ذنوب إستهان بها المسلمون
لقد أجمع من يعتد برأيهم من علماء الإسلام: أن التدخين وباء لا يقبل عليه العقلاء، واستندوا في تحريمه إلى عدد من النصوص الصريحة، التي تشير بأوضح بيان إلى حرمة التدخين وخطره على الإنسان، لما يسببه من الأضرار في النفس وفي المال، وهما من الجواهر الخمس التي تجب حمايتها على كل مسلم.
أليس التدخين من الخبائث التي يجب أن تتنزه عنها أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي خير أمة أخرجت للناس؟
إننا سنورد هنا من أقوال المختصين ما يوضح طبيعة التدخين الخبيثة، بحيث تنقطع كل شبهة في تحريمه على كل نفس مسلمة تخشى الله وترهب عقابه.
ولنمض الآن في توضيح الأصول الأولى –التي تنبني عليها الحرمة بالأدلة الشرعية، ليعلم كل مدخن أنه إنما يعصى الله تعالى بكل لفافة تبغ ينفث دخانها بالهواء، في نشوة وخيلاء.
أولا: إضاعة الصحة:
لا يماري أحد من العقلاء في أن الصحة نعمة الله تعالى على عباده وأن الواجب شرعا: المحافظة عليها من أي أذى. ولهذا شرع الله التداوي من الأمراض والأوبئة. قال صلى الله عليه وسلم: "تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً، غير داء واحد: الهرم" .
ومن عجب: أن يرى الإنسان كيف تضيع صحته وعافيته –بينما هو مستمر في العكوف على هذا السم الزعاف: يحرق أصابعه، ويسل مدامعه ويبدد رحيق الحياة في جسمه، ويفسد عناصر الحيوية والوقاية في دمه، وقد حاء في الخبر:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" . ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
(فلما علم بالضرورة والتجربة والمشاهدة ما يترتب على شاربه غالبا من الضرر في صحته وعقله، وقد شوهد موت وإغماء وغش، وأمراض عسرة كالسعال المؤدي إلى مرض السل الرئوي ومرض القلب، والموت بالسكتة القلبية، وتقلص الأوعية الدموية بالأطراف، وغير ذلك مما يحصل به القطع العقلي: أن تعاطيه حرام.
فإن العقل الصريح –كما يقضي ولابد بتعاطي أسباب الصحة والحصول على المنافع- كذلك يقضي حتما بالامتناع عن أسباب المضار والمهالك والمبالغة في مباعدتها، لا لا يرتبا في ذلك ذو لب ألبتة) 1هـ.
ولبيان أهمية هذا العامل في التحريم القاطع –سوف نعود إليه بشهادات من الأطباء المختصصين، ليعلم عشاق الموت البطيء: أننا لا نخيفهم بأكثر مما يخيفون به أنفسهم بالفعل- لا بالكلام!.
ثانيا: إتلاف المال:
وإتلاف المال بسبب التدخين عملية خطيرة ذات شقين: أولهما: خطر التدخين على المال الشخصي أو الفردي وثانيهما: خطر التدخين على الاقتصاد القومي.
وبالنسبة للخطر الأول يعتبر التدخين ثغرة مفتوحة تتسرب فيها أموال طائلة ينفقها المرء يوميا بغير حساب، وينفقها في المقام الأول لإضعاف بدنه وإفساد صحته، فيدخل في عداد السفهاء الذين يجب فرض الحجر عليهم ومنعهم من حرية التصرف الفاسد بأموالهم، ثم إنه يحظى بصحبة شريرة وصداقة سخيفة مع نوع من أرذل مخلوقات الله وهم الشياطين: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} وهذه الأخوة الشيطانية خليقة أن تجعل كل مدخن يستحي من ربه، ولا يستمرئ هذه الهواية التي هي عين الغواية، وأن يتوقف منذ اللحظة عن تعاطي هذه اللفائف التي هي أبوا ب الفساد والإتلاف. إذ لا شك أن المدخن يبتاع بماله ما يدخل الفتور والإضعاف على بدنه، فيجمع بين ضررين في وقت واحد! وإذا كان الإسراف في حد ذاته محرما، فكيف بمن يجعل الإسراف مدعاة للإتلاف والإضعاف؟
علم الله إنه للجنون بعينه: أن ينساق المدخنون إلى حتفهم بظلفهم، وأن يسعوا بأنفسهم لشراء المنية بأموالهم! ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات.. وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
فلو لم يكن التدخين محرما لما فيه من كثرة الإسراف، فإنه لمحرم أشد التحريم لما فيه من الانتحار البطيء الذي يستنزف طاقة المدخن وعافيته حتى لا يكف عن السعال والهزال.
خطر التدخين على الاقتصاد القومي:
ورد في ( أمور بديهية عن التدخين: common sense about smoking 1963) أن الباحثين توصلوا إلى أن الشخص الذي يبتدئ حياته التدخينية في حوالي السابعة عشر من عمره –ينفق في بريطانيا وحدها ما يقرب من ( أربعة آلاف جنيه إسترليني) على التدخين. أي ما يعادل (ثلاثين ألف ريال تقريبا) على السيجارة وحدها. ومن المؤكد أن هذه المبالغ قد تضاعفت بسبب ارتفاع الأسعار.
