بشرى سارة ثواب ليلة القدر في كل ليلة من ليالي السنة بعمل بسيط جدااااااااااااااا
(سنة مهجورة) اربع ركعات بعد العشاء يعدلن بمثلهن من ليلة القدر
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، منْ يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد :
فلقد حفظ الله تبارك وتعالى لنا في مصنف بن أبي شيبة حديثا في الترغيب في أربع ركعات بعد صلاة العشاء وهذا الحديث لا مناص من تصحيحه لأنه ورد بأسانيد صحيحة كالجبال عند أبي بكر بن أبي شيبة في كتابه العظيم "المصنف" لذا صحح هذا الحديث محدث العصر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في أواخر عمره وسيأتي كلامه إن شاء الله تعالى.
وقد منّ الله عليّ بجمع ما تناثر في كتب أهل العلم فيما يتعلق بهذه السنة المهجورة في هذه الرسالة بما لا تجده في مكان آخر وقسمت رسالتي على فصول راجيا من الله التوفيق والسداد.
فصل: تخريج روايات الحديث :-
قال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (7273) حدثنا بن إدريس عن حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال:" مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ كُنَّ كَقَدْرِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ"
قلت : وهذا إسناد صحيح جدا على شرط الشيخين وهو وإن كان موقوفا على عبد الله بن عمرو رضي الله عنه لكن حكمه كحكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يقال بالرأي والاجتهاد وإنما هو من الأخبار الغيبية التي لا تقال إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بن أبي شيبة في مصنفه أيضا (7274) حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت :" أَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ يُعْدَلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ "
قلت: إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وقال ابن أبي شيبة (7275) حدثنا وكيع عن عبد الجبار بن عباس عن قيس بن وهب عن مرة عن عبد الله قال:" مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ عُدِلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. "
قلت :هذا سند صحيح إلى عبد الله بن مسعود وحكمه كالمرفوع وهو نص على أنها تصلى بتسليمة واحدة وهذه فائدة عزيزة جدا فشد يديك عليها.
ولا شك أن هذه الآثار فيها ترغيب عما يحصل بفعله ثواب مخصوص فهي في حكم المرفوع قطعا وهذا الترغيب كما يشمل الرجال يشمل النساء سواءا بسواء إلا أن الرجال تجب عليهم الجماعة بما فيها فريضة العشاء.
فصل: ذكر بعض من عمل بهذه السنة من السلف :-
قال إمام أهل خراسان محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة (114) حدثنا يحيى ثنا عباد بن العوام عن حصين عن القاسم بن أبي أيوب قال كان سعيد بن جبير يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات فأكلمه وأنا معه في البيت فما يراجعني الكلام
قلت : هذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير وهو أجلّ أصحاب عبد الله بن عباس. وقد بوب الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه قيام الليل باب " الأربع ركعات بعد العشاء الآخرة" حشد فيه الأدلة على سنية أربع ركعات بعد العشاء وأورد فيه هذا الأثر. وصح عند بن أبي شيبة (6684) أن القاسم بن أبي أيوب كان يصليها أيضا.
وروي أيضا عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه كان يعمل بها فقال الإمام بن أبي شيبة في مصنفه (5969) - حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن ميسرة وزاذان قالا كان علي يصلي من التطوع أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وأربعا بعد العشاء وركعتين قبل الفجر
قلت :وهذا إسناد رجاله ثقات لكن عطاء بن السائب كان قد اختلط وساء حفظه في آخر عمره وأبو الاحوص روى عنه بعد اختلاطه ولولا ذلك لكان الإسناد صحيحا. ولا بد أن يكون هناك من السلف ممن عمل بهذا الحديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة وإنما تعهد بحفظهما فقط.
فصل : في معرفة وقت هذه الأربع ركعات؟
وقت سنة العشاء ينتهي بانتهاء وقت صلاة العشاء وذلك بانتصاف الليل كما قرر هذا أهل العلم منهم العلامة ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح (191).
