى يُصبحوا. وكنت ربما بكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش وغيره[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/151)].
32- قال الإمام الشعبي رحمه الله: «لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبل من عمره، رأيت أن سفره لم يضع»[حلية الأولياء (4/313)].
33- قال محمد بن يونس - رحمه الله -: «كتبت بالبصرة عن ألف ومائة وستة وثمانين رجلا»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/221)].
34- قال ابن المقرئ - رحمه الله -: مشيت بسبب نسخة مفضل بن فضالة سبعين مرحلة ولو عرضت على خبَّاز برغيف لم يقبلها [تذكرة الحفاظ (3/121)].
35- قال ابن شهاب الزهري - رحمه الله -: «تبعت سعيد بن المسيب في طلب حديث ثلاثة أيام» [حلية الأولياء (3/362)].
36- قال ابن شهاب الزهري - رحمه الله -: مكثت خمسا وأربعين سنة أختلف بين الشام والحجاز، فما وجدت حديثا أستطرفه [حلية الأولياء (3/362)].
37- قال عكرمة - رحمه الله -: كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل -القيد-، ويعلمني القرآن والسنن "[حلية الأولياء (3/326)، الطبقات الكبرى (5/287)].
38- قال أبو داود الطيالسي - رحمه الله -: «أدركت ألف شيخ كتبت عنهم»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/221)].
39- قال أبو العالية - رحمه الله -: «كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبصرة فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/224)].
40- قال يحيى بن البناء - رحمه الله -: كان الحميدي من اجتهاده ينسخ بالليل في الحر، فكان يجلس في إجانة -*في ماء يتبرد به. [تاريخ دمشق (55/79)].
* قال في (المصباح): الاجانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب.
41- سُئل الطبراني - رحمه الله -: عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على البواري - أي الحصير - ثلاثين سنة[تاريخ دمشق (22/ 165)].
42- قال فرقد السبخي - رحمه الله -: دَخَلُوا عَلَى سُفْيانَ الثَّوري في مَرَضِهِ الَّذِي مَات فِيه؛ فَحدَّثه رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَأَعْجَبَهُ؛ فَضَرَبَ يَدَهُ إِلى تَحْتَ فِرَاشِهِ فَأَخْرَجَ أَلْوَاحًا لَهُ فَكَتَبَ ذَلِكَ الحدِيث. فقالوا له: على هذه الحال منك؟ فقال: إِنَّهُ حَسَنٌ، فَقَد سَمِعْتُ حَسنًا، وَإِنْ مِتُّ فَقَدْ كَتَبْتُ حَسنًا [حلية الأولياء (7/64)].
43- قال حماد بن أسامة - رحمه الله -: "كتبت بيدي هذه مائة ألف حديث"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/175)].
44- قال سفيان بن عيينة - رحمه الله -: "كان الشاب إذا وقع في الحديث احتسبه أهله" قال أبو بكر الخطيب البغدادي: يعني أنه كان يجتهد في العبادة اجتهادا يقتطعه عن أهله فيحتسبونه عند ذلك[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع [1/142].
45- قال يحيى بن سعيد القطان - رحمه الله - حين ذكروا طلب الحديث: "كنت أخرج من البيت قبل الغداة فلا أرجع إلى العتمة"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع [1/150].
46- قال الإمام ابن أبي حاتم الرازي - رحمه الله -: عند ذكر رحلة أبيه الإمام أبو حاتم في طلب الحديث "سمعت أبي يقول: أول ما خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ -الفرسخ مسير ساعة ونصف -، لم أزل أحصي فلما زاد على ألف فرسخ تركته، وأما ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما لا أحصى كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، خرجت من البحر من قرب مدينة (سلا) إلى مصر ماشيا، ومن مصر إلى الرملة ماشيا، ومن الرملة إلى بيت المقدس ماشيا، ومن الرملة إلى عسقلان، ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص، ومن حمص إلى أنطاكية إلى طرسوس ثم رجعت من طرسوس إلى حمص، وكان بقي علي شيء من حديث أبي اليماني، فسمعته، ثم خرجت من حمص إلى بيسان، ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت إلى الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل ومن النيل إلى الكوفة.. كل ذلك ماشيا هذا في سفري الأول، وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين، خرجت من الري سنة 213هـ، في شهر رمضان، ورجعت سنة 221هـ[الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 359)].
47- قال ابن الجوزي - رحمه الله -: تأملت عجبًا، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله.فإن العلم لما كان أشرف الأشياء، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار، وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة1 لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس[صيد الخاطر ص (281)].
48- في ترجمة العلامة النحوي أحمد بن يحيى المعروف بثعلب - رحمه الله -: "كان سبب وفاته: أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم لا يسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق، فصدمته فرس، فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوه من رأسه، فمات ثاني يوم"[وفيات الأعيان (1/ 104)].
49- قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: لو أُنسيتُ آيةً لم أجد أحداً، يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغِماد، رحلتُ إليه[سير أعلام النبلاء (2/342)].
50- حُكي عن ثعلب - رحمه الله -: أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار مسورة، يضع فيها كتابا ويقرأ[الحث على طلب العلم (ص 76)].
51- قال أبو بكر بن أبي شيبة - رحمه الله -: "من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء، لم يعد صاحب حديث"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/177)].
