الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على سيدنا "محمد" صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وحزبه...
فإن من القضايا التى كثُر حولها اللغط وتشعبت فيها الأقوال منذ فترة ليست بالقليلة ::قضية الجماعات الإسلامية والإنتماء إليها ..
فقد وُجدت فى الساحة الإسلامية عدة آراء حول تلكم القضية ::
_فهناك من جنح إلى بدعية هذه الجماعات وعدم مشروعية هذه التجمعات بل وجعلها من الفرق الضالة بل ذهب من تولىَ كِبر هذا الرأى بأن هذه الجماعات الإسلامية هى أشدُ ضرراً على الأمة الإسلامية من اليهود والنصارى ...وإلى الله المشتكى!!!!
ونريد من خلال هذه الكلمات القليلة أن نحاول الإجابة _إن شاء الله_ على بعض التساؤلات ونبين بعض الإشكالات حول هذه الأمر ...والله المسؤل أن يسدد القول وأن يقيل العثرات إنه بكل جميلٍ كفيلٍ....
أولاً:: قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقةً, وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فِرقةً , وتفترق أمتى على ثلاثٍ وسبعين فِرقةً, كلها فى النار إلاَ واحدةً ..
قيل ::ومن هى يا رسول الله؟؟
قال ::ما كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابى))
وهنا يبرزُ التساؤل الأول :: ما هو ضابط الفرقة النارية ؟؟؟!!
والجواب:: قال الإمام "الشاطبى"_رحمه الله تعالى_ ((وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية فى معنى كلى فى الدين ,وقاعدة من قواعد الشرعية , لا فى جزئى من الجزئيات , إذ الجزئى والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً , وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة فى الأمور الكلية ..))
ويقول_والكلام للشاطبى أيضاً_((ويجرى مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات ,فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثر من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضاً وأما الجزئى فبخلاف ذلك))
قلت :: ما يُستفاد من كلام الإمام "الشاطبى"_رحمه الله_:: أن الإختلاف فى العقائد ينشأ عنه إفتراق الجماعة المسلمة إلى فِرق إحداها هى "الفرقة الناجية" التى على منهاج النبوة وبقيتها ((فرقٌ ضالةُ)) انشقت عن الجماعة , وتقترب من الفرقة الناجية بقدر ما فارقتها فيه من الأصول , وإن كان ذلك لا يعصمها من أنها من الفرق النارية إلى أن تنزع عما خالفت فيه الفرقة الناجية من أصول ...
أما الإختلاف فى العمليات والفروع فيترتب عليه إفتراق الفرقة الناجية إلى طوائف إحداها "الطائفة المنصورة" وبقيتها طوائف متلبسة بالبدع الفرعية وتقترب وتبتعد من الطائفة المنصورة بقدر ما معها من مخالفات ..
وهنا يبرز التساؤل الثانى :: هل هذه الجماعات الإسلامية ينطبق عليها حد أو ضابط الفرقة النارية؟؟!!
والجواب::يقول صاحب "معالم الإنطلاقة الكبرى "::
((إذا نظرنا بعمق ودرسنا بتأنٍ أفكار ومناهج وشعارات معظم هذه الجماعات لوجدناها من حيث المبدأ تتفق على نفس الأصول العامة التى التقى عليها أهل السنة دائماً , وفارقوا بها أهل الأهواء والبدع على إختلاف الأماكن والأزمان , وهى ::الإلتزام بالقرآن والسنة , وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة السنة الأعلام كالأئمة الأربعة وأمثالهم , كما أنهم لم يلتزموا إبتداءاً شعاراً مخالفاً لأصول أهل السنة والجماعة كالرافضة أو القدرية أو الجهمية أو المرجئة)))
وقال أيضاً((إن الكل قد يكون متفقاً على الإلتزام بفكر وسلوك أهل السنة والجماعة إبتداءاً , ولكن أمام الإختلاف فى تقدير مشكلات الواقع وتقدير طرق المواجهة , يبدأ الإختلاف فى أسلوب العمل :: فهذه الجماعة تركز على جانب الإعتقاد ونشرها بين الناس وهذه تركز على جانب التربية والإعداد , وهذه تُركز على العمل السياسى , وهذه تركز على الدعوة للسنة ومحاربة البدع وهذه تركز على نشر المفاهيم الإسلامية بين عامة الناس ....إلى آخر هذه الإجتهادات التى نرى أن الساحة الإسلامية فى حاجة إليها جميعاً وتتسع لها جميعاً))
قلتُ:: نعم قد تضم جماعة من الجماعات بين صفوفها بعض من تلبسَ بشىء من مقالات هذه الفرق وقد يكون هذا من أعلامها البارزين لكنها لا تجعل من مقالته أصلاً تتحزب عليه ولا تعقد ولاءها وبراءها على أساسه ..
إذن الحاصل مما قلته :: لا يمكن لرجلٍ يحترم العلم وأصوله أن يصف هذه الجماعات _باستثناء جماعات التكفير أو من شابهها فى أصولها مثلاً_"بالفرق" بالمعنى الإصطلاحى لهذه الكلمة , فهم ليسوا من فرق الضلالة التى أخبر عنها المعصوم_صلى الله عليه وسلم_ أنهم فى النار وذلك لأن فرق الضلالة_كما قلنا_ قد فارقت أصول أهل السنة والجماعة , أما هذه الجماعات الإسلامية فهى ملازمة لها...
وأختم هذا الجزء بفتوى اللجنة الدائمة حيث جاء فى سؤال وُجه لها ::فى هذا الزمان العديد من الجماعات والتفريعات وكل منها يدَعى الإنضواء تحت الفرقة الناجية , ولا ندرى أيها على حق فنتبعه , ونرجو من سيادنكم أن تدلونا على أفضل هذه الجماعات وأخيَرها فنتبع الحق فيها مع إبراز الأدلة؟؟؟
الجواب::: ((كل هذه الجماعات تدخل فى "الفرقة الناجية" إلا من أتى منهم بِمُكفرٍ يُخرج عن أصل الإيمان لكنهم تتفاوت درجاتهم قوة وضعفاً بقدر إصابتهم للحق وعملهم به وخطئهم فى فهم الأدلة والعمل , فأهداهم أسعدهم بالدليل فهماً وعملاً , فاعرف وجهات نظرهم وكن مع أتبعهم للحق وألزمهم له ولا تبخس الآخرين إخوتهم فى الإسلام فتردَ عليهم ما أصابوا فيه من الحق , بل اتبع الحق حيثما كان ولو ظهر على لسان من يخالفك فى بعض المسائل , فالحق رائد المؤمن وقوة الدليل من الكتاب والسنة هى الفيصل بين الحق والباطل )) انتهى الجواب
وهناك العديد من الفتوى حول هذا الأمر لكنى أكتفى بما أوردت ففيها الغناء بإذن الله ...
والحمد لله رب العالمين
يُتبع إن شاء الله تعالى
تعليق