فصل: في إثبات عدم لزوم القراءة بسور معينة :-
قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (5060): (وروي الحديث بلفظ
"من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة ، قرأ في الركعتين الأوليين : (قل يا أيها الكافرون) ، و (قل هو الله أحد) ، وفي الأخريين : (تبارك الذي بيده الملك) و (آلم تنزيل) ؛ كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر" .
أخرجه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 60 - المكتبة الأثرية) من طريق أبي فروة عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً .
قلت : أبو فروة ؛ اسمه يزيد بن سنان بن يزيد الجزري الرهاوي .
وهو ضعيف ، وتركه النسائي . ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الكبير").أهـ
قلت: فالحديث المذكور ضعيف لضعف أبي فروة الرهاوي ولا يصح في تعيين القراءة في هذه الأربع ركعات شئ ولله الحمد والمنة.
فصل: هل يجلس المصلي في هذه الأربع للتشهد الأول؟
الجواب انه يجلس للتشهد الأول لان هذا هو الأصل في الصلاة الرباعية ومما يقوي هذا القول أن بن أبي شيبة قال في مصنفه (5945) حدثنا عباد بن العوام عن حصين عن إبراهيم قال قال عبد الله:" أربع قبل الظهر لا يسلم بينهن إلا أن يتشهد".
قلت: إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين وهو وإن كان مرسلا عن بن مسعود لكن مراسيل إبراهيم بن يزيد النخعي عن بن مسعود صحاح كما تقرر عند أهل الحديث لما روى الأعمش قال : قلت : لإبراهيم : أسند لي عن ابن مسعود ، فقال إبراهيم : إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله ، فهو الذي سمعت ، وإذا قلت : قال عبد الله ، فهو عن غير واحد عن عبد الله). رواه أبو زرعة الدمشقي في كتابه" تاريخ دمشق" (2/121) بسند صحيح عنه. فما دام ثبت أن سنة الظهر الرباعية القبلية تصلى بتشهدين وبسلام واحد فسنة العشاء البعدية الرباعية كذلك تكون ومن ادعى الفرق فعليه بالدليل ودون ذلك خرط القتاد.
ثم وجدت دليلا قاطعا على أنها بتشهدين وبسلام واحد فقال النسائي في سننه (4955) أخبرنا عبد الحميد بن محمد قال حدثنا مخلد قال حدثنا بن جريج عن عطاء عن أيمن مولى بن عمر عن تبيع عن كعب
"من توضأ فأحسن وضوءه ، ثم شهد صلاة العتمة في جماعة ، ثم صلى إليها [أربعاً مثلها] ، يقرأ فيها ، ويتم ركوعها وسجودها ؛ كان له من الأجر مثل ليلة القدر ".
قلت: وهذا إسناد صحيح أو حسن على الأقل فإن رجاله رجال البخاري غير تبيع بن أمراة كعب الأحبار قال الحافظ بن حجر في تقريب التهذيب (794):"صدوق" وقال البخاري في كتابه التاريخ الكبير(2051 ):"- روى عنه مجاهد يقال من حمير حديثه في الشاميين وروى عنه عدة من أهل الأمصار أيضا" ووثقه بن حبان وقال المزي في تهذيب الكمال (62/87) :" أدرك النبي صلى الله عليه وسلم و أسلم في زمن أبى بكر الصديق" و لم يجرحه أحد البتة فالقلب يطمئن إلى صحة هذا الأثر والشاهد من الأثر هو قول كعب الأحبار :"ثم صلى إليها أربعاً مثلها"
تنبيه: قال الشيخ الألباني في هذا الأثر في السلسلة الضعيفة تحت حديث رقم (5053): "وهذا إسناد لا بأس به ؛ إن كان أيمن هذا هو ابن عبيد الحبشي ".