52- قال نصر بن حماد البجلي - رحمه الله -: سمعني شعبة، أحدث عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر، قال: كنا نتناوب رعية الإبل، فتوضأت ثم جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أصحابه حوله، فدنوت منه فسمعته يقول: «من توضأ ثم دخل المسجد فصلى ركعتين غفر الله له ما تقدم من ذنبه». فقلت: بخ بخ فذكر الحديث، قال: فلطمني شعبة، فتنحيت في ناحية أبكي، فقال: ما له يبكي؟ فقال له ابن إدريس: إنك أسأت إليه، فقال شعبة: انظر ما يحدث عن إسرائيل، عن أبي إسحاق؟ أنا قلت لأبي إسحاق: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: حدثني عبد الله بن عطاء، عن عقبة، فقلت: سمع عبد الله بن عطاء، من عقبة - ومسعر حاضر - فقال مسعر: عبد الله بن عطاء بمكة، فرحلت إليه بمكة، ولم أرد الحج، أردت الحديث، فسألت عبد الله بن عطاء عن الحديث، فقال: سعد بن إبراهيم حدثني، فقال مالك بن أنس: سعد بالمدينة لم يحج العام، فرحلت إلى المدينة، فسألت عنه سعدا، فقال: الحديث من عندكم، زياد بن مخراق حدثني، فقلت: أي شيء هذا الحديث؟ بينا هو كوفي، إذ صار مكيا، إذ صار مدنيا، إذ صار بصريا فأتيت البصرة فسألت زياد بن مخراق، فقال: ليس الحديث من بابتك، فقلت: لابد من أن تخبرني به، فقال: حدثني شهر بن حوشب، عن أبي ريحانة، عن عقبة بن عامر، فلما ذكر شهرا قلت: دمر على هذا الحديث قال نصر بن حماد: قال شعبة: والله لو صح لي هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحب إلي من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين[حلية الأولياء (7/ 149)، سير أعلام النبلاء (7/219)].
53- قال ابنُ عديّ - رحمه الله -: رَأيتُ مَجْلسَ الفِرْيَابيّ يُحْزرُ فيهِ خمسة عشر ألْف محبرة، وكُنَّا نحتاجُ أنْ نبيتَ في موضعِ المجلسِ لنتخذَ مِنْ الغد موضعَ مجلس[الكامل لابن عديّ (5/234)].
54- ساعة الاحتضار لا يمكن لأحدٍ أن يصفَ حقيقتها أو يصلَ إلى كُنْهها، لكن الكلُّ يعلم أنها ساعة رهيبة ولحظةً مُذهِلة، إنها ساعة الانتقال والتحول من الدنيا إلى الآخرة، من الحياة إلى الموت، هل هناك ساعة في الدنيا أرهب من هذه؟! هل هناك ساعة في الدنيا أشد حرجًا وأكثر شغلاً منها؟! كلا.
فما بالك بأناسٍ في هذه (الساعة وفي هذه اللحظة) يتذاكرون العلم، ويقيدون الفوائد، ويحرصون على ذلك كلِّه، كأقوى ما يكونون صِحَّةً، وكأشدِّ ما يكونون نَشَاطًا!! نعم هذا مما حفظه لنا التاريخ وسطرته الكتب، فثبت وصحَّ ليبقى عِبْرة وعِظة لِلخالِفِ، وحاديًا يتعلل به الطالب.
وسرُّ قدرتهم على ذلك، شِدَّة النَّهَمة، وسموّ الهمة.
قال العلامة ابن الجوزي: "لي همةٌ في العِلْم ما إن مثلُها خُلِقت من العِلْق العظيمِ إلى المُنَى... وهي التي جَنَتِ النُّحُوْلُ هي التي دُعِيت إلى نَيْل الكمالِ فَلبَّتِ وهذا مصداق خبر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْهُومانِ لا يَشْبَعَانِ، طالبُ عِلْمٍ وطالبُ دُنْيا)".
ولما سُئِل الإمام أحمد: إلى متى تطلب العلم؟ قال: من المحبرة إلى المقبرة.
~ فإليك ما وجدنا من خبرهم في ذلك:
- خبر أبي يوسف القاضي (182)
ذكر القرشي في ((الجواهر المُضِيَّة)) والمولى تقي الدين التميمي في ((الطبقات السنية)) في ترجمة إبراهيم بن الجراح التميمي مولاهم -تلميذ أبي يوسف وآخر من روى عنه- قال: ((أتيته أعوده، فوجدته مغمًى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم! أيُّهما أفضل في رمي الجمار، أن يَرْميَها الرجلُ راجلاً أو راكبًا؟
فقلت: راكبًا. فقال: أخطأتَ!.
قلتُ: ماشيًا. قال: أخطأتَ!.
قلت: قل فيها -يرضى الله عنك-.
قال: أما ما يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه راجلاً، وأما ما كان لا يوقف عنده، فالأفضل أن يرميه راكبًا.
ثم قمت من عنده، فما بلغتُ بابَ داره حتى سمعتُ الصُّرَاخَ عليه، وإذا هو قد مات - رحمه الله - تعالى-).
- خبر أبي زُرْعة الرازي (266)
قال ابنُ أبي حاتم في ((تقدمة الجرح والتعديل)): سمعتُ أبي يقول: مات أبو زُرعة مطعونًا مبطونًا يعرق جبينُه في النزع، فقلت لمحمد بن مسلم (ابن وَارَة): ما تحفظ في تلقين الموتى: لا إله إلا الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروى عن معاذ بن جبل.
فمن قبلِ أن يَسْتتم رفع أبو زرعة رأسه وهو في النزع، فقال: روى عبدالحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرَّة، عن معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخلَ الجنة)). فصار البيت ضجَّة ببكاءِ من حضرَ.
خبر أبي حاتم الرازي (277)
قال ابنه عبد الرحمن في ((تقدمة الجرح والتعديل)): حضرتُ أبي - رحمه الله - وكان في النزع وأنا لا أعلم، فسألته عن عُقبة بن عبد الغافر، يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، له صحبة؟ فقال برأسه: لا، فلم أقنع منه، فقلتُ: فهمتَ عني؟ له صحبة؟ قال: هو تابعي.
