من أسباب نصـر ونجاة الأمة
* الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد: فإن الأمة الإسلامية اليوم تتطلع إلى نصر عاجل يرفع عنها هذا الذل والهوان الذي تسربلت به ، وينقلها من دركات المهانة والإذلال إلى درجات العزة والرفعة والسمو ... نصراً يعيد لها مجدها السابق ، وحماها المستباح .... ولاشك أن الناصر هو الله تعالى وحده .... فهذه عقيدة الموحدين التي لا يساومون عليها ... ولا يشكون فيها ... عقيدة ثابتة مغروسة في النفوس .... ولكن الله تبارك وتعالى قد جعل لذلك النصر أسباباً وأمر بتحصيلها والاعتناء بها حتى تؤتي الشجرة ثمرتها .... وقبل أن أذكر جملة من أسباب النصر المادية والمعنوية لابد من بيان سنة ربانية يترتب على فهمها حقيقة عقدية تؤهلنا إلى معرفة أسباب نصر ونجاة هذه الأمة المسلمة المستضعفة.... وهذه السنة هى : *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::* * سنة الله في القرى: * أولا : أنباء القرى : قال تعالى: "ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ "(100) هود. ** أى: قال قتادة: القائم ما كان خاويا على عروشه, والحصيد ما لا أثر له. وقيل: القائم العامر, والحصيد الخراب; قاله ابن عباس: وقال مجاهد: قائم خاوية على عروشها, وحصيد مستأصل; يعني محصودا كالزرع إذا حُصد. * مصير القرى المؤمنة:... قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96) الأعراف. ** مصير القرى الفاسقة الظالمة: قال تعالى: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102) هود. أي كما أخذ هذه القرى التي كانت لنوح وعاد وثمود يأخذ جميع القرى الظالمة , فهو إخبار عما جاءت به العادة في إهلاك من تقدم من الأمم المهلكة إذ أخذهم. وقال تعالى: "وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا"(59) الكهف. * وقوله :" وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا " أي الأمم السالفة والقرون الخالية أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم " وجعلنا لمهلكهم موعدا " أي جعلناه إلى مدة معلومة ووقت معين لا يزيد ولا ينقص أي وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي ولستم بأعز علينا منهم فخافوا عذابي ونذر. وقال تعالى: "وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ(11) الأنبياء. * وقوله: " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة " هذه صيغة تكثير كما قال " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " وقال تعالى ": وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها " الآية. وقوله " وأنشأنا بعدها قوما آخرين " أي أمة أخرى بعدهم. وقال تعالى: "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ(48) الحج. وقال تعالى:" وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ(31) العنكبوت. وقال تعالى: "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا(8) الطلاق. يقول تعالى متوعدا لمن خالف أمره وكذب رسله وسلك غير ما شرعه ومخبرا عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك فقال تعالى: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله" أي تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله "فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا" أي منكرا فظيعا. *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::* * * وفى السنة المطهرة: * أخرج البخارى فى كتاب الفتن: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ". * وأخرجه مسلم أيضا فى كتاب الفتن.. وقال النووى فى شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : إذا كثر الخبث ) هو بفتح الخاء والباء , وفسره الجمهور بالفسوق والفجور , وقيل : المراد الزنا خاصة , وقيل : أولاد الزنا , والظاهر أنه المعاصي مطلقا . و ( نهلك ) بكسر اللام على اللغة الفصيحة المشهورة , وحكى فتحها . وهو ضعيف أو فاسد . ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام , وإن كان هناك صالحون ... * وأخرج البخارى فى كتاب تفسير القرآن: عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ". قوله :( إن الله ليملي للظالم )وفى رواية " إن الله يملي " وربما قال " يمهل " قوله : ( حتى إذا أخذه لم يفلته ) بضم أوله أي لم يخلصه , أي إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه , وإن فسر بما هو أعم فيحمل كل على ما يليق به , والله أعلم . *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::* * كيف يأخذ الله القرى وبما يهلكها: قال تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا(16) الاسراء. وقال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(123)الأنعام. * والمعنى: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون كذلك جعلنا في كل قرية. "مجرميها" والأكابر جمع الأكبر.وهم الرؤساء والعظماء. وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد. والمكر الحيلة في مخالفة الاستقامة, قال مجاهد: كانوا يجلسون على كل عقبة أربعة ينفرون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم; كما فعل من قبلهم من الأمم السالفة بأنبيائهم. ...... وقال تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112) النحل. وهذا مثل أريد به أهل مكة فإنها كانت أمنة مطمئنة مستقره يتخطف الناس من حولها ومن دخلها كان آمنا لا يخاف , "يأتيها رزقها رغدا" أي هنيئا سهلا "من كل مكان فكفرت بأنعم الله" أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم كما قال تعالى "ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار" ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما فقال "فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" أي ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان وذلك أنهم استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه وقوله:" والخوف" وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه. * والله لايهلك القرى الا بعد الإنذار:. قال تعالى: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ"(59) القصص. وقال تعالى: "ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ(131) الأنعام. أى: لم يرسل إليهم رسول يبين لهم؟ * وما من قرية الا سترى ذلك أو نحوا منه كله مقدر عند الله فى كتاب: قال تعالى: " وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ(4) الحجر. أى: أي أجل مؤقت كتب لهم في اللوح المحفوظ وقال تعالى: " وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا "(58) الاسراء. * أى: هذا إخبار من الله عز وجل بأنه قد حتم وقضى بما قد كتب عنده في اللوح المحفوظ أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذبهم "عذابا شديدا" إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم كما قال تعالى عن الأمم الماضين "وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم" وقال تعالى "فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا". * وأخذه لايُعلم وقته وهو غيرُ مأمون:..... قال تعالى: " وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ "(4) الأعراف. ** أى: ليلا... أو نائمون بالظهيرة والقيلولة إستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم, أي مرة جاءها ليلا ومرة جاءها نهارا.. الأعراف. وقال تعالى: " أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ "(97) الأعراف. * * أى: ليلا... وهم غافلون عنه... وقال تعالى: " أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ "(98) الأعراف. * * أى: أي وهم فيما لا يجدي عليهم; يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب, وقال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ "(94) ومن العجيب أن مثل ذلك لم يحدث الا قليلا جدا مثل ما حدث فى قوم يونس كما فى قوله تعالى: { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }يونس:98. وروي في قصة قوم يونس عن جماعة من المفسرين: أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه فأبوا؛ فقيل: إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم؛ فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ففعل، وقالوا: هو رجل لا يكذب فارقبوه فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم، وإن ارتحل عنكم فهو نزول العذاب لا شك؛ فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا الله ولبسوا المسوح وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردوا المظالم في تلك الحالة. وقال ابن مسعود: وكان الرجل يأتي الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيرده؛ وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم. وقال ابن جبير: غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر، فلما صحت توبتهم رفع الله عنهم العذاب. وقال الطبري: خص قوم يونس من بين سائر الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب؛ وقال الزجاج: إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان. قال القرطبى: قول الزجاج حسن؛ فان المعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون، ولهذا جاء بقصة قوم يونس على أثر قصة فرعون لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك، وقوم يونس تابوا قبل ذلك. ويعضد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر). والغرغرة الحشرجة، وذلك هو حال التلبس بالموت، وأما قبل ذلك فلا. والله أعلم. *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::* * والنجاة من ذلك أن يكون أهل القرى مصلحين: قال تعالى: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117) هود. أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق; أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد, كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان, وقوم لوط باللواط; ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك, وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب. وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده).[صحيح الجامع برقم:1973]. وقيل: المعنى وما كان الله ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون; أي مخلصون في الإيمان. فالظلم هنا المعاصي على هذا المعنى. *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::* * ولذلك أمرنا أمرا جامعا لعل فيه النجاة: فقال تعالى: "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا(75) النساء. أى: يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين من المقام بها ولهذا قال تعالى "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية" يعني مكة كقوله تعالى "وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك" ثم وصفها بقوله "الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا أي سخر لنا من عندك وليا ناصرا. * خلاصة: مما سبق بيانه نفهم عدة حقائق: 1- أن القرى – الدول – منها ما يبقى ومنها ما يحصد. 2- أن البقاء والحصاد أمر رباني لا يحكمه ويقدره الا الله وحده لأن الملك ملكه والكون له وحده. 3- أن أعظم أسباب إهلاك القرى الظلم والطغيان حتى لو كان فيها إيمان. 4- أن أعظم أسباب البقاء والنجاة هو الإيمان والتقوى لتكون القرى طائعة عادلة. 5- أن هلاك القرى يبدأ بتسليط مترفيها ومجرميها عليها. 6- أن الهلاك لايتحقق الا بعد الإنذار من الله لعل القرى ترجع. 7- ما من قرية الا وسيأتيها هذا الإنذار والبلاء والعذاب...سنة الله سبحانه فى القرى...وحكمته إرجاع القرى قبل هلاكها...لعلهم يتضرعون. 8- ذلك الأخذ والإنذار لايعلم وقته لكل قرية الا الله وحده , ويأتى فجأة بلا مقدمات...وهو أمر مسطور. 9- من أعظم أسباب نجاة أهل القرى أن يكونوا مصلحين...ولذلك علينا بالصلاح والاصلاح والتمسك بأسباب النجاة والنصر. |
تعليق