قلت : رضي الله عنك فان أيمن الحبشي ليس هو ابن عبيد وقد وهم بن حبان فجعل أيمن الحبشي هذا هو أيمن بن عبيد من أجل ذلك توقف الشيخ الألباني هنا فلم يجزم بشئ وكأنه راجع ترجمة أيمن الحبشي في كتاب الثقات لابن حبان فهناك خلط بن حبان بين ترجمتين لأيمن بن عبيد وأيمن الحبشي وجعلهما رجلا واحدا فقال :" أيمن بن عبيد الحبشي" وممن نبه على وهم بن حبان الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه تهذيب التهذيب (3/388)وانظر أيضا كتاب التنكيل (3/141) للعلامة المعلمي اليماني .
فأيمن هذا هو الحبشي والد عبد الواحد بن أيمن وكلاهما ثقتان من رجال البخاري كما رجح ذلك الحافظ بن حجر ومن قبله الدارقطني و البخاري وأبو حاتم الرازي وانظر لذلك في تهذيب التهذيب(1 /395) ورجح هذا بن حبان والألباني لكن ابن حبان جعل بن عبيد هو نفسه أيمن الحبشي والصواب أن أيمن بن عبيد هو أيمن بن أم أيمن رضي الله عنه كما قال الدارقطني في سؤالات البرقاني له (35) وكذا قال محمد ابنِ إِسْحَاقَ بن يسار الإمام المشهور صاحب السيرة فاخرج أبو بكر ابن أبي خيثمة في تاريخه بسند صحيح أنه قال :"أَيْمَنُ بن عُبَيْدِ هُوَ أَيْمَنُ بن أُمِّ أَيْمَن".
وكنت أظن أن أيمن الحبشي هو نفسه أيمن بن نابل الحبشي وبمراجعة كلام الأئمة المذكورين تنبهت الى أنهما رجلان وان راوي هذا الأثر هو ايمن الحبشي وليس هو بن نابل على أن بن نابل هو أيضا من رجال البخاري لكن أيمن الحبشي هو أوثق وأحفظ من بن نابل وهذا مما يعطي هذا الأثر قوة أكبر
ومما يؤكد قول هؤلاء الأئمة في أن راوي هذا الأثر هو أيمن الحبشي وليس غيره هو أن هذا الأثر رواه الإمام بن أبي شيبة في مصنفه (7276) من طريقه ابنه عبد الواحد بن أيمن عنه فقال حدثنا وكيع عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن تبيع عن كعب بن ماتع قال:" من صلى أربعا بعد العشاء يحسن فيهن الركوع والسجود عدلن مثلهن من ليلة القدر"
وروى اثر كعب الأحبار هذا الإمام النسائي والبيهقي وبن نصر المروزي والدارقطني بلفظ:
:" من صلى أربع ركعات بعد العشاء فقرأ فيهن وأحسن ركوعهن وسجودهن كان أجره كأجر من صلاهن في ليلة القدر"
ورواه النسائي والبيهقي وبن نصر المروزي والدارقطني بلفظ:
"من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء الآخرة وصلى بعدها أربع ركعات فأتم ركوعهن وسجودهن ويعلم ما يقترئ فيهن كن له بمنزلة ليلة القدر"
وهذه الروايات كلها ثابتة عن كعب بن ماتع المشهور بكعب الأحبار وهو من كبار التابعين أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإنما أطلت في تخريج اثر كعب لما فيه من التأكيد على إحسان الوضوء والحث على شهود صلاة العشاء في جماعة والترغيب في أربع بعدها مثلها بتدبر قراءتها وإتمام ركوعها وسجودها بالطمأنينة والخشوع وعدم النقر كنقر الغراب
وفي هذا الأثر دلالة على أن هذه الأربع ركعات تصلى بدلا من الركعتين التي بعد العشاء ومما يستفاد من اثر كعب أيضا إثبات أن اجر من صلى أربعا بعد العشاء هو كأجر من صلاهن في ليلة القدر وكأني ببعض الجهلة الأغمار يستكثرون على الله تعالى أن يعطي هذا الثواب الكبير لمن صلى هذه الأربع ركعات متجاهلين حقيقة شرعية لا تخفى على أي مؤمن، وهي فضل الله على عباده والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فصل:أيهما أفضل أن تصلى هذه الأربع في المسجد أم في البيت ؟
لا شك أن أداء النوافل في البيت أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) . رواه مسلم (2/188)
وقد قال بن أبي شيبة في مصنفه (6455)- حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن ضمرة بن حبيب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال تطوع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده
قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة( (3149: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير ضمرة هذا، وهو الزُّبَيدِي الحمصي، وهو تابعي ثقة، وظاهر إسناده الوقف، ولكنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي والاجتهاد؛ كما هو بَيِّن لا يخفى على العلماء).
وصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: "صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده" رواه مسلم (12/22) أي ان صلاة الفريضة في جماعة افضل من خمس وعشرين صلاة يصليها الرجل وحده.
وأما ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (5239) من حديث بن عمر مرفوعا: ( من صلى العشاء في جماعة ، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد ؛ كان كعدل ليلة القدر ).
فهو حديث ضعيف ضعفه الشيخ الألباني في السلسة الضعيفة (5060) وضعفه أيضا الحافظ العراقي والحافظ الهيثمي.
قال الحافظ العراقي في طرح التثريب (4/155):( وروى الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد فيه ضعف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر مقتضاه تحصيل فضيلة ليلة القدر وإن لم يكن ذلك في ليلة القدر ).
قلت : وهذا الحديث كما قال الحافظ العراقي إسناده فيه ضعف بل ضعف شديد وبيان ذلك يطول لكن يغني عنه الآثار التي رواها بن أبي شيبة على أن الحافظ العراقي ذهب إلى استحباب هذه الأربع ركعات في كتابه المذكور (3/29) . وعلى فرض ثبوت هذا الحديث فهو من باب إثبات الأجر لمن صلى الأربع في المسجد وإن كان أداؤها في البيت أفضل .
فصل: أقوال بعض أهل العلم في سنة العشاء البعدية:-
قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة تحت حديث رقم (5060) :
( لكن الحديث قد صح موقوفاً عن جمع من الصحابة ؛ دون قوله : "قبل أن يخرج من المسجد" ؛ فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف (2/ 72/ 1) " ، وابن نصر أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال : من صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات؛ كن كعدلهن من ليلة القدر .
قلت : وإسناده صحيح .
ثم أخرج ابن أبي شيبة مثله عن عائشة ، وابن مسعود ، وكعب بن ماتع ، ومجاهد ، وعبد الرحمن بن الأسود موقوفاً عليهم. والأسانيد إليهم كلهم صحيحة - باستثناء كعب - ، وهي وإن كانت موقوفة ؛ فلها حكم الرفع ؛ لأنها لا تقال بالرأي ؛ كما هو ظاهر). أهـ
قلت : لعل الشيخ الألباني يقصد أن اثر كعب إسناده حسن ليس كباقي الأسانيد الصحيحة وإلا فاثر كعب ثابت أيضا و الإسناد حسن حجة كالصحيح كما هو معروف عند أهل الحديث أو أن الشيخ الألباني توقف في إسناد هذا الأثر فلم يحكم عليه بشئ لما تقدم في تخريج أثر كعب هذا.