قلت (ابن أبي حاتم): فكان سيد عمله معرفة الحديث، وناقِلَة الأخبار، فكان في عمره يُقتَبَس منه ذلك، فأراد الله أن يُظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته)) اهـ.
- خبر ابن جرير الطبري (310)
قال المعافى النَّهْرَواني في "الجليس الصالح": "وحكى لي بعض بني الفرات، عن رجلٍ منهم أو من غيرهم: أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري - رحمه الله - قبل موته، وتوفي بعد ساعة أو أقلّ منها، فذُكِرَ له هذا الدعاء، عن جعفر بن محمد - عليهما السلام - فاستدعى محبرة وصحيفةً فكتبها، فقيل له: أفي هذه الحال؟! فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع اقتباس العلمِ حتى يموت"اهـ.
- خبر ابن سعدون (352)
ذكر القاضي عِياض في "ترتيب المدارك" في ترجمة أبي بكر محمد بن وسيم بن سعدون الطُّليطلي أنه كان رأسًا في كلِّ فن، مُتقدِّمًا فيه... قال: ((ودَخَل عليه -وهو في النزع- بعضُ أصحابه، فناداه، فلم يُجِبْه، فقال الآخر: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) [سبأ/ 54].
فقال له أبو بكر حين ذلك: نزلت في الكفار، وفيها: (إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ).
- خبر مسرَّة الحضرمي (373)
وذكر عياضٌ في "المدارك" -أيضًا- في ترجمة مسرَّة بن مسلم الحَضْرمي ت (373) -وكان من أهل العلم والزهد التام- أنه لما احْتُضِرَ ابتدأ القرآن، فانتهى في "سورة طه" إلى قوله - تعالى -: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه/ 84]، ففاضت نفسه.
- خبر البَيْرُوني الفَلَكِي (440)
ذكر ياقوت في "إرشاد الأريب" في ترجمة أبي الريحان محمد ابن أحمد الخُوَارَزْمي ما كان عليه من حرصٍ في تحصيل العلوم، وتصنيف الكتب، ثم ذلك له الفقيه الوَلْوَالجيّ قال: دخلتُ على أبي الرّيحان وهنو يجود بنفسه، وقد حَشْرج نفسُه، وضاقَ به صدرُه، فقال لي في تلك الحالة: كيف قلت لي يومًا حساب الجدَّات الفاسِدَة؟ فقلت له -إشفاقًا عليه-: أفي هذه الحالةِ؟! قال لي: يا هذا! أُوَدِّعُ الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ألا يكون خيرًا من أن أُخلِّيها وأنا جاهلٌ بها. فأعدتُ ذلك عليه وحَفِظَ... وخرجتُ من عِنْده، وأنا في الطريق، فسمعتُ الصُّرَاخ" اهـ.
- خبر ابن روزْبَه (633)
وفي ترجمة المُسْنِد أحمد بن عبدالله بن معطي الجزائري ت (666) في ((ذيل التقييد)) للفاسي أنه سَمعَ ((صحيح البخاري)) عَلَى علِيِّ بن أبي بكر بن رُوْزبة في أربعة عشر مجلسًا، وأنه قال لهم يوم الخَتْم: اجتهدوا في إكمال هذا الكتاب، فإنه -والله- ما بقي غيركم يسمعه عليَّ، وتوفي في الليلة المتصلةِ بذلك اليوم.
- خبر ابن مالك صاحب الألفية (672)
وفي كتاب "الفَلاَكة والمفلوكون" للدَّلَجي في ترجمة الإمام أبي عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي العلامة، قال: "كان كثير الإشْغَال والاشتغال، حتى أنه حفظ في اليوم الذي مات فيه خمسة شواهد!!".
- خبر الصفي الهندي (715)
ذكر الذهبي في "معجم شيوخه" في ترجمته أنه روى له حديثين قال: "ليسا هما عندي، قرأتهما عليه ونَفَسُه يُحشرج في الصدر، فتوفي يومئذٍ عفا الله عنا وعنه آمين"اهـ.
- خبر الحجَّار (730)
وهذا المعمّر الأعجوبة، شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن أبي طالب الحجَّار، مُسْند الدنيا ت (730)، فقد ذكر الفاسيُّ أن الطلاب قد قرءوا عليه في يومِ موته، وله مئة سنة وعشر سنين تقريبًا!!
- خبر ابن عقيل الحنبلي (513)
ففي ترجمة أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ت (513) - رحمه الله - أنه قال: "إني لأجد من حِرْصي على العلم، وأنا في عَشْرِ الثماني أشدّ مما كنت أجده وأنا ابنُ عشرين سنة".
- خبر ابن الجوزي (597)
وهذا العلامة المتفنِّن، صاحب التصانيف، أبو الفرج ابن الجوزي (567) يقرأ في آخر عمره وهو في (الثمانين) القراءات العشر على ابن الباقلاني، مع ابنه يوسف.
قال الذهبي -معلِّقًا-: "فانظر إلى هذه الهمة العالية" اهـ.
أقول: فاتعظ بهذه الهِمم العَلِيَّة، وابْكِ على تقصيرك ودُنُوِّ هِمَّتك، واستدرك ما فرط من أمرك بالجدِّ والعمل، ومداومة الدرس والنظر، فمن سار على الدرب وصل، وعند الصباح يَحْمَد القوم السُرَي.
وقريب من هذا ما جاء في سِيَر بعض العلماء، فهم مع شدة تطلُّبهم للعلم من بادئ أمرهم حتى أوفوا فيه إلى الغاية، فاستكثروا ما شاءوا، ومع تقدُّم أعمارِهم ودنوِّ آجالهم هم مع ذلك يَجِدون من الرغبة في العلم، والشغف به، أكثر مما يجده الشَّاب اليافِع الممتلئ قُوَّةً ونشاطًا.. فلله تلك الهمم والعزائم[المشوق إلى القراءة وطلب العلم (ص 13)].