ويؤخذ من تقرير لجنة المستشارين لوزارة الصحة الأمريكية: أن المدخنين كانوا سببا في إشعال نيران الحرائق بنسبة أكثر من غيرهم، لأن كثيرا من المدخنين تطيش عقولهم فيذهلون عن عقب السيجارة..وقد يدهمهم النوم وهو مازال بين أصابعهم فيتسببون في إشعال النار في فراشهم، وبيوتهم يكونون هم أول الضحايا..!
وكم من فنادق صارت أنقاضا، ومنشآت أصبحت رمادا، ومؤسسات انصهرت واحترقت فيها مئات الأجساد بسبب غفلة من مدخن، أوقعه سوء عمله في إهلاك نفسه وإهلاك من معه!!
وقد أعلنت إحدى شركات التأمين: أن ثلاثين بالمائة من الحرائق التي توصل التحقيق فيها إلى معرفة الفاعل الأصلي –ثبت أن مرتكبيها هم مدمنوا التدخين.. فبالله اسمع وتعجب!! ألم ترى إلى كثير من المدخنين وقد اخترقت شرارة النار أثوابهم، وأحرقت السيجارة جلودهم أوسودت أصابعهم؟ ما أغناهم لو أنصفوا- عن كل هذا الجحيم!!
تعريض الجسم للتهلكة بسرطان الرئة:
لم يعد هناك أدنى شك في أن للتدخين سبب قوي من أسباب الإصابة بسرطان الرئة. هذه نتيجة علمية أسفرت عنها بحوث الهيئات الطبية المتخصصة في جميع أنحاء العالم. وكانت إشارة الخطر الأولى المنذرة بوجود علاقة أكيدة بين السرطان وبين الفحم ومشتقاته –هي شيوع ((سرطان الصفن)) بين كثير من منظفي المناجم، الأمر الذي لفت انتباه السير ((بير سفال بوث)) عام 1775م. وأعقبت ذلك ظاهرة مشابهة لدى عمال المناجم في ساكسونية:حيث فشت الإصابات فيهم نتيجة التأثير نفسه مما جعل الأطباء يهتمون بدراسة المرض ومعرفة أسبابه المباشرة.
وهناك حقيقة مؤسفة بهذا الصدد: وهي أن السرطان الرئوي داء خبيث، لا يتم اكتشافه في العادة إلا بعد أن تتضح آثاره خارج الرئة نفسها، مما يجعل أربعة من كل خمسة أشخاص يصابون به لا يمكن تداركهم في الوقت المناسب فيواجهون القضاء المحتوم ولهذا السبب أعلن مجلس الأبحاث الطبية في بريطانيا عام 1957م ((أن التفسير الوحيد المقبول لازدياد الوفيات بحوادث سرطان الرئة لدى الرجال في الخمس والعشرين سنة الأخيرة هو أن الازدياد ناتج في غالبيته عن التدخين، لاسيما التدخين الشديد؛ (أكثر من عشرين سيجارة يوميا).
وفي الدراسة المشار إليها آنفا:
إحصائية تقول: إن عدد الموتى في سنة واحد -مصابين بسرطان الرئة- هم ثلاثة وعشرون ألفا عام 1962م.
وأنه قد مات في بريطانيا حتى عام 1963م أكثر من (ربع مليون شخص) بسبب التدخين. وكل شيء بقضاء الله وقدره.
نداء إلى شباب الإسلام..!
أيها الشباب المسلم.. إني أخاطبكم بما للإسلام عليكم من حقوق، وبما عليكم نحوه من واجبات، وأولها أن تحفظوا عقولكم من الخلل، وأجسادكم من المرض، ونفوسكم من الأهواء والشهوات. افتحوا أعينكم جيدا على الخطر الداهم الذي يشتعل نارا بين أصابعكم. إنكم لم تولدوا والسيجارة في أفواهكم، بل اكتسبتم التدخين باعتباره عادة من أسوأ العادات في مجتمعكم: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
ألا وإن أقبح عادة فيكم هي أن تكونوا عبيدا لعادتكم..
فاستخدموا هذه الجوارح الطاهرة فيما خلقت لأجله، ولا تجعلوا أفواهكم النظيفة مداخن للشيطان ينفث منها سمومه لتفسد الهواء النقي، وتستذل الأنفى الحمى، وتصيب البلاد والعباد بالأوبئة الفتاكة، وتفسد بهاء الأسنان بالصدأ المثير للغثيان.
ألم تروا ما سببه التدخين لآبائكم وإخوانكم وذويكم من أمراض وعلل قليلها ظاهر، وكثيرها مستور؟ أليس من المخزي بالنسبة لكم أن تسلكوا نفس الطريق المفضي إلى الدمار وأنتم تشاهدون الضحايا على الجانبين؟.
واخيبة أمل الإسلام فيكم، إذا دعاكم للجهاد فلم يجد فيكم غير رئات مسلولة، وأياد مغلولة، وأجساد عليلة، وشيوخ يرتدون ثياب الشباب!
نريد أن تبقى أخطار التدخين حية في وجدانكم على الدوام. نريدكم أن تضعوا رقابة العلي الأعلى نصب أعينكم فهو الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ونريدكم أن تكونوا رقباء على أنفسكم قبل أن يكون أولياء أموركم رقباء عليكم، فتعسا للبشر إذا لم يرعوا حق رب البشر.. {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}.
نقلا من محاضرة الشيخ (سعيد بخيبخ)
مضاف إليه زياده من أقوال أهل العلم
تعليق