وقال السرخسي في المبسوط (1/157): - ( وأما التطوع بعد العشاء فركعتان فيما روينا من الآثار و إن صلى أربعا فهو أفضل لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه موقوفا عليه و مرفوعا من صلى بعد العشاء أربع ركعات كن له كمثلهن من ليلة القدر). أهـ
وسئل الشيخ بن باز كما في مجلة البحوث الإسلامية (46/197) ما هي فضيلة أربع ركعات بعد العشاء؟ فأجاب:(الراتبة ركعتان، وإن صلى أربع ركعات فلا بأس، فقد جاء في الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً قبل أن ينام" وإذا فعلها الإنسان فلا بأس، وإن اقتصر على ركعتين فهي الراتبة، والراتبة التي كان يحافظ عليها: بعد العشاء ركعتان، ثم ينام ويقوم في آخر الليل يتهجد عليه الصلاة والسلام) أهـ
قلت : يشير الشيخ بن باز إلى ما رواه البخاري وأبو داود والنسائي وبن نصر المروزي من حديث ابن عباس قال: (بت في بيت خالتي ميمونة ) الحديث . وفيه : ( فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ... ) قال الحافظ بن حجر في فتح الباري (484/2) :-" وَقَدْ حَمَلَ مُحَمَّد بْن نَصْر هَذِهِ الْأَرْبَع عَلَى أَنَّهَا سُنَّة الْعِشَاء لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ قَبْل النَّوْم".
وقال شمس الحق العظيم آبادى في عون المعبود (201/9) في شرحه لحديث بن عباس المتقدم :( - فصلى أربعا - هي راتبة العشاء)
وممن استحب هذه الأربع الإمام بن قدامه المقدسي في المغني(1/779) وتلميذ شيخ الإسلام الإمام بن مفلح في كتابه الفروع وتصحيح الفروع (1/487) والحافظ الزيعلي في كتابه نصب الراية (2 /145) والإمام الشوكاني كما في نيل الأوطار (3/21).
فصل: في إثبات أن هذه الأربع ركعات تصلى بدلا من الركعتين :-
الظاهر من الأدلة ومن كلام أهل العلم أن هذه الأربع ركعات تصلى بدلا من الركعتين فالحديث يقول "من صلى أربعا بعد العشاء" أي بعد الفريضة ولم يقل من صلى أربعا بعد سنة العشاء ولم يقل أيضا من صلى ستا بعد العشاء ولو كانت هذه الأربع ركعات تصلى مضافة إلى الركعتين لكان هذا منصوص عليه فليس هناك ما يدل على سنية ست ركعات ويدل على هذا حديث بن عباس الذي رواه البخاري وفيه ( فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ) فلم يذكر بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى غير الأربع ركعات بعد العشاء
وتقدم أيضا أن سعيد بن جبير كان يصلي أربع ركعات فلو كان يصلي ستا لذكر هذا الراوي وأزيد الأمر وضوحا فأقول نحن نعلم أن السنة البعدية للظهر هي ركعتان كما استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة لكن روى الإمام احمد و أهل السنن عن حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَ عَنْبَسَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ الْمَوْتُ اشْتَدَّ جَزَعُهُ فَقِيلَ لَهُ مَا هَذَا الْجَزَعُ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ يَعْنِي أُخْتَهُ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ
قال الشيخ الألباني :إسناده صحيح على شرط الشيخين ذكر هذا في كتابه صحيح أبي داود (1152)
وقال الشيخ بن باز رحمه الله تعالى في مجموع فتاويه(11/17) :( رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن أم حبيبة رضي الله عنها والمعنى أنه يزيد على السنة الراتبة ركعتين بعد الظهر ؛ لأن السنة الراتبة أربع قبلها وثنتان بعدها. فإذا زاد ثنتين بعدها حصل ما ذكر في حديث أم حبيبة رضي الله عنها) .أهـ
فلو فرضنا أننا وجدنا دليلا على أن هذه الأربع ركعات التي بعد الظهر تصلى بتسليمة واحدة فلا يقال عندها أن السنة البعدية للظهر هي ست ركعات وبعض أهل العلم يقول أن الأربع التي بعد الظهر تكون بتسليمة واحدة قياسا على الأربع التي قبل الظهر ولم يقولوا من اجل ذلك أن سنة الظهر البعدية هي ست ركعات.
وأما ما رواه أبو داود عن مقاتل بن بشير العجلي عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَ سَأَلْتُهَا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَىَّ إِلاَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ..."
فهذا حديث ضعيف لجهالة مقاتل بن بشير العجلي من اجل ذلك ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود(239) فلا يصح الاستدلال به على سنية ست ركعات بعد العشاء.
فصل هل يداوم المصلي على الأربع ركعات ويترك الركعتين ؟
إن السنة البعدية للعشاء مع انه جاء ما يدل على أفضلية الأربع ركعات إلا أننا لا نرى هجر الركعتان فلو أقتصر الإنسان في بعض الأحيان على ركعتين بعد العشاء لكان ذلك حسنا لكن لو داوم على أربع بعد العشاء فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى ومثله مثل من يداوم على ركعتين بعد العشاء أو مثل من يداوم على أربع ركعات بعد الظهر و تقدم أن خال المؤمنين عنبسة بن أبي سفيان لم يترك أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها إلى أن مات منذ أن سمع من أخته أم حبيبة تروي عن زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم الترغيب فيها مع أن المحفوظ من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين بعد الظهر لكن ثبت بالسنة القولية ما يدل على مشروعية أربع ركعات بعد الظهر
وهذا بخلاف سنة العشاء البعدية فإنه ثبت ما يدل عليها بالسنة الفعلية كما تقدم هذا في حديث بن عباس عندما بات في بيت خالته ميمونة وأيضا جاءت مشروعيتها من السنة القولية بقوله صلى الله عليه وسلم " أربع بعد العشاء يعدلن بمثلهن من ليلة القدر". وقد وجدت كلاما نفيسا لشيخ الإسلام في العبادات التي ترد على وجوه متنوعة يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (22/67):
(ومن تمام السنة في مثل هذا : أن يفعل هذا تارة وهذا تارة وهذا في مكان وهذا في مكان لأن هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة والمستحب واجبا ويفضي ذلك إلى التفرق والاختلاف إذا فعل آخرون الوجه الآخر).
فصل: هل يصلي المسافر هذه الأربع ركعات ؟
قال البخاري في صحيحه "بَاب مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا وَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر"ِ
فالمسافر لا يصلي السنن التابعة للمفروضات باستثناء ركعتي الفجر وعلى هذا فليس لمسافر أن يصلي هذه الأربع ركعات والله سبحانه وتعالى وضع عن المسافر في الرباعية شطرها فكيف يصلي المسافر هذه الأربع ركعات وهي نافلة ؟!!. وأما بقية النوافل فله أن يصليها مثل صلاة الضحى و صلاة الليل والوتر كما هو حال المقيم تماماً. ولما كان في تعريف المسافر اضطراب فنقول إن المسافر مسافر ولو طالت مدة سفره ما دام أنه يريد الرجوع إلى أهله و لم ينو الإقامة المطلقة أو الاستيطان فمتى ما كان الإنسان مسافراً عازمٌ على الرجوع إلى بلده
ولكنه حبسه حاجةٌ أو تجارةٌ أو دراسة أو نحو ذلك فهو في حكم المسافر كما رجح هذا شيخ الإسلام وبن القيم والعلامة السعدي والشيخ بن عثيمين وجماعة من أهل العلم رحمهم الله تعالى قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(24/18) :" وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر . كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد فتح مكة قريبا من عشرين يوما يقصرون الصلاة وأقاموا بمكة عشرة أيام يفطرون في رمضان . وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام .
وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافرا يقصر الصلاة ولو أقام في مكان شهورا".أ هـ . وهذا القول هو الصحيح الموافق لعمل السلف وفي ذلك آثار كثيرة منها ما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (4364) بإسناد صحيح عن أبي مجلز قال : كنت جالسا عند ابن عمر ، قال : قلت يا أبا عبد الرحمن ، آتي المدينة طالب حاجة فأقيم بها السبعة الأشهر والثمانية ، كيف أصلي ؟ ، قال : ركعتين ركعتين.
وهذا آخر ما وفق الله تبارك وتعالى في جمع هذه الرسالة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه عمر السلفي الموصلي
المصدر: منتديات نور اليقين
__________________
تعليق