منقول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي: سمعت ابن طاهر يقول: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت أعيش على ما يأتي. [سير أعلام النبلاء (19/363)].
2- قال عبد الرحمن بن أبي حاتم - رحمه الله -: كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة.
قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا،فاشتريناها، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه. ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد[تذكرة الحفاظ (3/830)].
3- كان العلاّمة النّحوي محمّد بن أحمد أبو بكرٍ الخيّاط البغدادي: يدرسُ جميع أوقاته، حتّى في الطّريق، وكان رُبَّما سَقَطَ في جُرفٍ أو خَبَطَتْهُ دَابّةٌ [المشوق إلى القراءة وطلب العلم (ص 62)].
4- وقال ابن عقيل- رحمه الله -: "أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سف الكعك وتحسية بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه"[ذيل طبقات الحنابلة (1/ 145)].
5- كَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ - رحمه الله -: يَشْرَبُ الْفَتِيتَ وَلَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيْنَ مَضْغِ الْخُبْزِ وَشُرْبِ الْفَتِيتِ قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً[المجالسة وجواهر العلم» (1/346)].
6- قال ابن القيم - رحمه الله -: وسمعت شيخنا أبا العباس ابن تيميه - رحمه الله - يقول ـ وقد عرض له بعض الألم ـ فقال له الطبيب: أضر ما عليك الكلام في العلم والفكر فيه والتوجه والذكر،فقال: ألستم تزعمون أن النفس إذا قويت وفرحت أوجب فرحها لها قوة تعين بها الطبيعة على دفع العارض؛ فإنه عدوها، فإذا قويت عليه قهرته؟ فقال الطبيب: بلى، فقال إذا اشتغلت نفسي بالتوجيه والذكر والكلام في العلم وظفرت بما يشكل عليها منه فرحت به وقويت فأوجب ذلك دفع العارض[مفتاح دار السعادة (2/170)].
7- قال أحمدُ بن حنبل - رحمه الله -: أقام شعبة على الحكَم بنِ عُتَيْبةَ ثمانية عشَر شَهْراً -يعني يطلب الحديث- حتى باع جُذُوعَ بيته[العلل ومعرفة الرجال (2/342)].
8- قال ابن عُيينة - رحمه الله -: سمعت شعبة يقول: من طلب الحديث أفلس!، بعتُ طَسْتَ أمي بسبعة دنانير[سير أعلام النبلاء (7/220)].
9- قَالَ ابنُ أبي حَاتم - رحمه الله -: سمعتُ أبي يقولُ: بَقِيتُ بالبصرةِ في سنةِ أربعَ عشرةَ ومائتين ثمانيةَ أشهرٍ، وَكَانَ في نفسِي أنْ أُقيمَ سنةً فانقطعَ نَفَقَتي، فَجَعلتُ أبيعُ ثيابَ بَدَني شيئاً بعدَ شيء حَتى بقيتُ بلا نفقةٍ، ومضيتُ أطوفُ مَعَ صديقٍ لي إلى المشيخةِ وأسمعُ منهمْ إلى المساءِ فانصرفَ رفيقي ورجعتُ إلى بيت خالٍ، فَجَعلتُ أشربُ الماءَ من الجوع. ثمّ أصبحتُ من الغد، وغدا عليّ رفيقي، فجعلتُ أطوفُ مَعَهُ في سماعِ الحديثِ على جوعٍ شديدٍ، فانصرفَ عني وانصرفت جائعاً، فلمّا كَانَ مِنْ الغد غَدَا عليّ فَقَالَ: مُرّ بِنَا إلى المشايخِ، قلتُ: أنا ضعيفٌ، لا يمكنني قَالَ: مَا ضَعْفُكَ؟، قلتُ: لا أكتُمكَ أمري قد مَضَى يومانِ مَا طعمتُ فيهما شيئاً، فَقَالَ: قدْ بقي معي دينار فأنا أواسِيك بنصفهِ، ونجعلُ النصفَ الآخرَ في الكِراء، فخرجنا من البصرةِ وقبضتُ منه النصفَ دِينار[تقدمة الجرح والتعديل (ص363)].
10- قال جعفر بن درستويه - رحمه الله -: وكنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المدديني وقت العصر اليوم لمجلس غد فنقعد طول الليل مخافة أن يؤخذ مكانه إن قام للبول. أن لا يلحق من الغد موضعا يسمع فيه ورأيت شيخا في المجلس يبول في طيلسانه * ويدرج الطيلسان حتى فرغ مخافة أن يؤخذ مكانه إن قام للبول[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/138)]- "الطيلسان: ثوب يحيط بالبدن ينسج ليلبس، خال من التفصيل والخياطة".
11- قال محمد بن إسماعيل الصائغ - رحمه الله -: كنت في إحدى سفراتي ببغداد، فمر بنا أحمد بن حنبل وهو يعدو، ونعلاه في يده، فأخذ أبي هكذا بمجامع ثوبه، فقال: يا أبا عبد الله، ألا تستحي؟ إلى متى تعدو مع هؤلاء الصبيان؟ قال: إلى الموت[مناقب الإمام أحمد (ص 32)].
12- قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين حجرة عائشة -رضي الله تعالى عنها- فيقول: الناس إنه مجنون وما بي جنون ما بي إلا الجوع[حلية الأولياء (1/379)].
13- قال ابن كثير - رحمه الله -: وقد كان البخاريُّ يستيقظُ في الليلةِ الواحدة من نومه، فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره، ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى، حتى كان يتعدد منه ذلك قريباً من عشرين مرة[البداية والنهاية (11/31)].
14- قال أبو أحمد نصر بن أحمد العياضي الفقيه السمرقندي: لا ينال هذا العلم إلا من عطّل دُكانه، وخرّب بستانه، وهجر إخوانه، ومات أقرب أهله إليه فلم يشهد جنازته[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/174)].
