الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد ,وعلى آله وصحابته أجمعين ,وبعد:
فإنه لا يخفى على أحد ما تتعرض له الأمة من الاختلاف ,والتشرذم هنا وهناك مما يجعل الإنسان يقف حائرا... مَن أتبع ؟!كيف أنجو ,وما سبيل النجاة؟!
ولقد بين النبي -عليه الصلاة والسلام- حال الأمة وما وقعت فيه من الاختلاف يوم أخبر أنّ الفِرقة الناجية عند اختلافِ الأمة هي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, وأصحابه، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما – قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(افترقَتِ اليهود على إحدَى وسبعين فرقة، وافترقتِ النصارى على اثنتَين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النارِ إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال : مَن كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي) [حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2129)] وهذه الزيادةُ وهي قوله - صلى الله عليه وسلم - (مَن كان على مِثل ما أنا عليه وأصحابي) رواها الآجري. وقد حدث ما أخبرَ به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الاختلاف والفُرقة، ولكنّنا كُلِّفنا بالاعتصامِ بالكتاب والسنّة ونَبذِ الخلاف والفُرقة، وأُمِرنا أن نكونَ من الفرقة الناجية قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[التوبة: 119] ,و بين الله أن النجاة لا تكون إلا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} ولا شك أن كل فرقة في الدنيا تدعي أنها الناجية ,بل إن اليهود ,و النصارى أنفسهم يدعون ذلك ,و تدعي كل فرقة أنها على الحق وغيرها على الباطل وقد بيَّن الله تعالى في كتابِه صفاتِ هذه الفرقةِ النّاجية، و جلَّى أمرَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم ؛ ليكونَ المسلم على بصيرةٍ من دينهِ ,وعلى نورٍ من ربِّه، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } [النور:40 ] وذلك حتى يسلك الناس طريق النجاة ويتبعوه .
صفاتِ الفِرقة الناجيةِ:
أولا: الاعتصامُ بكتاب الله تعالى وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم – قال الله تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]
ثانيا: ردُّ التنازع ,والاختلافِ إلى الله ,ورسوله،قال الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59] وتفسيره بالقرآنِ ,وبالسنة ,وبأقوال الصحابةِ ,والتابعين ,وعدمُ الرضا بأقوالِ الرجل في دين الله ممّا لا يؤيِّده كتابٌ ,ولا سنّة ,ولا أصلٌ أصَّلَه علماء المسلمين، قال الله تبارك تعالى:{ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:3] وعن عمر بن عبد العزيز:"إنه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله" [حسن رواه ابن بطة في الإبانة الكبرى] .
ثالثا: تعظيمُ قولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,وسنّته ,والعنايةُ بآثارِه بحفظِها ,والذبِّ عنها ,والرضَا بتحكيمِها، قال الله تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51]، وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] وروى الآجري بسنده عن عِمرانَ بنِ حصين -رضي الله عنه - أنّه قال لرجلٍ يقول:("لا أعمَل إلا بما في كتابِ الله تعالى" إنّك أحمَق، أَتَجِد في كتاب الله عزّ وجلّ الظهرَ أربعًا لا يُجهَر فيها بالقراءة؟!) ثم عدَّد عليه الصلاةَ ,والزكاة ونحوهما، ثم قال:
( أتّجِد هذا في كتاب الله عز وجلّ مفسَّرًا ؟! إنَّ كتاب الله جلّ وعلا أحكَمَ ذلك، وإنّ السنة تفسِّر ذلك)[ الشريعة 104] بل قد حذرالله من مخالفة أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: من الآية63] وحذر النبي – صلى الله عليه وسلم- كذلك من مخالفته فقال كما في الحديث المشهور عن العِرباض بن سارية (......وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة) [صححه الألباني في صحيح الترغيب]
رابعا: من صفاتهم - كذلك - اتباعٌ بإحسانٍ لسلف الأمّة السابقين - رضي الله عنهم - في الاعتقاد ,والعبادة والأسماء ,والصفات ,والهدي، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] ,وقال تبارك وتعالى :{فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} [البقرة:137]. وعن ابن سيرين:"كانوا يقولون إذا كان الرجل على الأثر فهو على الطريق" (صحيح, رواه الدارمي في سننه: 143)
خامسا: من صفات الفرقة الناجية -كذلك- التمسُّكُ بما أجمع عليه السلفُ ,وما أجمَع عليه علماء الأمّة وعدَمُ المشاقَّة لله ,ولرسوله، قال الله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
سادسا: سلامةُ القلوب ,والألسنة لسلفِ الأمّة - رضي الله عنهم -,ومحبّتُهم، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] ,وعن العوام بن حَوشب:"اذكروا محاسن أصحاب محمد تأتلف عليه قلوبكم ,ولا تذكروا غيره فتحرِّشوا الناس عليهم" (حسن ,السنة للخلال828..829 ) وهذا بخلافِ ما عليه طوائفُ من الفِرَق المنتسبة إلى الإسلام - زورا وبهتانا - كالروافض ,وغيرهم من سبهم الصحابةَ فخر الأمة ,وسادتها رضي الله عنهم.
سابعا: محبّةُ المؤمنين ,ورَحمة المسلمين ,ونُصحهم ,وكفُّ الأذى والشرِّ عنهم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:54] .
ثامنا:من صفاتهم الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر والدّعوة إلى دين الله بالحِكمة والموعظة الحسنة وتبليغُ الحقِّ للناس، قال الله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ، وعن أبي سعيد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مَن رأى مِنكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبِلسانه، فإن لم يستطِع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان)[رواه مسلم: كتاب الإيمان:49] والتّغييرُ باليدِ للسّلطان ونُوَّابه,ويقول تبارك وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] .
وهذه بعض صفات الفرقة الناجية من عذاب الله {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} جعلنا الله وإياكم منهم ,
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ,وعلى آله , وصحبه وسلم , والحمد لله رب العالمين ,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعليق