الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المجتبى وبعد ،
لما كان المحرم أول شهور العام وبه يبدأ العبد صفحة جديدة من سجل أعماله ناسب أن يبدأ صفحته بعمل جليل وهو الصوم وافضل المحرم عاشوراء.
وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وردت فيه الأحاديث الكثيرة ذات الأجور العظيمة فقد ورد الأمر به والحث عليه وثواب صومه وانه من الأيام الفاضلة .
أي يوم هو عاشوراء؟!
قال النووي - رحمه الله -: عاشوراءُ وتاسوعاءُ اسمانِ ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة. قال أصحابنا:
عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرَّم، وتاسوعاء هو التّاسع منه.. وبه قال جُمْهُورُ العلماء…
وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة. (المجموع).
وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية (كشاف القناع ج2 صوم المحرم).
وقال ابن قدامة - رحمه الله -: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم. وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن، لما روى ابنُ عبّاس، قال:
"أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم". [رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح].
فضائل عاشوراء :
1- إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أهل المدينة بصيامه أرسل الصحابة ينادون بذلك بل لقد صامه صغار الصحابة وصبيانهم ..
فعن الربيع بن معوذ بن عفراء قالت : ( أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان اصبح صائما فليتم صومه ومن كان اصبح مفطرا فليتم بقية يومه قالت : وكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار ونجعل لهم اللعبة من العهن ونذهب بهم إلي المسجد فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك ، حتى يكون عند الإفطار ) متفق عليه .
2- إن صيام عاشوراء يكفر الخطايا والذنوب لسنة كاملة إذا اجتنبت الكبائر .. فعن أبى قتادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صوم عاشوراء ( يكفر السنة الماضية ) رواه مسلم
3- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوخى صيامه ويتحرى فضله ويطلب اجره .. فعن ابن العباس رضي الله عنه قال :( ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم يلتمس فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وشهر رمضان ) متفق عليه ..
لصيام عاشوراء مراتب أربعة هي :
1- صوم التاسع والعاشر والإحدى عشر وهي أفضل المراتب وأكملها .
2- صوم التاسع والعاشر وهي المرتبة الثانية .
3- صوم التاسع والعاشر أو العاشر والإحدى عشر .
4- صوم العاشر وهو أقل المراتب الأربعة وأدناها.
حكم إفراد عاشوراء بالصيام
قال شيخ الإسلام: صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم.. (الفتاوى الكبرى ج5).
وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: وعاشوراء لا بأس بإفراده… (ج3 باب صوم التطوع).
يُصام عاشوراء ولو كان يوم سبت أو جمعة
ورد النهي عن إفراد الجمعة بالصوم، والنهي عن صوم يوم السبت إلا في فريضة ولكن تزول الكراهة إذا صامهما بضم يوم إلى كل منهما أو إذا وافق عادة مشروعة كصوم يوم وإفطار يوم أو نذراً أو قضاءً أو صوماً طلبه الشارع كعرفة وعاشوراء.. (تحفة المحتاج ج3 باب صوم التطوع مشكل الآثار ج2 باب صوم يوم السبت).
وقال البهوتي - رحمه الله -: ويكره تعمد إفراد يوم السبت بصوم لحديث عبد الله بن بشر عن أخته: \" لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم \" [رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وقال: على شرط البخاري] ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم.. (إلا أن يوافق) يوم الجمعة أو السبت (عادة) كأن وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء وكان عادته صومهما فلا كراهة؛ لأن العادة لها تأثير في ذلك (كشاف القناع ج2 باب صوم التطوع).
بدع عاشوراء
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عمّا يفعله النّاس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحنَّاء والمُصافحةِ، وطبخ الحبوب وإظهار السرور، وغير ذلك.. هل لذلك أصلٌ أم لا؟ الجوابُ: الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه، ولا استحبَّ ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً، لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصّحابة، ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك.. ورووا في حديث موضوع مكذوبٍ على النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(أنَّهُ من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر السنّة). ورواية هذا كله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب.
ثم ذكر - رحمه الله - ملخصاً لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين - رضي الله عنه - وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال:
فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليّة من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتَّعزي بعزاء الجاهلية.. وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصّدق فيها ليس فيه إلاّ تجديد الحزن، والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتّوسل بذلك إلى سبِّ السَّابقين الأولين.. وشرُّ هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرّجل الفصيح في الكلام. فعارض هؤلاء قوم إمّا من النّواصب المتعصّبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجُهّال الّذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشَّرَّ بالشَّرِّ، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأفراح، وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة.. (الفتاوى الكبرى لابن تيمية).
وذكر ابن الحاج - رحمه الله - من بدع عاشوراء تعمد إخراج الزكاة فيه تأخيراً أو تقديماً، وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال الحنّاء للنساء: (المدخل ج1 يوم عاشوراء).
تلخيص للمخالفات في عاشوراء :
لقد احدث الناس أمورا في عاشوراء مخالفة لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها:
1- التوسعة على العيال و الأهل في يوم عاشوراء ، فقد ورد فيه حديث لا يصح .
2- الاكتحال يوم عاشوراء ، ورد فيه أحاديث موضوعة.
3- طبخ الحبوب و الأطعمة يوم عاشوراء، فلم يرد فيه اثر صحيح .
4- اتخاذ عاشوراء مأتما وموسم حزن وبكاء ونحو ذلك ، وهو من اختراع الشيعة الروافض في الدولة الفاطمية يدعون ذلك محبة للحسين بزعمهم الذي قتل في عاشوراء ، وهو مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
5-اختراع أذكار وادعيه مبتدعة في يوم عاشوراء ، ولم يثبت ذلك عن المعصوم عليه الصلاة والسلام .
6-إحداث صلوات خاصة في عاشوراء ، وهو من البدع المحدثة في الدين .
7-تأخير إخراج زكاة المال إلي عاشوراء وعدم إخراجها في وقتها مع أن الله عز وجل يقول : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : وأما سائر الأمور مثل : اتخاذ طعام خارج عن العادة أما حبوب وأما غير حبوب أو تجديد لباس أو توسيع نفقة أو شراء حوائج العام ذلك اليوم أو فعل عبادة مختصة به أو قصد الذبح أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب أو الاكتحال أو الاختصاب أو الاغتسال أو التصافح أو التزاور أو زيارة المساجد أو المشاهد ونحو ذلك فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أستحبها أحد من أئمة المسلمين .. وان كان بعض المتأخرين من إتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك ويوردون في ذلك أحاديث وآثار ويقولون إن بعض ذلك صحيح فهم مخطئون غالطون بلا ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور .
ختاماً :
أسال الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للاعتصام بالسنة وترك المخالفة و البدعة وان يرزقنا صوم عاشوراء انه ولي ذلك والقادر عليه .
ونسأله أن يتقبل منا ويجعلنا من المتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تعليق