15- قال ابن القاسم - رحمه الله -: أفضى بمالك بن أنس - رحمه الله - طلب العلم إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه[تاريخ بغداد (2/13)].
16- قَالَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، - وَذَكَرُوا طَلَبَ الْحَدِيثِ - رحمه الله -: «كُنْتُ أَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ قَبْلَ الْغَدَاةِ فَلَا أَرْجِعُ إِلَى الْعَتَمَةِ»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/150)].
17- قال ابن شهاب الزهري رحمه الله: "مكثت خمساً وأربعين سنة أختلف بين الشام والحجاز، فما وجدت حديثا أستطرفه! -أستبعد مكانه-[حلية الأولياء (3/362)].
- قال عبيد بن يعيش توفي سنة (228 هـ) رحمه الله: "أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي يعني بالليل كانت أختي تلقمني وأنا أكتب"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/178)].
18- قال محمد بن حبيب رحمه الله: كُنَّا نَحْضُرُ مَجْلِسَ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْهُجَيْمِيِّ لِلْحَدِيثِ وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحٍ لَهُ وَيَمْتَلِئُ شَارِعُ الْهُجَيْمِ بِالنَّاسِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ لِلسَّمَاعِ وَيُبَلِّغُ الْمُسْتَمْلُونَ عَنِ الْهُجَيْمِيِّ، قَالَ: وَكُنْتُ أَقُومُ فِي السَّحَرِ فَأَجِدُ النَّاسَ قَدْ سَبَقُونِي وَأَخَذُوا مَوَاضِعَهُمْ وَحُسِبَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْلِسُ النَّاسُ فِيهِ وَكُسِّرَ فَوُجِدَ مَقْعَدُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ. [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/57)].
19- قال أبو جعفر بن نفيل(توفي 234هـ) رحمه الله: قدم علينا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فسألني يحيى وهو يعانقني! فقال: يا أبا جعفر قرأتَ على معقل بن عبيد الله عن عطاء: أدنى وقت الحائض يوم؟ فقال له: أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل: لو جلست! قال: أكره أن يموت أو يفارق الدنيا قبل أن أسمع! [تاريخ دمشق (32/353)، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/182)].
20- قال علي بن الحسن بن شقيق رحمه الله: "كنت مع عبد الله بن المبارك في المسجد في ليلة شتوية باردة فقمنا لنخرج فلما كان عند باب المسجد ذاكرني بحديث أو ذاكرته بحديث، فما زال يذاكرني وأذاكره حتى جاء المؤذن فأذن لصلاة الصبح"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/276)].
21- رَوَى محمد بن قدامة، قال: سمعتُ شُجاعَ بن مَخْلَد، قال: سمعتُ أبا يوسف يقول: مات ابنٌ لي، فلم أحْضُر جِهازَهُ ولا دفنه وتركتُهُ على جيراني وأقربائي، مخافةَ أن يفوتني من أبي حنيفة شيءٌ لا تَذهَبُ حسْرَتُه عنى [مناقب أبى حنيفة للإمام الموفق المكي (1/472)].
22- قال إمام المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله: لما دخلت مصر لم يبق أحد من أهل العلم إلا لقيني وامتحنني في العلم الذي يتحقق به، فجاءني يوماً رجل، فسألني عن شيء من العروض، ولم أكن نشطت له قبل ذلك، فقلت له: علّي قول أن لا أتكلم في شيء من العروض، فإذا كان في غد فصر إلي، وطلبت من صديق لي كتاب (العروض) للخليل بن أحمد، فجاء به، فنظرت فيه ليلتي، فأمسيت غير عروضي وأصبحت عروضياً.
24- قال شعبة بن الحجاج رحمه الله: إذا رأيت المحبرة في بيت إنسان، فارحمه، وإن كان في كُمِّك شيء، فأطعمه [سير أعلام النبلاء (7/225)].
25- قال أبو هلالٍ العَسْكري رحمه الله: وحُكيَ عن ثعلب -اللغوي- أنه كان لا يُفارقه كتابٌ يَدْرُسه، فإذا دعاه رجلٌ إلى دعوةٍ، شَرَطَ عليه أن يوسعَ له مِقدارَ مِسْوَرَةٍ -متكأ-يضعُ فيها كتابًا ويقرأ [الحث على طلب العلم ص (76)].
26- قال عمر بن حفص الأشقر - رحمه الله -: "كنا مع البخاري بالبصرة نكتب، ففقدناه أياما، ثم وجدناه في بيت وهو عُرْيان، وقد نفد ما عنده، فجمعنا له الدراهم، وكسوناه[تاريخ دمشق (52/58)، سير أعلام النبلاء (12/448)].
27- قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى يضع أحدنا كما تضع الشاة"[حلية الأولياء (1/92)].
28- قال الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خِراش رحمه الله: شربت بولي في هذا الشأن - يعني الحديث - خَمْسَ مَرّات. قلت - أي الخطيب البغدادي: أَحْسَبُه فَعَلَ ذَلِكَ في السَّفَرِ اضْطِرارًا؛ عند عدم الماء - والله أعلم[تاريخ بغداد (10/280)].
29- قال خلف بن هشام - رحمه الله -: أُشكِل عليَّ بابٌ من النحو، فأنفقتُ ثمانين ألف درهم حتى حذقته[سير أعلام النبلاء (10/578)].
30- قال سعيد ابن المسيب رحمه الله: «إن كنت لأغيب الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/226)].
31- قال الإمام أحمد رحمه الله: كنت ربما أردت البكور إلى الحديث، فتأخذ أمي ثيابي وتقول: حتى يؤذن الناس، وحتى يُصبحوا. وكنت ربما بكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش وغيره[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/151)].
32- قال الإمام الشعبي رحمه الله: «لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبل من عمره، رأيت أن سفره لم يضع»[حلية الأولياء (4/313)].
33- قال محمد بن يونس - رحمه الله -: «كتبت بالبصرة عن ألف ومائة وستة وثمانين رجلا»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/221)].
34- قال ابن المقرئ - رحمه الله -: مشيت بسبب نسخة مفضل بن فضالة سبعين مرحلة ولو عرضت على خبَّاز برغيف لم يقبلها [تذكرة الحفاظ (3/121)].
35- قال ابن شهاب الزهري - رحمه الله -: «تبعت سعيد بن المسيب في طلب حديث ثلاثة أيام» [حلية الأولياء (3/362)].
36- قال ابن شهاب الزهري - رحمه الله -: مكثت خمسا وأربعين سنة أختلف بين الشام والحجاز، فما وجدت حديثا أستطرفه [حلية الأولياء (3/362)].
37- قال عكرمة - رحمه الله -: كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل -القيد-، ويعلمني القرآن والسنن "[حلية الأولياء (3/326)، الطبقات الكبرى (5/287)].
38- قال أبو داود الطيالسي - رحمه الله -: «أدركت ألف شيخ كتبت عنهم»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/221)].
39- قال أبو العالية - رحمه الله -: «كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبصرة فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم»[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/224)].
40- قال يحيى بن البناء - رحمه الله -: كان الحميدي من اجتهاده ينسخ بالليل في الحر، فكان يجلس في إجانة -*في ماء يتبرد به. [تاريخ دمشق (55/79)].
* قال في (المصباح): الاجانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب.
41- سُئل الطبراني - رحمه الله -: عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على البواري - أي الحصير - ثلاثين سنة[تاريخ دمشق (22/ 165)].
42- قال فرقد السبخي - رحمه الله -: دَخَلُوا عَلَى سُفْيانَ الثَّوري في مَرَضِهِ الَّذِي مَات فِيه؛ فَحدَّثه رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَأَعْجَبَهُ؛ فَضَرَبَ يَدَهُ إِلى تَحْتَ فِرَاشِهِ فَأَخْرَجَ أَلْوَاحًا لَهُ فَكَتَبَ ذَلِكَ الحدِيث. فقالوا له: على هذه الحال منك؟ فقال: إِنَّهُ حَسَنٌ، فَقَد سَمِعْتُ حَسنًا، وَإِنْ مِتُّ فَقَدْ كَتَبْتُ حَسنًا [حلية الأولياء (7/64)].
43- قال حماد بن أسامة - رحمه الله -: "كتبت بيدي هذه مائة ألف حديث"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/175)].
44- قال سفيان بن عيينة - رحمه الله -: "كان الشاب إذا وقع في الحديث احتسبه أهله" قال أبو بكر الخطيب البغدادي: يعني أنه كان يجتهد في العبادة اجتهادا يقتطعه عن أهله فيحتسبونه عند ذلك[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع [1/142].
45- قال يحيى بن سعيد القطان - رحمه الله - حين ذكروا طلب الحديث: "كنت أخرج من البيت قبل الغداة فلا أرجع إلى العتمة"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع [1/150].
46- قال الإمام ابن أبي حاتم الرازي - رحمه الله -: عند ذكر رحلة أبيه الإمام أبو حاتم في طلب الحديث "سمعت أبي يقول: أول ما خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ -الفرسخ مسير ساعة ونصف -، لم أزل أحصي فلما زاد على ألف فرسخ تركته، وأما ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما لا أحصى كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، خرجت من البحر من قرب مدينة (سلا) إلى مصر ماشيا، ومن مصر إلى الرملة ماشيا، ومن الرملة إلى بيت المقدس ماشيا، ومن الرملة إلى عسقلان، ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص، ومن حمص إلى أنطاكية إلى طرسوس ثم رجعت من طرسوس إلى حمص، وكان بقي علي شيء من حديث أبي اليماني، فسمعته، ثم خرجت من حمص إلى بيسان، ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت إلى الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل ومن النيل إلى الكوفة.. كل ذلك ماشيا هذا في سفري الأول، وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين، خرجت من الري سنة 213هـ، في شهر رمضان، ورجعت سنة 221هـ[الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 359)].
47- قال ابن الجوزي - رحمه الله -: تأملت عجبًا، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله.فإن العلم لما كان أشرف الأشياء، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار، وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة1 لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس[صيد الخاطر ص (281)].
48- في ترجمة العلامة النحوي أحمد بن يحيى المعروف بثعلب - رحمه الله -: "كان سبب وفاته: أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم لا يسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق، فصدمته فرس، فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوه من رأسه، فمات ثاني يوم"[وفيات الأعيان (1/ 104)].
49- قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: لو أُنسيتُ آيةً لم أجد أحداً، يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغِماد، رحلتُ إليه[سير أعلام النبلاء (2/342)].
50- حُكي عن ثعلب - رحمه الله -: أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار مسورة، يضع فيها كتابا ويقرأ[الحث على طلب العلم (ص 76)].
51- قال أبو بكر بن أبي شيبة - رحمه الله -: "من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء، لم يعد صاحب حديث"[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/177)].
52- قال نصر بن حماد البجلي - رحمه الله -: سمعني شعبة، أحدث عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر، قال: كنا نتناوب رعية الإبل، فتوضأت ثم جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أصحابه حوله، فدنوت منه فسمعته يقول: «من توضأ ثم دخل المسجد فصلى ركعتين غفر الله له ما تقدم من ذنبه». فقلت: بخ بخ فذكر الحديث، قال: فلطمني شعبة، فتنحيت في ناحية أبكي، فقال: ما له يبكي؟ فقال له ابن إدريس: إنك أسأت إليه، فقال شعبة: انظر ما يحدث عن إسرائيل، عن أبي إسحاق؟ أنا قلت لأبي إسحاق: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: حدثني عبد الله بن عطاء، عن عقبة، فقلت: سمع عبد الله بن عطاء، من عقبة - ومسعر حاضر - فقال مسعر: عبد الله بن عطاء بمكة، فرحلت إليه بمكة، ولم أرد الحج، أردت الحديث، فسألت عبد الله بن عطاء عن الحديث، فقال: سعد بن إبراهيم حدثني، فقال مالك بن أنس: سعد بالمدينة لم يحج العام، فرحلت إلى المدينة، فسألت عنه سعدا، فقال: الحديث من عندكم، زياد بن مخراق حدثني، فقلت: أي شيء هذا الحديث؟ بينا هو كوفي، إذ صار مكيا، إذ صار مدنيا، إذ صار بصريا فأتيت البصرة فسألت زياد بن مخراق، فقال: ليس الحديث من بابتك، فقلت: لابد من أن تخبرني به، فقال: حدثني شهر بن حوشب، عن أبي ريحانة، عن عقبة بن عامر، فلما ذكر شهرا قلت: دمر على هذا الحديث قال نصر بن حماد: قال شعبة: والله لو صح لي هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحب إلي من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين[حلية الأولياء (7/ 149)، سير أعلام النبلاء (7/219)].
53- قال ابنُ عديّ - رحمه الله -: رَأيتُ مَجْلسَ الفِرْيَابيّ يُحْزرُ فيهِ خمسة عشر ألْف محبرة، وكُنَّا نحتاجُ أنْ نبيتَ في موضعِ المجلسِ لنتخذَ مِنْ الغد موضعَ مجلس[الكامل لابن عديّ (5/234)].
54- ساعة الاحتضار لا يمكن لأحدٍ أن يصفَ حقيقتها أو يصلَ إلى كُنْهها، لكن الكلُّ يعلم أنها ساعة رهيبة ولحظةً مُذهِلة، إنها ساعة الانتقال والتحول من الدنيا إلى الآخرة، من الحياة إلى الموت، هل هناك ساعة في الدنيا أرهب من هذه؟! هل هناك ساعة في الدنيا أشد حرجًا وأكثر شغلاً منها؟! كلا.
فما بالك بأناسٍ في هذه (الساعة وفي هذه اللحظة) يتذاكرون العلم، ويقيدون الفوائد، ويحرصون على ذلك كلِّه، كأقوى ما يكونون صِحَّةً، وكأشدِّ ما يكونون نَشَاطًا!! نعم هذا مما حفظه لنا التاريخ وسطرته الكتب، فثبت وصحَّ ليبقى عِبْرة وعِظة لِلخالِفِ، وحاديًا يتعلل به الطالب.
وسرُّ قدرتهم على ذلك، شِدَّة النَّهَمة، وسموّ الهمة.
قال العلامة ابن الجوزي: "لي همةٌ في العِلْم ما إن مثلُها خُلِقت من العِلْق العظيمِ إلى المُنَى... وهي التي جَنَتِ النُّحُوْلُ هي التي دُعِيت إلى نَيْل الكمالِ فَلبَّتِ وهذا مصداق خبر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْهُومانِ لا يَشْبَعَانِ، طالبُ عِلْمٍ وطالبُ دُنْيا)".
ولما سُئِل الإمام أحمد: إلى متى تطلب العلم؟ قال: من المحبرة إلى المقبرة.
~ فإليك ما وجدنا من خبرهم في ذلك:
- خبر أبي يوسف القاضي (182)
ذكر القرشي في ((الجواهر المُضِيَّة)) والمولى تقي الدين التميمي في ((الطبقات السنية)) في ترجمة إبراهيم بن الجراح التميمي مولاهم -تلميذ أبي يوسف وآخر من روى عنه- قال: ((أتيته أعوده، فوجدته مغمًى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم! أيُّهما أفضل في رمي الجمار، أن يَرْميَها الرجلُ راجلاً أو راكبًا؟
فقلت: راكبًا. فقال: أخطأتَ!.
قلتُ: ماشيًا. قال: أخطأتَ!.
قلت: قل فيها -يرضى الله عنك-.
قال: أما ما يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه راجلاً، وأما ما كان لا يوقف عنده، فالأفضل أن يرميه راكبًا.
ثم قمت من عنده، فما بلغتُ بابَ داره حتى سمعتُ الصُّرَاخَ عليه، وإذا هو قد مات - رحمه الله - تعالى-).
- خبر أبي زُرْعة الرازي (266)
قال ابنُ أبي حاتم في ((تقدمة الجرح والتعديل)): سمعتُ أبي يقول: مات أبو زُرعة مطعونًا مبطونًا يعرق جبينُه في النزع، فقلت لمحمد بن مسلم (ابن وَارَة): ما تحفظ في تلقين الموتى: لا إله إلا الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروى عن معاذ بن جبل.
فمن قبلِ أن يَسْتتم رفع أبو زرعة رأسه وهو في النزع، فقال: روى عبدالحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرَّة، عن معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخلَ الجنة)). فصار البيت ضجَّة ببكاءِ من حضرَ.
خبر أبي حاتم الرازي (277)
قال ابنه عبد الرحمن في ((تقدمة الجرح والتعديل)): حضرتُ أبي - رحمه الله - وكان في النزع وأنا لا أعلم، فسألته عن عُقبة بن عبد الغافر، يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، له صحبة؟ فقال برأسه: لا، فلم أقنع منه، فقلتُ: فهمتَ عني؟ له صحبة؟ قال: هو تابعي.
قلت (ابن أبي حاتم): فكان سيد عمله معرفة الحديث، وناقِلَة الأخبار، فكان في عمره يُقتَبَس منه ذلك، فأراد الله أن يُظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته)) اهـ.
- خبر ابن جرير الطبري (310)
قال المعافى النَّهْرَواني في "الجليس الصالح": "وحكى لي بعض بني الفرات، عن رجلٍ منهم أو من غيرهم: أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري - رحمه الله - قبل موته، وتوفي بعد ساعة أو أقلّ منها، فذُكِرَ له هذا الدعاء، عن جعفر بن محمد - عليهما السلام - فاستدعى محبرة وصحيفةً فكتبها، فقيل له: أفي هذه الحال؟! فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع اقتباس العلمِ حتى يموت"اهـ.
- خبر ابن سعدون (352)
ذكر القاضي عِياض في "ترتيب المدارك" في ترجمة أبي بكر محمد بن وسيم بن سعدون الطُّليطلي أنه كان رأسًا في كلِّ فن، مُتقدِّمًا فيه... قال: ((ودَخَل عليه -وهو في النزع- بعضُ أصحابه، فناداه، فلم يُجِبْه، فقال الآخر: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) [سبأ/ 54].
فقال له أبو بكر حين ذلك: نزلت في الكفار، وفيها: (إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ).
- خبر مسرَّة الحضرمي (373)
وذكر عياضٌ في "المدارك" -أيضًا- في ترجمة مسرَّة بن مسلم الحَضْرمي ت (373) -وكان من أهل العلم والزهد التام- أنه لما احْتُضِرَ ابتدأ القرآن، فانتهى في "سورة طه" إلى قوله - تعالى -: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه/ 84]، ففاضت نفسه.
- خبر البَيْرُوني الفَلَكِي (440)
ذكر ياقوت في "إرشاد الأريب" في ترجمة أبي الريحان محمد ابن أحمد الخُوَارَزْمي ما كان عليه من حرصٍ في تحصيل العلوم، وتصنيف الكتب، ثم ذلك له الفقيه الوَلْوَالجيّ قال: دخلتُ على أبي الرّيحان وهنو يجود بنفسه، وقد حَشْرج نفسُه، وضاقَ به صدرُه، فقال لي في تلك الحالة: كيف قلت لي يومًا حساب الجدَّات الفاسِدَة؟ فقلت له -إشفاقًا عليه-: أفي هذه الحالةِ؟! قال لي: يا هذا! أُوَدِّعُ الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ألا يكون خيرًا من أن أُخلِّيها وأنا جاهلٌ بها. فأعدتُ ذلك عليه وحَفِظَ... وخرجتُ من عِنْده، وأنا في الطريق، فسمعتُ الصُّرَاخ" اهـ.
- خبر ابن روزْبَه (633)
وفي ترجمة المُسْنِد أحمد بن عبدالله بن معطي الجزائري ت (666) في ((ذيل التقييد)) للفاسي أنه سَمعَ ((صحيح البخاري)) عَلَى علِيِّ بن أبي بكر بن رُوْزبة في أربعة عشر مجلسًا، وأنه قال لهم يوم الخَتْم: اجتهدوا في إكمال هذا الكتاب، فإنه -والله- ما بقي غيركم يسمعه عليَّ، وتوفي في الليلة المتصلةِ بذلك اليوم.
- خبر ابن مالك صاحب الألفية (672)
وفي كتاب "الفَلاَكة والمفلوكون" للدَّلَجي في ترجمة الإمام أبي عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي العلامة، قال: "كان كثير الإشْغَال والاشتغال، حتى أنه حفظ في اليوم الذي مات فيه خمسة شواهد!!".
- خبر الصفي الهندي (715)
ذكر الذهبي في "معجم شيوخه" في ترجمته أنه روى له حديثين قال: "ليسا هما عندي، قرأتهما عليه ونَفَسُه يُحشرج في الصدر، فتوفي يومئذٍ عفا الله عنا وعنه آمين"اهـ.
- خبر الحجَّار (730)
وهذا المعمّر الأعجوبة، شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن أبي طالب الحجَّار، مُسْند الدنيا ت (730)، فقد ذكر الفاسيُّ أن الطلاب قد قرءوا عليه في يومِ موته، وله مئة سنة وعشر سنين تقريبًا!!
- خبر ابن عقيل الحنبلي (513)
ففي ترجمة أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ت (513) - رحمه الله - أنه قال: "إني لأجد من حِرْصي على العلم، وأنا في عَشْرِ الثماني أشدّ مما كنت أجده وأنا ابنُ عشرين سنة".
- خبر ابن الجوزي (597)
وهذا العلامة المتفنِّن، صاحب التصانيف، أبو الفرج ابن الجوزي (567) يقرأ في آخر عمره وهو في (الثمانين) القراءات العشر على ابن الباقلاني، مع ابنه يوسف.
قال الذهبي -معلِّقًا-: "فانظر إلى هذه الهمة العالية" اهـ.
أقول: فاتعظ بهذه الهِمم العَلِيَّة، وابْكِ على تقصيرك ودُنُوِّ هِمَّتك، واستدرك ما فرط من أمرك بالجدِّ والعمل، ومداومة الدرس والنظر، فمن سار على الدرب وصل، وعند الصباح يَحْمَد القوم السُرَي.
وقريب من هذا ما جاء في سِيَر بعض العلماء، فهم مع شدة تطلُّبهم للعلم من بادئ أمرهم حتى أوفوا فيه إلى الغاية، فاستكثروا ما شاءوا، ومع تقدُّم أعمارِهم ودنوِّ آجالهم هم مع ذلك يَجِدون من الرغبة في العلم، والشغف به، أكثر مما يجده الشَّاب اليافِع الممتلئ قُوَّةً ونشاطًا.. فلله تلك الهمم والعزائم[المشوق إلى القراءة وطلب العلم (ص 13)].
منقول
تعليق